٢٠١٧: الفصل الأوّل

 

.

.الجمعة: ٦ يناير

أجلس الآن أمام صفوف من الكتب المستعملة التي عرضتها للبيع، لم تعد المساحة كافية، في حياتي وفي مكتبتي. لماذا استمر حملي لها من بيتٍ لآخر؟ لماذا لم أتخلص منها ورائي؟ ربما كنت بانتظار هذه اللحظة الحاسمة. لحظة التخفف الكبرى!

حوالي ٤٠٪ من مكتبتي على الطاولات أمامي، بعضها لم أحبه يومًا، بعضها قرأت فيه صفحات وامتنعت عن المتابعة، والبعض الآخر جاء محمولًا في هدية لم تناسب ذائقتي. أقول دائما انتبه قبل أن تهدي أحدًا شيئين: عطر وكتاب. إنّها أكثر الأشياء حساسية. لو لم يجد فيها الشخص التناغم وينجذب نحوها ستكون هديتك عبء يحمله من بيتٍ لآخر.

يكاد ينتهي الأسبوع الأول من السنة، قلتُ لنفسي لن يمرّ هذا العام دون حماس وإنجازات.

أمامي الآن فوضى غرفتي، الفوضى المحببة التي لا تحدث إلا بازدحام المكان بالزوار، أقول زوار لأن أختي وأخي الذان يسكنان أمريكا حاليًا يزوروننا في الإجازات فقط، لا غرف محددة ولا مسكن إلا مسكنهم المؤقت الذي تسمح به مساحتنا الحالية.

وصلوا للمدينة ليلة انتقالنا لبيتنا المؤجر (رقم ٢) في المدينة، لم تدم متعة الغرفة الجديدة التي اختلي فيها بنفسي وكتبي وموسيقاي. أقول لمنى: أحبك كثيرًا وسأشتاق لك، لكنّني أريد الاحتفال بغرفتي بعد مغادرتك وأضع كل شيء مكانه.

بدأت في الأسبوع الأول من السنة قراءة سيرة تشارلز سيميك ذبابة في الحساء“. الكتاب لا يقع من يدي إلا عندما أغرق في العمل أو النوم! وددت لو أن باستطاعتي حمله لكل مكان، وفي ليلة الخميس خلال اجتماع العائلة في بيت خالي كنت أفكّر في الصفحة التي وقفت عندها وأحفز نفسي للمواصلة. كتاب ترجمته الرائعة إيمان مرسال وكل تفصيل فيه ينتظم في مكانه الصحيح. قرأت بعض المقاطع التي يأتي فيها على ذكر تعلّم اللغة الإنجليزية، ووصوله إلى نيويورك. تخيلوا شخص يروي عن تجارب طفولته بفاصل زمني يصل لثلاثين سنة وما زال يكتبها بنفس الكثافة وهامش خطأ يكاد لا يُذكر. قرأت مقاطع الكتاب بصوت مسموع وقال والدي بأنه يريد اختطافه من يدي، ليس بعد!

السبت: ٧ يناير

غادر اخوتي المنزل قبل الفجر بساعات، كنت بين الصحو والنوم أودعهم، لم أدرك الفراغ الذي تركته أصواتهم حتى طلع الصباح. قطّتي تدور في الغرفة وتحاول فهم الاختفاء المفاجئ للصبي والفتاة الذين حاولت جاهدة استيعابهم وتقبلهم من جديد. خاصة وأنّ حقائبهم وملابسهم تحمل رائحة قطّ آخر، القط أوليڤر الذي يثير حسدها على بعد أميال ومحيط.

أول شيء فعلته أخرجت المرتبة العشوائية التي نامت عليها منى خلال الأسابيع الماضية، رتبت المكان على مضض وتبدّى لي الفراغ الذي تركته بعد أن كنت أحارب يوميًا لأجد مساحة للقراءة أو العمل.

خدمة الانترنت مقطوعة اليوم، انتهى رصيدنا من البيانات وبدأت اكتشاف العالم الذي يعيشه كثير من الأفراد: الانترنت المحدود! أتابع كتابة التدوينة وأعلم بأنني سأنشرها باستخدام الانترنت في هاتفي المحمول.

بالأمس بعت جزء من كتبي المستعملة، وقابلت شخصيات لطيفة لفتيات يتابعنني منذ سنوات وأعرفهم باسمهم الإلكتروني. لقد أصابني الهلع بمجرد التفكير في فعالية اجتماعية أخرى أقحم نفسي فيها فجأة. لكنّ الحضور والتعارف المبهج غيّر من مشاعري فورًا، لقد استحق الأمر ذلك.

أفكر في تكرار العرض ما إن أجد فرصة أخرى وأرتب لها في مكانٍ عام لسهولة الوصول. حيث واجهت الحاضرات صعوبة في العثور على الموقع على الرغم من استخدام خرائط جوجل. أوصيت بقراءة كتبي المحببة وتركت فيها هدايا يكتشفها من يشتريها. فواصل كتب، ملاحظات، سنة الشراء وذكريات عابرة.

.

.

اليوم توجّهت للطبخ كفعل تسلية، أو سلوى إن صحّ التعبير. بدلًا من قضاء ظهيرتي في تأمل المنزل والهدوء الذي لم نعرفه خلال الأيام الماضية. قررت حمل نفسي للمطبخ والتفكير في وصفه جديدة تجمع اللذائذ التي أحبها. كنت قد مررت بوصفه لسلطة خضروات مشوية بالعدس وكان منظر مكعبات الجزر والعدس مدهشًا! بقيت الصورة في مخيلتي منذ ساعات الصباح الأولى وقررت طهو الدجاج والخضروات والعدس لصناعة طبق شتوي دافئ!

وإليكم الوصفة والطريقة بلا تأخير!

المقادير:

قطعتين صدر دجاج مقطعة مكعبات

بصلتين حمراء مقطعة صغيرًا

٣ فصوص ثوم

فلفلة خضراء مقطعة شرائح

فلفل أحمر مشوي مقطع مكعبات (اشتريه معلب في زيت زيتون)

فلفل أحمر حار مقطع

تين مجففّ مقطع شرائح

كوب جزر مقطع مكعبات

كوب طماطم كرزيّ مقطع أنصاف

ملعقة كبيرة صنوبر

نصف كوب بقدونس مفروم

كوب عدس أسمر مسلوق

شراب القيقب Maple Syrup

بهارات مغربية (اشتري هذه من iherb)

فلفل أسود وملح بحر

الطريقة

أبدأ بتحمير البصل والثوم في مزيج من الزبدة وزيت الزيتون، ما أن تبدأ المكونات بالذوبان أضيف بقية المقادير

أضيف الخضروات (الجزر، الطماطم، الفلفل، التين، الصنوبر) وأقلل درجة الحرارة إلى قبل المنتصف

أترك الخضار تذوي تدريجيا مع التقليب المستمر وإضافة مزيج التوابل والفلفل والملح

أسكب كمية صغيرة من الماء المغلي حول المكونات لتتكون مرقة بسيطة

أضيف العدس وأقلب مجددًا وأتذوق التوابل وأضيفها إن كانت بحاجة للزيادة

أضيف مكعبات صدور الدجاج وأغمر المكونات كلها بشراب القيقب (ملعقة طعام كبيرة تقريبًا)

أقلب المزيج وأرفع الحرارة قليلًا وأراقب استواء الدجاج

قبل نضوج الدجاج تمامًا أضيف كوب البقدونس المفروم وأقلل درجة الحرارة

أترك المكونات تحت الغطاء لحوالي ٧ دقائق قبل الاستواء، وتقديمه مع الأرز الأبيض المسلوق

اقترحت أختي موضي إضافة شرائح رقيقة من الليمون على وجه الخليط قبل الاستواء كي تمتزج الحموضة مع حلاوة المكونات. للأسف لم أفكّر في الموضوع، ولاحقًا وبعد تقديمه لاحظت والدي يعصر كمية سخية من الليمون على الطبق ويستمتع به! فكرة أخرى سأجرّبها، زيادة الخضروات واستبدال الدجاج بالسمك، أو استبعاد اللحوم تمامًا وتحويله لطبق نباتي نظيف، سيكون احتفالية عظيمة من المذاقات.

.

.

.

6 تعليقات على “٢٠١٧: الفصل الأوّل”

    1. مرحبا نجلاء،

      أنوي الاستمرار على عادة تدوير الكتب أو بيعها بعد الانتهاء من قراءتها.
      سأخبركم عن ذلك بالتأكيد

  1. هيفاء انتي مصدر إلهام ❤
    اكتشفتك مؤخراً…
    سعيدة جداً ب هذا الإكتشاف
    واصلي التدوين كم أحب ما تكتبين❤

  2. سعدتُ جدًا بتدويناتك الجديدة 💞
    لقد اشتقتُ حقًا لقراءة ما تكتبين من يوميات وأفكار 😔
    كوني بخير دائمًا 💙💙.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.