عن الانشغال السعيد


بعيداً عن المنزل لشهر أو يزيد، في الرياض لعمل مؤقت ومشاريع أخرى. الانتقال من مكان لآخر خلال الأشهر الماضية وهبني شيء من الخفّة، خفة حسية ومعنوية، مع بعض المطبات خلال الأيام الأولى من الانتقال. يخففّ الانتقالات والتغييرات صحبة أشخاص تحبّهم وتشاركهم تفاصيلك اليومية بلا ترددّ أو حرج. أفكر في إجازة مثالية، بكثير من النوم، بلا وميض أجهزة وبلا منبّه بالتأكيد. أريد التوقف عن الانشغال بكلّ شيء ما عدا الانشغال بنفسي. أريد أن أسيطر على قلقي من كلّ ما تركته ورائي، أنّ أركز بصري أمامي وأمامي فقط. مهووسة حالياً بالصحة، التغييرات الصحية، وترك العادات السيئة التي لازمتني منذ سنوات المراهقة. اقرأ مجلات جديدة تهتمّ بالصحة والترتيب وإعادة التأهيل – الكثير منه -. واعتقد أنه هذا الوقت من السنة، كلّ سنة. أجرب أطعمة جديدة، أصبح الشوفان صديق الإفطار، والفواكه التي لا أتناولها عادة جربتها وأحببتها، جربت الـ Milkshake في هذا العمر للمرة الأولى أجربه هذا مضحك صحيح؟ جربته هذا الأسبوع وأخشى على نفسي من الإدمان فهذا المشروب غارق في السكّر والحبّ. وبعد محاولة ترك القهوة لأسبوع خضت تجربة أسبوع من البروتينات على سبيل تجربة حمية جديدة من فرنسا، شعرت في نهاية الأسبوع بأنني دجاجة، أو بيضة! وأظن بأنني سأترك البيض لفترة لا بأس بها. استمع لموسيقى سترافنسكي، موسيقاي الكلاسيكية المفضلة، الفوضى الرائعة، وحصلت على الأعمال الكاملة وقمت بتحميلها من خلال التورنت (هنا).

المشي بصحبة أوستر وكوتزي


استبدل الموسيقى بالكتب الصوتية أحياناً عند المشي، لكنني أحرص على اختيار كتب ممتعة وخفيفة كي لا اغرق في التركيز كثيراً واصطدم بحائط أو أتعثر. خلال مارس وأبريل وكلما وجدت الوقت مناسباً خرجت للمشي بصحبة بول أوستر وجون كوتزي. نعم كنت امشي بصحبتهما، وأقنعت نفسي بأن هذا ما يحدث عندما أضع حذائي الرياضي واترك كلّ شيء ورائي وانطلق. كيف؟ استمع لكتاب صدر حديثاً يجمع بين غلافيه رسائل تبادلها المؤلفان في الفترة ما بين 2008-2011م ، تحدثا فيها عن الكتابة، والرياضة، وحياتهم اليومية، جولات الكتب التي يقومان بها، رحلات حول العالم ومواضيع أخرى في السياسة والفلسفة والعقل والنفس البشرية. السبب الرئيسي لشهرة الكتاب بين القراء والنقاد على حدّ سواء ليس احتواؤه على أحاديث أدبية بين كاتبين مخضرمين، ولا بسبب الفكرة التي رأى فيها جون كوتزي شرارة لإلهام كتابيّ لهما. بل لأنهما يستعرضان المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية بطريقة مطوّلة، عن الصراع التاريخي، عن الأرض والانتماء والسلام. ولسبب أكثر دقة فكرة أوستر التي عرضها كحلّ نهائي وناجح ومستحيل! ألا وهي نقل كافة سكّان إسرائيل إلى ولاية وايومنغ الأمريكية التي ستتسع لهم حتماً، وإجلاء سكّان وايومنغ إلى ولايات أخرى تستقبلهم. وهذه خدمة صغيرة ورائعة تقدّمها أمريكا لحليفتها ورفيقتها في الشرق الأوسط. وإذا كان هذا الاقتراح مكلّفاً فإنّ دول الخليج العربي الغنيّة – مثّل لها بالسعودية- قادرة على شراء أراضي اليهود في فلسطين وتزويدهم بمبالغ للتنازل عنها والذهاب إلى وايومنغ. وهذه أيضاً خدمة صغيرة لفلسطين التي تنادي هذه الدول بتحريرها وإعادة السلام إليها. أوستر الذي كشف عن عدائه للصهيونية برسائله ومحتواها استثار الكثير من المدافعين عنها، وانتقادات اليمينيين الأمريكيين الذين يرون في نقل اليهود لوايومنغ احتلالاً للأراضي الأمريكية. صحيح أن أوستر يستدرك لاحقاً بأنّ اقتراحه مزحة، لكنّه في نفس الوقت الحلّ العقلاني الممكن والمستحيل! أوستر لا يستخدم البريد الإلكتروني، ولا يحبّ الكمبيوتر بشكل عام، وبعض الرسائل التي يبعثها كوتزي تجد طريقها إليه من خلال بريد “سيري” زوجته. ولاحقاً يبدأ هو وكوتزي تبادل الرسائل من خلال الفاكس، ولأعطاله حكايات طريفة معهما. يتبادل أوستر وكوتزي بالإضافة لتفاصيل حياتهما، والمدن التي يقطنونها خبرات السنوات التي تفصلهما. ومع السنوات الجوائز الأدبية كوتزي النوبلي وأوستر الذي لم يحصدها بعد. أكثر ما أحببته في النسخة الصوتية للكتاب أنّ كل رسالة مؤرخة ويقرأها المؤلف بصوته، وكل ما قطعت ميلاً أضافيّ، وكانت رسالة من جون كوتزي مثلاً مشيت المزيد كي استمع لردّ بول أوستر عليها.

كتاب التغيير

بدأت في منتصف مارس الماضي بتسجيل التغييرات اليومية الصغيرة التي وبعد فترة طويلة من تجربتها ستكبر، وسيكبر تأثيرها عليّ. كنت دائماً أبحث عن تغيير جذري وواضح لأغير حياتي ككل، وهذا متعب ونتائجه ليست مضمونة! بدأت بالتغييرات الصغيرة، وتسجيلها، والتي قد تبدو طريفة وغير مهمّة أحياناً إلا أنني بدأت اليوم بالاستمتاع بها. اقتنيت للفكرة دفتر مزخرف بالزهور الملونة واتركه في حقيبتي في كلّ مكان أذهب إليه، وإلى جانب رأسي لأكتب فيه قبل نهاية كلّ يوم. قد لا يكون هناك تغييرات يومية بالضرورة لكن فكرة التسجيل والتأريخ جميلة وممتعة.

تلميحه للقراءة المنوّعة.

إذا أردتم تنويع قراءاتكم والبقاء في فلك كتّابكم المفضلين، اذهبوا لموسوعة ويكيبيديا واختاروا من النبذة المختصرة لكاتبكم المفضل Influences والمقصود بذلك الكُتّاب الذين أثّروا عليه. أيضاً هناك خيار Influenced يُظهر لكم الكتّاب الذين أثّر عليهم. وهكذا تتمكنون من الاطلاع على تنويعات عديدة من المؤلفات التي أحبها كاتبكم المفضل.

تلميحه لحفظ الاقتباسات الطويلة في القارئ الإلكتروني

خلال قراءتي للكتب بصيغة PDF لا أتمكن من تظليل بعض الاقتباسات، لذلك توصلت لفكرة التقاط صورة للشاشة بالكاملة وبعد الانتهاء من كلّ كتاب أضع مجلد باسم الكتاب واجمع كل الالتقاطات بداخله للعودة إليها.

“….”

الأمر الوحيد الذي يهمّ، هو أن تعرف ماذا عليك أن تصنع بحياتك، وماذا فعلت بها. الحياة لا تُصنع حين تفكّر بها بل حين تحياها.

-كارلوس ليسكانو “الكاتب والآخر”


11 تعليقا على “عن الانشغال السعيد”

  1. في نقطة ” كتاب التغيير ” أملك طلبا ً , و هو أن تشاركينا بعض التغييرات .. أو على الأقل نموذجا ً عنها ..
    لأن الفكرة أن التغيير نحو الأفضل .. فعلا ً .. يبدأ من هذه التقدمات البسيطة .. << هذا ما نسمعه , لكنه مفهوم ضبابي يحتاج لبعض الجلاء .. و أنت ِ أحد من سيفيدنا عن طريق هذه المشاركة
    شكرا ً ..

    1. خلال شهر مايو بإذن الله أكمل شهرين منذ بدء التغيير، سأكتب تدوينة خاصة بذلك.
      شكرا طارق

  2. عوداً أحمداً ي هيفاء 🙂
    بلاش تِطوّلي الغيبة هيك !

    أعجبتني فكرة تسجيل التغييرات اليومية المستمرة وهحاول أطبّقها بإذن الله :),
    كما أحب أنا أيضا الـ Milkshake وسبقتك في الوقوع بغرامه 😀

    1. أهلا يا قارئتي الوفية!
      بودي يا هند اضيف تدوينة كل يوم لكن للاسف لا الوقت ولا مزاج الكتابة يساعدني.
      لو أحببت متابعتي بشكل يومي يمكنك ذلك على تويتر : @ihanq وشكرا لكِ

  3. الهمتني للتخطيط للاجازة الصيفية التي لم استمتع بها منذ عامين بعد ان كنت ساتهور واخذ ترم صسفي هذا العام لكنني غيرت خطتي لست بحاجة اللا للاستراحة من كل هذا الركض المحموم خلف اعباء الدراسة والحياة نعم انا استحق ان ارتاح وانت الهمتني لهذه الفكرة .

  4. انقطعتُ طويلًا عن النتّ ومع الطريق الطويل والمُجهد ننسى أن نبهج أنفسنا، ولا أتعامل مع تويتر إلا لإرسال الرسائل أو متابعة من يجعلون حياتي كثيفة وأنتِ منهم وكانت جائزتي بعد هذه الهرولة الطويلة أن أحظى بتدوينتكِ هذه 🙂
    منذ أن عوّدتُ نفسي معكِ على الكتب الصوتيّة وأنا أحاول أن أحيي بها الدقائق الميّتة من اليوم، كالفترات الّتي أقضيها في الأعمال المنزليّة. منذ العام الماضي أصبح العمل المنزليّ مُبهجًا مما يبعث على الغرابة والإندهاش لوالدتي!
    فكرتكِ عن التغييرات الصغيرة لذيذة، طبقتها بطريقة أخرى في أجندتي السنويّة، أقوم بكتابة التغييرات الصغيرة الّتي لن تهمّ أحدًا سوى وتصنع روحي على مهل فيها.
    هذا العام يا هيفا جلبتُ مفكرةً صغيرة أصبحت أكتب فيها كلّ يوم هديّة الله لي، كي يتربّى هذا القلب على الإمتنان وتتسع بصيرتي لما يهبه الله لي وأنساه وأتجاهله بسرعة، وألحقها برسالة يعلّمني الله إياها، أصبح هذا الفعل ممتعًا لأنني أحاول طوال اليوم أن أظلّ يقظةً لكل تفاصيل الحياة الّتي تستحقّ أن أشهدها، وتقزّم الملل كثيرًا. لكنها عادةً تحتاج إلى رغبةٍ نغذيها بإستمرار لنستمرّ.
    ممتنّة كالعادة لهكذا بهجة تزيد كلّ مرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.