نيويورك: شُرفة العالم (الحلقة الثالثة)

nyc1-5
Photo By Modi

حلقة اليوم إهداء للمترددين في الأحاديث القصيرة مع الغرباء. أشباهي طبعاً. لكن ليس بعد هذه الرحلة. أنا عادة لا أجيد الحديث مع الغرباء، أو الجلوس في الانتظارات لوقت طويل. أحتاج شيء للانشغال عن العالم حولي وربما التخلص من ورطة الأسئلة. في السفر إما أنك على عجل أو خجل من السؤال أو ببساطة لا تهتم للمارة أو المتواجدين معك. كنت في الحالات كلها أحد الثلاثة. ولكن قبل الحديث عن الكلام مع الغرباء سأروي لكم قصة ليلة من الصمت الإجباري في نيويورك!

في المدينة تقام دائما عروض مسرحية خاصة خارج برودواي، هناك مصطلح يستخدم في هذه الحالة للتفريق بين الأعمال المسرحية التي تعرض في برودواي أو تلك التي خارجه “Off-Broadway show”. أحد هذه العروض الخارجية عرض مسرحي يسمى “Sleep No More“. تخيلوا مزيج من ماكبث شكسبير وحكايات فندق مهجور منذ ثلاثينات القرن الماضي. التجربة المسرحية هذه تسمّى “تجربة غامرة” ينغمس فيها المشاهد ويصبح جزء من المسرح ويتفاعل عن قرب مع الشخصيات. مكان العرض الذي بدأ من ٢٠١١م هو فندق مكيتريك الذي يشير الموقع الخاصّ بالعرض بأنه فندق بني في الثلاثينات لكنه لم يبدأ العمل بسبب انطلاق الحرب العالمية الثانية وفتح أبوابه الآن. وأنا اعتقد بأن ما ذكر مجرد إضافة لتحفيز الزوار حيث أن المبنى يبدو بحالة جيدة اليوم. سأحاول الحديث عن تجربتي التي حاولت فيها عدم قراءة أي معلومات مسبقة أو مشاهدة تصوير للمكان – مجرد نبذة سريعة– ولكل شخص سيكون هناك قصة خاصة.

اشترينا التذاكر قبل وصولنا بأسبوع تقريباً لا أعلم هل هي متوفرة عادة أم تحتاجون الشراء باكراً. يبدأ الدخول للعرض في الساعة السادسة مساء وتغلق الأبواب في السابعة ويمتد العرض حتى التاسعة مساء. في الاستقبال يختم على أيدينا شعار الفندق ونتسلم بطاقة تشبه بطاقات لعب الورق ونضع حقائبنا وهواتفنا وكلّ ما نحمله في غرفة الاستقبال. ثم تبدأ الرحلة. كان الدخول إلى الصالة الرئيسية مدهش، لا أريد إعطاء الكثير من التفاصيل فهذا سيفسد العرض! لكن هناك معلومة بسيطة: إذا وجدتم أنفسكم مترددين في الدخول فهذه الفرصة لكم للتراجع والتوقف لأنها ستعطيكم نبذة عن ما يمكن توقعه في الساعات القادمة. بعد الدخول ستائر مخملية ثقيلة في الطريق ما إن تبتعد حتى تجدون أنفسكم في حانة قديمة، دخان وأناس يتحركون في كلّ اتجاه وفرقة جاز من الثلاثينات تستعد للبدء. كل الموظفين في المكان يرتدون ملابس قديمة ويتحدثون بطريقة قديمة كذلك. شعرت بأنني في مشهد من Boardwalk Empire أو في فترة حظر الكحول بشكل عام. البطاقات في أيدينا واكتشفت بأن أخواتي يحملن أرقام مختلفة وهذا كما يقولون من صميم التجربة، أن تمشي وحيداً وتشاهد العرض أفضل من أن تكون في مجموعة. التجربة الفردية أهمّ. نادى الموظف على بطاقاتهم وذهبوا وانتظرت برعب – لا أدري لماذا شعرت هكذا- عندما حان دوري دخلت إلى مصعد قديم مظلم مع مجموعة من المشاهدين، نسيت أن أقول تمّ تسليمنا أقنعة خاصة وضعناها ما أن غادرنا الحانة للمصعد. في المصعد يشرح لنا المطلوب منّا: ممنوع خلع القناع في أي وقت داخل الفندق، اذا أردتم استراحة عودوا إلى هنا وستجدون طريقكم، ممنوع الكلام، أو الضحك وأن أي مخالف سيخرج من العرض فورا، أو الوقوف في طريق الممثلين وهم يؤدون أدوارهم. وكونوا حذرين من الاقتراب وبدء تفاعل مع الممثلين فقد يكون ذلك بداية لمشهد لن تتراجعون عنه. ويعود ليذكرنا بأنّ كل ما نراه مشاهد من عرض، لن يحدث لنا مكروه، والموظفين -غير الممثلين- سيرتدون أقنعة سوداء لتعريفهم. هكذا؟ صمت كامل، وأفكر في أخواتي، وعن شكل التجربة القادمة.

الفندق عبارة عن عدة أدوار -خمسة كما أذكر مع أننا هبطنا وصعدنا كثيرا- غرف فندق، وغرف أخرى لأطفال، ومصح للأمراض العقلية، مقبرة وباحات وصالة للرقص! كل هذا في أدوار متجاورة تتغير موسيقاها بانتقالكم من مكان لآخر، وبرودة التكييف وحرارته وكذلك الرائحة -في دور المصح كنت أشم الكلوروفورم أو مادة طبية أخرى- شعرت بقشعريرة في ٩٠٪ من الوقت وبددت خوفي تارة بقراءة المعوذات وتارة بالانطلاق خلف الفضول. كان التحدي الأكبر الأول لي في هذه التجربة: عبور المقبرة، في إحدى الأدوار مقبرة فيها فزاعة وأصوات رهيبة والكثير من التبن الذي يطقطق تحت الأقدام، لم يكن هناك أحد معي حتى الغرباء الذين استأنست بظلالهم وحركتهم الهادئة وهمهمة المتهورين منهم لم يكونوا هناك، قررت العبور فهي على كل حال لم تكن مقبرة حقيقية. أما التحدي الثاني فكان عدم اللحاق بالممثلين. كانوا يركضون في كل اتجاه بعد انتهاء مشاهدهم لتشتيت الجمهور، وإذا ثبتت في مكانك سترى شيئا مختلفاً. التمثيل محترف ومميز والتصميم الداخلي للمكان والأصوات مذهلة. التقيت بأخواتي بعد عدة أدوار، حاولنا كثيرا التفاهم بالعيون ونجحنا مرات ومرات استخدمنا شد الملابس والصفعات الخفيفة. يُطلب منكم قبل العرض بيوم الاستعداد بارتداء ملابس مريحة وأحذية مريحة كذلك والحضور على الوقت. هناك مشاهد راقصة سحرية وحوارات وانفعالات ومشاهد شجارات بين الممثلين. سأكون صريحة معكم وأخبركم بأنني اعترضت طريق الممثلين في إحدى المرات على الرغم من التحذيرات، وما كان من الممثل إلا أن دفعني جانباً بامتعاض. شعرت بالخجل وددت لو أمكنني الاختفاء. وفي مرة ثانية وبناء على اللافتة التي سمحت للزوار بتجربة الأثاث واستخدامه جلست بكلّ حماستي لقراءة رسائل قديمة بخط اليد على الكرسي الذي غارت وسادته ونهضت سريعاً. في النهاية وباختصار سيخرج كل زائر بعرضه الخاصّ، شاهدت من الأدوار بعض المشاهد وانتقلت بينها وتغيرت زوايا رؤيتي والأحداث، وهذا ما حدث مع أخواتي. كل منا كان مخرج العرض الخاص يقتطع ويكمل ويعيد مشاهدة كل دور بحسب ما يقتضي فضوله. “Sleep No More” تجربة مميزة جداً لا تفوتوها في رحلتكم إلى نيويورك، مجرد ساعتين ستختبرون فيها جوانب سيكولوجية واجتماعية في أنفسكم لم تعلموا بوجودها -أو غيابها- من قبل.

الاستخبارات السوڤيتية تتعقبني!

نيويورك ستغير كل معارفكم المسبقة في الاحاديث القصيرة. كنت وما زلت أقول لا تتحدث في السياسة أو الدين مع شخص تلتقيه للمرة الأولى. تحدث عن الطقس، عن المدينة، عن الهوايات. جد أي موضوع آخر وابتعد عن المواضيع الشائكة. لكن ما يحدث معي في كل مرة أن الطرف الآخر لا يتردد في السؤال عن بلدي، والشرق الأوسط وعن الإسلام، ويريد مني تلخيص سريع لكل ذلك خلال جولة في سيارة الأجرة أو الوقوف في انتظار القهوة. غالباً أهزّ رأسي واكتفي بالابتسام والإجابات القصيرة لكن السيد “اسحق” كما سأسميه -لأنني نسيت اسمه الآن- استدرجني إلى حديث مليء بالضحك والهلع!

في إحدى الأيام أوقفنا اسحق وركبنا السيارة فالتفت نحونا بحماس وقال: بون جور! دُهشنا أنا وأختي ولكننا رددنا تحيته بون جور بلا تردد. قال: بون جور، هذه تحيتكم؟ أنتم من فرنسا صحيح؟ ضحكنا لغرابة الإشارة وقلنا لا. عاد ليسأل: الجزائر؟ وأجبنا بلا، وحتى لا تطول لعبة البنغ بونغ هذه قلنا أننا من السعودية. وكانت الحماسة للحديث تزيد! تعرفون السائق الذي يلتفت ويترك المقود ليتحدث إليكم؟ لا أحب هذه الالتفاتة، تخيفني. راقب الطريق وتحدث. انطلق في حديثه بالأسئلة المعتادة: كيف جئتم وماذا تفعلون؟ وما رأيكم في نيويورك؟ كنا نجيب بتهذيب ولكنه انطلق بلا دعوة يشكو أمريكا -عرفت من لهجته بأنه روسي- ورغبتها في إفساد نساء العالم، وإيقاف الإنجاب ونشر الانحلال والشذوذ وإبعاد الناس من المعابد .. وهكذا. كنا نعلّق بحيادية لأننا لم نفهم سرّ هذا الغضب. ثمّ سألته عن بلده الأصلي وقال بأنه يهودي من روسيا. اكتفيت بـ أها ممتدة ثم قلت بأنني حزرت لهجته. قال: لديكم في السعودية يهود؟ قلت ربما، كانت هناك أعداد كبيرة قديماً لكنني لست متأكدة من الإحصائية الآن. ثمّ سأل: قتلتوهم؟ قلت لا. ربما لم يقتنع أو كانت لديه رؤية أخرى، وأنا في الحقيقة لم أكن أعرف على وجه التحديد التفاصيل الكاملة لما يسأل عنه. عاد للحديث عن روسيا وقلت له بأنني ترجمت رواية لكاتب روسي، ويهودي. ثمّ أخبرني بأنّني الآن في خطر، كاتب مطلوب من الكي جي بي وكتابه صودر قبل نشره! الاستخبارات تتبعك الآن وساعاتك معدودة، هل تعرفين الساعة الرملية؟ تك توك تك توك .. كدت اقفز من السيارة، أعرف بأنه يمزح لكنّه دفعني للتفكير لوهلة. سأل عن معاني بعض الكلمات بالعربية ثم قال: ما معنى صدّيقين؟ قلت له الصادق دائما، المعروف بالصدق، الذي لا يكذب. ثمّ قال لي بأن المعنى العبري لنفس الكلمة بنفس النطق يعني: قديس لا يصدر منه الخطأ. طالت المسافة وزادت الأحاديث وعندما توقفنا تمنّى لنا يوما سعيدا وأن يلتقينا في الغد.

أول جملة عربية في نيويورك

في الفندق الذي سكنت به موظف بملامح عربية -أو إفريقية- لم تكن سمرته شديدة، سمرة صحراء هكذا فكرت، ربما كان من الصومال أو موريتانيا. لكنه يتكلم إنجليزية صحيحة وبلكنة بروكلينية. خلال فترة سكننا تحدثنا بالعربية أحيان كثيرة، في الاستقبال، في المقهى، تشاجرنا قليلاً، ومزحنا وعلقنا على مواقف مررنا بها، لكن كانت العربية مساحتنا الآمنة في الحديث. لا أحد سيفهم ما نقول. ربما.

خلال فترة السكن واجهت مشكلة مع بطاقتي الائتمانية ولم أتمكن من دفع رسوم الأسبوع التالي. حاولت مراراً وطلبت منهم الانتظار حتى اتصل ببنكي.

في الصباح التالي كنت خارجة من مصعد الفندق باتجاه المقهى، وقابلني الموظف الذي تحدثت عنه سابقاً. قال لي: “جربت بطاقتك بس ما نفعتش” هكذا قالها، ولكنني سمعتها “@$@#^&)ـ(٪ٍ&” نسيت كل الكلمات العربية التي تحدثت بها في حياتي، أو كانت الدهشة؟! قلت له: sorry! وأعاد الجملة من جديد واستوعبت، سريعاً أعدت شريط احاديثنا في الاستقبال، أتمنى أنها لم تكن معيبة. واصلنا النقاش عن البطاقة وأيامي الباقية وحجز سيارة المطار بالعربية.

شعرت بأن قلبي يغنّي، كأنني أجريت تمريناً لوجهي. عاشت العربية!

في مكتبة مايكل السرية

nyc1-6

أردت أن اكتب تدوينة منفصلة عن زيارتي الثانية هذا العام لمكتبة مايكل السرية. سأفعل بإذن الله لكنني الآن سأكتب عن الأحاديث القصيرة اللطيفة التي تفتح أبوابا لفرص مدهشة. هناك في المكتبة التقيت بعدد من الزوار واستدرجتني إحداهن للحديث عن عملي ووضع الكتابة والأدب في السعودية وغيرها من الأسئلة الجيدة لبدء الحديث في مكتبة. قالت بأنها ولدت في البحرين وعاشت حتى عمر العاشرة ثم انتقلت وأسرتها إلى أمريكا -هي أمريكية- ثم تحدثت عن تحويل مسارها التعليمي لخدمة طموحها وما تريد فعله في الحياة. درست الاقتصاد وعملت لفترة بتخصصها، ثم قررت إكمال الدراسة العليا في الكتابة الإبداعية، وهكذا أصبحت اليوم أستاذة جامعية في الكتابة الإبداعية في جامعة New School بنيويورك. وتعمل محررة لمجلة نيويوركية متخصصة في الآداب والفنون والترجمة. ثمّ تحول الحديث اللطيف إلى عرض مفتوح للكتابة معهم. ماذا سأكتب؟ قالت لي عن الحياة في الشرق الأوسط، الفنون والأدب وأشارت لكثير من الكتاب والشعراء العرب الذين استضافتهم المجلة. كما أوصتني بقراءة كتاب An Unnecessary Woman للكاتب اللبناني ربيع علم الدين يحكي قصة علياء، سيدة بيروتية وحيدة تختار كل يناير كتاب جديد لترجمته لنفسها. اقتنيت الكتاب وانتظر وصوله مع شحنة الكتب التي تركتها ورائي! أما بالنسبة للمجلة فسأترك اسمها مفاجأة عندما أبلغكم بنشر أولى كتاباتي معهم.

في الحلقة القادمة :

الأكل، الكثير من الأكل واللياقة في نيويورك.

16 رمضان: رداء الملك

تخيلوا أنّ ملابس الملك الباهظة تشعل ثورة. ومن جهة ثانية تبسّط ملابس ملك آخر تجعله موضوع الكاريكاتيرات وانتقادات الصحف والناس. الوثائقي أعلاه يتتبع ملابس الملكية البريطانية على مدى عدة قرون. الدكتورة لوسي وورسلي تبحث وتستعرض مع المشاهدين تبدل الملابس الملكية وتأثيرها على حكمهم ونظرة شعوبهم لهم. وكيف مع مرور الوقت استفاد الملوك والملكات على حدّ سواء من تأثير المظهر الخارجي على حجز مكانة خاصة لدى شعبهم.

وثائقي خفيف من بي بي سي سيفتح شهيتكم للبحث والاستطلاع بشكل أكبر في نفس الموضوع.

الغرب: قصة إبادة.

3594269

شاهدت مؤخراً وثائقي ضخم يحكي قصة الغرب الأمريكي. لا أستطيع الجزم بالنسبة الحقيقية لمعرفتي حول تاريخ تلك المنطقة والتحولات التي شهدتها، سأقول على سبيل التقريب 20% مقابل ما تعلمته وتعرفت عليه بعد مشاهدة هذا الوثائقي. حاول منتجو العمل تناول الحكاية بصورة موضوعية، وأقول أنّ القصة الحقيقية أكثر فظاعة مما سترونه. نحنُ نعرف جيداً وحشية الرجل الأبيض تجاه الأراضي الجديدة التي وصلها، وكيف تأسست الحضارات الحديثة والدول العظمى على عظام الشعوب الأصلية المطحونة. ستشاهدون أكثر من ذلك.

وثائقي “الغرب” لكين بيرنز وستيفن إيفز عُرض للمرة الأولى في سبتمبر 1996م ، عُرض بشكل متسلسل مجموعة من الوسائط المتعددة – صور وروايات وتسجيلات أرشيفية – بالإضافة إلى كنز من المعلومات والروابط على الموقع الرسمي له (هنا).

قُسّمت أجزاء الوثائقي إلى ثمانية حلقات مقسمة على فترات زمنية، تتفاوت القصص فيها وينتقل الراوي بينها بحسب تطور الأحداث.

الجزء الأول: الشعب (حتى عام 1806م)

يستعرض التركيبة السكانية لأمريكا والمناطق الغربية خاصة قبل وصول المهاجرين. يستعرض المستوطنات والمستعمرات المنتشرة على شواطئ المحيطين الأطلسي والهادي. وهناك تفاصيل عن أساطير ورؤى السكان الأصليين.

الجزء الثاني: إمبراطورية على الطرق (1806-1848م)

انطلاق الرحلات إلى الغرب واقتحام المجهول. في هذا الجزء قصص المستكشفين والمغامرين الذين مهدوا لضمّ المناطق الغربية للولايات المتحدة الأمريكية. في نفس الحلقة استعراض للمناطق الجغرافية وصعوبة طبيعتها. والحديث عن جماعة المورمن الأولى واستقرارهم في ما يعرف اليوم بولاية يوتا.

الجزء الثالث: ذرّة من المستقبل (1848-1856م)

تروي الحلقة الثالثة تفاصيل حمّى الذهب في الغرب وقصص المدن التي بدأت بالنمو والاتساع تبعا لذلك. حكايات التجار والمنتفعين الأوائل والجشع الإنساني الذي تحمل وصمته أمريكا اليوم. ثم تتحدث الحلقة عن العمال المهاجرين واستغلالهم. وسط كل ذلك وفي كلّ حلقة من حلقات السلسلة ستجدون أنّ العمود الفقري لهذه الحكاية “الإبادة” التدريجية للسكان الأصليين – الهنود الحمر- وهم الأحقّ بثروات هذه الأرض والعيش فيها بسلام.

الجزء الرابع: موت يشعل الشغب (1856-1868م)

وسط فوضى الغرب والحملات التي اقتحمته، انطلقت شرارة الحرب الأهلية الأمريكية. معارك بين مؤيدي العبودية ومن يحارب لإسقاطها. في الحلقة أيضا حديث عن الفوضوية وهجماتها. هناك أيضا شهادة للكاتب مارك توين –صموئيل كليمنز- ومراسلاته الصحفية والشخصية. هناك جزء مهمّ ومؤثر في الحلقة بعنوان “من المتوحش؟” سؤال مهمّ لأمريكا يبحث عن إجابة حول المذابح التي سجلها التاريخ – وغفل عنها- ضد السكان الأصليين.

الجزء الخامس: أعظم المشاريع في ظل الرب (1868-1874م)

سكك الحديد التي ربطت بين الشرق والغرب وهجمات الهنود لاستعادة أراضيهم المنهوبة. وفيها حديث عن مشكلات المورمن ومحاصرة الحكومة لهم من أجل معتقداتهم الدينية. في الحلقة التفاته إلى حيوان الجاموس -البافلو الأمريكي- وحملات الصيد والقتل التي حولته إلى حيوان شبه منقرض خلال عدة سنوات. ثمّ الانتقال إلى رعاة البقر والطرق التي سلكوها مع قطعانهم تبعاً لانتعاش تجارة لحوم البقر. ختام الحلقة يعود بنا إلى مأساة الجاموس وكونها “جرح في القلب”. قلب الأرض وقلب السكان الأصليين الذين استهدفوا بطريقة غير مباشرة عندما أبيد الحيوان الذي اعتمدوا عليه في العيش والدفء والحماية.

الجزء السادس: توقف القتال إلى الأبد (1874-1877م)

نقلت القطارات الملايين من المهاجرين الجدد للبلاد وتوجه جزء كبير منهم إلى الغرب. لكن المقاومة التي أظهرها الكثير من السكان الأصليين باقية. يرفضون التغيير والخضوع والاندماج القسري. تُختم الحلقة بشهادة من الزعيم جوزيف –أحد زعماء الهنود- “الكلمات الطيبة لا تعيش طويلا، ولا تعيد قتلانا ولا وطننا الذي احتله البيض.. ” يتحدث بكل حرقة عن الاتفاقيات الواهية والوعود الكاذبة للسياسة الأمريكية.

الجزء السابع: جغرافية الأمل (1877-1887م)

أحكمت أمريكا قبضتها على الغرب في 1877م. الآن مقابل كل هندي أحمر أربعين رجل أبيض. نصف مليون مستوطن جديد وصلوا إلى الغرب في عام واحد. الهاربون من العبودية والأوروبيون المهاجرون وكلّ من يبحث عن بداية جديدة. السكان الأصليون وبضغط من الحكومة اجبروا على التخلي عن لباسهم ولغتهم وعبادتهم وحتى أسمائهم الأصلية. الصينيون الذين حفروا الجبال ومهدوا الطرق لسكة الحديد وأسسوا مدن الغرب غير مرحب بهم الآن. المكسيكيون-الأمريكيون غمرتهم الهجرات الضخمة وأخلّت بتوازن حياتهم الوادعة في كاليفورنيا وما حولها. سيتعلّم الأمريكيون بالطريقة الصعبة أن الغرب غير قابل للترويض.

الجزء الثامن: سماء واحدة فوقنا (1877-1914م)

حلقة تلخص كلّ شيء. تدق المسمار الأخير في نعش الطبيعة المخترقة والمخربة. في نعش الإبادة العظيمة للسكان الأصليين وتغيير الحياة في أمريكا للأبد. فيها قصص المناجم وأغنى أرض في العالم، ومذبحة Wounded Knee. فيها تحدي الإنسان لظروفه الصعبة ومقاومتها. هناك جانب طيب ومسالم لكلّ ما حدث، ربما لأننا الآن نعرف طاقات البشر وإلى أيّ مدى يمكن أن تصل.

ليست هناك طريقة مثالية لمشاهدة الوثائقي، لا تشغلوا أنفسكم بكتابة الملاحظات أو تسجيل التواريخ والأسماء، الموقع الرسمي يحتوي على النصّ  الخاص بالحلقات مع صور وروابط وأرشيف مذهل. الشيء الوحيد الذي يؤسفني فعلا أنه لم يترجم بعد – على الأقل على حد علمي- ولكنّه بطريقة عجائبية حرضني على قراءات ومشاهدات إضافية وربما زيارات لمتاحف تاريخية تبحث في الموضوع. الوثائقي موجود على يوتوب لكنني قمت بتحميله بالتورنت للمشاهدة بلا انتظار وانقطاعات. روابط الحلقات: ١،٢،٣،٤،٥،٦،٧،٨

سبق وشاهدت سلسلة أنتجها ستيفن سبيلبرغ عن الغرب “Into The West” درامية أكثر من كونها وثائقية لكنّها بنيت بالطبع على أسس حقيقية. كتبت عن السلسلة تدوينة هنا بعنوان “هل يشفى الجرح؟“. هناك أيضا بعض المسلسلات التي تمرّ على تلك الفترة وتذكر بها مثل “Hell On Wheels” الذي يتحدث عن إنشاء سكة حديد الباسيفيك. وفي رواية “ابنة الحظ” لإيزابيل آييندي صورة لسان فرانسيسكو الوليدة.

أين أذهب من هنا؟

سأقرأ كتاب هوارد زن “التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية” و كتب منير العكش “أمريكا والإبادات الجماعية” و “أمريكا والإبادات الثقافية“. هناك أيضاً فيلم من إنتاج HBO بعنوان “Bury My Heart In Wounded Knee” وإذا زرت نيويورك أو واشنطن مستقبلاً ، هناك المتحف الوطني للهنود الأمريكيين. وقد أبحث عن وثائق ومشاهدات أخرى حول الفترة التاريخية وأشارككم بها يوما ما.

Blackwing 602

Processed with VSCOcam with t1 preset

في سبتمبر الماضي قرأت مقالة نشرتها هوليوود ريبورتر عن قلم رصاص يحتفل بعيده الثمانين. هذا القلم اسمه بلاكوينغ 602. المقال أثار فضولي لأنه يتحدث عن موضوع ببساطة قلم رصاص! في العام 1998م توقف إنتاج هذا القلم وارتفع الطلب عليه، بدأت سوق سوداء ومزادات الكترونية يتنافس فيها محبّوه بالدفع والاقتناء. وصلت قيمة إحدى العلب الأصلية إلى سعر 384 دولار.

Picture1

لماذا Blackwing 602؟

يقول شعار الشركة المصنّعة أنّ هذه الأقلام تتطلب من المستخدم نصف الضغط وتعطيه ضعف سرعة العمل. أيّ أن المستخدم سينعم بقلم سلس وسهل الاستعمال. هناك أيضا الممحاة القابلة للتعديل والتي يمكن إزالة قطعة الألمنيوم التي تثبتها وتعديل طولها بحسب الحاجة. أيضاً لون القلم المعدني وطلاؤه المميز. وأخيراً تركيبة الجرافيت والطين والشمع التي تمنح المنتج سلاسة وثبات وبلا لطخات.

لمحة تاريخية

انتج القلم للمرة الأولى في 1930م في مصنع ايبرهارد فايبر بنيويورك. تأسس المصنع في 1861م من قبل إخوة ألمان. موقع المصنع آنذاك أصبح موقع الأمم المتحدة اليوم. يقول المؤرخ هنري بيتروسكي أن القلم لفت الأنظار بظهوره بسبب كونه أسود. كانت أقلام الرصاص آنذاك صفراء للدلالة على جودتها العالية. تمّ تبني المنتج فور ظهوره من قبل الفنانين والمهندسين والكتّاب. من أشهر من بدأ باستخدامه آنذاك رسامي ديزني الذين رسموا به شخصيات محببة وشهيرة من بينها الفأر ميكي، والغزال بامبي وغيرهم. تقول إحدى الروايات أن رسام الكرتون الشهير شيمس كولهاين عندما توفي دُفن وفي يده قلم رصاص بلاكوينغ 602.

توقّف الإنتاج

استمر إنتاج القلم من قبل ايبرهارد فايبر حتى الثمانينات من القرن الماضي، ثم اشترت شركة فايبر كاستل الأمريكية المصنع. واستمر إنتاج القلم تحت شعار الشركة السابقة (EF) بالإضافة إلى إنتاجه باسم الشركة الجديدة (FC). وعلى أية حال كان القلم يصنع بنفس التركيبة الأصلية التي وُضعت له وبلا تغيير. خلال التسعينات اشترت شركة سانفورد الشهيرة بتصنيع أدوات الكتابة فايبر كاستل الأمريكية لتصبح المالك الجديد والمصنع لـ بلاكوينغ 602. استمر إنتاج القلم تحت إدارة الشركة حتى 1998م وتوقف تماماً. الخبر المتداول عن سبب التوقف كان يعزو السبب لتعطل ماكينة التصنيع الخاصة، ولم يتمّ إصلاح الأعطال من قبل الشركة المسؤولة. كانت هذه الماكينة تنتج قطع الألمنيوم الخاصة بالممحاة وعندما تعطلت استخدمت الشركة المخزون الإضافي من القطع حتى نفد. القصة الحقيقية تقول بأن الماكينة تعطلت فعلاً لكن الشركة لم ترفض إصلاحها. كانت هناك أسباب أخرى لتوقف إنتاج القلم من بينها عدم وجود طلب كافي على الأقلام. كانت الشركة تنتج سنوياً 1100 دزينة من الأقلام من نوع بلاكوينغ 602، بينما تنتج عددا أكبر بكثير كل ساعة ومن أنواع أخرى من الأقلام. هناك أيضاً الفارق الكبير بين الإنتاج وتكلفة إصلاح الأجهزة مقابل الطلب وهذا اثقل كاهل الشركة لذلك قررت إيقاف التصنيع ببساطة.

قلم العظماء

بعد توقف إنتاج القلم احتفظ المهووسون به بالأقلام التي بحوزتهم وإن لم يعد ممكنا الكتابة بها، بيعت الأقلام وعلبها الممتلئة والفارغة بأسعار خيالية. شيء يقول لي بأن أسباب ظهور الجماهير التي تعلقت به كثيرة وأهمها المشاهير الذين ربطوا إبداعاتهم به. على سبيل المثال لا الحصر: جون شتاينبك، فلاديمير نابوكوف، إيغور سترافنسكي، جون لينون، تشك جونز وغيرهم.

تجربتي

بعد الاطلاع على المقالة الشهيرة بدأت بالبحث عن معلومات إضافية ووجدت هذه المدونة، اعتقد بأنها أفضل مرجع لمعرفة قصة القلم وقراءة تفاصيل عنه. ثم قرأت عن شركة كاليفورنيا سيدار وهي الشركة التي اطلقت قلم رصاص بنفس الاسم في 2010م احتفاء بالقلم الكلاسيكي. وجد النقاد في القلم الجديد كفاءة مقاربة لسابقه لكن الأوفياء له يرفضون ذلك ويجدون أن قلم بالومينو لا يمت له بصلة.

لكي أحصل على تجربة مشابهة وأضع حدّ لفضولي قمت بطلب علبة أقلام بلاكوينغ 602 الجديد، صعقت بالسعر (حوالي 20 دولار للدزينة) لكنني فكرت: الشحن مجاني لأنني في أمريكا! وصلت العلبة ولم أجرب الكتابة بالقلم حتى لحظة التدوين عنه، هذه التدوينة كتبتها بالقلم الشهير. لاحظت أنني لم احتج لإعادة شحذ القلم وأنني تمكنت من الكتابة لصفحة كاملة دون أن يزعجني بكسر أو تفتت أو تلطخ الصفحات بالسواد. وفعلا “ضغط أقل وسرعة مضاعفة”.