كيف تهزم مطباً قرائياً؟

Lost in Literature By Lori Preusch
Lost in Literature By Lori Preusch

لماذا نقع في مطبّ قرائي؟ أو بالأحرى ماذا أقصد بالمطبّ القرائي؟

نعرف جيداً تلك الفترة التي يعاني منها الكاتب عندما يصطدم بتوقف قدرته على الكتابة، أو ما يسمى بالانجليزية Writer’s Block، في حالة القارئ، هذا هو مطبّه، هذا هو الـ block الخاصّ به. وكما علّق كاتب انجليزي قرأت له ذات مرة مقالة نصاب نحنُ القراء بحالة الجمود والتوقف، لأن الكتّاب لا يصابون بها“. وكلامه صحيح إلى حدّ ما، إذا فكرنا في الاسباب التي تقودنا للتوقف والجمود القرائي، سنجد أن من بينها الحيرة العظيمة التي نقع بها عندما نريد اختيار كتابنا التالي، والعدد الهائل للكتب المتاحة لأنّ الكتاب ببساطة لا يصابون بالجمود!

سأحاول في هذه التدوينة جمع الاسباب التي مررت بها شخصياًوالتي قرأت عنها في بحثي السريع على الويب، لماذا نصاب بالجمود القرائي، وكيف يمكننا تجاوز ذلك بسهولة.

الانشغال

أودّ الحديث عن الوقت، عن اليوم الذي لا يكفي، عن الساعات الاربعة والعشرين التي تنكمش.

لستُ وحدي في ذلك. فنحن مخيرون أمام أمرين، أن نترك هذا العالم يدور خارج الباب، لا نعمل لا نتعلم، لا نسأل عن شيء، ونحصل على كل الوقت، للقراءة والاطلاع، والتنقل من كتاب لآخر. أو الاصطدام بواقع أننا سنجوع، ونعيش في فوضى عارمة مالم نخرج ليومنا الحافل! أنا أحبّ عملي، كما أحببت عملي السابق، كما أحببت سنوات الدراسة لكن المشكلة دائما ذلك الضمير الخفي الذي يستيقظ ويذكرني بالرفوف الحزينة التي تعاني من الوحدة، يذكرني بقطعة الورق التي تركتها في صفحة ما، بالملاحظة الصغيرة التي كتبتها عن كتاب رائع ولم أعد إليه من جديدالانشغال يا أصدقاء السبب الأول للجمود القرائي، خصوصاً إذا كنتم ممن يحتاج إلى أكثر من ساعة يومياً للدخول في عمق كتاب والاستمتاع به.

قراءة كتب سيئة متتالية

إنه الاحباط، تبدأ كتب كانت لديك تصورات مبدئية حول جودتها والمتعة التي ستحصل عليها من قراءتها وتفاجأ تدريجياً أن الكتاب من سيء إلى أسوأ. تتركه من يدك وتتناول كتاباً آخر وتفاجأ بنفس القصة تتكرر مع كتاب ثانٍ وثالث ورابع. ردة الفعل الفورية لدى البعض – وأنا منهمسأتوقف عن المحاولة قليلاً وسأصاب بالجمود وسأنصرف عن القراءة لفترة قد تطول أو تقصر بحسب ما سيحدث من محاولات للخروج منها.

قراءة كتب رائعة متتالية

قد يبدو هذا الشيء مضحك لكنه حقيقي. تلتهم أفضل الكتب في مكتبتك وتبقى لديك الكتب الأقل حظاً. أو تقرأ عمل رائع مكتوب خصيصاً لك ثمّ لا تغادر آثاره نفسك بسهولة. يحدث دائما ذلك معي، وأجده ربما السبب الأهم بين الاسباب التي ذكرتها سابقا. يصبح الكتاب الجيد وحشاً، ويمنعك من الاستمتاع بأي كتاب سواه، كل مرة تفكر البدء في قراءة كتاب جديد، تعود لاقتباساتك من الكتاب، وتتصفحه من جديد وتستعيد المتعة. ثمّ تبقى حبيساً.

بلا سبب

نعم للاسف، يمكن أن يحدث ذلك بلا سبب.

إذا كنت تقرأ دائما، إذا كانت القراءة هي الفعل الذي تتقنه مثل التنفس أو الأكل أو النوم أو أي شيء أصبح الوضع الافتراضي لحياتك ستدرك معنى الخوف والهلع الذي يصيب الانسان عندما لا يستطيع القراءة. . وكيف إذا كان ذلك بلا سبب.

طيّب، والحل؟

أنا سعيدة بأن كتابة هذه التدوينة تزامن واستماعي للبودكاست المفضل عن الكتب Booksonthenightstand ، ومن جهة أخرى تزامن مع استعادتي لشهيتي القرائية وتجاوز حالة الجمود التي مررت بها لعدة أشهر، وإن بدا ذلك غريباً بعض الشيء فخلال هذه الفترة كنت أقرأ، لكن الجمود الذي أتحدث عنه، الجمود الذي يخصني، يعني أنني أقضي أسابيع بل شهور في محاولة إنهاء كتاب جيد، ومن حجم صغير بلا نجاحفي البودكاست الذي ذكرته جاء ذكر ١٢ حلاً لهذه المعضلة، جربت بعضها، ونجحت، وأضيف أيضاً ثلاثة من عندي، وانتظر كذلك اضافاتكم.

توقف عن القراءة.

اوقف قراءة كل الكتب التي تقرأها حالياً، اغلق الكتب واحملها للرفوف، واخبر نفسك سأتوقف الآن عن القراءة“. انشغل بشيء آخر، أي نشاط آخر تملأ به يومك – أو الوقت المتبقي منه ، سريعاً ستعود لهوايتك المحببة، لا شيء أجمل من قراءة وجوه الآخرين ولكن على الورق!

أعد قراءة كتاب مفضل.

إذا كانت مشكلتك القرائية في الكتب التي اقتنيتها حديثاً، أو تنوي قراءتها، ببساطة ابحث عن كتاب قديم محبب لديك، استعد بهجة قراءته على مهل.

غيّر مواضيع الكتب التي تقرأها.

إذا كانت قراءتك لمدة طويلة محددة بالروايات، أو السير، أو المغامرات والتشويق، ببساطة غير موضوع الكتاب الذي تقرأه، وهذه طريقة رائعة ومجربة، أجد نفسي اترك الروايات لعدة شهور وأعود إليها كل عام تحديداً في الشتاء، ما زلت اجهل السرّ، لكن بمراقبة قوائم قراءتي في goodreads مثلا أجد أن الصيف محدود الروايات، والشتاء عكس ذلك وهكذا. وجدت أنني تلقائياً أغير من نوع الكتب التي اقرأها حتى لا أصاب بالملل أو الجمود.

إقرأ كتاباً مشهوراً .. جداً.

أعرف أنّني أناقض نفسي هنا، لا أحبّ قراءة أي كتاب يحقق مبيعات عالية، أو ضجة، أو يظهر بكثرة في قوائم القرّاء، لكن قراءة مثل هذه الكتب والتخلص من الغرور القرائي كما أشار البودكاست، سيساعدك على استعادة شهيتك للقراءة وقد تكتشف أنك تجاهلت كتاباً رائعاً بسبب الضجة التي أحيط بها.

تسّوقك من رفوفك الشخصية.

سمعت هذا الحلّ وضحكت كثيراً، يمكن جداً أن أفعل ذلك، في الحقيقة أفعله كل عدة أشهر. السبب نوبات الشراهة الشرائية التي تتكرر عدة مرات خلال العام، وما يحصل أنني أخزن الكتب كأنني انتظر نهاية العالم، كما يُخزن الآخرون الماء أو المعلبات أو الأدوية، وكلما افرغت كيساً دفعت بالمجموعة الجديدة نحو الرفوف الخفية من الغرفة، تحت السرير، في غرفة أخرى لكي لا يكتشف أحد الوضع السيء الذي وصلت إليه. تمر أحيانا فترات طويلة وأعود للتسوقمن رفوفي الخاصة وكأنني اكتشف رزمة نقود مخبأة في جيب معطف.

افعلوا ذلك إذا كنتم مثلي، وسيكون ذلك حلاً سريعاً.

لا تقرأ .. استمع.

في العام ٢٠١١م تعرفت على متعة الكتب الصوتية، كان المنزل بلا مساعدة منزلية، ولفترة ما لم اجد الوقت الكافي لقراءة كتاب ورقي أو الكتروني، لم أجد وقت للقراءة تماماً. وكان الكتاب الصوتي الحلّ المؤقت والرائع، استمع للكتب وأنا انجز الاعمال المنزلية، وأنا في الطريق، وقبل النوم، وفي أي وقت يتاح لي وإن كان دقائق معدودةالمشكلة الوحيدة التي عانيت منها عدم قدرتي على تسجيل الملاحظات في وقتها والاقتباسات كذلك. لكنه ثمن صغير وسأدفعه بسعادة لو قيل لي أنّ الحلّ في جمودي القرائي مرتبط بسماعات أذن!

دع شخصاً يختار لك ما تقرأه.

٢٠١٢م سنة الهدايا الورقية، تلقيت الكثير من الكتب قبل ميلادي، وبعده، كتب لم استطع احصاءها، مشتريات من العائلة والاصدقاء، ومفاجآت لم أفكر بها. هذه الكتب لم تكن على قائمتي القرائية وبعضها يحمل مواضيع وتخصصات ابتعدت عنها لفترة، والرابط المشترك بينها طبعاً أنها كانت اختيار شخص آخر، وليست من اختيارييمكن تطبيق ذلك أيضاً عند زيارة المكتبة، واذا كان البائع شخص موثوق وقارئ جيد يمكنك طلب ذلك منه اقترح عليّ ماذا اقرأ؟“. اقتراحات الاصدقاء أيضاً معين لا ينضب. ومواقع الشبكات الاجتماعية لم تترك لنا عذرا في هذا المجال.

اقرأ مع صديق.

الحلّ الأجمل والاقرب لقلبي، القراءة مع صديقالاتفاق المسبق والتحفز، والمتابعة المشتركة وتبادل الملاحظات منعش جداً، يكفي شعور أنكما تسيران على طريق واحد باتجاه خط نهاية مشترك، ومهما كان الكتاب جيد أو سيء فالفكرة تستحق التجربة. وستحلّ مشكلة الجمود القرائي بالتأكيد.

خفف الجرعة.

التهم كتباً أصغر، اقرأ شعر، قصص قصيرة، مقالات في مجلات متخصصة تهمك، رسائل .. والقائمة تطول.

اقرأ آراء القراء.

اذا لم تستطع القراءة تفرّج على الذين يقرؤونأحب المرور على مدونات تكتب عن الكتب، رؤية نقدية، مقالات، افلام قصيرة أو وثائقية تحكي عن الكتب. كل هذه المنابع ستقودني لاختيار كتابي التالي، وستشعل حماستي.

رتب مكتبتك من جديد.

اتصلت قبل عدة أيام بالنجار ليصمم لي رفوف جديدة ورحبة، لدي الكثير من الكتب اخفيها في دروج وغياب الكتب عن العين يغيبها عن القراءةسأعيد ترتيب كتبي بحسب نظام ما لم أقرر ما هو بعد، أو سأصفها عشوائيا، أو بالالوان، المهمّ أن ترتيب الكتب سينعش القراءة.

اقرأ الكلاسيكيات.

إذا لم تفعل ذلك بعد، انبش الكتب القديمة والتي شهد التاريخ وملايين القراء بجودتها وأهميتها.

انتقل للخيار التالي: التلفزيون والفيلم.

لدي مشكلة حقيقية، في فترات متابعة المسلسلات المفضلة، الافلام، والبرامج المنوعة ينكمش وقت القراءة لدي.

يقترح البودكاست الانشغال بمشاهدة التلفزيون والاصطدام ربما بقبح بعض الانتاجات، لنشتاق لصديقنا الوفيّ.

تكلم عن الكتب التي قرأتها، أعد نشر رأيك، اقتباساتك.

قد يدلك فعل المشاركة هذا إلى قراءات جديدة، قد تفيد شخصاً ما ويفيدك بالمقابل، وهكذا لا تنتهي حلقة القراءة الجميلة والابدية!

مخرج!

ربما نحنُ لا نختار الكتب التي تتناسب ونمط حياتنا؟ أو كما يقول أحد الكتاب نصوّب عالياً، وعندما نفشل نصاب بالاحباط“.

 

22 تعليقا على “كيف تهزم مطباً قرائياً؟”

  1. تدوينة فائقة الروعة .. وجائت كالبلسم على قلبي الذي يكاد أن يصاب بحالة جمود قرائي .. سأتبع نصائحك قبل أن يستفحل المرض عندي .. احترامي لفكرك الراقي 🙂

    1. أحبّ استخدامه على المسميات الأخرى “شغالة” و “خادمة”. هكذا أفضل واكثر انسانية واحتراما .
      حياك الله

  2. ما السرّ وراء تكرار الحلول حول معالجة ملل القراءة في كل موقع أزوره؟
    أنا في فترة انتعاش الآن :d
    حلول جيّدة, جرّبت منها “التوقف عن القراءة” و” الانتقال للتلفاز والفيلم” وكانت فعّالة.
    بالنسبة للكتب الصوتية هل هناك مواقع تنصحين بها؟ كتب عربية طبعًا :$

    شكرًا.

  3. هيفاء يا قارئة الأفكار شكرًا لكِ، أعاني حاليًا من هذا المطب ومستاءة من نفسي كثيرًا.
    وأودُّ إضافة أمر آخر محفّز وهو قراءة تغريدات في حساب حدثنا عما تقرأ محفّز كثيرًا شعرتُ أن الجميع يقرأ وأنني في ركن قصيّ من العالم.

    1. حلوة فكرة الحساب، وأيّ هاشتاغ أو حساب يتكلم عن الكتب اجده بطريقة أو بأخرى يحفزني للقراءة.
      أيضا جربي مجموعات غودريدز فيها الكثير من الافكار والتلميحات.

  4. سـلامٌ عليكِ هيفاء 🙂

    أمّا أنا فقد بدأ مطبى القرائى بعد قراءة عدة روايات طويلة غزيرة التفاصيل .. تشبعت بحروفها حتى لم يعد هناك مساحة للمزيد .. الآن أجدنى غير قادرة على البدأ فى أى رواية طويلة .. ربما لإنشغال العمل و ربما لإحساس الملل السريع الذى أصبح يصيبنى إن لم أجد المتعة من الصفحة الثالثة على الأكثر 😀

    لهذا تجدينى أنتهج أسلوب تخفيف الجرعة 🙂 .. ألتهم قصائد درويش و أتصفح الكتب كعادتى و أتابع مجموعة من المدونات العربية المفيدة و الملهمة كهذا المكان الرائع الذى أكتب فيه الآن 🙂
    دمتِ مبدعة عزيزتى 🙂

  5. المقال رائع جداً وقرأته مرتين منذ صدورة . أعجبني جداً وبث فيني الحماسة لأجل خطة القراءة .. سأضع خطة قرائية وخطة جانبية للقراءة , أي هناك كُتب أسياسية سأقرأها .. وسأضع كُتب أخرى في حالة الملل , المقال يستحق أن ينشر في كُل مكان .. شكراً يا هيفاء

    1. أهلا خالد،
      تحديد خطة للقراءة يفيدني في تخصصي لكن افشل في تطبيق ذلك على الكتب التي اصل إليها لأجل الترفيه . قد أجربها يوماً . .
      شكرا لك : )

  6. مطب يصعب عبوره!
    مازلت عالقة به منذُ ٢٠٠٨، مع أنني تجاوزته في عدة مرات لكن ما يلبث أن يعود أقوى مما مضى.
    أواسي نفسي بتذكر لذة أيام الصيف الطويلة و القراءات التي لا تنتهي إلا الفجر و ليالي الشتاء الدافئة بحروف كتبي.

    سيكون لما كتب أعلاه نصيب التجريب لعل و عسى.
    فشكرًا لكِ هيفا (:

    1. كثير من ٢٠٠٨م 🙁
      كان الله في عونك يا نورا.
      جربي وخبريني بالنتيجة وان شاء الله تعود لك المتعة المفقودة.

  7. تلك الحلول على رغم سهولة تنفيذها إلا أنها لم تخطر ببالي
    للان ليس لدي مطب قرأئي بل لدي مطب كتابي من ثلاث سنوات ولم أكتب شيء وهجرت عالم المدونات
    على رغم ذلك ياصديقة مازلت أكتب القليل في تلك المذكرة العتيقة التى لدي بعض التعليقات عن كتب قرأتها لعلها تساعدني العودة الكتابة 🙁

    شكراً هيفاء الجميلة على هالتدوينة اللطيفة المحفزة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.