الرّبيع في باريس

تلاشت أصوات باريس من رأسي تدريجيًا خلال الأيام القليلة الماضية. صفارات سيارات الشرطة والاسعاف الأوروبية المميزة لا تشبه صفاراتنا المحلية أو التي في نيويورك. العجلات ترتطم بالطرق غير المستوية وانحراف السائق السريع وزحلقتي وأغراضي على كراسي السيارات الجلدية. صوتي يرتدّ في رأسي وأنا أحيي الباعة: بون جور بون سوا اورفوا! صوت المصعد الآلي لسيدة تذكر الدور الذي سكنته: سيتيم إيتاج آش الدور السابع H. بدأت جردة كتابة التدوينة في مكان ما على الطريق السريع المتجه لمطار شارل ديجول.

تحسست أذني واكتشفت أن قرطي المفضل مفقود، والآخر في الأخرى يتساءل عن رفيقه. لم يكن باهض الثمن لكن القيمة المعنوية التي يحملها أكبر بكثير من ذلك. خلعت القرط الوحيد وخبأته في جيب معطفي، ربما يعود ذلك يومًا ما؟ تحققت لاحقًا عندما وصلت للرياض في الحقائب والملابس ولكن لا أثر له. عندما أقول تركتُ بعضي في باريس لن تكون مبالغة.

هذه الرحلة اللطيفة حصلت بلا تخطيط مرهق، مزيج من عمل وبحث وعزلة ومتنفس واكتشاف وتعويض. عندما كتبت التدوينة الماضية وقلت ستكون باريس هنا دائمًا. عنيت ذلك بشدة. أردت تعويض رحلتي المتعبة في أقرب فرصة لكن لم يخطر ببالي أنّها ستتيسر هكذا، الحمد لله.

زيارة باريس هذه كانت بمثابة استكمال حكاية أو دردشة مع صديق بعد فاصل زمني ومكاني قصير. أين كنّا؟ قضيت أسبوع غنيّ بالمشي في شمس الشتاء الغامرة – لم تمطر يومًا واحدًا وأنا هناك، لن أمانع لو حصل ذلك لكنّها كانت هدية من الله للمشي والمزيد من المشي. تحقّقت من قائمتي الممتدة السابقة والتي لم التفت لها بسبب المرض وقصر الوقت، وانهمار المطر. وكانت هذه الرحلة أيضًا من جهة أخرى غنيّة بالمصادفات الجميلة! صديقتي منذ أكثر من عشرين عامًا تزورها لعطلة قصيرة وبرنامج تدريب، وصديقة جديدة انضمت لها قبل الرحلة بوقتٍ قصير.

كانت نيتي قضاء الكثير الوقت مع نفسي، لكن هذه اللحظات التي شهدت مشاركة التجارب مع الآخرين زادت من حماسي للانطلاق كلّ صباح.

وانتهت الرحلة بلقاء المدونة التي أحبّ واتابع منذ سنوات Garance Dore. أسست المدونة مجتمعًا صغيرًا وحصري للسيدات نسجل فيه باشتراك سنوي. وهذا اللقاء هو واحد من لقاءات أخرى سابقة وستأتي وصادف أن وصلتني النشرة البريدية الأسبوعية لتبلغني أن اللقاء القادم سيكون يوم ٢ مارس! سعدت كثيرًا بأنها ترتبت هكذا.

حجزت تذكرتي بأميالي التي جمعتها خلال السنوات الماضية، ووجدت غرفة بسعر جيّد في فندق انتظرت تجربته طويلًا. سكنت نفس المنطقة التي زرتها المرة الماضية ولذلك كان الانطلاق والاكتشاف أسرع. هنا الصيدلية، وهناك السوبرماركت، هنا مطاعم تقدم وجبات شهية، وفي هذه الزاوية تقف سيارات أوبر والأجرة بشكل أفضل.

مذكرات باريس

اليوم الأول

  • يوم الوصول المبكر والراحة قليلًا واستقبال الجوّ.
  • الإفطار في مطعم Immersion Vendôme.
  • قهوة لذيذة من Café Nuances – اقتنيت منهم لاحقًا كبسولات القهوة لصنعها في الفندق والمنزل.
  • عصرية قهوة وحلوى في صالون بروست في الريتز.
  • وفي المساء زرت مركز استجمام حصلت على كوبون هديّة وقررت اختيار المساج بعد أسبوع حافل ومرهق.
  • العشاء في مطعم Nanaumi ياباني تقليدي، هادئ جدًا وسأذكر دائمًا الباذنجان بصلصة الميسو الذي تناولته هناك.

اليوم الثاني

  • الإفطار في مطعم كاريت مع الصديقات – أحبّ البيض والجبن والفطر ومخبوزات الزبيب.
  • اشتريت بابكا الشوكولا والبندق من Babka Zana – زاد السكّر لاحقًا.
  • زيارة متحف فيكتور هوغو باريس. منزل تاريخي سكنه الكاتب وفيه قطع فنية ومسودات ومراسلات خاصة به. أحببت أن الدخول للمتحف مجاني.
  • جولة في محلّ Merci متعدد الأغراض.
  • من ثم أكملت الجولة في المنطقة Le Marais التي أحبّها كثيرًا، زرت محل قرطاسية جميل اسمه Papier Tigre، وتوقفت للقهوة في Typica للقهوة المختصّة ومن ثمّ توجهت لغاليري متخصص في الكتب الفنيّة Yvon Lambert Gallery.
  • الغداء في مطعم لبناني Kubri – الوجبة كانت غنية وكبيرة جدًا وكثيرة على شخص واحد فقط.
  • عدت للفندق عدة ساعات للعمل وخرجت مجددًا.
  • مررت بمحل Aigle الفرنسي واشتريت حذاء بساق متوسطة الارتفاع قليلًا مصنوع من الكانفاس.
  • قهوة في Noir ومشية قصيرة في الدائرة السابعة.
  • استكشاف محل العطور الذي زرته المرة الماضية وكان مغلقًا Parfums d’Orsay

اليوم الثالث

  • تناولت الإفطار في غرفتي بالفندق وقضيت ساعات الصباح الأولى في القراءة والعمل.
  • دعتني صديقتي إلى وجبة برنش brunch  طويلة وغنية امتدت لحوالي الثلاث ساعات في La Bauhinia
  • كان يومًا مشمسًا وبديعًا قضينا جزء منه في المشي حول منطقة Chaillot
  • عدت للفندق وقضيت بقية المساء في الراحة والدفء وتناولت وجبة سريعة شهية للغداء من مطعم برغر اسمه Blend.
  • بعد عدة ساعات من العمل تناولت العشاء مع رفقتي في مطعم هندي Annapurna

اليوم الرابع

  • بدأ اليوم مبكرًا فقد قررت مشاركة سرّي الصغير في الوصول بسرعة لمطل كنيسة القلب المقدس على تلة مونمارت.
  • تناولنا الإفطار في المطعم الأسترالي الذي أحببته Hardware Societe
  • صعدنا للمطلّ، التقطنا الصور وتجولنا حول المكان ومن ثم هبطنا عشرات السلالم باتجاه مقهى مختصّ أردت تجربته.
  • أمام آخر عتبات السلّم وجدنا محلّ العطور الفرنسي الشهير Fragonard تذكرت توصية ابنة خالي باكتشافه وعطوره وقضينا فيها وقتًا لا بأس به وخرجت منه بحصيلة جيدة كذلك.
  • في الجهة المقابلة وعبر زقاق مرتفع تدريجيًا وجدنا المقهى المطلوب Clove تناولنا المزيد من القهوة ولفائف الهيل السويدية اللذيذة!
  • عدت للفندق لاستراحة قصيرة وخرجت لاحقًا لزيارة متحف الرسام يوجين ديلاكروا أحد رسامي المدرسة الرومانسية الفرنسية. له لوحات شهيرة كثيرة لكنّ أشهرها في متحف اللوفر «الحريّة تقود الشعب». المتحف صغير جدًا وبه مسودات قليلة وبعض البورتريهات.
  • تناولت الغداء مع صديقتي في مطعم Huguette المتخصص بالأطعمة البحرية وكانت وجبة شهية وغنية بثمار البحر.
  • تابعنا المشي باتجاه حدائق لوكسمبورغ ولم ننتبه للوقت، جلسنا على الكراسي الخضراء الموزعة حول المكان وتلقينا الشمس بوجوهنا لنسمع صفارة الشرطي لاحقًا. نشير لأنفسنا مستنكرين هل نحن المقصودين؟ ويجيب بصفرة جديدة! مشينا باتجاه المخرج وطالني بعض الانزعاج فلم أشاهد نافورة مديتشي في هذه الزيارة ولا أظن أن الوقت سيسمح بعودتي. وبينما نحن متجهين للمخرج كانت هناك على يميني تنتظرني. التقطت لها عدة صور بينما سبحت بطة وحيدة في مائها. وتبعنا شرطي آخر ليتحقق من خروجنا أخيرًا.

اليوم الخامس

  • إفطار شهيّ وهادئ في مطعم Sunday in Soho
  • زيارة لمتحف القصر الصغير Petit Palais أو متحف مدينة باريس للفنون الجميلة. المتحف رائع ولم يكن مزدحمًا أبدًا ولم أفهم ما السبب حقيقة. المعمار في المبنى يستحق التأمل، واللوحات والقطع الفنية المتنوعة كذلك. المكان فسيح بسقف مرتفع وحديقة جميلة تتوسّطه قضينا فيها بعض الوقت للتأمل بهدوء.
  • قضيت بقية النهار في التسوق أو كما أسميته: إعادة تأثيث حياتي!
  • تناولت الغداء في مطعم مكسيكي لطيف اسمه Bocamexa
  • ملأت علبة صغيرة ببعض الحلوى الشرقية المغرية من Maison Aleph
  • تناولت العشاء مع صديقتي في مطعم Shirvan الذي يستوحي اطباقه من دول طريق الحرير. قائمة الطعام متنوعة وشهيّة لكن اختيارنا الأساسي وقع على كتف الخروف المطبوخ عدة ساعات. يستحق أن يكون وجبة احتفالية.
  • قضينا بقية الأمسية بمحاذاة النهر ننتظر التماع برج ايفل على رأس الساعة. كنا والعشرات المصطفين معنا نحاول إعادة الدفء لأطرافنا بالقفز والحركة.

اليوم السادس

  • بدأ الصباح باكرًا بانتظار مطعم Paperboy والافطار، وبينما أشار الموظف بأن الدخول للمكان سيستغرق ١٥ دقيقة توجهت وصديقتي إلى قهوة  Dreamin Man القريبة شربنا هناك ألذّ Flat white في الرحلة بلا منازع!
  • بعد الإفطار تمشينا قليلًا في الجوار لحين موعد زيارة اللوفر المرتقبة وشربنا القهوة من جديد في Fringe وهي قهوة مختصة تقدم وجبات إفطار متنوعة والغرانولا المصنوعة لديهم مميزة. حملت معي كيس من غرانولا التشاي ببهارات لذيذة!
  • أخذت صديقتي في جولة مختصرة جدًا في اللوفر – وامتدت لثلاث ساعات حتى شعرنا بأن أقدامنا تصرخ.
  • تناولت العشاء في الفندق وانتهت ليلتي باكرًا.

اليوم السابع

  • بدأت صباحي بهدوء والتقيت برفيقاتي عضوات مجموعة Garance Dore في باريس. كان اللقاء لطيف وشيّق! اعتذرت عن المتابعة لنهايته وانطلقت في سلسلة من جولات شراء احتياجات العائلة التي وصلتني توصياتهم عليها.
  • زرت متحف Musée Cognacq-Jay صغير وهادئ في منزل من القرن الثامن عشر، وكذلك الأعمال الفنية التي احتضنها. الدخول للمتحف مجاني والجولة سريعة جدًا.
  • جلست لتناول القهوة في Fika المقهى التابع للمركز الثقافي السويدي في باريس، لم أكن مستعدة لجولة في المكان لكن حتمًا سأعود له في زيارة قادمة فهو يضم مجموعة فنية وأنشطة ثقافية متنوعة.
  • ذهبت للعشاء في المطعم الإيطالي Big Love ودعت المدينة بمشية قصيرة وعدت للفندق لاتمام حزم حقائبي قبل رحلة الصباح الباكر.

هذه التدوينة محاولة لجمع كل التجارب بشكل سريع، وقد تكون دليل لأماكني المفضلة الجديدة، أو احتفال برحلة جميلة ستبقى في الذاكرة طويلًا. يمكنكم أيضًا مشاهدة الصور عبر حسابي في انستقرام، وخصوصا القائمة المثبتة تحت عنوان Paris 23.

.

.

.

١٧ فبراير

استذكر هذه الفترة اقتباس حول الكتابة لمارلين روبنسون:

«اكتب عندما تسيطر عليّ الرغبة في الكتابة بقوّة. عندما لا أشعر بذلك لا أكتب، لا أكتب مهما حاولت. حتى وإن أردت العمل على كتابة شيء من أجل الاستمرار فإنني انتهي إلى كره ما كتبته، وهذا يصيبني بالكآبة. لا أريد الانتظار حتى يحترق الورق ويصعد للخارج عبر المدخنة.»

اكتب كلّ يوم في مكانٍ آخر، بعيدًا عن مساحتي المفضلة لكنّها كتابة بشكل أو آخر حتى وإن لم تحمل اسمي أو مشاعري أو يومياتي. أكتب في دفتر للمذكرات وأقفز عدة صفحات عندما لا أشعر بذلك.

*

استقرّ معنى الشتاء في قلبي هذا العام بشكل كامل. الاختلاء بالنفس، الهدوء، التباطؤ، والكثير من الفوضى. مراقبة الطبيعة وهي تنفض عنها كلّ حليتها وتسكن حتى تمر العاصفة وتطهّرها بطريقة ما. هذا التذكير السنوي الذي تحدّثت عنه الكاتبة كاثرين ماي في كتابها Wintering الذي لم انتهِ من قراءته حتى الآن لكنّ اقتباسًا منه قادني إليه:

«لدينا مواسم نزدهر فيها ومواسم تساقط فيها أوراقنا، وتكشف عن عظامنا العارية. وبمرور الوقت تنمو مرة أخرى».

مع كلّ هذا التحول البطيء يظهر الصبر كقيمة جوهرية، قبل عدة سنوات وخلال بحث مطوّل عن قيمي التي أعيش بها وحصرها لأتذكرها كلما اشتدت الحياة وتحولت كان الصّبر يظهر بينها متكررًا بإصرار. كلما تسلل الشكّ إلى نفسي حول جدوى كلّ شيء أتذكر: الصبر الصبر الصبر.

وبينما كنت أكتب عن الصبر وصلتني النشرة البريدية الأسبوعية من جيمس كلير وضحكت من الاقتباس الذي توسطها:

«الصبر لا ينفع إلا إذا ربطته بالعمل.

أن تعمل على شيء + الصبر= النتائج

التخطيط للعمل+ الصبر= الانتظار فقط»

**

لو التقطت كاميرا علوية صورة لسريري خلال أشهر السنة ستكون المساحة الأكبر منه محجوزة لقطّتي. في الصيف تحبّ النوم على أقدامي ربما تظن أنها المنطقة الأكثر برودة في المكان، وربما هي كذلك. في الشتاء تبحث عن الدفء فتحتل الوسادة التي أصبحت لها بوضع المخالب! تبحث عن الدفء وتحاول استعادة ذاكرتها للحياة كما تعرفها. لكن لولو (Elle) لا تتصف بالوداعة دائمًا. لديها مسرحية ليلية مرهقة تتكون من فصلين أحدها “أدخليني” والآخر “أخرجيني!”.

لم تتوقف عن أدائها طيلة السنوات الماضية وأنا بلا مقاومة أحضرها أو ألعبها معها. هذه الأرجوحة المتحركة تذكرني بالحياة في العالم الخارجي، بعيدًا عن قطتي وبعيدًا عن سهراتها. المدّ والجزر في الحضور، في العلاقات، في العمل، في كلّ شيء. لا يمكنني الحكم على القطة فهي لا تمتلك قدرة متطورة على الانتباه والتحليل لتصرفاتها المتناقضة بين الرغبة في البقاء أو الرحيل.

***  

يقترب شهر فبراير من نهايته. قد تستسلم للفكرة المرعبة بأن شهران انقضيا في العام الجديد، أو ببساطة ستقول كانت شهرين رائعة من رعاية الذات ورفض ثقافة السباق وقوائم المهام التي يجب عليك إتمامها مع مطلع يناير.

ينتهي فبراير بالاحتفال بيوم التأسيس وعطلة قصيرة ممتعة، زواج لإحدى قريباتي، ورحلة مفاجأة بمزيج من العمل والاستجمام. سأقضي الأيام القادمة في الاستعداد لتحول الفصول ومشاريع إبداعية مؤجلة، بالإضافة للمزيد من التدوينات من وجهتي القادمة بإذن الله. هذه التدوينة عاصفة أفكار بسيطة بلا هدف واضح وربما هذه سمة الكتابة المحببة عندما تحضر ولا أقاومها.

.

،

،

،

Photo by Luca Severin on Unsplash

٢٧ يناير

أكتب الآن ورائحة مخبوزات طاغية تلفّ المنزل الهادئ. كأن الزمن توقف لساعات في هذا اليوم. جمعة هادئة بامتياز إلا من أصوات العصافير في الخارج وحركة الغيم ورقصها مع الشمس. نعمنا بأسابيع منعشة اغتسلت فيها الرياض بالمطر. كأننا أصبحنا أكثر لينًا بالضرورة – هذا في حال تجاهلت القيادة المتوحشة والازدحام المرعب. يناير ما زال يتمدد ويقترب من نهايته. أشعر أنّه أحد أطول الأشهر التي مرّت عليّ مؤخرًا. توقيت المخبوزات مناسب جدًا والسبب وراءها مصادفة عجينة فائضة من ليلة البيتزا الأسبوعية بالإضافة إلى تشكيلة أجبان تبقت من أمسية مع إحدى الصديقات. دائما هذه هي الفكرة الصائبة فالأجبان لا تعيش طويلًا بعد تقطيعها واستهلاكها ليس ممكنًا خلال يومين. الفطائر المحشوة يحبها الكل وسترافق ساعة الشاي وإفطار الغدّ وربما وجبة خفيفة منتصف نهار الأحد.

لماذا استطردت هنا؟

أحاول اكتشاف طرق جديدة لرواية القصص السريعة. لا أريد أن يطول صمتي. هذه البايتات شبه المجانية تطفو في مدونتي بلا حديث! أكملت منتصف يناير الشهر الأول في وظيفة مختلفة. وقبل أن تقفز إلى التعليقات الفكاهية أو النصائح حول البقاء في وظيفة لأكثر من سنة أو رفاهية التنقل من وظيفة لوظيفة حسب المزاج سأحيلك إلى هذه التدوينة للتأمل والتفكير. ركضت بلا هدف في وظيفة ظننت بأنها ستكون وظيفة التقاعد خاصتي ولم يحدث ذلك للأسف، فالحمد لله على الفرص الطيبة والشجاعة. يأخذ ترددي سباته السنوي وأتمنى أن يطول ذلك! كنت قد عاهدت نفسي منذ فترة على المبادرة بكلّ أشكالها. وإذا حدث أن أطل التردد أو الخوف برأسيهما سأتجاهلهما بالكامل. هل أحسب حساب العواقب؟ طبعًا لكن لا أطيل التفكير حتى يشلّني. بين يدي الكثير من الوقت هذه الأيام، لا استغله في العمل بطاقتي القصوى إنما بالهدوء والتروي والتحرك ببطء تجاه الأشياء والمواقف. اقرأ ببطء، أنام بعمق، وأؤجل الكثير من المواعيد وألغي الخطط.

هناك شعور خاصّ ومختلف أعيشه اليوم بعد اكتشافي لطريقتي المؤسفة في العيش: الحديّة! إما أن أفعل كلّ شيء في نفس الوقت، وانطلق بأقصى سرعة. أو أن أقف في مكاني واتجاهل أي خطوة تقربني مما أريده وانتظره. عندما تنبهت لهذا التوجّه المتعب بدأت بالتدريج. خطوة صغيرة اليوم، لن أجبر نفسي بقراءة مائة صفحة أو كتابة نصّ مكتمل. سأكتفي بعدة فقرات وإذا كان الكتاب ممتعًا حقًا سيسرقني لمكانٍ أبعد.

أزور مقاهي صغيرة لهدف وحيد: شرب القهوة مع الأصدقاء ولو لساعة واحدة.

أطهو وجبات عدة أيام في الأسبوع واكتفي بسلطة الكافتيريا الارتجالية التي أبنيها من الثلاجة.

أشاهد مسلسلًا حتى انتهي منه في جلسة واحدة، أو فيديوهات يوتوب لمنوعات غنائية من التسعينات.

القاسم المشترك بينها متعتي ومتعتي فقط.

تركت رسالة صوتية طويلة لصديقتي قبل عدة أيام أوضح لها المعضلة التي أعاني منها مع سوء التقدير لطاقتي ووقتي: أحدد موعدًا للخروج، واتفق مع الأشخاص من ثمّ تثقل خطواتي وأقرر البقاء في المنزل لأنني انغمست بالكامل في فكرة ممتعة. نادرًا ما يتفهم الجميع ذلك، لكن الحمد لله أني أحطت نفسي بدائرة لا احتاج معها للكثير من الشرح. أريد أن أكون في دفء المنزل اليوم ما رأيك بالغداء غدًا؟ حقًا؟ وأنا كذلك! منذ عودتي من رحلتي الأخيرة من باريس التزمت بالكتابة اليومية على شكل جدول الحصص المدرسية: استيقظت في وقت كذا وتناولت الإفطار وخرجت من المنزل.. الخ. مع أنها لا تركز كثيرًا على مشاعري وحالتي الذهنية حينها لكنها طريقة ممتعة لاستذكار خطواتي. لاحقًا تنبهت أن الفعل تحول إلى واجب جديد، تقرصني الكتابة إذا تأخرت عنها لأكثر من يومين. وهكذا وبمجرد الانتباه للموضوع توقفت عن الكتابة بشكل يومي وصارم. أزور مذكرتي إذا أردت التحقق من مشاعري تجاه شيءٍ ما، أو تدوين مغامرة جديدة.  

على الحائط المقابل لمكتبي علقت تقويمًا قابل للمسح. كل المواعيد المدونة للأسابيع والأيام الماضية تغيرت أكثر من مرة. يوم ١٢ يناير دونت: يوم الصبغة. تركت الشيب مشتعلًا لخمسة أيام إضافية. يوم ٥ يناير إفطار مع صديقة لم التق بها منذ مدّة اعتذرنا كلينا واتفقنا على موعد جديد ولم نعد للموضوع. في ٢٦ دونت أختي: رحلة إلى جدة مع أختي المفضلة. سألتها قبل أسبوع تقريبًا: هل ترغبين بالسفر أو نؤجلها؟ قالت صحيح لا أشعر بحماس للذهاب. كسبت تأجيلا ووفرت ميزانية هذه الرحلة لأخرى.  

على غرار المباهج التي تدوّن عنها صديقتي مها كلّ شهر هذه قائمة غير مرتبة لما أحببته في هذا الشهر:

  • محوت محتويات هاتفي بالكامل وبدأت استخدامه بعد التحديث من الصفر.
  • صلصة البيستو الحمراء بالطماطم المجففة
  • جبنة غاودا بحبوب الخردل (متوفرة في سوبرماركت التميمي)

.

.

الجردة السنوية أو مراجعة نهاية العام

بدأت فكرة هذه التدوينة من منشور على تويتر. شارك الكاتب ديكي بوش دليلًا مختصرًا ليمكننا من مراجعة السنة واكتشاف دروسها وتقييمها من جميع النواحي. وفي اللحظة التي قرأت تفاصيل الدليل قررت ترجمته باختصار ومشاركته في مدونتي قبل نهاية العام. سيكون تمرينًا ممتعًا لي ولكم، وكما يقترح الكاتب الذي أعدْ الدليل يمكننا تحويل إجابات هذه المراجعة إلى محتوى نشاركه مع الآخرين إذا أحببنا.

هذه التدوينة ليست حصرية لنهاية العام الميلادي، يمكن الاستفادة منها بشكل مستمر لمراجعة ربع السنة، ومنتصفها ولتحفيزنا لطرق جديدة لتدوين يومياتنا ومتابعة تقدمنا في الحياة.

وجد بوش كل نهاية سنة مدفوعًا للتفكير وطرح الأسئلة حول الأمور التالية:

  • الأشياء التي قام بها بشكل جيد (المكاسب والإنجازات).
  • الأشياء التي لم يقم بها أو تعثر في إنجازها (الأخطاء والصعوبات).
  • الأحداث الهامة واللحظات التي لا تنسى خلال العام والتي بدورها شكّلت شخصيته.
  • الدروس والمستهدفات التي يود وضعها في مقدمة قائمته للعام المقبل.
  • تحليل 80/20 (ما الذي حقق أفضل النتائج وما الذي تسبب بتعثره؟).
  • ما يريد أخذه إلى العام القادم وما سيتركه وراءه.

يقترح بوش اتباع الخطوات التالية لكنّه أيضًا يشجعنا لاتباع طرق مختلفة كاستبعاد بعض الخطوات، أو استخدامها كإلهام لبناء خطة عمل العام القادم. وأضيف على ذلك: قد تكون هذه المراجعة ممتعة كفعالية جماعية مع الأهل والأصدقاء.

وأضاف كتقديم للدليل هذه الأفكار السريعة:

  • ليس المقصود إتمام المراجعة في جلسة واحدة. ويمكن العمل على كل خطوة لعدة ساعات حتى تحصل على الاهتمام الكامل.
  • يمكنك الدمج بين الخطوات أو الاستعانة بتفاصيلها لبناء نسخ إضافية من المراجعة لتغطي جوانب غير مذكورة هنا.
  • تذكّر أنكم في مهمة لجعل العام المقبل نسخة أفضل من العام الحالي.
متابعة قراءة الجردة السنوية أو مراجعة نهاية العام

We’ll always have Paris

جلست لكتابة هذه التدوينة بعد تأجيل. الجزء الثالث والأخير من تدوينات باريس الجميلة. ما الذي ذكرني بالعودة للكتابة؟ مررت بصفحة في ويكيبيديا تحدثت عن جوزفين بونبارت. تذكرت لوحة تتويج نابليون الهائلة التي كان الوقوف أمامها إحدى لحظات رحلتي المميزة. الأسبوعين الماضية كانت مزيج من تعافي وانتكاسة صحية ومن ثم التعافي من جديد. ومن جهة أخرى استكمال حفلة ترميم حياتي الاجتماعية واللقاء بأفراد العائلة والصديقات بعد انشغال طويل. وأخيرًا الاستعداد للعودة للعمل. هناك تجارب جديدة واكتشافات لكن سأتركها لتدوينة أخرى، هذه التدوينة عن مونيه والزنابق وباريس المشمسة.

مع فواصل سعال قصيرة عدت للكتابة واستعادة ذكرياتي من ملف الصور في هاتفي، الصور بمثابة فتات الخبز الذي يعيدني إلى ذكرى معينة في حال نسيتها.

أربع أيام هذا ما يقوله الهاتف. بين وصولي والخروج لمتحف أورانجري في حديقة تويلري. يحتضن المتحف مجموعة غنية من لوحات المدرسة الانطباعية، وبالتأكيد زنابق الماء لمونيه. أصبت بالإحباط عندما علمت أن منزله ومتحفه والحديقة في جيفرني ستكون مغلقة لموسم الشتاء.

بدأت الصباح الضبابي بالمشي باتجاه الحديقة التي تبعد حوالي ربع الساعة من فندقي، الأجواء تقول يوم بارد جدًا. أراه في وجوه المارّة والطريقة التي يشدون فيها معاطفهم على أجسادهم. أما أنا فيبدو أن بقايا الحمّى ما زالت رفيقتي. لا أفهم سرّها لكن بالنسبة لي الجو في الخارج يشبه الربيع. لم ارتد شالا حول عنقي ولا قبعة صوفية. معطف ضخم وكنزة صوفية وسروال جينز وما إن عبرت البوابة للمتحف حتى قررت وفورا التخفف من القطع التي ارتديها. كيف لكل هذه التدفئة أن تتسق مع فكرة معاناة أوروبا مع الوقود؟ رتبت حقيبتي على هذا الأساس والنتيجة أن كل مكان في المدينة مدفأ أكثر مما يجب! والأيام الوحيدة التي استمعت بها هي تلك التي تخففت فيها من قطع ملابسي الصوفية.

متابعة قراءة We’ll always have Paris