لو الحياة رفوف سوبرماركت

١

“مهذبون جدًا وكلامهم مصفوف بعناية كأنّه صينية حلوى. لا يتكلمون في السياسة، أو الاسقام، أو الاقتصاد، أو أي شيء قد يعكر كدر المساء. هادئون، يتبادلون القصص اللطيفة، وتجارب الحياة.” لديّ ملف أكتب فيه مشاهد من الحياة، لا تنتمي لشيء، يوميات للمستقبل أو تصورات للحياة بشكلها المثالي. وقبل عدة أيام وبينما أبحث عن فكرة قديمة وجدت هذه السطور، قرأتها وتذكرت السياق الذي كتبتها فيه، كنت أتخيل شكل حوار عائلة في أمسية ما وهذا الوصف الذي خرجت به.  

٢

طلبت منّي مرشدتي تنفيذ مهمّة للأسبوعين القادمة، أعتقد بأنها طريقتها في التعرف على شكل علاقاتي والروابط المختلفة وأين أقع من كلّ هذا. تقتضي المهمّة كتابة وصف للإنسان الجيّد ما هي صفاته؟ كيف يتعامل مع الآخرين؟ كيف يعيش حياته؟ شيء مثل خريطة أو دليل إرشادي للإنسان الجيد وأنا لا أقول كامل لأن الكمال مستحيل. ومن جهة أخرى طلبت مني كتابة قائمة -طويلة إن أمكن- للالتزامات التي ربطت نفسي بها. ما من حدّ لهذه القائمة، التزامات العمل، الالتزامات الشخصية، الالتزامات في العلاقات. الهدف هو مدّ هذه السجادة الضخمة أمام عينيّ واكتشاف المواضع التي كانت الالتزامات فيها “ورطة“. بالإضافة إلى تأثير ذلك على علاقاتي خصوصًا، هل الالتزامات مرهقة؟ هل أطالب بمقابل؟ هل تعني هذه الالتزامات رفع سقف التوقعات مع الآخرين وبالتالي الشعور بالإحباط؟ متحمسة لإتمام التمرين ومتحمسة للنتيجة والتحليل.

٣

أحبّ رحلة التسوق في السوبرماركت، ولعدة أشهر مضت كانت تمثل الرعب الحقيقي، أذهب سريعًا والتقط احتياجاتي وأعود للمنزل. كانت رحلة السوبرماركت قبل كورونا رحلة التأمل الأسبوعي، والوقت الذي اختلي فيه بنفسي تمامًا. لا شيء سوى أنا وقائمة التسوق والرفوف. في الأيام الرائقة، أقضي الوقت في قراءة الملصقات لمنتجات جديدة لا اختارها عادة، أو ألمح من يحتاج مساعدة من المتسوقين وأمدّهم بها. وخلال الأسابيع الماضية عدت تدريجيًا لهدوء التسوق المعتاد، كورونا لم تغادرنا لكن خوفي فعل. هل سبق وفكرتم في الحياة كما لو كانت رفوف سوبرماركت؟ تنتقي المنتجات الأجود، تنحاز للخضروات التي لا تفسد سريعًا، تختار غذائك بسيط المكونات واضح المعالم، تبتعد عن كلّ ما زاد تصنيعه وجهلت مكوناته. والقائمة تطول طبعًا. ضحكت من الفكرة، وحدثت نفسي من جديد أفكك الأشياء وأبحث عن تفاصيل بعيده.

٤

عثرت على مذكرات من العام ١٩٩٧، كنت حينها في الصفّ الثالث متوسط. قرأت وضحكت وبكيت. تبدو هذه الإنسانة بعيدة وغريبة، ما زلت أشاركها الكثير من الاهتمامات والتفاصيل، لكن الأشخاص التي تحدثت عنهم وكأنهم أصدقاء الأبدية غابوا في النسيان. تحبّ فرقة Oasis البريطانية وما زالت، تحلم بزيارة اسكتلندا وفعلت بعد عشرين عامًا بالتمام، وتتابع بحماس حلقات مسلسل Law and Order المعادة عشرات المرّات. قرأت عن رعبها من نقصان الدرجات، ونوعًا ما نبهتني لتعلقها الشديد بالاعتراف بالامتياز، واتقان الأشياء، ربما كانت هذه طريقتها في الشعور بالحبّ والاهتمام، أن تحرز الدرجة الكاملة!

تعليقان (2) على “لو الحياة رفوف سوبرماركت”

  1. البارحة كنت في السوبر ماركت و فعلاً تركت أهلي و بدأت أتجول لفتني منظر يقطين اول مرة اشوف يقطين صغير جدا جلست بس أصور فيه و اتأمله

    فكرة جميلة ان تكون حياتنا كرفوف السوبر ماركت
    لكن هل س نستطيع شراء أي شيء؟

    1. قرأت سؤال بشكل عابر وعدت إليه من انجذابي له ، ممكن إجابتي غير كافيه لعمق السؤال لكن ترتيباً على اتوماتكيه التسوّق ان نأخذ ونشتري حسبما ماتوفر من نقود كافيه واحتساباً للأمور الأساسيه وحسبما جهدنا وعملنا لتحصيل هالنقود والتي تتمثّل بعلوّ طاقتنا وركائزنا ومبادئنا من “الوعي” نأخذ مايمكن ان نأخذه ، ونأجل بعض الامور لحين يتوفر لدينا المزيد من الوفره للننعم بها ولا نأخذها ونحن خالين الوفاض ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.