بيت الدرج.

By: Jill McLaughlin
By: Jill McLaughlin

(أ)

إنّ الأحداث تتسارع أحياناً بطريقة لا يعود معها لدى أحدنا متسع من الوقت أو من الأنفاس لروايتها“.

(ب)

على ذراعي اليمنى بقعة حمراء، التحليل الأولي واستنادا لتاريخي العائلي إكزيما، والتحليل الثاني، تحسس من أخلاط الأدوية التي اجرعها بحثاً عن صحة سريعة خلال الايام الماضية. ولكن ..أظنني أمرّ بـ ٢٠٠٦م جديدة، على الرغم من سوداوية الأمر والذاكرة، إلا أنها تعود بي للفترة التي نشطت فيها شهيتي القرائية، والسبب أنني أصبحت حبيسة الغرفة، السرير تحديداً، وقرأت بلا توقف. الغثّ والتافه والجيد، خلال تلك الأيام عرفت أنّ قراءاتي المتخبطة يجب أن تتزن ويجب أن أبحث عن هدف خلف فعل القراءة، وهذا الهدف هو بالتأكيد: المتعة أينما وجدتها. ولو حصل ووجدت الفائدة سيكون ذلك جيد.. جيد جداً.

(ج)

أفكر في بيت الدرج“.

يقول بعض علماء النّفس أنّك عشت طفولة سعيدة إذا كنت تحبّ الجلوس على الدرج، وأقول أنّ الخيال الخصب للاطفال وأجمل ألعاب حياتهم تبدأ من المكان المدعو بيت الدرج“. وقد عرفت في حياتي الكثير منها. البدء كان في بيت جدي الكبير، بيت الدرج رقم ١، ورقم ٢كذلك، أحدهما يخبئ تحته صندوق ثلج ضخم فريزرتتكدس فيه الدجاجات متوسدة كل منها الاخرى، وبعض علب الحلوى، وبقايا المثلجات الشهية التي نخبئها من بعضنا حسداً. كانت ابنة عمي تتسلق على صندوق، ترفع غطاء الثلاجة المستلقية على جنبها – كما كنت اصف الفريزروتحك الثلج بملعقة أو بأداة قاسية وتلتهمه، أذكر أن له طعماً غريباً، ولو عدت بالزمن لتلك الأيام لما وضعته في فمي، مجرد تصور أن دماء الدجاجات، واشياء حيوية دقيقة تنمو ملتصقه به تبعث على الغثيان والندم، الكثير من الندم

بيت الدرج رقم ٢في نفس المنزل، في الدور الثالث – إلى الاسفلتوجد غرفة جلوس قديمة، ومطبخ واعشاش حيوانات داجنة، وأسوأ كوابيسي، لم أكن اتجاوز الدرج للالتفاف لتلك الجهة من المنزل، لكنني كنت استرق النظر واركض صعوداً. الآن المنزل لم يعد في ملكية العائلة، لكن لو قُدّر لي العودة هناك، سأهبط الدرجات سريعاً، وسألتفّ وادخل تحت وانظر بنفسي لا شيء هناك أنا أكيدة!

في بيت جدتي لأمي – المزرعة تحديداًيوجد بيت الدرج العظيم، خزانة أحاجي ومفاجآت حقيقية، لم يكن مجرد زاوية ننزوي تحتها ونتخيل اللعب والهدايا، كان مخزن حقيقي بألعاب لها عجلات، ومكانس، وعصيّ وعرائس، وكانت تقفل المكان بالمفتاح، عندما نصعد الدرج المجاور أحاول تخيل طريقة للقفز من خلال الحائط والتسلل إلى الداخل، ولكن بلا جدوى. كان الباب المقفل هكذا حتى تجد منّا الانصياع لقوانين الحياة هناك، وهي كثيرة وصارمة، وأي إخلال بسيط بها سيحرمك من الدخول وسحب الدراجة أو العروسة، أو حتى المكنسة الحمراء التي تستخدمها إشارة مرور! بقي هذا المكان ساحراً حتى استطعت ذات يوم الدخول والنظر إلى اركانه، مخزن عادي جداً بحائط مائل، الفوضى ولا شيء سوى الفوضى. كان وهجه قائما عندما بقي المفتاح معلقاً في منديل جدتي، وحول ظفيرتها النحيلة، لكن ما إن اصبح الامساك به ممكناً فقد بيت الدرج ٣كلّ امتيازاته.

كان لبيوتنا أيضاً بيت درج خاصّ بها، لكنّها إما أن تكون مهضومة الحقوق منسية، وبلا تأثير، أو صغيرة جداً بحيث لا تُرى. في بيت الدرج ٤كانت والدتي تحشر صندوقاً من ورق وبه مئات اللعب الصغيرة، والدمى المحشوة، تحشره حشراً وتقفل الباب، لم تكن تسمح لنا بالدخول إلا بشروط، وعندما تفعل يضج البيت بصخبنا، نتخلص من الالعاب ونثني الصندوق الورقي الذي يصبح فجأة بساطاً، ونترك كومة الالعاب. تتأملنا الدمى بعيونها الزجاجية بينما نتزحلق على الدرج ببساطنا. وطبعاً في هذه الحالة أعود لأتذكر بأنّه ما من لعبة اقتنتها والدتي إلا وتمّ تغيير مسار حياتها جذرياً وللأبد، وهذا الصندوق لم يكن سوى ضحية في عداد الضحايا.

في مدرسة في قرية أجدادي، درست فصلاً دراسياً أشبه برحلة خيالية، لم يكن محسوباً ضمن حياتي الاكاديمية على الأقل كما رأيته. وكان للمدرسة بيت درج مثالي، أقول مثالي لأنه جيد للاختباء، وللجلوس، واللعب، والثرثرة وتزين بلوحة أعدتها والدتي لي، تلك اللوحة تحمل ذكرى مريرة قليلاًفقد ذيلتها والدتي بعد أن رسمت رسماً توعوياً عن النظافة، ذيلتها باسمي واسم المدرسة ولكن بدلاً من كتابة عائلتها الرسميةكتبت لقباً تكرهه، وكان متداولاً آنذاك بين سكان القرية، يا للهول، ما إن وقعت عينها عليه حتى حملت مقصاً وفصلت اسمها واسمي، وأصبح العمل مبنياً للمجهول.

في البدء كنت اتوقف بجانب اللوحة فخورة بإنجازي، ولكن بعد أن فقدت الوانها وسكبت عليها الطالبات العصير والماء، لم أعد أشير إليها ولا حتى بالنظرفي بيتنا الحالي بيت درج متواضع، يخيفني ويا للعجب، حشرنا فيه كلّ شيء لا نريد الاحتفاظ به ولكن ما زلنا نتساءل عن أهميته، وهل سيقرصنا الندم فيما لو تخلينا عنه؟ لديّ صندوق كتب حملتها من رفوفي عشوائياً، وبقيت فيه منذ ثلاثة سنوات حتى اليوم. لم اتصرف بها، ولم يطالب بها أحد. كُتب اخترت أن اخفيها بعيداً لكن ما زلت اتردد في التخلص منها. هذا الشعور الذي انتهي إليه كلّ مرة أحاول فيها تنظيف غرفتي من كل متعلقاتي التي حان الوقت لتركها. ولا أفعل ..

(د)

الجوّ رائع أليس كذلك؟

وأنا اثرثر كثيراً.

ورأسي زجاجي يبحث عن جدار يحيّيه!

3 تعليقات على “بيت الدرج.”

  1. تسمية “بيت الدرج” شائعة إذًا! لطيفٌ ذلك الاسم؛ أعتقد إننا وحدنا من يسميه بذلك 🙂
    ب) تصيبنا الأوقات الصعبة بتغيّرات جيّدة, لا ندركها إلا في وقت لاحق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.