أين هربت كلماتي؟

بدأ الموضوع بالتدريج، مثل فقدان الشهية أو تسلل الانفلونزا للجسد. كنت أحسب الأيام أولًا ومرّت خمسة أسابيع بلا أثر لرغبة التدوين أو الشعور بالحاجة لكتابة أيّ شيء! حتى اليوميات التي سرقت الوقت لكتابتها في مذكرتي وأوجزتها في سطر أو سطرين توقفت تمامًا. بحثت عن أشكال أخرى لتسجيل الذكريات اليومية كالتصوير، ولم أجد سوى مجموعة كبيرة من صور «السيلفي» التي أشاركها مع أخواتي خلال اليوم. لم أقلق من غياب شهية الكتابة لكن الأمر أخذ منحىً مختلف عندما توقفت عن القراءة في نفس الوقت، ومشاركة أي شيء على أي منصة رقمية.

الآن بدأت بالتفكير، هل هذه رغبة سريّة قديمة؟ كنت قبل عدة أشهر أردد في سري وأحيانًا في دوائري القريبة: أريد أن أحذف كلّ شيء وابدأ من الصفر. أو أصمت تمامًا وأقضي حياتي بلا مشاركة أو تعبير. لم تكن أمنية، بل أقرب للهاجس لكنها تحققت في كل الأحوال. مر شهر واثنان بلا تغيير وذهبت في رحلة تدريب إلى لندن متأهبة ومستعدة لتدوين التجربة ومشاركتها بالصور والأفكار. قضيت أسبوعًا كاملًا في التعلم والمغامرة ولم أجد في نفسي أي حماس لرواية القصة.

حاولت الاحتفاظ بالذكريات لأطول وقت ممكن واستعنت بكاميرا فيلم لاستخدام واحد. أستطيع اليوم التحدث عن رحلتي القصيرة بالنظر لتلك الصور المطبوعة -مرتين لحسن الحظ-. هنا الفندق الصغير الذي توسع في المبنى المقابل وجربت السكن في توسعته الصغيرة. على الباب الأخضر رقم ٣٣ زينة الميلاد الملونة التي اعتذرت سائحة أمريكية عن تصويرها والتلصص على «بيتنا» أنا وأختي عندما باغتناها بالخروج فجأة. ضحكنا ولم نصحح لها معلومة إنه فندق يا سيدتي وليس بيتنا! لم تنجح صباحات لندن الباردة في إيقاظ الحبر في قلمي، أو جهازي المحمول بالضرورة.

أركض عبر الشارع لمبنى الفندق الرئيسي كل يوم قبل شروق الشمس، التقط واحدة من المخبوزات الفرنسية الشهية كأنها رهينة في كفّي، وأعلن للموظفة عند ماكينة القهوة: لديك اليوم ٣ دقائق لتحضير «الفلات وايت». كلّ يوم أعطيها وقت جديد والسرّ في المدة التي تستغرق وصول سائق أوبر لرأس الشارع. شارع هنرييتا مغلق أمام السيارات كل يوم في المساء، ويفتح مؤقتًا لمرور سيارات نقل الأطعمة والتجهيزات وصولًا إلى منطقة كوفنت غاردن. صانعة القهوة هي نفسها موظفة الاستقبال، وأحيانا نادلة في المشرب لوقتٍ متأخر.

لماذا أذكر هذه التفاصيل بأثر رجعي؟ ربما لأنني حاولت كتابتها يومًا ما ولم أجد الكلمات. هربت. غادرتني في إجازة مطوّلة لتختبر صبري واهتمامي بعودتها.

أنهيت تدريبي وعدت محمّلة بالذكريات والدروس والتجارب والعلاقات الجديدة الطازجة التي سأربيها لتكبر. هل عدت للكتابة والتفكير؟ لا طبعًا. غرقت في تفاصيل كثيرة في انتظار العام الجديد. أفكر في نفسي، أين كنت قبل سنة من اليوم؟ كيف قضيت أيامي؟ هذا هو الوقت الوفير الذي كنت أبحث عنه لأكتب وأدوّن وأتعلم وأعلّم. تقول مرشدتي هذا فصل الشتاء، أنتِ تمرين بشتاء معنوي.

أردت إيجاد كلماتي بكلّ الطرق، لدرجة افتعلت معها المشاكل والتجارب! افتح المدونة واقرأ كتابات عشوائية قديمة علّها تذكرني بطرق الصياغة أو استعادة الإعدادات. آخر تدوينة كتبتها تظهر في الصفحة الرئيسية وتمدّ لسانها لي: أفكار عملية للخروج من القوقعة! خرجت كلماتي من القوقعة وتخلصت من عبء انتظاري.

أردت فعل كلّ شيء بإصرار ووجدت نفسي بين مسارين: إجبار نفسي على الكتابة (لأجل ماذا ومن؟) أو تجاهل الأمر تمامًا ومتابعة الحياة بدونها.

من أنا اليوم؟ وكيف أعرف بنفسي إذا لم اكتب؟

تذكرت تمرين محببّ يساعدني على فهم نفسي في لحظة ما، في مكانٍ ما عندما تضطرب البوصلة. إذا استيقظت اليوم في مدينة أخرى غير الرياض، في سياتل، أو نيودلهي. كيف تتصرف؟ ما هي القيم التي تحملها وتعيش بها؟ العناصر الأساسية التي تعكس ما تؤمن به؟ ما الشيء الذي ستفعله هيفا أينما كانت؟ وتكررت في تأملي الطويل: الكتابة، التعلّم، سرد القصص، العيش بحبّ، الاحتفاء بالفضول، واللطف. دائمًا ابدأ بالكتابة.

يهمني التوقف قليلًا هنا والقول إن هروب الكلمات لم يحدث في حياتي الخاصة وحسب، بل امتدّ لعملي ولحسن حظي أن المشاريع التي عملت عليها خلال الأشهر القليلة الماضية أخذت طابع استكشافي إداري وتحريري. لم يكن هناك عبء الابتكار الثقيل والكتابة من الصفر. استعرت كلمات الآخرين وأنقذتني.

وأنا اكتب هذه التدوينة تذكّرت قصة ظريفة حدثت مع والدي قبل عدة أشهر، بينما كان يقود سيّارته في إحدى الشوارع القريبة. شاهد سيارة عائلية تبتعد وسقط منها شيء. توقف عندما تعرّف عليه: حقيبة غداء طفل صغير. حاول اللحاق بهم لكنه فشل. وبدأت رحلة البحث عنهم! في اليوم التالي أخذ الحقيبة معه وقاد سيارته للحيّ والشوارع المجاورة علّه يلمح سيارتهم. لم ينتهِ هنا، حاول الاستفسار من حارس البناية التي خرجوا مها فقد يتعرف عليهم. إصرار والدي مدهش! كان يفكّر في هذا الطفل الصغير الذي فقد غداءه وحقيبته المحببة. كيف يوصلها إليه؟ أردت البحث عن كلماتي بنفس الدافع. بنفس الإصرار. مرت الأيام والآن في مخزن المطبخ الصغير على رفّ مرتفع حقيبة غداء لطفل عليها رسومات كرتونية تنتظر العودة.

لم تغب الكتابة عن ذهني يومًا واحدًا. في لحظات السكون كنت أقف في منتصف غرفتي تمامًا وأمدّ بصري للمكتبة، آلاف الكلمات ترقد هناك بهدوء ووداعة. تستفزني! يقطع الصمت رسائل يومية وأسبوعية أحيانًا من متابعين يسألون: متى ترجع للكتابة؟ أين غابت؟ وماذا تفعل اليوم؟

الإجابة الهادئة هي: إجازة طويلة. هل أعلم متى تنتهي؟ لا طبعًا. والشعور الذي يستقرّ في روحي يذكّرني باللحظة الأولى التي شعرت فيها بالغيرة. شعور خام غريب لم أعرف له اسما. (هذه قصة قديمة ربما شاركتها معكم من قبل) قصة هيفا الصغيرة تعلمت القراءة والكتابة مبكرًا ووجدت نفسها حبيسة المنزل لأنّها لم تصل العمر القانوني الذي يؤهلها لدخول رياض الأطفال والمدرسة. تزورها ابنة الجيران كلّ يوم في الظهيرة وتسألها: متى تذهب للمدرسة؟ الموقف يتكرر كلّ يوم وأنا أقع في الفخّ. افتح لها الباب بنفسي واستقبل سؤالها ويغمرني الحزن وأصدح بالبكاء. كلّ يوم. أشعر بالغيرة من الكلمات التي تطوف حولي ولا يمكنني القبض عليها. وأعود تدريجيًا لكتابة اليوميات في دفتر أخضر احتفالا ب٢٠٢٤. سطر هنا وسطر هناك. اقتباس لطيف مررت به. قصة مرمّزة. شعور خانق. كلها كلمات أشجع نفسي بهذا التعبير واستخدم كل صفحة كقطعة حلوى تستدرج المزيد من القصص.

في ورشة عمل حضرتها قبل أسبوع تقريبًا صرحت بمشاعري الحقيقية تجاه غياب رغبتي في الكتابة. تحدثت مطولا مع زميلتي وربما كلّ من عبر طريقي مؤخرًا. لم أكتم حقيقة خوفي المتعاظم. وما حصل لم يكن متوقعًا! استيقظت صباح الأول من فبراير بشعور مختلف: أريد أن أكتب من جديد. أريد استعادة كلّ شيء وتدوينه بأثر رجعي. الكلمات على أطراف أصابعي وحول غرفتي، وفي طريقي المعتاد للعمل وبين وقفات صمتي.

تعلّمت الدرس المهمّ من هذه الرحلة القصيرة وإن كانت أشبه بسنة كاملة من الصمت. الكتابة جزء من هويتي وفي لحظات نادرة جدًا اعترض عليها وأحاول تحييدها بحثًا عن تعريف مختلف لنفسي وأعود إليها بكلّ حبّ.

.

.

.

Collage by Rachel Recotor

أفكار عملية للخروج من القوقعة

بعد نشر تدوينة الأسبوع الماضي (أن نكون مرئيين) وصلتني رسائل متنوعة بالإضافة للتعليقات هنا في المدونة وعلى انستقرام شجعتني على الحديث أكثر حول الموضوع. صادف أيضًا خلال الأسبوع أن مررت بتعليق على الانترنت بصياغة تشبه التالي: «أكثر ما يخيفني وآمل في تحقيقه: أن أكون مرئيًا» تذكرت فورًا حديثي عن الأمر وكيف نتأرجح بين هاتين الرغبتين. أريد أن امتلك المرونة في الظهور والاختباء متى ما أردت. ولكن حتى يتحقق لنا ذلك يجب علينا العبور خارج قوقعتنا والتعرف على العالم بعيدًا عن حمايتها، والعودة إليها لإعادة شحن الطاقة والاختلاء بالنفس.

بالنسبة للكثيرين، تبدو فكرة الخروج من القوقعة إلى حياة اجتماعية صاخبة مغامرة مخيفة. بالإضافة لذلك هناك عوامل أخرى تساهم في شدة الأمر منها: أن تكون شخصيتك ذات طبيعة انطوائية تنتعش في الهدوء ومساحات الراحة، أو تعاني قلق ورهاب اجتماعي أو شعور شديد بالخجل. كل هذه العقبات تزيد من حاجتنا للشجاعة والتي تبنى تدريجيًا بالمران والممارسة.

سأحاول في الأفكار أو الاستراتيجيات التالية تضمين تجارب وقصص شخصية مررت بها في طريقي وأتمنى أن تساعدكم في التغلب على مخاوفكم والوصول إلى حياة مشبعة على الصعيد الشخصي والاجتماعي والمهني.

فهم المخاوف والمعتقدات المقيّدة

أولى خطوات بناء الشجاعة والتعامل مع الأمر هي تحديد وفهم المخاوف والمعتقدات المقيّدة لك في الوقت الحالي. أحبّ دائما استخدام الأسئلة في الوصول لحقيقة شعوري تجاه الأشياء أو اكتشاف الأسباب الحقيقية وراءها. ما الذي يخفيني من التواجد في أوساط اجتماعية مختلفة؟ هل الخوف مرتبط بالرفض أو التصرف بشكل غير مقبول؟ هل هو الخوف من المجهول والبدايات؟ كلما طرحت المزيد من الأسئلة كلما فهمت نفسي أكثر.

إحدى مخاوفي السابقة كانت الخروج لأماكن جديدة أو خوض التجارب وحيدة والسبب في اعتقادي هو أنني كبرت بصحبة أخواتي وقضينا جزء كبير من حياتنا ملتصقين ببعض. الذهاب للمدرسة، والعطلات، وحتى العلاقات الاجتماعية بيننا كانت مشتركة. هكذا عشت العقدين الأولى من حياتي في دائرة اجتماعية ضيقة ولم أفكر أبدًا في الخروج منها. كانت الدراسة الجامعية هي أول مرحلة للخروج من القوقعة والهاجس الذي تملكني حينها: هل سأنجو؟ كلما تذكرت تلك الفترة أشعر بالعجب من النفس البشرية وكيف تطوعها التجارب وتساعد في نموّها. تجربة الدراسة تبعها الانتقال لمدينة أخرى، والعمل في مجالات مختلفة. وكلما ابتعدت أكثر عن دائرتي الضيقة تصبح مرساة أكثر من كونها قوقعة حاضنة.  

التعاطف مع الذات

قد نجنح قليلًا إلى القسوة على أنفسنا خلال مرحلة التعلم والاكتشاف، ربما لأننا نحاول اختصار المراحل والابتعاد عما نظنه نقيصة في شخصياتنا. لكنّ التعاطف مع الذات واحترام التقدم الذي نحرزه وإن كان صغيرًا ضروري لمواصلة العمل.

عندما نرتبك ونتراجع عما تعلّمناه لا يعني ذلك نهاية الطريق فقد يكون مؤشرًا لشيء مختلف. ربما تحتاج مزيد من التروي أو تجربة التواصل مع دائرة أكثر دعمًا. هذا التعاطف يساعدك في بناء المرونة والمحافظة على نظرة إيجابية تجاه كلّ ما تفعله.

البدء بالتدريج

في اللحظات الحماسية التي نقدم أو نقرر فيها الاقدام على أمرٍ ما نبدأ بالتخطيط لانطلاقه كبيرة! لكن ما إن نفكر قليلًا في الموضوع حتى نكتشف بأننا غير قادرين على ذلك. وقد تكون هذه أول خطوات الفشل للأسف. بناء الشجاعة للخروج من القوقعة لا يعني تنظيم حفل ضخم ودعوة آلاف الأشخاص واستقبالهم عند البوابة وتقديم عرض مسرحي حيّ ببطلٍ واحد. مجرد التفكير في هذا السيناريو يرعبني. البدء بالتدريج هو السرّ وقد كنت محظوظة بأن هناك الكثير من الأشخاص الذين أمسكوا بيدي بينما شققت طريقي باتجاه مساحة الضوء.

كانت هناك مبادرات شخصية بالتعرف على الآخرين مثل تنظيم تجمعات صغيرة، أو الانضمام لنادٍ هوايات مصغر، أو حتى إجابة دعوات الصديقات والمعارف للانضمام لدوائرهم.

الرابط بين هذه المحاولات هو الأشخاص الذين أشعر بالراحة حولهم وصحبتهم تقلل من توتري. وفي مرات أخرى كانت مرشدتي تدلني على تمارين شهرية / أو أسبوعية كأن أجيب بنعم على كل الدعوات الاجتماعية ولا اتملص منها. وأجيب بنعم على مشاريع ومهام العمل التي تخرجني من روتيني اليومي. هذا النهج ساعدني في بناء الثقة وتقليل القلق المصاحب بمرور الوقت.

مواجهة الأفكار السلبية

تولّد المواقف الاجتماعية المختلفة في عقولنا الكثير من الأفكار السلبية التي قد تزعزع ثقتنا بأنفسنا. التملص من هذا الأمر يبدو مستحيلًا في الكثير من الأحيان خاصة إذا كان لدينا الاستعداد لها بسبب داخلي أو خارجي. لكن تحدّي هذه الأفكار بالأسئلة والتحقق يساعدنا على تجاوزها. أمر آخر أحبّ تأمله: الجميع يشعر بالتوتر ولو بنسبة ضئيلة وأسباب مختلفة.

تحديد أهداف واقعية

أشعر بأن هذه الفكرة مرتبطة بالبدء بالتدريج. التفكير في تغيير طريقة تفاعلي مع العالم الخارجي وتجربة سيناريوهات اجتماعية جديدة كان مرتبط بقصتي الشخصية. ما هي الأشياء التي يمكنني فعلها براحة؟ إلى أي مدى يمكنني المجازفة؟ ما هي المواقف التي ستضعني في مساحة جديدة ولن تصطدم بثقتي أو قدراتي؟

وضع الأهداف الواقعية يشبه زيادة تكرار التمرين كل مرة أو زيادة الوزن الذي يمكن تحمّله، اليوم ٣ كيلو وبعد عدة أشهر ١٠ وهكذا. إذا حملت ثقل أكبر دفعة واحدة ستعرض نفسك للإصابة!

حدد أهدافًا اجتماعية قابلة للتحقيق لنفسك. يمكن أن يشمل ذلك بدء محادثات مع أشخاص جدد، أو حضور المناسبات الاجتماعية، أو التطوع في أنشطة جماعية. عندما تحقق كل هدف، سوف تكتسب إحساسًا بالإنجاز وتعزز ثقتك بنفسك.

بعد الانتقال إلى مدينة أخرى بعيدًا عن عائلتي بدأت اتقان الخروج وحيدة في بعض المرات، وتعرفت على دوائر اجتماعية جديدة. بعد أن حققت هذا الهدف كنت أفكر في السفر وحيدة كيف سيبدو ذلك وكيف سيثري محاولاتي في الخروج من القوقعة؟

خططت لرحلات مستقلة لكنها كانت على بعد ساعات من مسكن إخوتي. البداية كانت مع نيويورك الصاخبة، واستعنت في أيامي تلك بجولات مع سكان المدينة أو من عرفتهم من الأصدقاء. أحب استخدام التشبيهات كثيرًا وتلك الفترة كانت مثل قيادة دراجة بثلاث عجلات، أزلت إحداها في رحلاتي اللاحقة.

السفر وحيدة دفعني لتحقيق هدف تلو الآخر. على سبيل المثال التحدث عن نفسي في مجموعة غريبة عني أو إدارة محادثة سريعة مع الغرباء بعد أن كانت مصدر امتعاض وهلع!

أفكار إضافية

  • احتضان التحديات والعقبات والنظر إليها كفرص للتعلم والنمو. عندما نتعامل مع الحياة بهذه الطريقة نصبح أكثر استعدادًا لتحمل الصعوبات والانتقال بينها بسهولة ومرونة.
  • التفاعل مع الآخرين طريق باتجاهين، عندما نكون مستعدين للحديث يجب أن نتحلى بمهارات الاستماع الجيدة كذلك. مهارة الاستماع تهدينا فرص عديدة للتعلم من الآخرين ومراقبة سلوكهم. الاستماع الجيّد أيضًا يقلل حاجتنا للحديث في كلّ الأوقات ومع هذا الصمت يقل توترنا تجاه البحث عما نقوله.
  • الانضمام للمجموعات وأندية الهوايات التي تتوافق مع اهتماماتنا فرصة للانطلاق من مساحة مريحة لنا ونحبها. دائما أجد سهولة في الحديث عن الكتابة والسفر أو الفنون لذلك تكون هذه المواضيع نقطة انطلاق في الحديث مع أشخاص جدد. المشاركة هنا أقل رهبة بسبب وجود القاسم المشترك ابتداءً ومن ثمّ تتطور المعرفة والتفاعل مع الآخرين مع الوقت.
  • استعن بالأصدقاء أو الأقارب الذين يتمتعون بشخصيات اجتماعية نشطة وحيّة، أفعل ذلك عندما أكون في مناسبة عائلية ضخمة وأرغب بالتعرف على الأقارب أو التواصل معهم بعد غياب طويل. ميزة هذا الشخص أنه سيكون همزة وصل لكسر جمود وتوتر اللقاءات الأولى وسيكون الحديث بصحبته مثل عبور الجسر إليهم.
  • في السياق المهني ابحث عن الأنشطة التي تقيمها إدارة الفعاليات في جهة العمل مثل الاحتفالات بالأعياد أو المناسبات المحلية وورش التدريب والهوايات. كلها تمثل فرص جيدة للقاء بزملاء عمل جدد والتواصل مع قطاعات أخرى.
  • استخدم التخيّل (أو بناء التصورات) إحدى الأساليب الممتعة لبناء الشجاعة وتجاوز الخوف قبل أي حدث اجتماعي. بدلًا من تخيل سيناريو كارثي أو سلبي يهز ثقتي بنفسي، ابدأ بتخيل الأحاديث التي سأتبادلها مع الآخرين، وكيف سيكون هذا الحدث ممتعًا ومثريًا لي ولهم. لأنني في المقابل إذا استسلمت للتصورات السلبية سأشعر بالتردد وقد امتنع عن الخروج بشكل كامل وهذا يحدث في بعض الأحيان.
  • للابتسامة قوة سحرية في تمهيد التواصل مع الآخرين. اقترح تجربة تبادل الابتسامة مع الغرباء في الأماكن التي تتواجدون فيها وسترون كيف تتطور إلى تحية أو تواصل إنساني عميق.
  • إذا كان القلق أو الرهاب الاجتماعي يمثل تحديًا كبيرًا لك، اقترح طلب المساعدة والدعم من المتخصصين مثل المعالجين النفسيين أو المرشدين أو حتى الأشخاص الأكثر حكمة وتجربة حولك. يمكن أن تفيدك المشورة والمساعدة باستراتيجيات وأساليب للتغلب على مخاوفك وتجاوزها.

خاتمة

يتطلب الخروج من القوقعة والاندماج في حياة اجتماعية غنية ونشطة صبرًا ووقتًا وجهدًا ليس باليسير. وخلال هذه الرحلة لا بأس أن نشعر بالتوتر أو الخجل والتردد أحيانًا ونتذكر أن الكمال مستحيل في أوقات كثيرة وأن الأشخاص حولنا يشعرون بالضعف والنقص كذلك.

حاولت في هذه التدوينة جمع الأفكار التي تعرفت على فائدتها سواء بالاطلاع أو التجربة، والآن بعد أن كتبت ما سبق شعرت أنني بحاجة لمزيد من الكتابة والحديث عن زوايا أخرى في نفس الموضوع. وإذا أردتم الاستماع إلى المزيد حول تجربتي الشخصية مع القلق الاجتماعي استمعوا لحلقة أرجوحة القلق من بودكاست قصاصات. أتمنى أن تفيدكم وتترك أثرًا طيبا على حياتكم الاجتماعية وازدهارها.

.

.

.

١٧ سبتمبر – أن نكون مرئيين

قرأت في نشرة بريدية اليوم عن أسلوب الروائية الأمريكية لورين غروف في تأليف الكتب. تنتهي من المسودة الأولى بالكامل وتضعها في خزنة بعيدة ولا تعود لقراءتها أبدًا، ثمّ تبدأ في الكتابة مجددًا من الذاكرة! لا أتخيل نفسي أقدم على مغامرة من هذا النوع، وأظنّ أن فكرة البدء من جديد ستكون كافية لإنهاء المشروع في تلك اللحظة. لا أعرف السبب الحقيقي لأنني لم أبحث أبعد من هذه السطور التي مررت بها، لكن ربما كانت تبحث عن الجدّة أو النظر للموضوع من زاوية أخرى. تريد كتابة قصة مختلفة بمشاعر جديدة؟

مضى هذا الأسبوع ببطء شديد، كان دفع الأيام فيه أشبه بدفع صخرة باتجاه قمة جبل وفي كلّ مرة أوشكت على التدحرج إلى الوراء. وصلت الخميس بمشاريع تطهى على مهل، وجلسة مطوّلة مع مرشدتي التي ذكرتني بهيفا قبل ثلاث سنوات من اليوم، كيف كانت تتصرف في مواقف مشابهة؟ وكيف انزوت بعيدًا على الهامش مع رغبة شديدة في الاختفاء!

تقول بأنني اليوم قررت بإصرار أن أكون مرئية.  

هذه الأيام غادرت منطقة بقيت فيها طويلًا لا أعلم متى حصلت اللحظة المناسبة لكني واعية جدًا فالأمر بشكل عام مرتبط برغبتك وحماسك في التغيير.

يشبه الأمر المخاطرة- أو على الأقل هذا ما شعرت به في البداية. أن تضع نفسك في دوائر جديدة في مواقف ومشاعر ومساحات أكبر وأكثر تعقيدًا من احتمالك. ثم بدأت التساؤلات بالظهور، هل الأمر مرتبط فقط بالحضور في المكان ومحاولة التواصل أم أنه يتطلب عملًا أعمق؟ هذه الحالة مرتبطة بسنوات وسنوات منذ بداية تشكل الشخصية في الطفولة.

ومن هنا بدأت رحلة التعلم التي مررت، تعلم أخذ مكاني الحقيقي في دائرتي الشخصية وفي علاقاتي وحياتي المهنية. وتعلّمت أيضا أن أشير للأسباب وأعالجها ومنها كان خوفي الدائم من الرفض والخيبة وربما سقف توقعاتي المرتفع جدًا.

وفي جانب العمل الداخلي أو النفسي تعلمت أيضًا تقنيات في الحديث والتواصل البصري والوجود في مساحات جديدة. كيف أعرف بنفسي؟ ما هي الكلمات المعدودة التي أبدأ بها الكلام مع الآخرين، وكيف أدخل في حوار جانبيّ عندما تكون الفرصة سانحة.

هذا التعلم يعني العودة لنفسي القديمة، فالقصة الطريفة أنني كنت طفلة تشتعل بالفضول والحماس وعلى حدود المشاغبة في أحيان كثيرة، لدرجة أن معارف والديّ كانوا يعلقون بأن مراهقة متعبة تنتظرهم. مع الوقت والممارسة تعلّمت أن كثير من الناس حولي يشعرون بالتردد والخجل وتشغلهم تساؤلات عن الضوء المسلط عليهم وهل يرغبون به أم لا؟

وفي غمرة تعلمي واكتشافي كانت أيامي بمثابة أرجوحة تتحرك بين رغبتي في الظهور والحصول على مساحتي المستحقة، وبين رغبتي المعاكسة في الهروب والبقاء في زاوية هادئة وخفية. وبين المكانين أرى حجر العثرة الذي يؤخرني عن إطلاق قدراتي وشخصيتي الكامنة.

ما بحثت عنه في فترة التعلم والاكتشاف هذه هو حالة تتطابق فيها شخصيتي الحقيقية التي تظهر عندما أصبح في دائرة من الأشخاص الذين أودّهم وأشعر بالارتياح بينهم سواء كانت تلك الدائرة من الأصدقاء أو الزملاء في العمل. هذه الشخصية الحقيقية الصاخبة التي تتحدث بصوتها ولا تختصر ولا تختبئ وراء أي ستارة تظهر لها. هذه هي الشخصية الأحبّ التي تظهر أيضًا في الكتابة بلا تردد. لكنها تتراجع قليلًا عندما يصبح النصّ المكتوب حوارًا بحضرة الآخرين.

هذه لحظة للحديث عن جانب خفيّ وحساس ولحظة إظهار للضعف البشري الذي نتشاركه جميعًا مع اختلاف السياقات والقصص. أن تكون مرئيًا يعني أن تكون محبوبًا يحتفى بك وتسعك المساحة التي تستحق أن تشغلها في هذه الحياة وهو حقّ نمتلكه منذ لحظة ولادتنا.

لا أدري لم اخترت الحديث عن الموضوع اليوم. قد يكون شعوري بالفخر والسعادة وكأني حصلت على نجمة وما زال التعلم مستمرًا. وقد تكون فرصة لفتح نقاش معكم والعودة لاحقًا بتفاصيل حول التمارين والتحديات الشخصية التي وضعت نفسي وسطها.

شاركوني في التعليقات لو مررتم بقصة مشابهة وكيف تعبرون هذا التحدّي اليوم؟

Picture by Tang Yau Hoong

.

.

.

٩ سبتمبر

قرأت بداية الأسبوع عن حبّ اليابانيين لإصلاح الأشياء ومحاولاتهم في إطالة عمر مقتنياتهم والامتناع عن شراء الجديد عندما يكون إصلاح القديم ممكنًا. هذه الثقافة الاستهلاكية المضادة التي تقف في وجه سرعة التخلي والاستبدال مثيرة للاهتمام.

تسمى هذه الممارسة كينتسوجي Kintsugi وحرفيا تعني: الإصلاح بالذهب. لنتخيل أنّ كوبًا من الخزف تعرض لبعض الخدوش، أو الكسر لكنه بشكل عام ما زال مناسب للاستخدام. لإصلاحه ستملأ الشقوق بالذهب. يمكنكم البحث أكثر عن تاريخ هذه الممارسة باستخدام اسمها. ما يهمني هنا أن الإصلاح والمحافظة على الأشياء لأطول فترة ممكنة والصبر على صدوعها لا يعدّ مجديًا في كل السيناريوهات.

وبعد هذه المقدمة وبعض الاستطرادات، أريد أن أشارك فكرة أرشدني إليها تأملي الطويل ومحاولاتي الحثيثة في إصلاح الكثير من المشاريع الميتة والعلاقات والأمور العالقة كما يجتهد ياباني في تطعيم الخزف بالذهب بلا جدوى!  هناك لحظة توقّف تعرف فيها حدود محاولاتك وطاقتك. هناك لحظة لن تسعفك فيها خلطات الذهب ومهاراتك الفنية للإصلاح ويكون الذكاء، كل الذكاء في التوقف وتقبل التخلي.

كانت الفكرة من النشرة البريدية التي تطرقت لفنّ إصلاح الأشياء هو تحفيزنا على العمل بصبر مع أجسادنا عند بدء نظام غذائي جديد أو تجربة تمارين مختلفة. وبدلًا من تمريرها في علاجات أو خطط غذائية متطرفة، نختار الطريق الأهدأ الذي يظهر لها مزيد من الحبّ والتقبل – هذا موضوع مهمّ أود الحديث عنه في تدويناتي الأسبوعية مستقبلًا.

بشكل عام كان أسبوعي الماضي لطيفًا جدًا، قضيت أيامه في العمل ومواصلة قراءة كتاب جديد اكتسح ساعات الصباح، وانتهى بحضور حفل زفاف شقيقة صديقتنا. كانت أمسية لطيفة وممتعة بالرغم من تأخر موعد نومي وشرب كمية كافيين تكفي لشهر!

  • زرت للمرة الثانية ولكن هذه المرة مع والدتي وأخواتي مطعم إيطالي بقائمة طعام متنوعة.
  • استعدت خلال الأسابيع الماضية موعد استيقاظي المبكّر جدًا مقارنة بالآخر الذي اعتمدته مع وظيفتي الجديدة. وبالمصادفة مررت بهذه المقالة الجديدة عن التحول لكائن صباحي – حتى وإن لم يكن ذلك في إعداداتك الشخصية.
  • شاهدت هذا الأسبوع مسلسل The Suspect مع أختي دفعة واحدة. مجنون كلمة واحدة كافية لوصف أحداثه غير المتوقعة، وسيجعلكم تشكّون في كل شخصية من شخصياته!
  • جرّبت مزج بودرة البروتين بالفانيلا مع الزبادي اليوناني لأرفع من كمية البروتين اليومية في وجباتي. إضافة لذيذة ومشبعة جدًا.

.

.

.

٢ سبتمبر

انتهى أغسطس أطول وأغرب شهر في هذه السنة! لكنه مع غرابته كان ممتع وجميل ومختلف. إذا تذكرت شهر أغسطس أتذكر كيف كانت مشاعري تجاهه. كان ذروة الصيف الطويل الممل وغياب الأصحاب، اقضي ساعات النهار في قراءة الكتب وأعداد المجلات الثقافية وفي المساء في اكتشاف كل الأفلام والمسلسلات التي فاتني مشاهدتها في عمر أصغر. هذا الانزعاج كان يخففه اقتراب سبتمبر والحماس لبدء الدراسة وإيجاد هدف أركض باتجاهه.

أفكار متفرقة من أسبوعي

  • هذا الشهر كان فيه أحداث أكدت لي من جديد الفكرة التي اعتمدتها في حياتي: عندما أريد شيء بشدة، لا أؤجله ولا اخجل من طلبه بوضوح.
  • تذكرت العام الماضي هذا الوقت، بدأت وظيفة جديدة بحماس وخلال فترة التجربة -قبل حتى إتمامها- اكتشفت أنّ بقائي في المكان مستحيل وإذا واصلت العمل لتفادي التعليق الذي يتكرر علي: أنتِ تغيرين الوظائف كما تغيرين ملابسك، كنت سأفقد عقلي وصحتي. تركت الوظيفة وحصلت على متنفس قصير قبل الانتقال لوظيفة جديدة. أشارف على إكمال عامي الأول في المكان وكلّ لحظة وتفصيل صغير يذكرني بضرورة الامتنان لما أمرّ به. لأول مرة منذ سنوات أشعر بالسكينة والهدوء التامّ في مكان عمل.
  • أحبّ هذه الوصفة كثيرًا واستخدمتها اليوم في تجهيز وجبات الأسبوع القادم.
  • اكتشفت فرع جديد لسوبرماركت التميمي بعيد قليلًا عن منزلي لكنه أقرب لمكان العمل. خيارات البضائع أكبر وخاصة الخضروات، والفواكه، والأجبان المحلية، والمستوردة. سأزوره صباحًا لتفادي ازدحام الدائري الشمالي.
  • قرأت هذا الاقتباس في نشرة جيمس كلير الأسبوعية «ستُحجب عنك السعادة دائمًا إذا كنت تعتقد أنها في مكانٍ آخر.» والمقصود هو سعي البشر وراء السعادة البعيدة التي قد لا تتحقق. العيش في مكان آخر، أو لقاء أشخاص مختلفين. ولكن السرّ يكمن في النظر حولك والبحث عن السعادة القريبة.
  • هذا الموقع الممتع يظهر لكم اقتباس أدبيّ بحسب الوقت! جربت البقاء في الصفحة وقراءة كل الاقتباسات خلال خمس دقائق. الاقتباسات حفزت فضولي تجاه الأعمال التي تنتمي لها
  • وفي نشرته البريدية الأسبوعية أيضًا كتب جيمس كلير عن منهجه في الكتابة، شعرت بالتوافق مع ما كتبه. هذه أيضًا فكرتي عندما أكتب، أو أشارك فكرة، أو أقدم ورشة عمل. ترجمت المقطع لأشاركه معكم:

«منهجي هو التمكين، وليس التوصية. لستُ مهتمًا بإرشادك إلى العادات التي يجب عليك تبنيها أو الخيارات التي يجب عليك اتباعها. أنت أعلم مني بما ينسجم مع حياتك وظروفك. وبدلا من توجيهك أو تقديم توصياتي أريد تجهيزك وتمكينك بالأفكار والاستراتيجيات لتتمكن من تحديد خياراتك الخاصة، وفعل الأشياء التي تريد القيام بها. سأعطيك المطرقة وأنت تقرر أين تدقّ المسمار.»

.

.