تأبين حذاء.

 

وصلنا لنهاية الرحلة يا صديقي، بعد خمسة أعوام من الكفاح وجدت بديلاً لك هذا المساء. لم تكن رحلة البحث يسيره. حاولت التفاهم معك بخصوص هذا، لا يمكن أن تطل برأسك البرتقالي في كلّ مره اقترب فيها من انجاز عملية البيع. حذائي العزيز، الذي اسميته كاديلاك الأحذية، حانت اللحظة التي تردّدت فيها منذ نهاية العام ٢٠١٠. لم امض معك أكثر من ستة أشهر، بدأت وساوسي تزداد بأن اللون البرتقالي الفاقع لا يتناسب مع لون عباءتي السوداء أو بقية ملابسي. كانت المحاولة الأولى في متجر سكتشر، اقتنيت حذاء أسود مريح مشيت به لعدة خطوات وأحببته، بعد أيام اختبأ في مؤخرة الخزانة لتعود لك الامجاد من جديد.

أتذكر جيداً تعليق والدي على سعرك الباهض: هذا اطار سيارة وليس حذاء! وقلت له بثقة: إذا كنت سيارة فهذه اطاراتي المانعة للانزلاق، المحشوة جيداً بالهواء، وأمان خطواتي المهزوزة للأبد.

صديقي صحبتني في لحظات حماستي لبرنامج لياقة جديد، عبرت معي المجمعات التجارية وأنا ابحث عن فستان بتشجيرة مميزة أو حديقة ربيعية اصحبها للمنزل.

كنت اعتذر لك همساً كلما عدت من مناسبة طويلة امضيت ساعاتها كمسخ غرائبي يتمايل بكعب! لقد كنت كفايتي في حزم الحقائب لأركان العالم الأقصى. وماذا لو كنت حذاء رياضي؟ لستَ مجرد حذاء وكلانا الآن نعرف ذلك.

في سبتمبر الماضي صحبت نسخة أكثر نعومة منك، بتقليمات زرقاء وبنفسجية، قلت لنيويورك هذا العام سأكون أنيقة أكثر. والذي حصل، أنني انتهيت بقروح وإصابات اخذت من وقتي الكثير وابطأت من سرعتي، هذه رسالتك من خلف المحيط: هذا ما تستحقينه لتركي وراءك.

كُسرت قدمي في مارس الماضي ووقفت فردتك اليسرى باتزان أمام الجبيرة اليمنى.

لم تكن القيمة الباهضة للأحذية الرياضية ولا قلّتها العقبة الوحيدة أمام استبدالك فقد جربتها مرات ومرات، ببساطة لم استطع التخلّي عنك.

شاركتني لحظات الدهشة الأولى في كلّ مكان، زيارة المواليد الجدد، أيام العمل الأولى – أنا اتبع نصائحي عندما أقول لا ترتدي حذاء جديد في يومك الأول، شراء الكتب، تناول السوشي، اطعام السناجب،عبرت معك أزقة المدن المظلمة وزواياها التي لم تكتشف بعد، وضعتك جانباً لاغمر نفسي في مياه المحيط الاطلسي، عبور الحدود في الشرق والغرب، سيمفونية بيتهوفن التاسعة، خريف نيويورك، خريف پنسلڤانيا، انتقالي للرياض، والركض، الكثير من الركض سعادة وانطلاقاً.

عزيزي نايكي العجوز، لقد حانت اللحظة الفراق، سألفّك الآن في ورق معاد التصنيع، وستذهب في تابوتك البرتقالي – في الحقيقة هو صندوق الحذاء الجديد-. حاولت جاهدة ألا تشاهد ما حدث، اللحظة التي ارتديت فيها الحذاء الجديد واكتشفت معها أنّه ببساطة أنتْ بحلّة مختلفة.

.

.

.

5 تعليقات على “تأبين حذاء.”

  1. رائع… كما لو أني أقرأ عن فراق احباب، فكرت كثيرا فعلا أحذيتنا ترافقنا تلتصق بنا تحمي قدمنا التي ننتقل بها أينما شئنا …ك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.