الفصل ٣٨: إلى لقاء

ظهرت الفكرة في البدء مثل إعلان لعطلة ساحرة، أو بوستر دعائي لشواطئ معزولة بنخيل وثمار جوز هند وسيّاح رائقون ينظرون للأفق. قاومتها طويلًا. وكنت أحيانًا أفكر ماذا لو فعلتها في ظل الجائحة؟ شاهدت الكثير من الأفلام والمسلسلات وقرأت القصص التي يستغل أبطالها كارثة عالمية للاختفاء تمامًا والعودة بهوية جديدة. كانت الفكرة درامية لذلك لم أعطها الحيز الذي تريد. بالإضافة إلى أن شهور الجائحة الأولى وضعتني في مأزق، مأزق الرغبة بالكلام والمشاركة والانشغال عن كل ما يحدث في العالم بالتدوين. مرت الأيام وبدأت رحلتي الخاصة في الاستشفاء والبناء. مرت الأيام واكتشفت الملفات المفتوحة والمرفوعة على رفّ أقصى في روحي. حان وقت علاجها وإقفالها.

لقد كانت عشرة أشهر كابوسية، وسعيدة، وملونة في نفس الوقت. هذا التأرجح لم يكن بسبب تأرجح مشاعري أو خلل فسيولوجي أثر على عقلي. إنها الحياة! قرأت قبل مدة مقالة أضعت الطريق إليها واحتفظت بجملة منها كتبتها في مذكرة اليوميات “يعيد الناس اختراع أنفسهم دائمًا.” وكأنني أعطيت نفسي الإذن بالبدء. كتبتها في يونيو الماضي بلا تعليق، فقط الجملة وتاريخ اليوم وتركتها. لقد توقعت كل هذا منذ سنوات، أن أصل للحظة مفصلية كهذه.

في البدء كان الانتقال لمدينة جديدة، ثم تغيير مسار العمل، ثم تغييره من جديد بشكل كلّي وتوديع كل ما يربطني به – إلا إذا استثنيت الاستشارات والتدريب-. لقد كبرت، وتغيرت، وتعلمت، وتوصلت لمفاهيم جديدة. يعيد الناس اختراع أنفسهم في الجانب المهنيّ بشكل دائم، بشكل هادئ، يبدأ بتغيير السيرة الذاتية، عدة دورات تدريبية هنا وهناك، وفرصة جيدة تتيح لهم القفز لمسار عمل جديد.

لكن ماذا عن الجانب الشخصي؟

أمرّ بأوقات صعبة منذ بداية العام، أحاول تفكيك نفسي وإعادة تركيبها، أحاول فهم نقاط الانفجار، لماذا حصل هذا؟ وكيف يمكنني علاجه؟  حصلت على مساعدة جيدة. وهذه المساعدة تدفعني للتفكر، والتأمل، وترتيب الأولويات. وقد وصلت لقمة الهرم الآن. احتاج فاصل تنفس طويل! أشعر بالضجر من الكتابة، والمشاركة، والتصوير، والحديث عن اليوميات والتجارب، كلها مجتمعة. أشعر بالضجر من الركض بين التغريدات ونوافذ انستقرام البراقة. لم استخدم هذه الكلمة لمرتين متتالية ربما لأنني كنت أخجل من الاعتراف بالملل. لكن هذا هو الشعور الغامر الآن.

احتاج فاصل تنفس طويــــــــــــــــل.

سأتوقف عن التدوين، والتسجيل، وتصفح الشبكات التي أجدني في نهاية اليوم ألهث حرفيًا من كمية المعلومات التي أثقلت كاهلي بها. هل من وقت محدد؟ لا أعلم! والآن تذكرت في بداية ٢٠١٧ عندما صرحت بأنني سأترك تويتر بلا عودة، رجعت للتدوينة وضحكت من حماسي وجهلي لما سيحدث لاحقًا. عدت وبقوة. لذلك لن أضع لنفسي إطار زمني. أنا لا أكتب هذه التدوينة بحثًا عن تعليقات أو محاولات لتثنيني عن الخطة، لا أبدًا. هذه رسالة شكر واحترام للقراء والمتابعين، وهي فرصة لأشارككم محاولتي في إيجاد طريقة أفضل للعيش.

وأنا احتفل بعيدي الثامن والثلاثين، قررت الابتعاد لإيجاد إجابات لنفسي. لإعادة اختراعها من جديد، لأحبّ نفسي، وأسامحها. ستكون المدونة متاحة لقراءاتكم ورسائلكم، كذلك المحتوى الذي نشرته سابقًا على تويتر، وانستقرام. سأبقي عليها لأنها مجتمعة حصيلة ١٣ عامًا من القصص والصور والتجارب التي ابتهج شخصيًا بالعودة إليها.

شكرًا لكم، شكرًا لكل الحبّ والمتابعة والدعم والتشجيع.

.

.

.

15 تعليقا على “الفصل ٣٨: إلى لقاء”

  1. أمنياتي الصادقة لك يا هيفاء بهذه المرحلة على المستوى الوجودي بأن تجري أحداثها كما تتمنيها و على أفضل نحوٍ ممكن و أن تجدي فيها ما يبهج و يسر روحك. كلماتك هذه وصلت لأعماق غائرة في نفسي و أثرت فيها و لا أرجوا لك إلا كل ما يسعدك و يعيدك لذاتك أولاً بأجمل و أسعد حُلة ثم لأقربائك و أحبابك ثانياً. كل الحب و صادق الأمنيات لك يا هيفاء ❤️🙏🏼

    Take care

    1. اتمنى لك عزيزي هيفاء مثل ما أفرحني وجودك بحياتي و تدويناتك وكلماتك وتجاربك كانت أمل وعزاءً لي بالرغم أني لا اعرفك إلَّا من التدوين والسوشل ميديا ، اتمنى سعادة و يُسر و طمانينة تساور قلبك ♥️كنا ولا زلنا محظوظين بمعرفتك يا هيفا

    2. مدونتك ليست فقط كلمات بل هي شفاء لأحاديث كثيرة بداخلنا .. كوني بخير وعيد ميلاد سعيد وقرار موفقه حيث البدايات الهادئة تسكن قلبك وتسقيه بالحب والرضا ❤️ شكراً لك هيفاء وفي حماية الله ❤️🙏

      نحبك ❤️

  2. لمسني كل ما كتبتيه… كأنك تحكي عني… هذا بالضبط الابتعاد لإيجاد الاجابات…بالتوفيق هيفاء

  3. قد يطلق عليه حظًا جميلًا أو حظًا سيئا ، ولكن عثوري على مدونتك بعد كتابتك لآخر مقالة بلا شك هو حظٌ سيء ، ولكن عثوري عليها يساوي لي حظي بحظ من عثره على منجمًا مليءً بالذهب والكنوز. فا في النهاية قد يكون حظي حظًا جميلًا. قد تبدأ رحلتي من حيث أنتهيتي فشكرًا على الإلهام ، وأعلمي أنه يمكنك العودة دائمًا .

  4. إلى لقاءٍ صافٍ وغير متوقع يحمل الدهشة، إلى حكمة تشعرنا بالراحة وتضع كل خوفٍ من اكتشاف أو تجارب خاسرة في الكيس.

    أعوامك سعيدة هيفاء🧁🎈. حتى أنا مللت وأحس بثقل، ثقل غيمة لا تتجلّى وأود الهرب أو النوم لعام كامل.

  5. هيفا، نفس اللي يدور حولك أحس فيه، نفس المشاعر والرغبة باغلاق الملفات والهروب، بس ما تمنيت أدخل مدونتك وألقى عبارة وداع.. لسنوات كانت مدونتك أو الأصح روحك أنت وكتابتك أنت دواء..
    شكرًا على كل ما قدمتيه وننتظرك مجددًا بإذن الله، كل التوفيق لك يا رب

  6. I’ve been viewing your blog silently since 2010- I have never commented before, but your blog has been a great inspirational platform for me and made me change my mind set about so many things. but most importantly it reflected how elegant and out of time your soul is. wishing you all the best in your new journey .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.