٢٦ أغسطس

أنهيت مهام ليلة الأحد باكرًا اليوم وجلست للتفكير في التدوينة، بلا ضغط أو تأهب. أتذكر دائمًا مبدأ التخلص من الالتزامات وأذكر نفسي أن التدوينة الأسبوعية هذه ستكون تمرين كتابي جيّد في سباق المسافات الطويلة -إنجاز كتابي مثلا. كان الأسبوع قبل الأخير من أغسطس حافل بالعمل والزيارات والقصص. التقيت فيه عدة صديقات بعد عدة أشهر من الانقطاع وتبادلنا آخر الأخبار وتفاصيل الحياة التي لم نشاركها على منصات التواصل الاجتماعي.

وضعت من يدي كتاب حاولت جاهدة مواصلة القراءة فيه بلا جدوى! الرواية المكتوبة بطريقة مختلفة «خلية النحل» كاميلو خوسيه ثيلا فشلت في القبض على انتباهي. أحب الكاتب وأتابع المترجم وقرأت له عدة مرات. عندما يحبطني كتاب اتردد في اختياري التالي وأعود لقوائم مشترياتي القديمة وأنبش الرفوف. وفي المرتبة التالية: المقالات الطويلة التي تصلني في النشرات البريدية أو أحفظها في قائمة مفضلة لا نهائية. لديّ كتاب عن الخبز وآخر عن قطّ مفقود وثالث عن سلسلة جرائم في أوكلاهوما الأمريكية. سأنتظر بداية الأسبوع واتبع مزاجي أينما ذهب.

عدت لضبط موعد استيقاظي من النوم بعد فترة خمول ووجدت أن الحضور المبكر للمكتب وبدء العمل قبل ازدحام المكاتب المشتركة أفضل شيء اخترته لطاقتي وتركيزي.

قرأت خلال الأسبوع ضمن نشرة Brain Food فكرة مثيرة للاهتمام عن مفهوم التفوّق – أو ما يجعل بعض الأفراد متفوقين على غيرهم سابقين لهم. وأوجزت الفكرة تسعة أسباب لذلك أترجمها هنا:

  • الموهبة والذكاء. بعض الأشخاص أفضل وأكثر ذكاء بطبيعتهم.
  • العمل الجاد، فالبعض يعمل بجهد أكبر.
  • التفاوت في رؤية العالم بشكل مختلف. تجربة الأشياء المختلفة، قراءة كتب مختلفة، وتفسير المعلومات بشكل مختلف.
  • الانضباط والنظام. ويقصد به تصميم نظام للعمل والعيش والمواظبة عليه (التمرين اليومي مثلا).
  • اقتناص المواهب البعض لديه المهارة في توظيف أفضل الناس وتحفيزهم لتقديم أفضل ما لديهم.
  • الصبر. انعدام الصّبر يغير النتائج.
  • القدرة على تحمّل الألم. ما هو مقدار المخاطرة التي يمكنك تحملها؟ والأهم من هذا: هل يمكنك التعامل مع الخسائر؟
  • الطباع والحالة المزاجية والحفاظ على ثباتك عندما يفقد الآخرين عقولهم.

أشاهد حاليًا -ببطء- مسلسل Halt and Catch Fire.  المسلسل الدرامي الذي يقع في أربعة مواسم ويصوّر فترة ثورة الكمبيوتر الشخصي في الثمانينات وبداية شبكة الانترنت. أعادني المسلسل لأيام الدراسة ومقررات البرمجة البدائية. ولكن بصورة أكبر أثار بداخلي شغفًا خفيًا لبدء مشروع عظيم والسهر لتحقيقه. أحببت تطور الاحداث التدريجي وتعلقي بكل الشخصيات بلا استثناء وهذا نادر الحدوث! دائما لدي شخصية أو اثنتين مفضلة في سياق الأحداث. الكتابة رائعة ولدي استفهام كبير عن شكل نهاية المسلسل؟ لماذا لم يمتد لأبعد من أربعة مواسم؟ تبقى لي موسم ونصف تقريبًا وسأجد الإجابة.

اكتشفت قناة يوتوب مليئة بالفيديوهات الممتعة تقدّمها مطورة وصفات وطاهية بريطانية اسمها تيش وندرز. لديها أيضا كتب وصفات رقمية جاهزة للاقتناء. لكن اقترح عليكم أولا مشاهدة الفيديوهات والوصفات قبل الشراء. الوصفات مناسبة للطهي في المنزل والتقليل من الأكل خارجه. وأعطتني أفكار لذيذة لغداءات العمل.

.

.

الثلاثاء – ٢١ سبتمبر

مددت بساط التمرين على أرضية صالة النادي الخالية وتأملت كيف مزقته مخالب قطتي. لففته لأشهر مضت وأصبح وسادتها وكرة اللعب ودميتها في ذات الوقت. الثقوب التي تعلوه مضحكة وغير مبررة. الصالة تخلو من المتدربات في هذا الوقت من اليوم وإن احتجت في وقتٍ ما لتفسير هذه الثقوب سأفعل بكلّ حبّ. عدت بحماس للتمرن في النادي بعد انقطاع دام ستة أشهر! تعرضت لإصابة بداية السنة لم تحدث في النادي طبعًا لكنها ابعدتني عن كلّ الأنشطة الحركية التي أحبها. حتى المشي الذي أجد فيه السلوى وصفاء التفكير أصبح فقرة مؤلمة يليها ساعات من النقاهة.

خطر ببالي اليوم أن استخدم الكلمة المفتاحية: إصابة للبحث في المدونة وكانت النتائج مضحكة. مرة إصابات أقدام، ومرة أخرى رقبة والأخيرة ركبتي التي منعتني من أي أنشطة بسيطة كصعود الدرج بسرعة أو الصلاة على الأرض.  تعافيت بالتدريج على مدى الأشهر الماضية واختبرت قدرتي على المشي في نيويورك وبنسلفانيا والنتيجة ٢-٠ لصالح المدينة والمزرعة.

عدت للنادي والحمد لله تزامن ذلك مع عرض سخيّ بمناسبة اليوم الوطني سيمنحني ضعف مدة الاشتراك وهذه المرة أنوي الاستفادة منها جيدًا والحذر من الإصابات والمبالغة في إجهاد عضلاتي.

أحبّ كيف تحول كلّ شيء في حياتي للبطء. لم تعد السرعة تغريني في أي شيء. حتى فضولي الذي كان مستعرًا على الدوام هدأ فجأة. لن يفوتك شيء يا هيفا طالما كان مهمًّا وحتى هذه العبارة تحتمل عدة تأويلات تقودني دائما إلى: استمتعي بالبطء.

هذا الصباح أقفلت الصناديق التي ملأتها بالملابس الفائضة عن حاجتي للتبرع بها خلال الأيام الماضية. كانت الملابس في كومة هائلة لففتها بأغطية السرير القطنية حتى لا تتسخ.

اليوم غريب كنت أحدّث نفسي بعد أن جمدت بصري أمام الشاشة في محاولة لإتمام مهام الأسبوع قبل العطلة القصيرة. لم أتمكن من كتابة حرف واحد وعليه قررت أن أعود لقائمة مهامي الشخصية التي تنتظر الإنجاز. تجهيز وصفة للعشاء، جمع الملابس للغسيل، الرد على رسائل الهاتف والتفكير في تمرين الغد. هذا النوع من الانفصال قليلا من المهمة الأكبر يحفزني للتفكير بها بشكل مختلف بعد العودة إليها. فكرة تنجح دائمًا.

نهاية الأسبوع المقبل أكمل شهر تقريبا على اعتماد نظام غذائي ممتع –كتبت عنه هنا – اكتشفت أن الفكرة الأولية لم تكن صعبة كما توقعتها. الغذاء النباتي (مع منتجات الحليب والبيض) أسهل بكثير من التفكير يوميًا في قطعة اللحم أو البروتين الحيواني الذي سأضيفه لوجبتي. وفي نهاية الأسبوع أُشبِع هذا الجوع باختيارات أكثر جودة.

أحبّ تدوين اليوميات العشوائية عن تغيرات الحياة اليومية والعادات التي اتبناها وكيف تؤثر علي، ومنذ اعتماد هذا النظام أجد نفسي أكثر امتلاء ورضا وكلّ وجبة هي فرصة للتلذذ بإضافة جديدة.  

في هذه الأيام لاحظت تحسّن نومي بشكل ملحوظ -ما عدا ليالي اكتمال القمر التي تربكني جدًا – أغفو خلال أيام الأسبوع قبل الحادية عشرة والنصف واستيقظ الفجر بكامل وعيي ودون الحاجة لمنبّه. أقول لوالدي هذه الملاحظة ثمّ يعلق: هذا تأثير أذان المسجد الجديد الأقرب.

كان لدي الكثير من الحماس لتقديم ورشة عمل خلال سبتمبر، لكن عندما نظرت لجدولي وتذكرت كل الأشياء المؤجلة التي أود اكتشافها قررت تأجيل الفكرة قليلًا. أفكر في ورشة عمل مختلفة هذه المرة، ممتعة ومنوّعة وتطبيقية.

التوقيت السنويّ يقول أنّ هذه الأيام أيام الحصاد، وأنا أشعر بها جدًا. الجو اللطيف والمزاج الرائق برغم التساؤلات حول القادم من الأيام. أخطط لأشهر السنة الباقية وتخليت عن فكرة عطلة قصيرة كانت مشوقة ومغرية في البدء لكنها ستثقب ميزانيتي بلا رحمة. ولأجل نفسي أعددت هدية ميلاد مميزة انتظرها بحماس!

الأيام القادمة موجهة للاحتفال مع العائلة ضمن تقليد سنوي نجتمع فيه خلال عطلة اليوم الوطني ولقاء القريبات بعد فاصل اجتماعي ممتد منذ عيد الفطر الماضي.

أحب التخفف المعنوي والفيزيائي، أحبّ أنه يترك لي مكان لعبور الاكسجين والرؤية الواضحة. حاليًا أعيش أيام شعارها: الاستيقاظ من حلم طويل. لا أدري هل كان هذا الحلم كابوس؟ أو خيال تختلط فيه الحكايات الجيدة والمؤلمة؟ لستُ أدري.

الليلة سألتقي بصديقة لطيفة تعرفت عليها في نيويورك قبل عدة سنوات والتقيت بها هناك هذا العام، لم نجد فرصة للقاء في الرياض قبل اليوم واتطلع لذلك. سأعدّ للعشاء هذه البيتزا الشهية التي اتذكرها مع موسم التين دائمًا، وقد اقرأ قليلا لأنهي كتاب ممتع، وسأنام باكرًا لاستقبال آخر يوم عمل في الأسبوع!

.

.

.

اللوحة للرسام Urmanche Baki Idrisovich

استعادة الحياة بهدوء ولطف

نجحت في استعادة ترتيب حياتي خلال الشهر الماضي والأمر بدأ باستبعاد كلّ المشاريع والخطط الجانبية سواء كانت ممتعة أو مدمرة لطاقتي ومشاعري. لم تعد فكرة الفضول والاكتشاف تشغلني بقدر راحة البال وهذه تجربة شخصية مهمّة احتجت لحسم أمري بالمرور بها واكتشافها.

تشير ساعتي الرقمية إلى أنني احتاج حوالي ألف سعرة حرارية لتحقيق تحدّي شهر أغسطس. كل شهر تهديني تحدي جديد ولكنني تجاهلت الأنشطة البدنية تمامًا لثلاثين يومًا وحتى هذا الرقم الذي حققته كان مفاجأة! يوليو كان شهر ركض واجهاد بدني ومعنوي. ولكن، أتطلع اليوم بحماس للأشهر المتبقية من السنة وأنوي استثمارها بانتباه واهتمام شديد.

اشتاق كثيرًا لكتابة التدوينات ويبدأ الأسبوع بحماسي لفكرة معينة وما أن اقطع شوط في العمل اليومي والتزاماتي الشخصية والاجتماعية تتبخر فكرة التدوين تمامًا. أحبّ هذا الانشغال الصحي وأقول صحي لأنني انتبه له من وقت لآخر. أكون متصالحة مع نفسي ومستمتعة تمامًا بقراءة كتب جديدة أو الانخراط في أنشطة منوعة أو مسلسل ممتع لا أرغب بتفويت الجلوس ومشاهدته. أغسطس كان شهر حاسم لتحديد ما أريده من نفسي والحياة عمومًا.

كيف تتعامل مع حياتك المبعثرة؟

كانت تدوينة على مدونة Zen Habits إحدى الأدلة الارشادية التي قادتني للحل المنظم لتجاوز الفوضى المؤقتة التي مررت بها. يقترح ليو باباوتا تقنيات لمساعدتك في تجاوز الفوضى، وإذا كنت سأترجم ما جاء في التدوينة بشكل مختصر ستكون النقاط كالتالي:

  • ضع قائمة طويلة لكل ما تحتاج عمله في الفترة القادمة وفكر فيها كعملية تفريغ لما في رأسك. ابحث في كل مجالات حياتك وضعه في هذه القائمة بلا فرز أو ترتيب فقط اكتب بلا تردد أو تفكير مطوّل. بعد الانتهاء من هذه القائمة الطويلة قم بتوزيعها على مجالات حياتك أو حتى بحسب أهميتها. قد يكون من الجيد تخفيف القائمة بتنفيذ أي مهام سريعة في جلسة واحدة.
  • استخدم القائمة الطويلة لبناء قائمة قصيرة وتقسيم المهام إلى مجموعات من ٣-٥ عناصر ويمكنك التعامل معها وإتمامها في يوم. ستشعر بالسعادة والتحفيز في نهاية اليوم بعد أن تخففت منها. يمكنك أيضا تكرار العملية بالعودة للقائمة الطويلة وتركيزها في مجموعات أصغر حتى تنتهي منها تمامًا.
  • خصص وقت معين من اليوم أو الأسبوع للتعامل مع المهامّ في مجموعة واحدة (مثلا أنا جمعت زيارات الطبيب أو الفحوصات مع بعضها، من ثم المعاملات الحكومية مع بعض، والزيارات العائلية السريعة في مدينة واحدة، تنظيف الخزائن في غرفة واحدة.. وهكذا) كل مرة اعطي الاهتمام لأمر محدد أو مجموعة من الأمور المتناسبة وفي نهاية أسبوع واحد أتممت كلّ ما أجلته لشهور طويلة.
  • استخدم النقطة السابقة لتخصيص وقت محدد لكل مجال من مجالات حياتك واعتمده دائما. مثلا يوم السبت المساء لتحضير وجبات العمل للأسبوع المقبل، ويوم الخميس المساء لإجراء الاتصالات بالعائلة الممتدة أو الأصدقاء، وصباح الخميس لتفريغ صندوق البريد الالكتروني والردّ على الرسائل. ضع هذه المواعيد بشكل واضح كمنبّه في الهاتف أو دونه في تقويمك الشخصي.
  • اطلب المساعدة في المجالات التي تحتاجها. بالنسبة لي أحب ترتيب خزانتي والتخلص من الملابس القديمة أو تجديدها بصحبة أخواتي ليعطينني آراء إضافية حول ما احتفظ به وما استبعده.
  • بسّط المهام. إذا تعقدت الأمور فكّر كيف يمكنك تبسيطها أو تسهيل التعامل معها. ويندرج تحت هذا التبسيط التخفف من الالتزامات الصعبة التي وضعتها على نفسك. في حالتي مثلا وددت الالتزام بنشاط رياضي يومي في وقت ثابت وهذا لم يحصل لأن وقتي شُغل بأشياء أخرى وكان الحلّ هو ممارسة الرياضة في الوقت المناسب من اليوم متى ما كان متاحًا ومحاولة التحرك بشكل مستمر إذا لم يكن التمرين خيار متاح.
  • التزم بعمل شيء واحد في وقت واحد واهتم بإكماله. الشعور بالفوضى والتشتت يأتي من القفز بين الأشياء والمهامّ. لقد شعرت بذلك بشدة ومن هنا جاءت فكرة استبعاد أي التزامات عمل إضافية كما كتبت في بداية التدوينة. يقترح ليو باباوتا أيضا الهدوء والابطاء في المسير حتى تنتهي من المهمة وتنتقل لما يليها.
  • احصل على وقت مستقطع للراحة والتنظيم الشخصي والتخلص من القلق والإرهاق وتجديد الطاقة.
  • تنتهي هذه التوصيات باقتراح تجربة كل فكرة على حدة ورؤية أثرها على حياتك وهذا أفضل من محاولة تنفيذها دفعة واحدة.

كولاج – أغسطس

Les mains de Lella – Photo by Boubat

.

.

أناناس

يحاول والدي منذ ثلاثة أيام إقناعي بتجربة ثمرة الأناناس التي اقتناها من أجلي. ولكنّني اتبع حدسي في الأكل لمدة، ويتكرر وقوفي في منتصف المطبخ، وفتح الثلاجة، والنظر للقطع اللامعة بعصيرها على شكل نصف دوائر مضلعة. أقفل الباب وأخرج فالمزاج يطلب شطيرة بيض وجبنة، أو مربى برتقال وجبنة، أو أفوكادو مهروس بالتوابل على خبزة محمصة. اليوم فقط قررت أنه وقت مناسب لتناول الأناناس، لاذعة، حلوة ومفاجأة. ومع قطعتين من الجبنة الدسمة كانت هي وجبة الغداء لليوم. يعبّر الآباء عن حبهم بطرق كثيرة وعن غضبهم وامتعاضهم وخيبتهم كذلك، وفي حالة والدي يفعلها بانتقاء الفواكه بيديه، أو زيارة المخبز المفضل، وحمل أكياس من الخبز الطازج، وشمع العسل، وآخر ابتكارات المحل من الزيتون والمربياتكيف تشكره على ذلك؟ تأكل وتأكل ثمّ تأكل. لقد كان شعوري بالذنب تجاه حماسه وتسوقه هو الدافع للأكل. وأحيان كثيرة لا أجوع ولا أرغب بتناول صنف معيّن، لكنني أثقل نفسي بالذنب، وأمد يدي، ملعقة من هنا وملعقة من هناك. وصوته يتردد: كلوا منه قبل أن يفسد! احتجت لوقت طويل حتى تخلصت من شعور الذنب المرتبط بالأكل، هذا الشعور بالتحديد مرتبط بمشاعر سيئة أخرى صنعت بيني وبين الغذاء رابطة غريبة ومضطربة.

كيف تحررت تدريجيًا؟

وجدت مكان جديد اسمه التغذية الحدسية (يمكنكم الاستماع لتجربتي معها في حلقة بودكسات قصاصات الأحدث) ومعه أصبحت أقوى في وضع الحدود حول ما أحبّ أكله وما استبعده. التغذية الحدسية تمنحك القوة للوقوف للحظات أمام الثلاجة، أو الطبق، أو حتى رفّ الأطعمة في السوبرماركت قبل الشراء. تفكر بوعي: هل احتاج هذا؟ هل شهيتي تجاهه قوية؟ وهل هو جيد وصحي على المدى البعيد أو سيسبب لي مشاكل وتحسس؟ الكثير من الأسئلة السريعة والأجوبة ضرورية قبل تمرير اللقمة الأولى إلى معدتك. تحررت تدريجيًا من عقدة تناول الطعام لمجرد أنه هنا، أو سيفسد، أو سينفدوالآن عندما يعلن والدي بعد رحلة تسوق أو زيارة لمطعم أو مخبز عن مجموعة من اللذائذ، أشكره فورًا، أساعده في ترتيبها، واسأله هل يرغب بتناول شيء منها؟ ثمّ أؤكد له بأنّ أحدًا من أفراد العائلة سيستلذ بها خلال اليوم. وأنني حاليًا لا احتاجها أو سأعد منها طبقًا لاحقًا. هكذا إذا تمّ الأمر بهذه البساطة والوضوح، لأنّ أحدًا لن يعرف ما الذي تفكر به أو تحسه حتى تعبّر عنه.

العودة إلى ٢٠٠٩

بعد التدوينة السابقة وحالة الإحباط وانعدام الحماس التي غمرتني، بدأت البحث في نفسي وعدت لمذكرات سابقة وأحوال مشابهة لم يكن البحث سهلًا بالتأكيدلكنني قرأت وقرأت. وكانت رحلة ممتعة بالرغم من اضطراري لقراءة الجيد والسيء من الذكريات. الشيء الذي رددته بيني وبين نفسي: ما هي الفترة التي أحببتها من حياتك؟ وإذا أمكن حصرها في سنة واحدة أو سنتين فأي أعوامك الماضية ستكون؟ الفكرة هي: أريد مراجعة تلك السنة، عاداتي، اهتماماتي، علاقاتي، استهلاكي، قراءاتي. كل شيء يمكنني البحث فيه وإعادة إنعاشه اليوم سيكون مفيدًا. ووقع الاختيار على الفترة بين (سبتمبر ٢٠٠٨ويناير ٢٠١٠) تلك الأشهر مرّت وكأنها حلم، أو رحلة ممتعة. كانت مغامرة اكتشاف للذات من النوع الممتاز. كنت أكثر اهتمامًا بنفسي من ناحية تنظيم الوقت والعمل. ومن جهة أخرى كنت مرحّبة أكثر بالعلاقات الجديدة، والتعارف، واكتشاف المدينة من وجهات نظر مختلفةاليوم ذهبت للسوق بعد انقطاع طويل، ليس بسبب كورونا بل بسبب انعدام الحاجة لزيارة مجمعات التسوق لغرض غير زيارة مطعم، أو حضور فيلم في السينما. منظر الكمامات على الوجوه، وحرارة الجوّ، والتوجّس من اقتراب أحدٍ منك. رواية رعب غرائبية. قررت شراء قطع ملابس جديدة من تخفيضات مغرية، وعدت لشراء عطر حياتي الأول بعد انقطاع حوالي ١٢ سنة اكتشفت خلالها الكثير من العطور المميزة، التي استيقظت صباح أحد الأيام الماضية ونفرت منها جميعها.

أعود لهيفا ٢٠٠٩، تقرأ كثيرًا، وتنصت، وتبادر بلا تردد.

مختارات لطيفة لمنتصف يوليو

  • جربت مطعم Treehouse في العاصمة يعتمد نظام Farm-to-table الذي أحبّه في كل مكان ولا أجد له شبيه بكثرة لدينا. 
  • استخدم منتجات R.E.N للبشرة وخصوصًا كريم النهار، أحبّ تركيبتها اللطيفة للبشرة الحساسة، ونظافتها مقارنة بالمنتجات الأخرى، أيضًا أحببت تسعيرة المنتجات المناسبة جدًا، وتوفره عبر موقع iherb.
  • شاهدت سلسلة وثائقية ممتعة An American Aristocrat’s Guide To Great Estates، هذه السلسة تتبع سيدة أمريكية أصبحت جزء من عائلة ارستقراطية إنجليزية وتدير قصر العائلة وحدائقه. جولي بدورها تزور أقدم وأعرق القصور والقلاع التي ما زالت تحت إدارة الأُسر الأرستقراطية الإنجليزية، وتتعلم منهم كيفية إدارة هذه الممتلكات وكيف تبقي على مجدها السابق.
  • زرت مقهى/مطعم Moonshell في الرياض، أحببت المكان جدًا، وتخصصه بالأطباق والمشروبات النباتية الصرفة جديد عليّ. خلال النهار اشتدت الحرارة في المكان وفكرت بأنني سأزوره المرة القادمة مساءً، أو عندما يصبح الطقس أفضل وأكثر اعتدالا.
  • ضبطت وصفة المحمّرة طبق المقبلات المفضل لديوأصبحت أعدها بكمية إضافية، وأحمل منها علب للأصدقاء.

.

.

.

 

١٢-١٩ أبريل

١

خلال الأسبوع الماضي شغلتني فكرة صغيرة. وامتدت منها تأملات طويلة واسئلة لمن حولي. هل تذكر أول نجّار عرفته في حياتك؟ أذكر إنه جدّ هايدي (الشيخ باللحية البيضاء في مسلسل الرسوم المتحركة). جدّ هايدي أول نجار عرفته في حياتي، تذكرت المشهد وهم يسكنون القرية عندما ينزلون من الجبل في موسم الثلوج والبرد. نشارة الخشب، والقطعة التي تحولت بين يديه إلى غزال، ومكعبات للعبومن تلك المشاهد انطلقت في رحلة عبر الذاكرة. أول مرة أعرف أن الجبنة تذوب مع الحرارة على رغيف الخبز، أول أصدقاء عرفتهم (هايدي وبيتر)، كيف هي فصول السنة؟ ما معنى انهيار ثلجي؟ السفر بالقطار، والخدم، جبال الألب، والعنزات الجبلية والنوافير. هذه الصور الأولى التي تلتقطها الذاكرة وتصبح مثل قالب نتوقع من خلاله الأشياء. أدعوكم في التفكير في الصور الأولى لحياتكم، وكيف أصبحت مرجعًا للأيام اللاحقة فيها.

٢

قضيت ساعات النهار والعمل خلال الأسبوع الماضي في غرفة الجلوس. نشاهد حلقات متتابعة من برامج الألغاز البوليسية وحلّ الجرائم المجهولة. استخدم كل مهارات التفكير والتحليل واتسابق مع المحققين للوصول لإجابة. غالبًا تحليلي صحيح، وفي بعض الأحيان تفاجئني سذاجتي في إغفال تفصيل مهمّ!

٣

خلال الأسبوع الماضي أنهيت رواية أربطةلدومينيكو ستارنونه. كانت قراءتها مثل الامساك بالشوك، لم استطع إفلاتها من يدي، وانتهت وأنا منهكة بخليط من المشاعر. الرواية كُتبت بمهارة والترجمة ممتازة.

٤

أشعر بالحماس وتتجدد الحياة بداخلي كلما شاهدت وثائقي يروي سيرة حياة لمبدع، أيّا كان المجال الذي يعمل به. والأسبوع الماضي شاهدت وثائقيات سلسلة American Masters أحدهما عن الرسام الأمريكي أندرو وايث، والآخر عن الكاتبة الأمريكية لويزا ماي إلكوت (مؤلفة رواية نساء صغيرات). أعرف عنهما القليل جدًا، والأعمال الأشهر قد تظلم مسيرة حياة كاملة. ما تنظر إليه هو بمثابة قمة جبل صغيرة في البحر، والباقي يغيب تحت السطح.

٥

تعرّفت على مبدأ السيسو الفنلندي Sisu ويساعدهم على مواجهة المصاعب! يمكنكم القراءة عنه أكثر هنا:

٦

جربت تلميحة قرأت أن اليونانيين يستخدمونها لشواء بطاطا مقرمشة وشهية. النتيجة رائعةبعد غسل البطاطا وتقطيعها لمكعبات كبيرة (بوصة تقريبًا) أقلبها في تتبيلة بمقادير متساوية من: زيت الزيتون، عصير الليمون، مرقة الدجاج، وملح وفلفل. ومن ثم الشواء في فرن ساخن (حرارته ٤٥٠ فهرنهايت) لمدة ٤٥ دقيقة. أظن أن السرّ في الليمون ومذاق المرقة، وأظنّ أنني سأتبع الطريقة دائمًا.

.

.

.

*اللوحة أعلاه للرسام الأمريكي اندرو وايث