ثقيلة بالكلام..كمسدّس محشو.

Girl in a White Blouse – Roderic O’Conor

(أ)

في زاوية الغرفة كومة ملابس، لا يعقل أنها تكومت في ليلة واحدة، أو أنّ يداً سحرية قامت بتكديسها، كومة الملابس في زاوية الغرفة صباح الخميس تذكرني بأنني صنعت الفوضى بنفسي، وأنني من جهة أخرى حصلت على أسبوع مضني، على جميع الاصعدة. أفتح الستائر، أتذكر الليلة الماضية مثل حلم، لجمالها ولأنني كالعادة في مساء الاربعاء بنصف عقل وانتباه، ربّما لو تنبه الآخرون لذلك ستكون ليلة الاعتراف الاسبوعي، وإنهاء أيّ مسائل عالقة واجهتها بالرفض أو العناد. أقترب من كومة الملابس وأبدأ بالتصرف البديهي، أشمّ القطع واحدة بعد أخرى للتحقق من حياتها القصيرة – أو الطويلة – هل تذهب لسلة الغسيل أم تصحبني في الاسبوع القادم مرة أخرى! أعلقها على عجل وأكتشف أنني بدأت بمزج الالوان في خزانتي، فوضى أخرى، وتذكرت هدوء البال والوقت الفارغ قبل عدة أشهر عندما صنفت ملابسي وعلقتها وفقاً لتدرج ألوان الطيف.

انتهي سريعاً وابحث عن القهوة، القهوة أولاً، القهوة دوماً ثمّ نتحدث.

(ب)

على زاوية الطاولة التي وضعتها في منتصف الغرفة حديثاً ولم تعد لها ملامحبفضل الفوضى، ثلاثة رزم من الورق، ثلاثة رزم من ورق الاختبارات التي اجريتها للطالبات خلال الايام الماضية، في ركن آخر مجموعة كتب لبول أوستر اقتناها والديّ في رحلتهما الاخيرة بعد أن تأكدا من فداحة الهوس الذي أصابني، وكأنّ أوستر آخر كاتب في الارض، وكأن لا أحد يكتب سواه، المحصلة مجموعة كتب لم املكها من قبل، سير ذاتية منوّعة وكتاب ضخم جُمعت فيه مقالات ونصوص للكاتب. في زاوية أقصى، بطاقة دعوة لزفاف انتظرت حضوره طويلاً، ولن استطيع حضوره بسبب التزامي الحالي بالعمل، لا أبالغ إذا قلت أنني أحبّ الفترات التي أدير فيها حياتي بنفسي، لكنني أيضاً لا استغني عن الكنوز المعنوية الصغيرة. خلال الأسبوع الماضي نظمت لجنة النشاط في الكلية نشاطاً للاحتفاء بيوم المعلم، وبعنوان وفّه التبجيلابالاضافة للنشاطات المصاحبة للفعالية كان هناك زاجل الودّتترك فيه الطالبات رسائل لاستاذاتهنّ. وكانت هناك رسالة لطيفة جداً من إحدى طالباتي، اللاتي وبسبب غضبي العارم من إهمال بعضهن، وتحول مسار محاضرات الاسبوع إلى محاضرات في امتداح العلم والاهتمام به، وكيف تصبح الحياة بلا حبّ للعلم، أيّ علم، وتبعاً لأي مؤسسة علمية. تأتي رسالتها اللطيفة لتربتّ على كتفي وأكمل الاسبوع بسلام.

(ج)

في فترة ما تشتاق للاجهاد الذهني، والأرق والقلق، مستعدّ للتخلي عن راحة بالك مقابل الحصول على الراحة الجسدية الكاملة. أفكر في المرضى، المرضى الحقيقيين بالآلام الحقيقية، العلاجات الدائمة، أنابيب الدواء الموصولة بأجسادهم، الانين الطويل والمستمرّ، معرفة أنك مصاب بالتعب بلا مخرج. وأشكر الله، وأتوقف عن التبرم، حبة لقرحة المعدة صباحاً، وحبة مسكن لآلام الكاحل مساءاً، وبعض العسل والشاي للحلق المجهد لا شيء أمام كلّ ذلك التعب.

شكرا يا الله.

(د)

عن ماذا أدوّن؟

السؤال الاسبوعي، كل صباح خميس أشعر بالذنب تجاه المكان، وأحاول بصدق البحث عن محتوى مفيد ومتجدد، لكنني لا أقرأ بنفس الكثافة المعتادة، لا أشاهد وثائقياتي المفضلة، ولا الافلام، حتى المسلسلات التي كنت لا أفوّت موعد تحميلها أصبحت اجمعها في مجلّد خاصّ حتى تنفرج الانشغالات وأعود إليها.

(هـ)

في سيرتي الذاتية المختصرة على موقع تويتر كتبت أول بسكوتة في العلبة“. تصلني تساؤلات حول المعنى الخفيّ وراء العبارة، وأتذكر المرة الأولى التي لاحظت فيها أول بسكوتة في العلبة، دائما البسكوتة الأولى مكسورة أو ناقصة الاكتمال، وأشرت بنفسي لذلك واخبرت والديّ بنظريتي التي اضحكتهما وانتهت في بطاقة مرفقة بهدية جميلة حصلت عليها منهم نهاية هذا الاسبوعأول بسكوتة في العلبة لا تكتمل بسبب كونها الأولى، ولكنّ يليها دائما نسخة أفضل وأكمل. شهري الأول في العمل انتهى، كل التغييرات التي قمت بها للمرة الأولى تشبه البسكوتة الأولى، لذلك يجدر بي ألا اتبرم، بقية العلبة أجملرتبت الطاولة، مسحت الغبار، ملأت علبة طعام مدام إل، نفضت وسائدها، حزمت رزم الورق كل واحدة في ملف بلاستيكي خاصّ، رددت على رسائل الطالبات بكلمات مقتضبة مع وعد العودة من جديد للقراءة بتمعن، خططت لمشاريع الاجازة بين العمل والترفيه واسترداد الانفاس، مزقت صفحات التقويم التي توقفت عند الخامس من اكتوبر، جمعت اوراق الملاحظات التي سجلتها في تجربة الواحد والعشرين يوماً من التغيير، طبطبت على كتفي: ممتاز يا هيفا!

(….)

ثلاثين!

يوم الاثنين الثامن من أكتوبر، أصبحت في الثلاثين، تحسست رأسي، عينيّ، أنفي، لا شيء تغير، لكنني أشعر بأن قلبي أكبر، بصورة جيدة وإيجابية، رحب، مستعد لتغيير يليق بنياشينه الثلاثةمن نفس المبنى الذي درست فيه المرحلة المتوسطة، ثم تحول لثانوية، ومستقبلاً لكلية للبنات، خرجت، من نفس البوابة يوم الاثنين، ظهيرة تشبه تلك التي خرجت فيها في يوم ميلادي العشرين، غرقت في الضحك لم استطع تجاهل فكرة عودتي لنفس الاماكن، بطريقة سحرية، الله يمنحني الفرصة لتغيير تاريخ المكان في رأسي وقلبي، والحمد له والشكر بأنني لا زلت امتلك العضلات الملاءمة لهذا التغييرمن جهة أخرى القريبون منّي يعرفون جيداً حالة التبرم التي أمر بها، حتى أنني أصاب بخجل طفيف، واتراجع عن الحديث عن ظروف عملي اليومية، وعلاقتي مع الطالبات، أظنّ أن الصمت يعالج الاشياء المتعلقة سريعاً، ينفض عني الغضب والامتعاض بهدوء وبلا جهد في الكلام.

* عنوان التدوينة أوحت به أغنية أحبها لـ Elbow.

9 تعليقات على “ثقيلة بالكلام..كمسدّس محشو.”

  1. هابي بيرثددداااااي تووو يووو هيفاء!
    عمر زاهر زاهر بكل الأشياء السعيدة ..
    دائماً أقول إن أكثر عمر جذّاب للمرأة هو الثلاثين! عمر النضج والزهر .. والحكمة ربما

    يومك طيب ، ومرتب .. ولابأس بقليل من الفوضى 😛

    *على فكرة أغبط طالباتك* 😀

  2. مساء الخير

    (….)

    البارحة زرت الحلاق ، ولأنه موعد اجازة نهاية الاسبوع كان المحل فارغا . سار الأمر كالعادة ، التحايا المقتضبة في البداية ، جهاز التلفزيون المعلق في الزاوية العليا ، جهاز التكييف المزعج . لا شيء مختلف سوى أن الحلاق عندما شارف على الانتهاء فوجئت به يتوقف للحظة قبل أن يطلق أصابع يده في رأسي في بحث محموم بعدها بلحظات تناول المقص ، بيده الأخرى ، من على الطاولة بحركة خاطفة ، وبدقة جراح ” كليك ” . بنشوة الانتصار كان يمسك بها بين السبابة والابهام قبل يعرضها أمامي قائلا ( شعرة بيضا … قصيتها لك ) . وانتهى الأمر .

    في الحقيقة انني لاحظت الشعرات البيضاء منذ فترة طويلة – ولم أكن سعيدا بذلك – والحقيقة أيضا ، أنني كنت اتولى مهمة القضاء عليها شخصيا ” ولا من شاف ولا من دري ” . ولا أعتقد بأنني أخبرت أحدا عنها مطلقا ، لذلك اعتبرت أن يوم أمس يوم تاريخي لأنه اليوم الذي ( خرجت فيه القطه من القبعة ) . لكنني في نهاية اليوم ، وعندما حاولت تدوين اليوم التاريخي لم استطع ان اكتب اكثر من مطلع اغنية ” شاب الشعر يا عبيد ” .

    كل عام وانتي بخير ….
    بس بصراحة ، ومن تجربة شخصية ( growing up sucks ) .

    (هـ)

    هدية الثلاثين .. ومن وحي مدام إل http://www.heyquiz.com/quiz/cat_kill (:

    1. أهلا : )
      أول مرة شفت شعرة بيضا اصابني الهلع، بعد شوي تصاحبنا، كنت اقطع كل شعرة بيضا، حتى خشيت على رأسي!
      والدتي نبهتني لنقطة إني ممكن أكون ورثت عنها الشيب المبكر، لذلك توقفت عن البحث والحصاد.
      ما زلت في فخامة الشعور بأنني أكبر، لا أدري هل سأندم لاحقاً؟
      بالنسبة للاختبار حصلت على ٩١٪ والله يستر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.