الوظيفة الحلم، كيف نصل إلى هناك؟

تلقيت اتصال هاتفي ظهيرة اليوم من إحدى قريباتي تسألني عن رغبتي في تغيير وظيفتي الحالية. السؤال أدهشني لكنني لم أتردد بقول: لا. عاجلتني بالراتب المتوقع ووجدت نفسي بطبيعة إنسانية اتساءل: همم ما هي طبيعة هذا العمل؟ كانت الوظيفة بعيدة عن قدراتي الحالية. وحتى وإن نجحت في تمثيل دور العارفة بكلّ شيء، سأكون في ورطة من أسبوعي الأول. ضحكت واعتذرت منها للإطالة وعادت عيناي للتحديق في جدول المحتوى الذي أعمل على تنقيحه. أتممت قبل عشرة أيام عامي الأول في وظيفتي الحالية، ما الخبر الجديد في الموضوع؟ كثير من الأشخاص يجتازون عتبة العام الأول بدون إعلانات وتدوين! إنها المرّة الأولى في حياتي التي أتمّ فيها عام كامل في وظيفة بدوام يومي – كل تجاربي في العمل مستقلة – والوظائف التي ربطتني بعقد تراوحت فترة بقائي فيها بين ٣١١ شهر. مثل من يجتاز عقدة أو لعنة سحرية. هل يمكنني إيجاز السبب الذي سهّل لي الوصول هنا؟ إنه مزيج من جهة عمل متفهمه، واستعداد دائم لديّ للتطور ولعلاج أي مشكلة تصادفني. وعلى طول الطريق كنت اسأل نفسي الأسئلة التالية التي سجلتها من مقال قرأته ذات يوم:

هل أنا سعيدة بالقدوم للعمل كل يوم؟

هل حققت شيء يستحق الفخر؟

هل وظيفتي الحالية تضعني على الطريق الصحيح لما أرغب بتحقيقه في المستقبل؟

ما دامت الإجابة على هذه الأسئلة هي نعم، ذلك يعني أنني بخير! ومتى ما ترددت وفكرت بالإجابة بـ لا أو لا أدري. حان الوقت للتأمل والتفكير في حلّ.

العمل في وظيفة تحبّها لا يعني حفلة يومية وربيع ممتد، حتى حياتك لا تتبع خطًا مشابهًا. العمل في وظيفة تحبها سيمر بالكثير من المطبّات وكل ما مررت بها اضبط سرعتك وقد بحذر. كنت أجلس مع إدارتي وأشاركهم همومي واقتراحاتي. لا استسلم لمشروع يمتص طاقتي ويحبطني وأحول الموضوع لنكتة أو أفككه لحلّه كما تحل الأحجية. أقول وظيفتي الحلم لأنها تتيح لي اللعب بالكلمات وصفّها بشكل مدهش لصناعة التغيير، التأثير وتوجيه الأفراد لفكرة معيّنة. أكتب في كلّ مواضيع الحياة، الطبي والأكاديمي والترفيهي والتقني. لا حدود للمشاريع التي تناولتها بالبحث والرصد وصناعة المحتوى. كلّ شهر التفت للوراء وابتسم عند رؤية تفاعل الناس مع ما أعدّه.

أعرف أنني أحبّ عملي في كلّ مرة أتحدث عنه مع الآخرين. تلمع عيناي وابتهج وأحرك يدي بلا توقف – للحد الذي أصبح فيه مزعجة وغريبة

خلال العام الماضي قدمت ورشة عمل في جامعة الأميرة نورة لطالبات الترجمة المقبلات على سوق العمل، قلت لهم بكل صراحة: قضيت ١٢ عامًا بين تخرجي ووظيفتي الحلم. لا أقول لكم ذلك لتشعروا باليأس، لا طبعًا! أقول إن البحث قد يستمر، وقد تصلون لقناعة أن الوظيفة التي تربطكم لثمان ساعات يوميًا قد لا تكون مناسبة. ما زلت من مناصري العمل المستقلّ ولو كانت ظروفي مختلفة، لن أتردد باختياره. أنا الآن في مرحلة تحتاج دخل ثابت لا يمكن أن أحصل عليه من العمل على مشاريع متفرقة.

وحتّى لا أطيل الحديث عليكم عن عملي الحالي، ويتحوّل الموضوع إلى قصيدة غزل طويلة. سأقول شيء مهمّ عن الوصول لوظيفتكم الحلم. بما أن العام الجديد يبدأ وعقود العمل تُجدد والشركات تعلن عن احتياجها من الوظائف المحددة والظروف الاقتصادية تضيق والوضع مخيف أحيانًا وقد يدفعكم للتمسّك بعملكم الحالي حتى وإن كان يقتلكم!

لا شيء أهمّ من نفسك، لذلك وبينما أنت تقطع أيامك بالعمل في موقعك الحالي ابدأ تدريجيًا بصناعة مكانك الجديد، في المستقبل القريب أو البعيد – هذا يرتبط بجهدك واقتناصك للفرص

* * *

قرأت في مقالة ٢٥ فكرة قد تقربك من وظيفتك الحلم، اقتبست منها الفقرات التالية وترجمتها لأشارككم إياها:

١البحث عبر لينكدإن عن أشخاص يعملون بالمسمى الوظيفي الذي تطمح إليه، أو مجال عملك الحلم. استكشاف شبكتهم والمهارات التي يتقنونها. أين تعلّموا؟ وما هي المسارات الوظيفية التي قطعوها للوصول إلى ما هم عليه اليوم. كيف تتقاطع مهاراتك معهم؟ الفكرة ليست لاحباطك بالتأكيد. لكن من الجيّد معرفة كيف تنطلق.

٢الاطلاع على قصص لأشخاص في مواقع وظيفية مميزة وملهمة، القراءة والاستماع للقصص ومشاهدة مقاطع الفيديو التي يصنعونها تحفزك لتغيير مسارك. قد يصنع بودكاست أو مقال معيّن أو كتاب سيرة ذاتية نقلة حقيقة في حياتك.

٣سجل في مقررات تعليمية على الانترنت. هناك أيضًا ورش العمل محدودة التكلفة التي تطرح على شكل مقاطع فيديو ومقررات نصيّة يمكن تحميلها مجانًا. من مواقعي المفضلة المجربة: كورسيرا، كريتڤ لايڤ، ليندا، يوديمي

٤جمع بطاقات الأعمال وإضاعتها وسط فوضى الأوراق غير مجدٍ. بدلا من ذلك، في كلّ مرة تحضر مؤتمر أو فعالية تتبادل فيها البطاقات مع الآخرين، اجمع المعلومات في ملف إلكتروني (جدول في غووغل مثلا) يمكنك الوصول إليه من أي مكان وفي أي وقت، خصص فيه مساحة للأسماء، الوظائف، الشركات، وطرق التواصل وأي ملاحظات ترتبط بهذا الشخص كي تعود إليها سريعًا متى أردت.

٥تعرف أشخاص يعملون في مجال العمل الحلم؟ اجتمع معهم من وقتٍ لآخر، وكن دائما مبادرًا. للتعرف على آخر أخبار المجال والتحديات فيه، وقد يأتي الحديث على فرصة تناسبك ويرشدونك إليها.

٦ابحث عن الشركات التي تحلم بالعمل لديها. خصص وقت للاطلاع على نشاطها ومواقعها وكلّ شيء حولها، لماذا ترغب بالعمل فيها؟ لا مانع من تخصيص جدول جديد لهذه المعلومات وارفق معه طريقة التقديم على وظيفة لديهم وأي تفاصيل قد تهمك.

٧اصنع قائمة متابعة في تويتر وقم بإضافة الجهات التي تنتمي لمجالك المحبب. تابع الأخبار والمحتويات التي تُنشر من خلال حساباتهم، وتنبّه للاعلانات الوظيفية وأي شيء يبقي شمعة طموحك مشتعلة.

٨تعمل في وظيفة حاليًا، ليست وظيفتك الحلم لكنك تجيد إنجاز مهامّك بكفاءة؟ جرب تسجيل المهارات التي يمكن نقلها لمجال عملك الجديد. قبل سبع سنوات عملت في وظيفة كانت مهارتها الأهم: كتابة الخطابات الرسمية. لم يكن لديّ خبرة مسبقة في الموضوع، واليوم أصبحت وجهة أفراد العائلة الصغيرة والممتدة لكتابة الخطابات والمعاريض! تعلمت كيف ابدأ واختم وأرتب الرأس والتذييل وغير ذلك من التفاصيل. تعلمت أهمية مراقبة الصادر والوارد واستخدام الرموز والحفاظ على تسلسل منطقي فيها. في نفس الوظيفة كنت عضوة في لجنة مراقبة الجودة ومجال العمل أكاديمي، كيف نراقب جودة الاختبارات؟ جودة المناهج التي يضعها الأساتذة الجامعيين؟ تقييم الأداء بشكل عام أصبح من مهاراتي المتعددة. ماذا نقلت من تجربة العمل تلك؟ الكتابة، العمل مع فريق – مع أنه أكثر شيء يصعب علي التأقلم معه ، تتبع المراسلات والحضور للعمل في السابعة صباحًا.

ما أحاول قوله، ابحث عن كل شيء تجيده حاليًا وأصنع منه نقطة انطلاق لما سيأتي.

٩أخيرًا والنقطة الأهم بنظري، حضور الفعاليات وأي فرصة للتحدث مع من يشاركك الطموح والاهتمامات، غالبًا هي المكان الأفضل لاقتناص الفرص وصناعتها.

كتبت أكثر من ألف كلمة، وما زلت أشعر بأنني لامست السطح فقط. ما حاولت قوله أنّ هناك الكثير من الأمل والعمل ومقاومة الاستسلام قبل الوصول للمكان الذي نحلم به ونطمح إليه. سأحاول دائمًا فتح موضوع العمل هنا، لأنه من أهمّ الأشياء التي تشغل ذهني من وقت لآخر.

.

.

.

11 تعليقا على “الوظيفة الحلم، كيف نصل إلى هناك؟”

  1. ينبسط مزاجي ويتحسن يومي كل ماشيكت ولقيت تدوينة جديدة .. مستمتعة كثير بقرارك بالإلتزام بالتدوين ٢٠١٧ .. شكراً هيفاء 💕.

  2. أول تدوينة أقرأها بمدونتك هيفاء
    لذيذة ومحمِّسة وأسلوب شيق وخفيف على القلب
    شكرًا للي دلتني عليك ❤️

    أنا خريجة حاليًا وأبحث عن الوظيفة الحلم
    تدوينتك أعطتني تصوّر واضح خلاني أقول أنه مو شرط وظيفتك الأولى ياريم تكون هي حلمك. وأن المشوار قد يطول
    وأفادتني تدوينتك أيضًا بالأفكار اللي طرحتيها

    شكرًا هيفاء
    اعتبريني متابعة وصديقة جديدة لمدونتك.

  3. احتاج مثل هالكلام هالفترة ، كون مضى على التخرج سته اشهر ، تخصصي الجامعي لا احبه ، وظائفه في منطقتي معدومه وان وجدتك فهي استغلال لطاقتنا تحت عنوان “تطوع ” انا ابحث عن مصدر دخل ثابت او تطوع يزيد من خبرتي ، احلم في العمل في مجال البنوك ، الشركات الادارية ، لدي حلم في العمل في مجال الازياء متابعه الموضه وتغطيه الاحداث ، اتعلم بسرعه واتقن اي شي اضعه على يدي ، لكن مازلت مخبطه واعطيت نفسي فرصه “سنه بعد التخرج” اكون فيها “فاضيه” وامارس جميع هواياتي لربما اكتشف شي كنت لا اعرفه عن نفسي !

    شكرا لكل كلامك الطيب ❤سنه سعيدة عليك .

    1. كأنك تتحدثين عني يالله ! تخصصي الجامعي اكتشفت أني ما نجحت فية لكن متأخر جداً ومنطقتي الوظائف قليلة جداً تكاد لا تحتسب . وأحب الأزياء واتعلم بسرعة وبعطي نفسي فرصة بما أني تخرجت .. موفقة عزيزتي

      وشكراً لهيفاء . 💓

  4. لا تتوقفين عن إصابتي بالدهشة!
    هذه التدوينة حلت في الوقت المناسب .. أدور في دوامة حيرة قبل تخرجي منذ عام ونصف .. وكل يوم أتعلم شيئاً جديداً في رحلة بحثي عن “وظيفتي الحلم” ..

    “قضيت ١٢ عاماً حتى وصلت لوظيفتي الحلم ”
    شكراً هيفاء على مشاركتك هذه المعلومة .. لا أعلم عدد المرات التي قسوت فيها على نفسي على الشهور والسنوات التي مضت ولم أصل في بحثي وتفكيري على نتيجة تذكر ..

    عملت قبل دخولي الجامعة كمصممة جرافيك عن بعد ومازلت .. ولكن جميع الوظائف التي أشغلها عامة ولم تحقق شغفي بعد .. وأكتب بشكل جانبي في المدونة لحبي للكتابة أيضاً ..
    مازلت أجرب وأختبر العديد من المجالات المتخصصة بالتصميم بشكل شخصي .. وأبحث بلا توقف…

    شكراً لك هيفاء من القلب على هذه التجارب الملهمة .. تأكدت الأن أنني أسير بشكل طبيعي 💕

  5. سَلِمت هذه الكلمات الألف وكاتبتها، تلميحات حلوة جداً، فكرة أن أعزز حسابي بلينكدان فيما يتعلق بالوظيفة الحلم فكرة تستحق التجربة، مجال عملي التقني الإداري في هذه الشركة المترامية الأطراق لا يقترب كثيرا من حلمي في وظيفة الحلم، وظيفة في مجال الكتابة، أن أعمل كاتباً إبداعيا بدوام كامل هو شيء لا اراه قريبا، تجربتي تقول أن عملي الأساسي هو المسيطر الآن، الجانب الذي أحلم به هو الثانوي، الأساسي يهبط بالتدريج حتى يحين وقت مغادرتي للمكان بشكل قسري، عندها سيكون الثانوي قد نما وجاهز أن يتحول لأساسي، هذه الفكرة كتب عنها بستر درايكر في مقاله الشهير عن إدارة الذات، أجدد المباركة لك أختنا بالعودة المكثفة للتدوين وللقراءة، والتمهل قليلاً عن تويتر ومثيله.

  6. تدوينه جميله جداً واستفدت منها ورح اعمل بكلامك ان شاءالله شاكره وممتنه لك لانك نبهتيني ع اشياء كثير💗💗💗

  7. اسعد الله اوقاتك وين ماكنتِ الان
    هالتدوينه مو أول مرة أقرأها .. ارجع لها بين وقت ووقت
    وتشعل فيني شيء ما اقدر اسميه لكنه يقربني وذكرني بما أحب وما أرغب بتحقيقة .
    ممتنه هيفاء .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.