النّوم: معركة الانسانية الجديدة.

حكاية واحدة تتداولها المجالس لأيام بعد نهاية الاجازة الصيفية – وتداعيات السهر الرمضاني-. حكاية واحدة أصبحت اسطوانة الشكوى اليومية، حتى أنني بدأت اخجل لنفسي أولاً قبل الآخرين من كثرة ترديد عبارة: نومنا مقلوب، نومنا مخبوص، نومنا خربان .. الخوالحلّ؟

في هذه التدوينة سأحاول جمع بعض النصائح المفيدة والمجربة من عدة مقالات أجنبية قمت بترجمتها. أتمنى أن تفيدكم، وسأعرض أيضاً تجربة سابقة لي في مصارعة هذا المارد المسمّى أرق. وعلى الرغم من معرفتي التامة بأنها طريقة ناجحة إلا أنني اسقط في الفخ كلّ مرّة وأتوه عنها. يعلق والدي على الأسى الذي أشعر به بسبب قلة نومي بأنها متلازمة التقدم في السنّ، وأنني مثله يوماً ما سأصل للخمسينات – إن شاء الله – وسأعرف بالتجربة أن أربعة ساعات ستكون أكثر من كافية يومياً.

أولاً البدء من غرفة النوم أو العناصر الخارجية حولنا، وتجهيزها بشكل مريح، تخلّصوا من الفوضى، من الاجهزةالتي لا تكلّ عن العمل، وأي مصدر آخر للتيار الكهربائي والاضواء الزرقاء – الضوء الصادر من شاشات الهواتف والكمبيوتر– . اقتنوا ستارة معتمة تماماً، بكلمات أقل: لتكن غرفة النوم مكانكم للنوم فقط وليس لأداء الاعمال ومشاهدة التلفزيون.

أعرف أن تطبيق هذه الفكرة قد يكون مستحيل في بعض الأحيان، في حالتي تخلصت من التلفزيون قبل حوالي عامين، ولكن لم اتمكن من إخراج الكمبيوتر لوقت طويل بسبب ضيق مساحة المنزل الممنوحة لي، لذلك عدت مجدداً وادخلته الغرفة، لكن أحرص على اطفاءه تماماً وقت نومي، وضعية السّبات أو اغلاق الشاشة فقط لا تخلصكم من الضجيج الكهربائي الصادر عنه. اقتراح آخر أيضاً لم اتمكن من اتقانه، اطفاء الهاتف المحمول، والتخلص من عذر احتاجه للمنبّهاشتروا منبّه خاص ولا يحتاج للهاتف للعمل.

ما زلنا في الحديث عن تجهيز الغرفة، الآن نتحدث عن منصّة النوم، السرير. ولندع اسطورة المبالغ الخيالية التي يصرفها البعض على شراء مرتبة صحية، أو سرير سحريّ. لا يوجد هناك سرير من هذا النوع، لكن هناك قاعدة عامة ومفيدة، لا تتركوا مرتبة السرير تعيش أكثر من خمسة سنوات، واقتنوا مرتبة وسط بين القاسية جداً واللينة جداً، وكلما كانت مشكلات الظهر لديكم أكبر كلما كان الميل للمرتبة القاسية أفضل. لا يهم السعر الذي تقتنون به المرتبة ما دامت كثافتها مناسبة لكم وعمرها القصير لا ينتهي بانضغاطها أو دمارها بطريقة أو بأخرى. بعد المرتبة تأتي الوسائد وأنا استطيع كتابة قائمة بأخطائي الفادحة في شراء وسائد باهضة الثمن بلا نتيجة! وفي نهاية الأمر زرت محلاً صغيراً في شارع فرعي واقتنيت وسادة بقيمة ٤٠ ريال وكانت أعظم وسادة اقتنيتها في التاريخ. تتبع الوسائد نفس قاعدة مرتبة السرير، الوسط في كل شيء، ولكن الاختلاف يأتي مع العدد، وطريقة النوم تحدد عدد الوسائد وشكلها.

ملاحظة أخيرة بخصوص الغرفة، لا أعلم إذا كنتم تعانون من الازعاج الخارجي، وخصوصاً إذا كان موعد نومكم يتعارض وخارطة نوم بقية أفراد العائلة، أحيانا يكون ارتفاع الباب عن الارضية مسرباً للأصوات، جربوا اغلاق المسافة بين نهاية الباب والأرض بقطعة اسفنجية تتوفر لدى محلات المعدات (ساكو مثلاً) وستجدون أن الأصوات اختفت أو على الأقل تمّ التخفيف منها.

أيضاً درجة حرارة الغرفة مهمّة، لا يمكن للجسم أن يستعد للنوم في درجة حرارة مرتفعة – هناك محظوظون مستثنون من ذلكلكن غالباً ستحتاج لانخفاض درجة حرارة جسمك لتذهب للنعاس، لذلك احرص على تبريد الغرفة قبل موعد النوم بساعات. وأن تبقى البرودة ثابتة طوال الليل كي لا تزعجك الحرارة وتصحو.

بعد الانتهاء من المحيط الخارجي للنائم، يبدأ العمل من الداخل للتهيئة. في الحقيقة أغبط الذين لا يحملون عبء التفكير في نومهم المدمر. النائمون بلا عراك، يستلقون ويتدفق شلال النوم بلا تردد. وأنا في الجهة المقابلة تماماً، النوم معضلتي الأبدية، منذ أن كنت في عمر أصغر، نومي خفيف جداً للدرجة التي يكفي تقليب صفحة كتاب بجانبي حتى استيقظ، أو الهمس خارج الباب! هذه الدوامة المؤذية والحقائق الطبية التي عرفتها لاحقاً، نوم سيء، دورة دموية سيئة، قلب سيء، عقل سيء، ومزاج معطوب. فالجسم الذي لا ينال كفايته من النوم لا يجد الفرصة لتجديد الخلايا، واراحة الاعضاء، والهدوء. وهنا اتذكر أيضاً أن اشكر لوالديّ صرامتهما في منعي من السهر – وأخوتيفي سنّ مبكرة، النوم الذي نلت كفايتي منه في الصغر أفادني الآن في مجابهة وحش الأرق الذي لا ينسى زيارتي. النصيحة الأولى المجربة هي تحديد وقت ثابت للنوم كلّ ليلة، وهذا الأمر طبعاً ليس حكرا على الطلاب أو العاملين، في فترة ماضية لم أكن مرتبطة بعمل، لكنني جهدت وقمت بالتجربة على سبيل المحاولة، كل يوم قبل العشرة مساءا، في نهاية الاسبوع أو غيره، ابدأ تدريجياً الاستعداد للنوم. اتوقف عن مشاهدة التلفاز، أو استخدام الكمبيوتر، واقرأ مطولاً حتى أغفو، اطفئ الاضواء، واعلن للمنزل بأنني سأذهب للنوم. وهكذا بعد تكرار الطريقة لعدة ليالٍ أصبحت اتهيأ للنعاس لا إراديا في نفس الوقت. هذا بالاضافة للحرص على تجاوز القيلولة أو الحصول على قيلولة قصيرة إن استلزم الأمر ذلك.

الكافيين، للذين يعانون منه، أصبحت فناجين القهوة بشكل عام لا تؤثر في نومي، لكن بالمقابل يترك الشاي اثره المرعب عليّ، والمعلومة الجديدة التي عرفتها أن بعض المسكنات اذا ما تناولتها قبل موعد النوم – وهي تحتوي عادة على الكافيينستحول السكينة والهدوء لأرق مرعب. الحلّ كان في اختصار عدد أكواب القهوة والشاي التي اشربها خلال اليوم وجعل آخرها مع الغروب أو قبله بقليل، وباقي المساء اشرب الاعشاب المهدئة مثل البابونج، أو النعناع النقي، ومؤخرا وبعد قراءة مقال في مجلة صحية وجدت أن شراب الكرز مفيد مثل كوب الحليب الدافئ وأكثر.

ما دمت في سيرة الأكل والشرب، تخفيف وجبة العشاء يساعد في النوم باكراً، وأيضا التبكير به، معلومة نعرفها جميعاً لكننا نتردد في تطبيقها. أيضاً تخفيف النشويات بشكل ملحوظ ساعدني في التخلص من الأرق ولا أعرف السرّ، ولستُ متخصصة تغذية لأحدد ذلك، لكنه نجح معي، حذفت الارز، والنشويات الغارقة في السكر، الخبز الأبيض، واقتصر برنامجي الغذائي على المكرونة والخبز الاسمر والشابورة.

من المشكلات الخفية التي قد تسبب الارق وسوء النوم، مشكلات المعدة، وخصوصاً مشكلة ارتجاع الحمض المعدي الذي لا نحتاج للشعور بالحرقة لنكون مصابين به أحيانا، وربما هذا ما يبقينا مستيقظين، يمكن معالجة ذلك بالعلاجات الاعتيادية من الصيدلية ولست بمتخصصة لمنح وصفة لذلك فأنتم بحاجة لزيارة الطبيب والتحقق من سلامة المعدة. أيضاً نقص المغنيسيوم الذي يؤثر مباشرة في النوم ويسبب الأرق.

الرياضة خلال اليوم تجهد الجسم وتعدّه للنوم، لكن الرياضة في الليل تشحنه بالطاقة وتطيل ساعات الارق، جربت الانشطة الرياضية خلال هذين الوقتين وكانت النتيجة أعلاه ما حدث معي. لم اؤمن تماماً بالنصيحة التي تثبتها وقررت التجربة بنفسي – ربما لكل جسم عاداته – لكن الرياضة الصباحية تكسب على جميع الاصعدة. فهي تمنحنا الدفعة القوية التي نواجه بها اليوم الطويل، وترهق الجسم في المساء ليستعجل النوم.

لا أؤيد استخدام العلاجات الطبية للنوم، ربما لأنني مررت بتجربة ندمت عليها لاحقاً، هذه الادوية إدمانية. لا يمكن إضافة المزيد.

قبل النوم ولإراحة رأسي من دوامة الافكار اكتب في مذكرة يومياتي، ليست متسلسلة، تمر أيام طويلة حتى أعود مجددا للكتابة، لكن فعل افراغ الرأس بهذه الطريقة منعش، وقد ينوب عنه التحدث مع شخص قريب يستمع جيداً، ولا يعلق أو يصدر أحكاماً.

اترك لنهاية اليوم دائما نشاطي المحبب القراءةلكنني لا أقرأ كتب تستلزم تفكير أو تركيز، غالبا الروايات والشعر تحتل مكانها على طاولة المساء، التسلسل الهادئ والحوارات يشبه سرد القصص الذي كبرت عليه مع والدتي وجدتي.

كتابة هذه التدوينة لا يعني أنني عالجت مشكلتي تماماً، أو أنني توصلت للاعجوبة التي ستمنحني نوم الاطفال الذي لا يعكره شيء. هي نوع من التفكير بصوت مسموع، ومشاركتكم بما جمعته من نصائح وما جربته منها، ولا مانع أيضاً من استقبال نصائحكم وتجاربكم المفيدة. على ما يبدو أن البشرية ستبقى في حربها الدائمة مع الأرق حتى سباتها الأخير.

مخرج:

إذا تجاوز تمددكم في السرير أكثر من عشرين دقيقة بلا نوم، انهضوا وقوموا بنشاط خفيف، يومكم لم ينتهي بعد، لكن الأفكار السوداء واجترار المآسي والسيناريوهات الكارثية سيبدأ الآن.

6 تعليقات على “النّوم: معركة الانسانية الجديدة.”

  1. اسلوبگِ رااائعٌ كالعادة
    قرائتي هذا المقال لم تكن لسبب شعوري بأحد المشاكل المذكورة أعلاه .. فـ لله الحمد لا أعاني من أيٍّ منها
    لكن كون كاتبة المقال هي “أنتِ”
    هو ما دفعني و بدون تردد لقراءته والتأمل بكلماته
    دمتِ غاليتي ٓ ♡

  2. شكرا هيفاء على الموضوع الرائع

    يُصاحبني الأرق منذ أعوام
    لكني أنجح أحيانا في التفوق عليه
    بتطبيق بعض النصائح التي ذكرتها
    كـ اطفاء الأجهزة وتبريد الغرفة وتخفيف العشـاء

    متميزة كـ عادتك

    ~ سلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.