الجردة السنوية أو مراجعة نهاية العام

بدأت فكرة هذه التدوينة من منشور على تويتر. شارك الكاتب ديكي بوش دليلًا مختصرًا ليمكننا من مراجعة السنة واكتشاف دروسها وتقييمها من جميع النواحي. وفي اللحظة التي قرأت تفاصيل الدليل قررت ترجمته باختصار ومشاركته في مدونتي قبل نهاية العام. سيكون تمرينًا ممتعًا لي ولكم، وكما يقترح الكاتب الذي أعدْ الدليل يمكننا تحويل إجابات هذه المراجعة إلى محتوى نشاركه مع الآخرين إذا أحببنا.

هذه التدوينة ليست حصرية لنهاية العام الميلادي، يمكن الاستفادة منها بشكل مستمر لمراجعة ربع السنة، ومنتصفها ولتحفيزنا لطرق جديدة لتدوين يومياتنا ومتابعة تقدمنا في الحياة.

وجد بوش كل نهاية سنة مدفوعًا للتفكير وطرح الأسئلة حول الأمور التالية:

  • الأشياء التي قام بها بشكل جيد (المكاسب والإنجازات).
  • الأشياء التي لم يقم بها أو تعثر في إنجازها (الأخطاء والصعوبات).
  • الأحداث الهامة واللحظات التي لا تنسى خلال العام والتي بدورها شكّلت شخصيته.
  • الدروس والمستهدفات التي يود وضعها في مقدمة قائمته للعام المقبل.
  • تحليل 80/20 (ما الذي حقق أفضل النتائج وما الذي تسبب بتعثره؟).
  • ما يريد أخذه إلى العام القادم وما سيتركه وراءه.

يقترح بوش اتباع الخطوات التالية لكنّه أيضًا يشجعنا لاتباع طرق مختلفة كاستبعاد بعض الخطوات، أو استخدامها كإلهام لبناء خطة عمل العام القادم. وأضيف على ذلك: قد تكون هذه المراجعة ممتعة كفعالية جماعية مع الأهل والأصدقاء.

وأضاف كتقديم للدليل هذه الأفكار السريعة:

  • ليس المقصود إتمام المراجعة في جلسة واحدة. ويمكن العمل على كل خطوة لعدة ساعات حتى تحصل على الاهتمام الكامل.
  • يمكنك الدمج بين الخطوات أو الاستعانة بتفاصيلها لبناء نسخ إضافية من المراجعة لتغطي جوانب غير مذكورة هنا.
  • تذكّر أنكم في مهمة لجعل العام المقبل نسخة أفضل من العام الحالي.
متابعة قراءة الجردة السنوية أو مراجعة نهاية العام

كيف تصبح مسوّف ذكي؟

قبل عدة سنوات وبينما كنت أعمل في وظيفة بشركة إبداعية؛ وجدت نفسي في لحظات كثيرة غارقة في المهام ولا أعلم من أين أبدأ. كنت أذهب لمديرتي في مكتبها لتبدأ بكتابة مهامي وتفكيكها واستبعاد غير العاجل أو المهم منها. كنت مذهولة من طريقتها في الترتيب وكيف تختصر ١٢ مهمة خلال دقائق إلى ٥ أو ٦! كانت تقترح تفويض مهمة لأفراد الفريق، أو تأجيلها بعد التفاهم مع العميل أو الغائها تمامًا. عرفت تفاصيل هذه التقنية لاحقًا بالممارسة والقراءة والتعلم الذاتي. قرأت عن تنظيم الوقت وإدارة المهام واستمعت وشاهدت وكتبت، لكنني مررت بتدوينة ممتعة حول الموضوع وقررت نقلها للعربية ومشاركتها بتصرف في المدونة.

لنتخيل السيناريو التالي:

  • لديك قائمة مهام طويلة دون تحديد أولوية.
  • تشعر باليأس وترغب في التوقف عن عمل كلّ شيء.
  • تبدأ العمل على مهام معينة وتقفز بينها دون إكمال.

إذا كانت السمات السابقة تنطبق عليك أنصحك بمتابعة القراءة والتفكير في طريقة مختلفة لمعالجة المهام المتراكمة. تركز الكاتبة على فكرة رئيسية في ترتيب قائمة المهام وهي: توضيح ما يجب استبعاده لا ما يجب فعله. أي أن تسوّف أو تؤجل بذكاء!

متابعة قراءة كيف تصبح مسوّف ذكي؟

ضع حدودك وانعم بالسّلام

خلال السنوات الثلاث الماضية ظهرت لي باستمرار وبشكل يومي منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تشجع على وضع الحدود الشخصية واحترامها. بعضها كان لطيفًا وملهمًا والبعض الآخر مليء بالغضب والأوامر غير المنطقية لنا كبشر. نعيش في جماعات ونأنس بالآخرين ونحبهم. هذا التأرجح في عرض موضوع مهمّ وحساس يضمن لنا عيش الحياة بصورتها الأفضل دفع فضولي في اتجاهات مختلفة. مرة اتحدث مع الأهل والأصدقاء عن تعريفهم للحدود وكيف يفعلونها في حياتهم اليومية؟ ومرة بالقراءة والبحث عبر المصادر الرقمية ومشاهدة مقاطع الفيديو والاستماع للبودكاست. لا أعلم حقيقة ما الدافع وراء موجة التصحيح والتحول لعيش أطيب، هل كانت الجائحة التي دفعتنا للشعور بأننا نوشك على الانتهاء؟ هل كان الانفصال الاجباري عن الآخرين؟ هل دفعنا بطريقة ما لتحليل كل نواحي حياتنا واكتشفنا أن المسبب الرئيسي لكثير من مطباتها: نحنُ؟

لم أجد إجابة بعد، لكنني عثرت على كتاب لطيف واقرأ فيه على مهل منذ شهر أو يزيد. اسم الكتاب Set Boundaries, Find Peace للكاتبة نيدرا غلوفر تواب. قرأت عدة فصول منه باللغة الإنجليزية. ومع أن نسخة عربية صدرت خلال هذا العام إلا أنني لم اطلع بعد عليها أو جودة ترجمتها. تهدف الكاتبة عبر كتابها هذا إلى تعريفنا بالحدود الصحية، كيف نضعها؟ وكيف نحقق التوازن بين جوانب حياتنا المختلفة – إن وجد ذلك حقًا – وكيف نستمتع بعلاقات جيدة مع الآخرين.

الكتاب مقسم إلى قسمين رئيسيين:

الأول يساعدنا على فهم أهمية وضع الحدود الشخصية وأنواعها وتعريفها، والقسم الثاني مرتبط بالعمل الفعلي وكيفية وضعها.

يتبع كل قسم مجموعة من الفصول التي كُتبت بلغة خفيفة وواضحة ومؤثرة، وبعد كل قسم تمرين مخصص لمراجعة ما تعلمناه. أحببت طريقة الكاتبة في اعتمادها على إجابة الأسئلة كتابيًا وهذا في ظني يترك الأثر الأفضل على الانسان. أن ترى كل شيء مدونًا أمامك: اجاباتك الحقيقية والشفافة على الأسئلة الصعبة، واستعدادك للتغيير والتحسين. سأشارك معكم في الجزء التالي من التدوينة ما اقتبسته من الجزء الأول في الكتاب. أتوقع أن يثير حماسكم لاقتنائه أو اكتشاف الكاتبة عبر ما نشرته من مقالات وتوجيهات بهذا الخصوص.

لكن ماذا نقصد بالحدود؟

الحدود هي التوقعات والاحتياجات التي تساعدك على الشعور بالأمان والراحة في علاقاتك. تساعدك التوقعات في العلاقات على سبيل المثال على البقاء بصحة جيدة. تعلم متى تقول لا ومتى تقول نعم هو أيضًا جزء أساسي من الشعور بالراحة عند تفاعلك مع الآخرين.

متابعة قراءة ضع حدودك وانعم بالسّلام

١٠ استراتيجيات لتصبح قارئًا أفضل

كنت لوقت طويل مصابة بحساسية تجاه الأدلة الإرشادية للقراءة. كيف تقرأ؟ متى تقرأ؟ ماذا تقرأ؟ والأهم من هذا كله فكرة طقوس القراءة. ربما لأنني اعتدت القراءة لأسباب كثيرة من بينها: التعلم، والترفيه، والاكتشاف، والسلوى. ولم أقبل بوضع أيّ من هذه التوجهات في إطار محدد وخطوات معينة.

لكنني مؤخرًا مررت بمقالة للكاتب ريان هوليداي الذي وجدت في متابعته واكتشاف كتبه متعة عظيمة! وجدت فيه أيضا شخص عبقري في تصوير الأفكار وتنظيمها بالكتابة. هذه المقدمة التي بدأت بها لأشارككم ١٠ استراتيجيات اقترحها هوليداي لنصبح قراء (وأشخاص) أفضل. لم تكن مثل الطقوس المقترحة التي أنفر منها أو المقترحات المستحيلة التي تقيدني بسلسلة كتب أو مؤلفين. هذه الاستراتيجيات (أو الأفكار) ستجعل من القراءة رفيقتكم في كلّ وقت، وإذا كان لديكم أيّ شك في أثر القراءة على الحياة، ربما هذه فرصة جديدة للتحقق بأنفسكم.

بلا إطالة، هذا ملخص استراتيجيات ريان هوليداي التي ترجمتها عن الإنجليزية.

١-توقف عن قراءة الكتب التي لا تستمتع بها

يشارك هوليداي هذه الفكرة الهامة ويذكرنا بأننا نتوقف عن تناول الطعام الذي لا يعجبنا، ونتوقف عن مشاهدة برنامج تلفزيوني إذا كان ممل، وفي نفس السياق نلغي متابعة الأشخاص الذين لا يقدمون ما يفيدنا. لماذا نفعل ذلك مع الكتب التي لا تعجبنا؟

ويذهب أيضا لمشاركة قاعدة مثيرة للاهتمام تقول: اطرح عمرك من ١٠٠ لتحصل على عدد الصفحات التي يمكنك قراءتها وإذا لم تأسرك، انتقل إلى كتابٍ آخر.  الطريف في الأمر أن تقدمنا في العمر يعني أننا سنستبعد الكثير من الكتب التي لا تنجح بكسب اهتمامنا بعد عدد صفحات أقل.

٢-اقرأ كجاسوس

أول مرة أتعرف على هذا التعبير! لكن قصد هوليداي من إضافته أن نتعمد القراءة وننغمس في تفكير واستراتيجيات الذين نختلف معهم. حيث إن فرص التعلم متاحة ويمكننا من خلال هذا التوجه تعزيز دفاعاتنا تجاه من يخالفنا الرأي.

٣-احتفظ بكنّاشة

أو كشكول، أو دفتر ملاحظات، أو كتاب اقتباسات! سمّه ما شئت لكنه سيكون مكانك المفضل سواء كنت ترغب في العودة لما قرأته وتعلمته أو لتحسين كتابتك ودعمها بالمراجع والصور والمقتطفات الأدبية. يرى هوليداي أن الاحتفاظ بكناشة جعلته كاتبًا أفضل وشخصًا أكثر حكمة.

بالنسبة لي، احتفظ بدفتر مشابه منذ سنوات وكلما ملأت أحدها أرشفته وبدأت آخر. أسميه «دفتر كلّ شيء» وهو كذلك. لا يشبه مذكراتي اليومية أو مذكرة مهامّ العمل لأنها تحمل طابع محدد وواضح: يومياتي، أحداث موسمية، مهام عمل متكررة، وملاحظات اجتماعات.

دفتر كلّ شيء يحتوي على اقتباسات، وأسماء أماكن وأشخاص، أفكار ومقترحات من متابعين لتدوينات أو حلقات بودكاست، وأحيانًا مشاعر مرتبطة بنصوص أو مشاهدات. أودّ تصنيف وترتيب هذه الكناشات بشكل أفضل مستقبلا فهي الآن بحر من الكلمات والعبارات المتقاطعة.

٤-أعد قراءة الكلاسيكيات

قرأنا الكثير من الكلاسيكيات في عمر مبكر، سواء بشكل مباشر أو ملخصات لها، أو رواها لنا شخص يكبرنا، وفي حالتي شاهدت كثير من الاقتباسات لأعمال عظيمة على شكل فيلم رسوم متحركة أو مسلسل تلفزيوني. السؤال المهمّ الذي يطرحه هوليداي: هل تذكرها بشكل جيد؟ هل قراءتك لها آنذاك مثل اليوم؟

لا يمكننا الاعتماد على تلك التجربة، أو قراءة هذه الأعمال العظيمة مرة واحدة. لأن العالم يتغير بشكل مستمر ونحن نتغير ورؤيتنا لتلك الأعمال كذلك. يقترح هوليداي عليك قراءة الكلاسيكيات في كلّ مرحلة من عمرك. ويستشهد بقول هيراقليطس: «إنّك لا تعبر النهر مرتين». ولهذا السبب ينبغي أن نعود مرارًا وتكرارًا إلى الكتب العظيمة.

٥-اقرأ القصص والروايات

أعتقد بأننا شهدنا الكثير من النقاشات حول جدوى قراءة الروايات والقصص مقابل التصنيفات الأخرى. لستُ أنوي تحليل هذه النقاشات أو إعادتها أو إطلاق شرارتها في هذه التدوينة.

يتحدث هوليداي في هذا السياق عن الخطأ الذي يقع فيه القراء عند استبعادهم قراءة القصص والروايات Fiction وتفاخرهم بذلك. والتبرير الذي يقدمه هؤلاء بحسب قوله إنهم مشغولون جدًا وليس لديهم وقت للفن أو الخيال. ويقول إن القصص والروايات هذه مثلها مثل كل الفنون الرائعة، مليئة بالإضاءات التي يمكنها أن تغير حياتك. ويمكنها أيضا أن تعلمك أكثر من الكتب الواقعية حيث إن هناك أبحاثًا علمية ربطت بين قراءة الأدب وتقليل التوتر، وصقل المهارات الاجتماعية، وحسن التعاطف مع الآخرين.

٦-أطلب توصيات الكتب من أحبّتك

اعتاد هوليداي خلال سنوات مراهقته في كلّ مرة يتلقي بشخص ناجح أو مهمّ ويعجب به أن يسأله: ما هو الكتاب الذي غيّر حياتك؟ إذا غيّر كتاب ما حياة شخص -مهما كان موضوعه أو أسلوبه- فمن المحتمل أنه يستحق الانتباه. وإذا كنت سأذهب لأبعد من اقتراح هوليداي وعندما نستنفذ كل التوصيات في دائرتنا المقربة، أحبّ اكتشاف المؤلفات التي يضعها الكتاب والفنانون عمومًا حول مكتباتهم والكتب التي مروا بها هذه نقطة انطلاق أخرى.

٧-ابحث عن الحكمة لا الحقائق

يرى هوليداي أننا لا نقرأ فقط للعثور على أجزاء عشوائية من المعلومات بلا جدوى. نحن نقرأ للوصول إلى الحكمة الحقيقية التي يمكننا تطبيقها في حياتنا اليومية.

٨- لا تعتمد على تجربتك الشخصية في التعلم

يقول الجندي والفيلسوف الجنرال جيمس ماتيس: «إذا لم تكن قد قرأت مئات الكتب، فأنت أميّ وظيفيًا». يخصص هوليداي هذه الفكرة لتوضيح أهميّة الاستفادة من المعرفة التراكمية. إذا كنت حصلت على أموال مستثمر لبدء مشروع جديد لا تهدرها بتجاهلك أخطاء وتجارب رواد الأعمال الآخرين. هو يقول بوضوح: اختصر الطريق واستبعد الأخطاء المتكررة بقراءة تجارب الآخرين. ابحث في التاريخ، والأدب، والمذكرات وأدرس هذه الحكايات وتعلم منها حتى لا تكون مقصرًا.

٩- الكيف مقدمًا على الكمّ

قد تكون هذه هي فقرتي المفضلة! يشير هوليداي إلى الأشخاص الذين يدخلون في سباقات مستمرة بقراءة الكثير من الكتب دون الالتفات لمحتواها. لست مضطرًا لقراءة مئات الكتب، بل إن القراء الذين يضعون لأنفسهم أهداف للقراءة مرتبطة بالعدد ولا يتمكنون من تحقيقها يصابون بالإحباط ويتوقفون عن القراءة تمامًا. اقرأ بانتباه، اقرأ بعمق وبشكل متكرر وليكن هدفك الحصول على الجودة لا العدد.

١٠-تجاوز حبستك القرائية (أو أي حبسة أخرى)

يقول هوليداي أن الطريق للحكمة ليس مستقيما والرحلة طويلة وغير مباشرة وعاصفة ومليئة بالمنعطفات. قد تكون عالقا في منعطف أو حفرة ما على هذا الطريق. يسميه الركود، وأسميه حبسة! قد نمرّ في فترات إرهاق أو احتراق وظيفي أو أن إحدى مشاغل الحياة اعترضت طريقنا ونحن منغمسين تمامًا في تجاوزها.

يقترح هوليداي فكرة جيدة للخروج من هذا الركود وهو العودة لقراءة شيء مؤثر ومحبب. بدلا من التقاط كتاب جديد وعشوائي أو إجبار أنفسنا على القراءة في موضوع لا نحبه. نعود لكتاب لامس حياتنا وأثر فيها. كيف يمكننا قراءته بشكل مختلف اليوم؟ ماذا عن النصوص التي ظللناها والاقتباسات؟ قد يكون هذا الكتاب رواية مفضلة أو قصص قصيرة. لهذا الوقوف أثر طيب، الأثر الذي ذكرني به هوليداي وأعود له دائمًا: إنّ هذه اللحظات تشبه فتات الخبز الذي يربطنا بأنفسنا ويعيدنا إليها.

أحبب قراءة هذه الأفكار كثيرًا وأحببت ترجمتها بتصرف طبعًا.

أتمنى أن تجدوا فيها شرارة تعيدكم للصفحات أو تدفعكم للقراءة بشكل مختلف.

أتطلع للتعرف على استراتيجياتكم المشابهة، وإذا كنتم قد طبقتكم الأفكار أعلاه من قبل، كيف كانت النتيجة؟

الكولاج: جاكلين دي باركر

.

.

.

٢٧ يوليو – Life Update

توشك عطلتي الطويلة على الانتهاء وأفكر في تدوينة مناسبة لهذه المرحلة. أحب دائما مشاهدة فيديوهات يوتوب والتدوينات المعنونة بـ Life Update والتي أترجمها هنا حرفيًا في عنوان مدونتي: تحديث حياة! نعم، هذا هو التحديث الأكثر أهمية منذ عودة اخوتي واجتماعنا أخيرًا. أقول عطلة طويلة لأنني اخترت فاصلًا هادئًا بين وظيفتين. لقد فعلتها مجددًا وانتقلت لوظيفة جديدة. هذه المرة قضيت المدة الأطول في وظيفة ثابتة -إذا استبعدت العمل الحر والكتابة الصحفية-. لم يكن الأمر سهلا لأن وظيفتي السابقة حققت الكثير من المتطلبات والأولويات الشخصية لكنها مع مرور الوقت أصبحت ضبابية ومبهمة بالنسبة لي وودت البحث عن وظيفة جديدة أوظف من خلالها مهاراتي بالشكل الأمثل.

لقد اختبرت نفسي خلال الأشهر الماضية في تجربة البحث عن عمل وحضور المقابلات ومراسلة الجهات بلا توقف. تحدثت عنها في تدوينة سابقة. وفي نهاية تلك السلسلة الطويلة من المغامرات الصغيرة خارج ما ألفته عن نفسي حصلت على فرصة جديدة وأتممت الإجراءات وقبلت العرض الوظيفي. وجاءت لحظة الاستقالة التي لم تربكني من قبل قدمت عدة استقالات خلال حياتي العملية التي امتدت لأكثر من ١٥ عامًا ولم أجد أي تردد أو أسئلة في داخلي. عندما أحسم أمري أقرر وأكتب الخطاب وأرسله. لكن هذه المرة كانت القائمة التي وضعتها للإيجابيات والسلبيات بين الوظيفتين متقاربة وربما رجحت كفة الوظيفة السابقة قليلا بسبب عامل التعود والراحة.

لم يطل الوقت كثيرًا وربما لأنني لا أود التفريط في فترة الإخطار لأحوّلها إلى إجازة أو مرحلة انتقالية إذا صحّ التعبير. كانت جلسة سريعة ومباشرة وخلال شهر واحد أنجزت مهامي وودعت مكاني في وزارة الثقافة بحفلة لطيفة وهادئة. استقبلت إجازة الحج بالأحضان وقضيت أولها في فوضى بلا تخطيط استمع لذهني وجسدي وألبي احتياجاتهما. أنام لتسع ساعات في اليوم وإذا احتجت قيلولة زدت عليها. اقرأ حتى تشعر يدي بثقل واترك الكتاب لانتقل إلى مقالات طويلة أو مشاهدة مسلسل محبب. أطهو الغداء واستمتع بتذوق مكونات مختلفة مع والدي.

عندما عاد الجميع لأعمالهم قررت العودة بالتدريج فمباشرة العمل قريبة ولا أريد الانغماس تمامًا في أجواء العطلة. استيقظ كل يوم في وقت أبكر من سابقه وأحاول العمل على مشروع أو على الأقل الاستعداد والخروج من المنزل للقاء صديقة أو القراءة في الخارج أو التسوق. ما أحاول فعله هو تأسيس روتين يومي منظم يساعدني عند البدء. مثل جرد الغرفة وترتيب الأدراج. أو قيادة دراجة للتعلم ومن ثمّ إزالة عجلات التدريب. كلها ستضعني في مزاج جيد إذا بدأت العمل وسيكون شكل يومي واضح من البداية للنهاية.

التزمت خلال شهر بالتالي-وأقول التزمت لأنني لم أترك لنفسي أي مجال أو عذر للتهرب:

  • تدوين اليوميات في موضوع وحيد وثابت: ماذا قدمتِ لنفسك اليوم؟ والفكرة هنا تدريب على اكتشاف أين يذهب وقتي؟ وإلى أي مدى أملك منه ما احتاج. هل جدولي سهل البعثرة من قبل الآخرين؟ هل ألزمت نفسي بمهام لا تعنيني أو ترهقني لكسب رضا من حولي؟ كل هذه الأسئلة يعالجها تأمل يومي بسيط من خلال الكتابة. ماذا قدمت لنفسك اليوم؟ قرأت رسائلي، قرأت عدة صفحات من رواية جميلة، جهزت الغداء، مشيت ثلاثين دقيقة، استغرقت في النوم باكرًا.. الخ.  
  • تخصيص ما لا يقل عن ٣٠ دقيقة يوميًا لنشاط بدني. لم أصعب الأمر على نفسي، يمكن أن يكون مشي بسرعة متوسطة، أو رقص أو تمرين يوغا أو تمدّد طويل استعيد معه مرونتي.
  • تناول ٨٠٪ من وجباتي الأسبوعية في المنزل. لا طلبات خارجية إلا في الحالات القصوى أو عند الخروج. لقد أدمنت خلال العامين الماضية الأكل الخارجي حتى وإن كان مصنفًا بالأكل الصحي وظهرت علامات هذا الإدمان على ميزانيتي وجسدي.
  • العودة لمفضلة يوتوب المكدسة واكتشاف فيديو مفيد وقصير (أقل من ١٥ دقيقة) كلّ يوم.
  • التخلص من تعدد المهام والعمل على أكثر من شيء في وقت واحد (أقرأ كتاب مثلا وأشاهد مسلسل أو أجري محادثة هاتفية وأقرأ مقال في نفس الوقت لأن هذا السلوك سبب لي تشتت شديد وانعدام الفائدة أحيانًا)
  • القراءة الحرة بلا تحديد أو تخصيص. بعد وقت طويل من القراءة بكثافة لأجل العمل أو مشاريعي المستقلة شعرت بشوق عارم لقراءة الروايات، والقصص القصيرة والشعر. أمدّ يدي لمكتبتي وأختار مجموعة وابدأ القراءة وإذا لم يعجبني كتاب لا أجبر نفسي على إكماله لأن الهدف الأساسي هنا الترفيه.

أنوي المحافظة على هذه العادات الأساسية في الفترة القادمة فهي الأنسب ليوم عمل يمتد من التاسعة صباحًا إلى الخامسة مساء وفي نفس الوقت يسهل علي الالتزام بها والاستمتاع بالإضافة إلي ذلك بحياة اجتماعية ممتعة.

كيف تبني يومك المؤثر؟

في تدوينة نشرت قبل أسبوعين تقريبا على  Zen Habits كتب ليو باباوتا عن موضوع بناء الأيام وكيف تصل مع الوقت والمران ليومك المؤثر. وجدت فيها تقاطع كبير مع ما بدأته مسبقًا لذلك سأشارك أهم المبادئ التي ذكرها الكاتب:

المبدأ الأول: المواءمة بين أهدافك.

إذا كان وقتك موزع على أشياء غير مهمة وأساسية وذات أولوية على المدى البعيد في حياتك. ستقضي جزء كبير من مستقبل في الندم للأسف. لذلك يقترح الكاتب طريقة جيدة لاكتشاف أهداف مصغرة من أهدافك الكبرى.

  • ضع أهداف متوسطة المدى من ٦ أشهر إلى سنة. ما هي أهدافك في العمل؟ والحياة الشخصية؟ والاجتماعية.
  • قسم الأهداف تلك إلى أهداف شهرية متوافقة معها، وهذا يتطلب مراجعة وتقييم كل أسبوع مثلا.
  • كل يوم اختر ١-٣ مهام تتواءم مع هذه الأهداف المصغرة. تفكيك الأهداف وتقسيمها إلى مراحل يساعدك أكثر في ضبط الوقت واستبعاد ما لا تحتاجه.

المبدأ الثاني: إعادة بناء تركيزك.

يوجهك تحديد الأهداف في المبدأ السابق إلى معرفة ما تريد التركيز عليه. لكن العمل عليها في وقت واحد أو التشتت بينها لا يعني بالضرورة نجاح مهمتك.

لذلك يقترح الكاتب الخطوات التالية:

  • اختر شيء واحد فقط لتركز عليه.
  • إذا كنت تعمل على جهاز الكمبيوتر مثلا: ضع الشاشة في وضعية التركيز واستبعد كل التطبيقات الأخرى لتكرس وقتك لمهمة واحدة.
  • هذه هي الخطوات التي تحتاجها، وفكر في كل شيء تفعله كيف يمكنك تطبيق وضعية ملء الشاشة عندما تتمرن أو تلتقي بصديق؟ وهكذا.

المبدأ الثالث: ابتكار طرق تحفزك على التركيز

لتجنب المماطلة والغرق في الملهيات أو الشعور بالملل، ابحث عن طريقة تحفزك داخليا. ويرى الكاتب أن الأفكار التالية ستخدمك:

  • اللعب – كيف يمكن أن تكون هذه المهمة ممتعة؟
  • السهولة – كيف يمكن تسهيلها؟
  • الفضول – هل يمكنني تعلّم شيء بينما أنجز هذا العمل؟
  • الخدمة – كيف يخدم هذا الشيء الأشخاص الذين أهتم لهم (أو كيف يخدمني؟)
  • الحب – هل هذه المهمّة تعبير عن الحبّ؟
  • الاتصال – كيف تربطني هذه المهمة بالآخرين؟
  • ابحث عن أفكار أخرى تناسبك واطرح أسئلة مشابهة.

المبدأ الرابع: إيجاد إحساس بالحيوية في يومك

يقترح الكاتب النظر ليومك بشكل متكامل، لا تركز فقط على مهام بعينها إنما على تجربتك طوال اليوم. كيف يكون يومك حيوي وفعال؟ اسأل نفسك الأسئلة التالية:

  • هل تبحث عن الشعور بالرفاهية؟ كيف يمكنك الوصول إليها؟ النوم الجيد، الحركة والغذاء الطيب والرعاية الذاتية؟
  • هل تشعر بقيمة ومعنى ما تفعله؟
  • ما مدى ارتباطك بالآخرين خاصة أولئك الذين يهمونك في حياتك؟ كيف يمكنك تحسين التواصل معهم؟ هل يمكنك تحقيق التواصل الأفضل مع الآخرين بينما تعمل على أهدافك الشخصية؟
  • كيف تشعر بالإلهام والحيوية طول اليوم؟ وكيف يمكنك الحصول على المزيد من ذلك؟

ويختم الكاتب التدوينة بتفضيلاته الشخصية لإيجاد يوم ملهم وحيوي: يتساءل، ويشعر بالفضول، والحب، ويركز أيضا على المغامرة واللعب والفرح. كل منا لديه قائمة تخصه سيكتشفها مع العمل بالقرب من نفسه والاهتمام بها.

هذه هي تحديثات للفترة الماضية، أشعر بانتعاش وراحة وأقارن شهر يوليو هذا بمثيله في العام الماضي. كانت سنة اختبار واكتشاف وأنا سعيدة بما وصلت إليه هنا والآن. كيف أعزز شعور الرضا والراحة بالرغم من انتقالي لمساحة جديدة في العمل والحياة بشكل عام، هذا ما سأحاول اكتشافه ومشاركة تفاصيله معكم هنا.

شكرًا لكم دائمًا

للقراءة والمشاركة والمتابعة المستمرة.

Painting by: Floris Verster

.

.

.