حلم ليلة صيف

على الطاولة المجاورة للسرير نسخة من ملاحق الأحد لنيويورك تايمز بتاريخ ١٧ يونيو. في الزاوية قبعة احتفالات فيها ريش وألوان، فهمت من شكلها إنها قبعة عيد ميلاد لكنّها لا تخصني ولا أعلم كيف وصلت هنا. أزواج من الأقراط، قمصان متراكمة على الكرسي، وحقيبة العمل مرتبة جيدًا، يتدلى منها شريط بطاقتي الوظيفية. هناك العشرات من الرسائل التي لم أجد الوقت للردّ عليها، ثلاثة كتب تُقرأ دفعة واحدة، والكثير من الرفوف التي انهارت في رأسي خلال الشهرين الماضية.

يونيو كان شهر المرّات الأولى بامتياز!

ليلة عيد الفطر وبينما كنت أرتّب حقيبتي للسفر، على الرف القريب كتاب ثلاثية نيويورك لبول أوستر، وضعت الكتاب في الحقيبة ونظرت إليه وقلت: سيوقّع بول أوستر هذه النسخة. كنت قد اشتريت تذكرة لحضور حوار سيدور بينه وبين فيليب بيتي، المخاطر العظيم الذي قد يعرفه الكثير منكم من فيلم Man on Wire The Walk. أعترف بأنّ الهدف الأساسي من حضور هذا الحوار هو فرصة الحديث السريع مع أوستر، لكنّ فيليب بيتي أذهلني. أذهلني التزامه، واهتمامه بحرفته التي مهما بدت مجنونة لي وللكثير ممن يعانون من رهاب المرتفعات وأوستر منهمإلا أنها تقع في إطار العمل الإبداعي. لكنها قصة أخرى ولا أعلم لما أشعر بأن هذه التدوينة ستكون حفلة من الاستطرادات.

وقبل المضي للأمام في الحديث عن رحلة نيويورك، أحبّ أن أخبركم بأن أوستر وقع النسخة العربية من روايته، وسأل عن جهة النشر وهل هي لبنان؟ وأجبت نعم. التقطت أختي صورة ليست مثالية لأنني كنت أقرفص بجوار الطاولة حتى أظهر وهو على نفس الارتفاع. في وقتٍ ما لاحقًا قد أطبعها وأشعر بالزهو تجاه هذه اللحظة السعيدة.

في نوڤمبر الماضي حضرت فعالية نظمها فندق حياة ريجنسي في الرياض، بحضور ممثلي التسويق والإدارة من بارك حياة نيويورك. كان الهدف من الفعالية عرض الغرف الفخمة بعد إعادة تأهيلها، وإطلاق خدمات مميزة للزوار من الخليج والعالم العربي عموما. مع مجموعة أخرى من الحضور حصلت على قسيمة تمنحني خمس أيام/ست ليالي من السكن المجاني في الفندق.

كانت لحظة غير متوقعة بالنسبة لي، فلم يسبق وجرّبت السكن في نيويورك بهذه الميزانية (ألف دولار تقريبًا لليلة). كانت الفكرة مجنونة إلى حدّ استحالتها، لكنها كانت دافع جيد لعطلة قصيرة للاستفادة من أيام مجانية واتمامها في سكن منخفض التكلفة لاحقًا. اشترط الفندق استخدام القسيمة قبل ديسمبر ٢٠١٩م. كنت انتظر وقت مستقطع وبدت إجازة العيد مناسبة للعزلة وإعادة ترتيب نفسي.

وصلت للفندق يوم العيد وكان الاستقبال رائع، والغرفة مجهزة بلذائد متنوعة من نيويورك، مع بطاقة وقعها مدير الفندق شخصيًا. تذكرت حينها حلقة توم وجيري عندما ربح المليون، وسكن في غرفة على بارك آفنيو. مشهد الإفطار والبيض والستيك، والغرفة الفاخرة. كنت أضحك واستعيد المشاهد بالترتيب كلما مررت بزاوية في الغرفة.

الغرفة مجهزة بأثاث صُمم خصيصا للفندق. من الخزانة التي تشبه صندوق كنز إلى ركن القهوة والمشروبات والمكتب. وصولًا إلى السرير الذي ودعته بالأحضان. لم يسبق لي تجربة فراش مثله وعندما قرأت المراجعات والتعليقات التي كتبها من جربوا السكن في الفندق وجدت أننا نتشارك الفكرة نفسها.

تحدثت خلال إقامتي مع مسؤولة التسويق في الفندق وأخبرتني عن توجههم الجديد وخدماتهم المخصصة للزوار من الخليج والعالم العربي. كما يشير الشعار العامّ للفندق الرفاهية شخصيةكل شيء تحتاجه سيتمّ توفيره لك وسيتم تطويع الغرفة لتخدم احتياجاتك. طلبت منهم خلال إقامتي محول للتيار الكهربائي، وطلبات أخرى لم أتوقع توفرها في وقت قياسي وتم توفيرها. أيضًا سيتم تحديد القبلة في الغرفة بملصق على الجدار، وسيوفرون سجادة ومصحف عند الطلب. أبلغت المسؤولة بأننا نحدد القبلة اليوم بالجوالات الذكية والمصحف كذلك، ونحمل معنا السجادة الخفيفة والمناسبة للسفر. لكنها لفتة جميلة ومهمة لمن يحتاجها. أيضا خُصصت قائمة بالأطعمة الحلال التي لا تحمل فقط الاسم، بل إن كافة اللحوم المقدمة على هذه القائمة ستكون مذبوحة وفق الطريقة الإسلامية وستحضر عند الطلب. قالت المسؤولة أيضا بفخر: نستطيع تركيب شطاف في دورة المياه في حال رغبة الساكنين. حسنًا هذه فكرة جيدة الآن. تحدثنا في الاستراتيجية التسويقية وأظن أنني تحولت حينها إلى ساكن يثير الضجر، فكلما اقترحوا تجربة شيء أو فكرة رددت عليها. الحق يقال أن الفندق رائع وفرصة لمن يبحث عن مساحة فاخرة للسكن في نيويورك. شخصيًا وكما بدأت هذه القصة استبعد فكرة السكن بهذه الميزانية لليلة، وأفضل دائما الفنادق الأصغر، الأقرب لحياة المدينة الملونة والمتنوعة.

في الجزء الثاني من الرحلة جربت السكن في Welive  وإذا كان الاسم يذكركم بـ Wework مساحة العمل المشتركة الأشهر في العالم، نعم هذه هي النسخة السكنية من الشركة والآن موجودة مبدئيا في نيويورك وواشنطن العاصمة.

في البناية وحدات سكنية متنوعة تتاح لفترات قصيرة أو طويلة (ستة أشهر وأكثر) وأسعارها مناسبة لمن يزور المدينة للعمل والتعلم. في كل دور شقق واستديوهات، وغرف صغيرة. ومطبخ مشترك مجهز بالكامل بالإضافة للمطبخ في وحدتكم الخاصة إذا حجزتوا شقة أو استديو+

في البناية مطابخ مشتركة كبيرة، وقهوة طازجة طوال اليوم، وماء، وألعاب وكتب ومساحات للعمل بالإضافة لفرع ضخم من Wework يمكن للأعضاء الوصول إليه من داخل الاستقبال. لا أعرف ماذا أسمي هذا المكان، هل هو فندق؟ سكن تشاركي؟ هو في مكان أعلى من بيوت الشباب لكنكم لن تفقدوا فرصة الاستمتاع بالتعرف على المسافرين والساكنين. في إحدى الأدوار مثلا، هناك غسالات ونشافات لغسيل ملابسكم وتجفيفها وبينما تنتظرون الغسيل، هناك ألعاب متنوعة إلكترونية وتقليدية وفرصة للحديث مع الآخرين.

في الدور الأرضي مطعم ومقهى يقصده العمال والموظفين خلال ساعات النهار فالبناية تقع على وول ستريت. يقدمون خيارات كثيرة من السندويتشات والسلطات والمشروبات المنعشة. سيكون خيار جيد لو أحببتم تناول وجبة قبل الانطلاق لاسكتشاف المدينة.

أحببت أن محطة وول ستريت وخط١ من المترو قريبة جدًا، لذلك كان الخروج والعودة حتى في أوقات متأخرة غير مفزع بالنسبة لي. سكنت وأختي استديو+ الذي يتوفر به سرير لشخصين تقريبا داخل جدار وله أرفف وستارة تحجب الضوء، بالاضافة لأريكة في الصالة يخرج من خلفها سرير آخر لشخصين. في الغرفة انترنت عالي السرعة، تلفزيون وتكييف ومطبخ مجهز مع أواني مناسبة لطبخ وجبات خفيفة وميكرويف.

من المهمّ الإشارة إلى أن الفندق لن يقدم لكم خدمة الغرف، وحتى المناشف والشراشف لو فكرتوا في تنظيفها فستفعلون ذلك بأنفسكم في دور الغسيل.

أحببت على أنه فندق بمساحات مشتركة كثيرة إلا أن العبور بين الأدوار والدخول إلى الغرف لا يتمّ إلا باستخدام بطاقة، ولا يمكنك التجول بدونها.

إذا كان للرحلة ثلاث مشاهد رئيسية فإن المشهد الثالث سيكون درس أساسيات الخبز الذي حضرته في Le Pain Quotidien وهي سلسلة مخابز ومقاهي شهيرة تأسست في بروكسل البلجيكية في بداية تسعينات القرن الماضي. حضرت درس مدته حوالي أربع ساعات. قضيتها وستة مشاركين وقوفًا لنصنع رغيف حياتنا الجديدة! كلنا جئنا من مناطق مختلفة، وكلنا متحمسون لإتقان خبز الباغيت الفرنسي، أو فطيرة الشوكولا، أو رغيف الخبز بالزبيب. عجينة واحدة جهزناها وعجناها بيدينا، وخمرناها وخبزناها. لتخرج بأشكال مختلفة. لم نصدق اللحظة التي خرجت فيها الأرغفة من الفرن، واستقبلناها بالزبدة المملحة والمربى. كان يوم مدهش، حملت معي الخبز هدية لصديقة، ومجموعة أوراق تلخص الدرس لأعود إليها لاحقًا في الرياض.

في هذه الرحلة لم أشتري كتب، ولم أزر متاحف باستثناء المركز الدولي للتصوير الفوتوغرافي-. كانت الرحلة للمشي، للأحاديث الطويلة، واكتشاف أبعاد جديدة في نفسي، وأكثر.

لو لخصتها في قائمة لذيذة (لأنني أحبّ القوائم) ستكون كالتالي:

جولة طويلة على الأقدام في هارلم.

حضور مهرجان أفلام بروكلين.

فستان أصفر سأعيش فيه حتى نهاية الصيف.

لفائف اللوبستر من Lukes Lobster, The Dutch, The Smith.

مطاعم مكسيكية El Encanto De Lola 2, Tacombi.

أقراط لؤلؤ.

دجاج مقلي حتى الشبع في Sweet Chick.

مسرحية Burn This لآدم درايفر وكيري رسل.

دونت بالكريمة بعد العاشرة ليلًا في The Donut Pub الذي يعمل لـ٢٤ ساعة بالمناسبة.

مطعم إسباني بعروض فلامنكو حيّة Nai Tapas.

الكتاب الذي رافقني في الرحلة The Sound of Paper لجوليا كاميرون.

المشي حتى ساعات الصباح الأولى في تشيلسي.

اللقاءات التي لم يُخطط لها.

علّمت منى أختي نظام المترو وخطوطه والاختصارات وقررت أنّ نيويورك لم تعد مدينة مكروهة بالنسبة لها.

السالمون المدخن والبيض كل صباح.

ميلاد الصيف وقت جميل من السنة لم أجربه من قبل.

عطر صيفي سيعيش معي طويلا واسمه رائع مثله تحت أشجار الليمون“.

المطاعم والمقاهي المفتوحة على الشارع.

قضت هذه التدوينة وقت طويل في مسودة، وكلما حاولت إضافة المزيد من التفاصيل إليها شعرت بصعوبة المهمّة. قررت نشرها هذه الليلة لأتخفف من انتظار آخر.

.

.

.

غُرف دافئة نحبّها

مضى وقت طويل على آخر مرّة كتبت فيها هنا (شهرين ويوم بالتحديد)

إنّها أطول مدة لا تزورني فيها حتى أفكار للتدوين، ولا رغبة في الكتابة، أو الجلوس لها.

اقرأ كثيرًا هذه الأيام، اقضي ساعتين يوميًا في قراءة المقالات والأخبار والقصاصات التي جمعتها لسنوات. كأنني أحاول استعادة شيء هرب منّي على حيِن غفلة. في نهاية التدوينة الماضية قلت لنفسي: أريد أن أهدأ. وهدأت. وسمحت للآخرين بمساعدتي، وتوصلت لهدنة مع القلق، وسرت أيام وأيام بلا خطة.

لديّ أصدقاء جدد، ووجهات جديدة تنتظر. وشركة وليدة أحاول كل يوم تجهيزها للخروج للعلن. ولستُ أتحدث عن سجل تجاري أو عقود أو وجود فيزيائي، انتهيت من كلّ هذا. لكن الموقع، والمحتوى الرقمي الذي ستتحدث من خلاله للعملاء والمتابعين، في مسودة منسية على جهازي.

لا بأس.

كان عليّ أن أجازف بتأخر العمل في سبيل التحرر من القلق، وتقييمي المنخفض لقدراتي الإبداعية.

حبسة كاتب من نوع خاصّ لأن الكتابة في هذه الحالة هي تسويق، ودعم لشركة لن تتحرك خطوة إلى الأمام ما لم يكن وجودها الإلكتروني محفزًا لعملائها.

* * *

خلال ساعات العمل اليومية نسرق بعض الدقائق للحديث عن أي شيء، عن كلّ شيء في الحياة. وذات مرّة وصلنا للحديث عن أسرتي، عن أخواتي وعن حياتنا معًا.

علقت إحدى الزميلات بأنّها تشعر بقوة علاقتنا (أنا وموضي ومنى). كأننا أسسنا تحالف قديم، وبقية الأخوة لا ينتمون له أو ينتمون له بنسبة مختلفة.

نعم، أجبتها.

لقد قضينا عدة سنوات سوية دون مقاطعة، تعرفنا على الحياة والأشياء، تعرفنا على أنفسنا معًا.

الفارق العمري بين منى (أصغرنا) والأخ التالي حوالي ٥ سنوات. والفرق بيني (الكبرى) وأخي الأصغر تسع سنوات، و٢٠ سنة تفصلني عن حصة (الاخت الصغرى).

قلت أنّ الأخوة الذين يأتون لاحقًا مثل غرف إضافية في منزل اكتمل بناؤه، غرف تختلف في لونها وأثاثها وموقعها من المنزل. لكنّنا نحبها بالقدر ذاته، نحب دفء الشمس فيها. نحبّ جدّتها وغرابتها ونحب أنفسنا ونحن نتعرف عليها ونحاول الاندماج.

أحبّ اخوتي بلا حدّ، السابق واللاحق منهم، أحبّهم وأود لو أنني أخبئهم في قلبي، من ألم الأرض، وصعوبة الأيام، وكل أذى يلتهمني قبل التهامهم.

* * *

وبما أنني أتكلم عن الحبّ وحتى لا تطول هذه التدوينة كثيرًا، إليكم أشياء أحببتها خلال الشهرين الماضية:

.

.

.

مباهج يومٍ غائم

 

.

.

هذا المساء طلبت كاميرا كنت أحلم بها لأكثر من سنتين! كنت أؤجل شراء الكاميرا ليس بسبب عدم قدرتي على تحمّل التكلفة، لكن مع ترتيب الأولويات الشهري تهبط تدريجيًا لأسفل القائمة وتختفي. درّبت نفسي على الصبر والانتظار، ذهبت في رحلتين لنيويورك وتمنيت بصدق أن تكون رفيقتي لتصوير الحياة في الشارع لكن قيمتها كانت توازي سكني لنصف الرحلة، أو تناول الطعام في أماكن مدهشة، وحضور حفلات موسيقية وشراء الكتب وغيرها من التجارب التي لا تقدّر بثمن. بعد التأجيل تواصلت مع متجر قمرة وطلبتها من خلال المتجر الإلكتروني، خدمة التوصيل تعد بوصول المنتج من ١٣ أيام عمل، والتوصيل مجاني داخل مدينة الرياض. سأخبركم بتجربتي حال اكتمالها لكنّي سعيدة، على الرغم من أنني لا أعرف كيف سأكمل الشهر وحسابي البنكي يعاني من الثقب العظيم الذي تركته الكاميرا. كفكرة مبدئية: لا يمكن أن يكون الوضع سيئًا جدًا، ولديّ الآن كاميرا مستعملة من طراز Nikon-D40 باستخدام نظيف وعدسات وملحقات ممتازة سأعرضها للبيع وستصنع حلا لنهاية الشهر.

* * *

قرأت هذا المقال الذي يقدم نصائح مختلفة في تجهيز الوجبات وتذكرت بأنّي وعدت بعض المتابعين أنني سأدون عن تجربتي في تجهيز الوجبات الأسبوعية، وكيف قللت من مصروفاتي بشكل مذهل! بالاضافة طبعًا إلى التحكم في عاداتي الغذائية خلال ساعات العمل الطويلة. سأضع موعد لهذه التدوينة وأقول بأنها ستكون يوم السبت المقبل، وهنا ألزم نفسي بتصوير طقوسي وكتابة قائمة من الملاحظات لمشاركتها هنا.

* * *

إلى أي مدى أنتم متعاطفون مع أنفسكم؟

شاهدوا هذا الحديث الذي قدمته الدكتورة كريستين نيف، واختبروا أنفسكم على المقياس الذي وضعته للاجابة على هذا التساؤل.

* * *

الخبراء يقولون أن الضجر الشديد مرتبط بالابداع، خبر ليس بجديد وأعلم بأنّكم قد جربتم حالات الحبسة الإبداعية التي تغرقكم في الضجر ثمّ ينبثق منها النور. لكن قراءة هذا المقال ممتعة.

* * *

عندكم مشكلة في نسيان ما تقرأونه؟

قرأت هذه المقالة التي تلخّص الحلّ في:

١اعطاء أنفسكم المساحة للتذكر، العقل يحتاج لمسافات بين المعلومة والأخرى ليستوعبها لأن الإعادة والتكرار ستصيبه بالملل

٢الاستفادة من أثر زيجارنك، الذي يقول بأنّ الانسان يتذكر الأشياء عندما تتركها بلا اكتمال ويبقى متأهبًا للعودة إليها (وهنا الفكرة بتفصيل أكثر)

٣تقسيم المادة الجامدة لقطع أصغر

٤صناعة مسار ذهني مثل ممر في قصر أو منزل وتوزيع صور ذهنية للمعلومات الهامة التي تودّ تذكرها على امتداد الطريق

* * *

يوم أمس وفي محاولة مني لصناعة أجواء عمل ملهمة، حوّلت جهازي المكتبي لشاشة تلفاز وشاهدت الفيديوهات التالية وكانت النتائج منعشة:

.

.

.

الربيع في المدينة.

tumblr_mvpggzkqkw1r7usiko1_1280
Ouders Van Nu Magazine ( NL) Difficulty of Socializing in the suburbs

قررت العودة للكتابة عن اختيارات نهاية الأسبوع مساء البارحة. أشعر أن الالتزام بروتين كتابي في أي موضوع سيعيد شهية الكتابة تدريجياً. أذكر دائما بأنني كلما ناقشت حبستي في تدوينة عاد الحبر للتدفق وهكذا. الأسبوع القادم نكمل شهرنا الأول في بيتنا الجديد بالرياض. الأشياء تأخذ وجهها الحقيقي، أشعر بالراحة وتخففت من ضغط البعد وتوتر التخطيط للانتقال. ما زالت الفوضى في غرفتي عارمة. لا خزانة ولا سرير مريح حتى الآن. ومكتبتي في صناديقها تنتظر الرفوف الجديدة. لكنني انتظر لأنّ الأشياء عندما تتمهل تأتي بشكل جيدصباح اليوم دعوت قريباتي لفطور متأخر، أعددت قائمة الأطعمة وتسوقت بحماس. تحدثنا عن أيامنا الماضية واحتفلوا بي بهدية لطيفة تذكرني بالابتعاد عن الدراما!

marshmallow-leaf-flower

تذكرني ابنة عمي بمعلومة اخبرتهم بها الأسبوع الماضي، وأنها اخبرت بها كل من قابلته لأنها ببساطة مدهشة. المعلومة تقول أن حلوى الخطمي “المارشمالو” تأتي من زهرة لها نفس الاسم Marsh Mallow وهذه الزهرة -من فصيلة الخبازية- استخدمت من عصر المصريين القدامى لعلاج آلام الحلق وكثير من الالتهابات. كانوا يمزجون خلاصتها مع العسل لتقليل المرارة ويتناولونها للعلاج. استمر الأمر كذلك حتى القرن التاسع عشر عندما فكر الفرنسيون في اضافة بياض البيض والسكر للوصفة كي يتقبل طعمها الأطفال ويستفيدون منها كعلاج. الوصفة تسببت باكتشاف حلوى شهية راقت للجميع ومنها جاءت المارشمالو التي نتناولها اليوم. أخبر زميلات العمل بقصص مثل هذه كلّ يوم، يصبح اليوم خفيفاً عندما تتعلم وأنت تعمل، عندما تجد خلال الركض مساحة للعودة لحياتك. والعودة لحياتي يعني الترجمة والكتابة والقراءة بالتأكيد.

انتاجية

jh_boredbrilliant_AA_colormind_Marquee2

اكتشفت هذا الاسبوع پودكاست جديد يدعوكم للشعور بالضجر، نعم الضجر ويقترح الانفصال عن هواتفنا الذكية لتأمل الحياة والبحث عن الهام بعيدا عن النقر والتصفح. الپودكاست يقدم لكم مجموعة من التحديات لتطبيقها مع شرح مبسط لها في حلقة مسموعة. الانفصال من الهاتف تدريجياً سيمنحكم مساحة أكبر للتفكير الابداعي. كل ما عليكم فعله هو التسجيل في النشرة البريدية وستصلكم المهام المطلوبة منكم. سأحاول بشدة تطبيق التحدي لأنني أبحث عن مزيد من الانتاجية والابداع في ٢٠١٥، وهذا ما يعدني به الپودكاست.

فوتوغرافيا

أيضا عدت لاكتشاف مصور اذهلني العام الماضي وهو التشيكي جوزف كوديلكا. مشاريعه في التصوير تركز على الحياة والمجتمع، الطقوس والشعائر على وجه الخصوص. والتقط مجموعة رائعة مع الغجر ولذلك اعجبت بصوره وتأملتها طويلا. هنا وثائقي قصير عن المصور يستعرض حياته وأهم أعماله وأسلوبه.

مفضلات جديدة

خلال الشهر الماضي جربت التسوق من أكثر من مكان ووجدت أن سوبرماركت الدانوب كان الخيار الأفضل والأقربلي. هناك كثير من الخيارات الصحية، والخضروات والفواكة الطازجة واللحوم،هناك مخبز جيد وبضائع مستوردة، وركن للمجلات، وكل شيء يمكنني التفكير فيه موجود. الأسعار أيضاً أفضل من التميمي وكارفور. ربما وجدت مكان أفضل للتسوق مستقبلاً لكن الدانوب سيكون صديقي حتى ذلك الحين.

مخرج

تحدث بين القارئ والرواية ظاهرة تشبه ظاهرة تحميض الصور، التي كنا نمارسها قبل العصر الرقمي. من لحظة تداولها في الغرفة المظلمة تصير الصورة شيئا فشيئا مرئية. كلما تقدم المرء في قراءة الرواية، تحدث عملية التطور الكيميائي نفسها. لكن حتى يوجد مثل هذا الاتفاق بين المؤلف والقارئ، من الضروري ألا يجبر قط المؤلف قارئه، بالمعنى الذي يقال عن مطرب يفرض صوته، ولكن يشده بشكل لا يحسه ويسمح له بهامش كاف حتى يشبعه الكتاب تدريجياً، وذلك عبر فن يشبه الوخز بالإبر، حيث يكفي أن توخز الإبرة في مكان محدد حتى يشيع التدفق في كل النظام العصبي.”

باتريك موديانو

قدم هنا وقدم هناك

New York -Spetember 2014

لقد فعلتها!
انتقلت رسمياً إلى الرياض، وقبل نهاية العام. الآن انتظر انتقال بقية العائلة. واستمتع بالبدايات في عمل جديد. جديد كلياً علي. لم يسبق لي العمل خارج نطاق التعليم والتدريب وإن تعددت أشكال الوظائف التي استمر العمل فيها أكثر من ثلاثة أشهر. عملت لفترات متقطعة في الصحافة. لكن العمل الذي لم أتوقف عن أداءه أبداً كان: الكتابة. انضممت في نهاية ديسمبر لشركة ريز للتسويق الالكتروني، وهي شركة سعودية متخصصة في التسويق عبر الشبكات الالكترونية. فريق العمل في ريز مبدع وفي الرحلة بين التاسعة والخامسة مساء من كلّ يوم الهام جديد ومنعش! إنها المرة الأولى التي أحمل فيها مسمى وظيفي “كاتبة” لو استثنيت طبعا فترة العمل بالصحافة التي لم تكن وظيفة رسمية لي. هل يهمني ذلك؟ نعم جداً، هذا يؤكد أن الكتابة كعمل شيء مهم كالتنفس والغذاء والعلاج. ولو تحدثت عن مجال عملي بالتحديد كلّ الحملات التسويقية تعتمد على الكلمة قبل الصور والموسيقى. وبعد البدء بالعمل جاءت مرحلة شرح. طبيعة العمل لمن حولي وأخذت الطريق الأسرع: ابحثوا في غووغل عن مصطلح “كاتب اعلاني”. أو شاهدوا مسلسل Mad Men.

فعلتها.

قدم في الرياض وقدم في الجبيل حالياً. والسبب؟ قطتي هناك، ومكتبتي. اعتقد أن المرء لا يغادر المدينة تماماً، لا ينتقل بالكامل حتى يحمل كتبه معه. كتبي وحصاد السنوات من الورق والذكريات والصور وكل قصاصة دسستها لأعود إليها لاحقاً. قدمي الأخرى هناك حتى تصبح كل الصناديق معي.

مضى أكثر من أسبوع على آخر وثائقي شاهدته، على آخر فكرة عشوائية بدأت بها بلا استعداد. منذ بدء العمل وانتقالي للرياض كل شيء محسوب بدقة. أحاول استخدام كل الاسرار والنصائح التي ستساعدني في تنظيم وقتي. ما زلت ابحث عن توازن. أنام بشكل جيد، آكل بشكل متوسط، وتوقفت عن ممارسة الرياضة للأسف. أريد مزيد من الترتيب وأخشى على نفسي من الانزلاق في دوامة العمل ثم النوم ثم العمل من جديد.

انتهيت من رواية لرينيه الحايك بعنوان “صلاة من أجل العائلة” كنت بحاجة لشيء لطيف لملء وقتي ولتفاصيل، الكثير من التفاصيل الحميمة لحياة أحد. هل كنت أبحث عن مخرج من قلقي الحالي وانتظاري لانتقال عائلتي إلى جانبي؟ نعم بالتأكيد. الرواية جميلة جداً ولغتها ممتعة. اعتقد بأنني سأبحث عن كتب أخرى لرينيه وأتمنى أن تكون بنفس مستوى المتعة.

شاهدت قبل نهاية ديسمبر المسلسل الذي أُنتِج من قبل استديوهات أمازون “Mozart in the Jungle” المسلسل يتناول موضوع الموسيقى الكلاسيكية في نيويورك، تحديدا نيويورك فيلاهارمونيك. في المسلسل عدة شخصيات سترون من خلالها الأدوار التي يلعبها كل من المايسترو، العازفين، الإداريين في أوركسترا نيويورك. الموسيقى حاضرة بقوة في المسلسل بالإضافة للعلاقات العاطفية ونيويورك طبعاً. سيناريو المسلسل كتبه رومان كوبولا وجايسن شوارتز واليكس تيمبرز، واقتبس عن الرواية “Mozart in the Jungle: Sex, Drugs, and Classical Music” لبلير تيندال. تيندال سجلت تجربتها في هذه الرواية، حيث كانت عازفة لآلة الأوبو Oboeإحدى آلات النفخ. وهذا يذكرني بشخصية هايلي – التي قامت بدورها لولا كيرك-عازفة أوبو واعدة تبحث عن طريق للدخول للأوركسترا. المسلسل يستعرض آمال وطموحات العازفين الجدد، الحرب الدائرة بين المحترفين، وكيفية التجهيز والاستعداد لعروض السنة في نيويورك. أحببت مشاهدة المسلسل كثيراً لعدة أسباب: 2013م كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها عرض موسيقي حيّ وكان مع أوركسترا نيويورك. كل شيء شاهدته في المسلسل ملأ فراغات في ذاكرتي ومنحني مزيد من الدهشة. السبب الآخر: أي عمل لغاييل غارسيا بيرنال – الممثل المكسيكي الذي يلعب دور رودريغو المايسترو في المسلسل-أي عمل له مهمّ جداً بالنسبة لي ولا تفوتني مشاهدته. نسيت أن أخبركم نقطة مهمة عن المسلسل ستشاهدون فيه صراعات بين القديم والجديد، المايسترو القديم توماس – يلعب دوره مالكولم مكداول-يصطدم كثيراً مع رودريغو في البدء. مع أن الآخر يعتبره معلمه وملهمه. وعلى مدى الحلقات سنشاهد التغييرات التي ستحدث وكيف ستؤثر في الأوركسترا والعمل بشكل عام. الحلقات قصيرة وأتوقع أن تشاهدوها متتالية!

على صعيد آخر.

وصلتني عدة استفسارات على البريد الالكتروني وسأحاول الرد عليها إما بشكل مباشر أو من خلال المدونة. وأحببت مشاركات المتابعين على الاستبانة الخاصة بقراء المدونة التي نشرتها في نهاية العام. سأحاول دائما العمل بالاقتراحات وزيادة كثافة التدوين ما استطعت.

الاطلاع على تحديات القراءة التي وضعها الأصدقاء في الشبكات الاجتماعية مغري جداً، لكنني سأتبع طريقة جديدة مع نفسي لقراءة الكتب. تخطيط وبدون تخطيط. كيف؟ سأضع قائمة قصيرة لكل شهر واقرأ ما استطعت منها واترك مجال لمواضيع عامة أخرى في حالة أدهشني كتاب ولم أتمكن من مقاومته.

في مذكرة العمل تركت آخر عدة صفحات لتسجيل أسماء المقطوعات الموسيقية التي تعجبني واستمع لها خلال العمل. هذه السنة سنة العودة للورق، وأعرف بأنني إذا تركت المقطوعات في المفضلة على جهاز الكمبيوتر ستذهب للنسيان. تسجيلها في مذكرة أو دفتر خاص سيحفزني للعودة إليها والاستماع من جديد بمزاج آخر ومشاركتها كذلك. اسمعوا هذه معي:

2014م.

كانت سنة مدهشة بحقّ. قبل عدة أيام زرت الصفحة الخاصة برواية “كل شيء يمضي” على موقع غودريدز ولاحظت وجود عدة مراجعات باللغة العربية. في نوفمبر 2013م وبينما كنت ابحث عن المراجعات الخاصة بالكتاب لم أجد أي مراجعة عربية. كلها باللغة الإنجليزية. أكبر إنجازات العام كانت إتمام هذه الترجمة والاحتفال بنشرها ثمّ العودة لقراءة المراجعات الخاصة بها. كوني وضعت محتوى عربي متاح للقراء شيء منعش ويمنحني سعادة لا محدودة لا يمكن تقديرها بثمن.

أيضاً.
سافرت، تعلمت، وسيطرت على مخاوفي قليلاً.
وهذا ما أريده.