كيف تصمم يومك المثالي؟

طرحت السؤال: كيف تتخيلون شكل يومكم المثالي؟ بالأمس على المتابعين في تويتر، وانطلق الجميع في رسم يومهم المثالي المتخيّل. قرأت في الردود كلّها وتقاطعت كلّها في عدة مواضع. ما هو الشيء المشترك بين الخطط المتخيلة؟ كلها قابلة التنفيذ. فطور شهيّ؟ تأمل صباحي؟ نشاط رياضي؟ الجلوس مع العائلة وقضاء الوقت معهم؟

ما يمنعنا من تصميم يومنا المثالي: أنفسنا!

سبق ومررت بنفس الحالة، وغرقت في الفوضى وعدت لتذكير نفسي بأنني أقضي في العمل ٨ ساعات يوميًا تزيد أو تقل قليلًا، ومع احتساب الوقت اللازم للتنقل يمكن أن تكون تسع ساعات. ومع إضافة ٨ ساعات نوم مثالية لا نحتاجها أحيانًا يبتقى من اليوم: ٧ ساعات، ما الذي يمكنك فعله في ٧ ساعات يوميًا؟

السؤال الذي طرحته على المتابعين يمثّل الخطوة الأولى لتصميم وصناعة يومٍ مثالي، إنّ تخيّل يوم جيد بكل تفاصيله يضعه ماثلًا أمامنا.و بعد هذا التصور أنصحكم بتجربة ملء هذه الدائرة الزمنية لمعرفة أين يذهب إليه وقتكم حاليًا؟ وقبل أي تدخل أو تغيير منكم:

.

.

الآن بعد التعرف على الثغرات التي أصبحت وقت ضائع بلا فائدة، اختاروا بعض التفاصيل التي أعجبتكم في اليوم المثالي المتخيل والتي يمكنكم تطبيقها الآن مع جدولكم العملي أو الدراسي، مع ضغوط الحياة المختلفة، ما التغيير الصغير الذي يمكن إضافته لصناعة يوم مثالي؟ هل نصف ساعة من القراءة قبل النوم مناسبة؟ هل لقاء صديقة بعد العمل مناسب؟ هل المشي لثلاثين دقيقة في أي مكان مناسب؟ هناك الكثير من المقترحات التي مررت بها في ردود المتابعين ويمكنهم تطبيقها اليوم بلا تأخير ليشعروا بالرضا والسعادة.

بريندن برتشارد كاتب أمريكي تحدث في ڤيديو عن تصميم اليوم المثالي الخاص بنا وركز على نقطة أننا نشعر بحاجتنا الدائمة لتحقيق شيء، إنجاز مشروع، مساعدة الآخرين أو كتابة عمل إبداعي. هذه الحاجة ستصنع يومنا لو تحققت، وعليه وضع عدة أسئلة ينبغي أن نطرحها على أنفسنا قبل ذلك:

ما الذي نرغب بصناعته اليوم؟

ما الذي نريد المساهمة به في هذا اليوم (مساعدة الآخرين، إنقاذ العالم .. إلخ)؟

من هم الذين نرغب بالتواصل معهم؟

وأخيرًا، في هذا اليوم المثالي كيف نبدو نحن؟

Create, contribute, connect, character

مذهلة هذه الفكرة، قلت لنفسي وأنا استعيد الفترة التي فقدت فيها أيامي المثالية، تمنيت لو أنني طرحت على نفسي هذه الأسئلة وستكون إجابتها كالتالي:

  • في مجال الإبداع والصناعة كنت أرغب بكتابة تدوينة، أو إنجاز مهمة في العمل، أو التجهيز لمشروع عظيم

  • في مجال المساهمة ومساعدة الآخرين كنت متشوقة لوقت فائض أقدم فيه ورشة عمل أو درس بسيط حتى لزملائي في العمل

  • أما على صعيد التواصل كانت فترة غياب عن عائلتي، أحاديث سريعة وطاقة منخفضة لا أتمكن بسببها من المشاركة بشكل أفضل في نشاطاتنا اليومية

  • أما السؤال الأخير فكان الأهم: في يومي المثالي أنا أكثر نشاطًا، استيقظ قبل المنبّه، أعمل لساعات أقل وتنتهي مهامي قبل الرابعة مساءً، أقرأ بوعي ولدي طاقة لممارسة الرياضة حتى بعد يوم عمل طويل

اقترح تجربة هذا التمرين بالتزامن مع تحليل وقتكم ورسم يومكم المثالي المتخيل. بعد هذه العملية التي لا أعتقد بأنها ستأخذ أكثر من ساعة خصصوها لها نهاية هذا الأسبوع ستجدون نافذة صغيرة مضيئة على تغيير أيامكم.

إنّ عملية التغيير هذه لن تتمّ في ليلة وضحاها، أنا أقول لكم ذلك لأنني جرّبت واحبطت مرارًا وكنت في كلّ مرة أقرر السيطرة على أيامي وأفشل: انتكس! ربما لأنني اخترت تغيير كلّ شيء دفعة واحدة. ماذا لو قرأت مرتين أو ثلاث مرات فقط في الأسبوع؟ ماذا لو أصبحت القراءة نشاط للطريق ونهاية الأسبوع؟ ماذا لو توقفت عن قراءة الكتب الورقية تماما واستبدلتها بالصوتية؟ كل مرة كنت أعطي نفسي الاذن لتجربة شيء مختلف. وهكذا وصلت تقريبًا للرضا عن أيامي حتى وإن ملأتها المطبات.

كانت أمنيتي أن يبدأ الأسبوع بشكل جيّد وعملت على ذلك بتغييرات بسيطة: جهزت عملي مساء السبت، رتبت خزانتي بما سأرتديه للأيام اللاحقة، جهزت وجبات الثلاث أيام الأولى، شاهدت أفلام وقرأت وكتبت تدوينة. فعلت كلّ ما بوسعي لأصل للأسبوع الجديد بسعادة ونجحت الخطة.

كانت أمنيتي التمتع بوجبة افطار شهية واستيقظت أبكر بربع ساعة فقط، ولاحقًا زدتها لثلاثين دقيقة، تحركت ببطء وتأملت وجهزت الفطور وارتديت ملابسي وخرجت بدون قلق أو تأخير.

كانت أمنيتي الانتهاء من العمل قبل الرابعة مساءً، وغيرت موعد وصولي للمكتب لأحصل على ساعة كاملة من الهدوء والكتابة قبل امتلاء المكان. نجحت الخطة وانهيت عملي باكرًا، وقرأت قليلًا وراجعت مهام الغدّ ووصلت للمنزل نشيطة وممتلئة بالطاقة الكافية لنشاط رياضي خفيف.

كنت أشتاق لأختي حرفيًا خلال الأسبوع، وصنعت منطقة محظورة يوم الجمعة لا نخرج فيها ولا نستقبل أحدًا إن أمكن ونقضي الوقت في مشاهدة الأفلام أو المسلسلات، والطهي والحديث والاتصال بأخوتي خلف المحيط.

اليوم المثالي لن يصنع نفسه، هذه فكرة عرفتها جيدًا من التجربة والمحاولة. وكلما تقدّم بنا العمر سيتغير شكل يومنا المثالي، وكلما تغيرت وظائفنا ومسؤولياتنا سيحدث ذلك. وحتى لا نغرق في بؤس انتظار هذا اليوم الرائع، نحتاج إلى إعادة الترتيب والتفكير في جعل أيامنا أفضل.

هنا قراءات أخرى في موضوع الوقت والإنتاجية ستفيدكم حتمًا:

كيف تصنع نسختك الأفضل؟

كيف تستعيد يوم عمل مفقود؟

.

.

.

استعادة ضبط المصنع

Circa 1987

.

أحبّ هذه الصورة جدًا لأسباب كثيرة أهمّها أنها سبقت تحوّل عظيم في حياتي. هذه آخر صورة محفوظة قبل أن تضطرب علاقتي مع الأكل، ومع جسدي. ثلاثون عامًا مضت والأكل هاجسي الأكبر، بين حبّ وكراهية. نتفق بشدة حتى تصبح ذكريات أيامي المهمة مرتبطة بالأطباق التي تناولتنا حينها، ونختلف لأنقطع أيام عن تناول أي شيء له حجم وأبعاد.

أذكر جيدًا متى بدأت محاولات عائلتي الحثيثة في السيطرة على الوحش الذي استيقظ بداخلي، أرى الآن بصورة واضحة نفسي ووالدتي في مطبخ بيتنا الصغير وهي تمدّ لي حبة دواء على شكل تفاحة، تقول بأنها ستساعدني في التحكم بشهيتي. كنت حينها في الثامنة. وكانت طفولتي مثل حلم سعيد، العائلة كلّها تدللني، محاطة بوالدين محبّين وأخوات لطيفات ننسج كلّ يوم قصة سعيدة برفقتنا. تتوقعون بأنني لم أجرب التأمل واستذكار كل لحظات ذلك العمر لإيجاد ثغرة؟ شيء كارثي أيقظ شراهتي؟ لم أجد أيّ شيء! لم أحرم من الأكل، وتذوقت كل ما يمكنني تذوقه. حتى محاولات عائلتي في البحث عن حلّ كانت هادئة جدًا، لم تقفل أبواب المطبخ ولم يخفى أي طبق.

لا يوجد فعل بدون نتائج، تبعت هذه الشراهة زيادة مضطردة في وزني، تنبهت لها عندما اختلفت ملابسي عن أخواتي، في البدء كنا نرتدي جميعًا نفس القصات ونفس الفساتين، تدريجيًا بدأت رقعة القماش تتسع، بدأت والدتي تموّه هذا النمو المجنون بياقات واسعة، أكمام طويلة. تحول الفستان إلى تنورة وقميص، واحتفظت بسعادتي الصغيرة: على الأقل قماش التنورة نفس قماش فساتين أخواتي. بحلول العاشرة ظهرت الورطة الكبيرة، تبحث والدتي عن ملابس في محلات الأطفال ولا تجد، وملابس السيدات لا تناسب شكل جسمي المختلّ الأبعاد!

تحوّل اهتمام عائلتي بالكامل لسلوكي الغذائي، الموضوع يخرج عن السيطرة وليس مرحلة شراهة بسيطة. اليوم وأنا أفكر، أظنني دون قصد أثرت رعب أختي منى (الصغرى آنذاك) من الأكل، في الصباح نصارع لتتناول الفطور وعندما تفعل رغمًا عنها، تخرج كلّ شيء في طابور الصباح. ربما كانت تشعر بالهلع مما يفعله الأكل بأختها الكبرى؟ والديّ على طرفيّ المائدة يجبرانها على الأكل ويحاولان اقناعها بشتى الطرق، بينما يشيران لي بالتوقف. هذا المشهد الذي كلما تذكرته أثار بي مشاعر مختلطة، أودّ أن أبكي لأنني أعتقد أن حلقة ما كانت ستنقذ الموقف.

بدخول المرحلة المتوسطة بدأت ألاحظ الفرق بشدة، الطالبات بمراييلهن وقصاتها الجميلة، أجسادهنّ المنتظمة، وشكلي المربّع وطولي الذي سبق الجميع. هذا التحول دفعني للبس العباءة باكرًا قبل أقراني، يظهر بأنني أكبر عمرًا والحقيقة أني ما زلت أحب اللعب في الخارج والركض وهذا الشيء يخنقني.

تصالحت مع الموضوع مجبرة، لحظات السعادة الوحيدة كانت في الشتاء عندما استبدل العباءة بالبالطو بحثًا عن الدفء، وفي الصيف عندما نذهب لجدتي وتصبح المزرعة عالمي الممتد، هناك أرتدي ما يحلو لي وألجأ لصحبتي التي لا تذكرني باختلاف مظهري: أبناء خالتي.

كنت أهرب من أي مناسبة اجتماعية وأظن أن ذلك الترتيب مريح، لي ولوالدتي التي لم تتوقف عن دعمي بالماكينة وأمتار الأقمشة. كنت أبقى بعيدًا عن حفلات الزفاف والتجمعات. ألعب الكرة وأشاهد الكرتون ساعات وساعات، كيف لم تنقذني تلك الأنشطة من نفسي؟ في نهاية اليوم كنا نتحلق أمي وأخواتي وعائلتنا الممتدة أمام الصحون، وتطلب مني والدتي الاقتراب منها عندما نأكل. لتنبهني عن لحظة التوقف.

أذكر أنني سئمت هذا الترتيب، ونقلت مكاني بعيدًا منها حتى لا أشعر بلكزاتها وحتى لا تلتقي نظراتنا فأدعي بأنني لم أرَ ولم أفهم.

في تلك الفترة وهذه القصة تضحكنا اليومبدأت مشاركتي السنوية في مسابقة الرسم الخاصة بشركة والدي، وكانت الثيمة لتلك السنة “الغذاء السليم” مشاركتي الفائزة التي نُشرت في التقويم الشهري صورة فتاة تشبهني جدًا، ظفائرها البنية، وعينيها التي تلتمع عند مشاهدة الموائد. وتحتها تعليق – كتبته والدتي لسوء خطّي– : لو أنني اكتفيت بالقليل لما أصبح وزني ثقيل.

مضحك جدًا!

متابعة قراءة استعادة ضبط المصنع

كيف تفاجئ نفسك؟

 

Painting by Amanda Blake

.

خلال ساعات العمل اليوم حذفت مفضلة مواقعي التي جمعتها من ٢٠٠٧م تقريبًا. عشر سنوات من الروابط المتنقلة التي تتوالد وتمتدّ إلى ما لا نهاية. اكتشفت بأنني أخزنها بلا فائدة! بعضها لا يقود لأي موقع ويعطيني رسالة أن هذه المدونة لم تعد موجودة أو هذا الموقع لا يعمل. وبعضها آخر مدخلاته تعود لثلاث وأربع سنوات مضت. لماذا الحفظ إذًا؟ تذكرت شعار السنة: التخفف. وتذكرت بأنها فرصة لمفاجأة نفسي. حذفت الروابط وخرجت لزميلاتي في المكتب وأخبرتهنّ بالمغامرة، ضحكن وسألنني هل ندمت؟ قليلًا. لكن مع وجود مواقع مثل Pocket وبنترست وغيرها أصبحت أحفظ ما احتاجه مباشرة وأراه أمامي وبعد القراءة أو الانتهاء من المعلومة أحذفها من القائمة وهكذا.

قبل يومين طرحت سؤال في حسابي على انستقرام: متى آخر مرة فاجأتوا أنفسكم؟ وتنوعت الإجابات وكشفت عن فهم مختلف للسؤال. هناك من ذهب للمفاجآت المادية مثل شراء شيء أو الذهاب لمكان، والبعض الآخر فهم السؤال بشكل معنوي: تغلب على مشاعر معينة،أو استعادة الثقة في موهبة ما.

كيف نفاجئ أنفسنا؟

الموضوع ببساطة هي الاستسلام للفضول، كسر الروتين، وتجربة شيء خارج عن ما تألفونه وتعتادون عليه. قد يكون الموضوع داخلي مرتبط بالمشاعر كالتخلص من القلق تجاه أمر ما، أو خارجي ببساطة سلوك طريق مختلف إلى العمل.

فكّرت بيني وبين نفسي ووجدت أنّ إجابتي على السؤال الذي طرحته على المتابعين ستكون كالتالي:

  • جرّبت ارتداء ملابس مختلفة بألوان جديدة علي. استبعدت بنطلونات الجينز التي بحوزتي واحتفظت بواحد فقط ارتديه عدة مرات في الشهر.و اتجهت لخيارات طبيعية ومريحة أكثر واختصرت خزانتي إلى ٣٠٪

  • تمر فترات طويلة لا استمع فيها للأغاني، موسيقى كلاسيكية أو كتب صوتية فقط. مدهش التفكير بصحبة الموسيقى وغياب الكلمات. يأخذني لأماكن جديدة

  • خلال السنة الماضية بدأت بتجربة تناول الأطعمة المطهوة بطرق مختلفة، دخلت منطقة كانت خطرة ومستحيلة بالنسبة لي: منطقة اللحوم النيئة أو المطهوة قليلًا. القائمة بدأت من الأسماك ووصلت للحوم. الفكرة كانت مرعبة في البدء، تناولت اللقمة الأولى مغمضة العينين وبدأت القصة المدهشة من هناك. هذه السنة جرّبت لحم الغزال والبطّ المقرمش والاخطبوط! أيضًا أصبحت المشروبات التي تحمل الزنجبيل في قلبها مشروباتي المفضلة. والتوابل الآسيوية الحارة والفلفل ركن أساسي في الأطباق التي أعدها وأطلبها. فيما مضى كانت قضمة واحدة كفيلة بإشعال معدتي وتوعكي لأيام، تناولت التوابل والفلفل تدريجيا وعلى فترات حتى عدّلت طاقة احتمالي

  • حكاية قريبة أيضًا: استمعت لحلقة البودكاست (بودكاستي) كاملة بعد تسجيلها دون أشعر بالإنزعاج. من يعرفني جيدًا يعرف أنني لا أحب الاستماع لصوتي مسجلًا نعم قصة غريبةتدريجيًا بدأت اتصالح مع الفكرة

  • غيرت الممر الذي ابدأ به في التسوق من السوبرماركت، واكتشفت أني استبعد بعض المنتجات التي لا احتاجها بشدة وفي آخر مرة زرت السوبرماركت نجحت في تجنّب ممر الجبن الذي كان كعب آخيل بالنسبة لي

  • أيضا وجدت واحدة من الأفكار التي يمكن أن تفاجئ بها نفسك: التقدم لوظيفة كنت تعتقد بأن حصولك عليها مستحيل. أو أن الامكانيات التي لديك لا تتناسب معها. المفاجأة الحقيقية: أن تتقدم لها وتُقبل!

  • انهاء علاقة سامة أو التقليل من جلوسك مع أشخاص يتعبونك أو يؤذونك بشكل ملحوظ

  • اعطيت الآخرين فرصة في تدليلي ومساعدتي، وزعت مهامّ كثيرة في العمل كانت ترهقني وأنا أحاول اتمامها دون جدوى، فاجأت نفسي هذه المرّة بتقبل العمل ضمن الفريق وليس الانفراد بكل شيء

  • عندي مشكلة في بدء الأحاديث مع الغرباء، دائما هم يبادرون وأنا انطلق! وإذا لم تدفعني الحاجة أو الضرورة للكلام لن أفعل. في عطلتي الأخيرة جلست وقريباتي وإلى جوارنا مجموعة من السياح الذين يتكلمون لغة جديدة عليّ، كانت مزيج من اليونانية والايطالية والبولندية ولكنني لم أنجح في اكتشافها. بعد صراع طويل التفتت نحوهم وهم مغادرين وسألت: عذرًا لكن إلى أي البلاد تنتمون فقد احترنا في اللغة. وكانت الإجابة مرحبة: نحن من رومانيا. لا يعرف جيراننا كيف كان قلبي ينبض بسرعة وكيف ضغطت بشدة على نقطة في كفّي لأهدئ من روعي وأنا أطرح السؤال بسرعة. فاجأت نفسي وبادرت ببدء الحديث وإن كان قصيرًا

  • سافر إلى مكان جديد. قبل عدة أيام ألغيت حجزي لوجهة كنت أنوي زيارتها في إبريل القادم، واستعدت قيمة التذكرة. كانت مفاجأة قوية على نفسي، لكن فكرة تغيير الوجهة والانتظار لمغامرة أكبر شجعتني على إلغاء الخطة

  • جربوا استعادة موهبة مدفونة. إحدى المتابعات تكلمت عن عودتها للرسم بعد انقطاع، وأنا أفكر في مهارات هزمتني مثل الخياطة التي قد أفاجئ نفسي مستقبلًا وأتقن شيئا منها

  • وأخيرا تذكرت واحدة من التغييرات المفاجئة التي احتفت بها عائلتي: توتّر ما قبل المناسبات. كنت دراما حقيقية في كل مرة ننوي الذهاب لحفلة كبيرة سواء كانت زواج أو اجتماع عائلي! من الاستعداد لارتداء الملابس للخروج، توتر عارم وأحيانًا يستفحل الوضع ويصل للبكاء وانعدام الثقة في مظهري. حدث شيء ما في إحدى المساءات وأصبح الاستعداد للخروج مصحوبًا بالضحك والأغاني والانتهاء قبل الجميع

هذه التدوينة ولدت كمحاولة منّي لمقاومة قيلولة سيئة بعد المغرب، والآن الساعة بعد التاسعة بقليل وأي مؤشرات على النعاس تلاشت بالكامل. شاركوني قصصكم ومحاولاتكم الناجحة والفاشلةفي مفاجأة أنفسكم.

.

.

.

عبور حذِر

.

.

قابلت صديقة على الغداء قبل أسبوعين تقريبًا، وفي معرض حديثنا تطرقت للفقد وقدرته العجيبة على صقل الإنسان. تصبح أقوى عندما تفقد عزيزًا وتغرق في الحزن وتملؤك فجوة عميقة ولا تعرف كيف تغمرها أو تمحوها. يحمل قلبك إعدادات سريّة تمكّنه من تجاوز أي حزن قادم. طاقة فولاذية على السخرية من الألم والنهوض من جديد. لكنك في نفس الوقت تتعلم ألا تنسى.

قبل ١٨ سنة تقريبًا فقدت أخي الذي كان آنذاك بعمر التاسعة، وسبب الوفاة؟ توقف مفاجئ في القلب. هكذا، في يوم من الأيام خرج من المنزل وأوراق واجباته مبعثرة على الأرض، ولم يعد.

أذكر أنني لم أتعامل مع حزني كما أردت. لم يكن هناك وقت، منزل صغير وعائلة صغيرة اضطرت دفعة واحدة لاستقبال أفواج من البشر. لم نكن نعلم ما الذي يقدّم في مجلس العزاء؟ لم أكن أملك ملابس مناسبة، وأذكر بأنني في لحظة ما فكرت في ارتداء مريولي البني فهو الزي الأنسب. لحظة سمعت الخبر هويت على الأرض، لم أعرف ما الذي يعنيه إغماء أو دوار لكن الأرض أصبحت هشة تحت أقدامي. لقد رسمت له محور التناظر قبل ساعات وأنجز واجب الرياضيات. لكنهم خرجوا للنزهة فقط، ما أسوأ ما قد يحدث عندما تخرج للنزهة؟ كثير من الكلمات تجري في دمي وصوت والدي يركض من الدور السفلي ليجلس مقابلًا لنا هو ووالدتي ويطلب منا ألا نبكي. لم أبكي حينها وليتني فعلت. أذكر أنني حسدت الجميع على بكائهم، المعزّين والأقارب، كانت رئاتهم تتفجر بالبكاء وأنا اختنق. قضيت صباح يوم العزاء الأول في غسيل ملابسي الداخلية، نعم فتحت الدرج وغسلتها من جديد ونشرتها على منشفة فوق سجادة الغرفة. لم أجد تفسيرًا لما حدث، لكن شعوري بالخجل عندما قررت خالتي النوم في سريري لا يغادرني حتى اليوم.

مرت الأيام سريعًا واختفى الجميع، وحصلنا من جديد على الراحة والهدوء. لا أحد يتكلم عن حزنه ولا أحد يبكي. مذهولين وبقينا كذلك على مرّ السنوات.

تخلصت والدتي من ملابسه وصوره كلها، كنت أريد تلك اللحظة التي نمرر أيدينا على كل ما يخصّه ونبكي. بكاء صافي يغسل صدورنا. تخيلوا أنكم تحملون بداخلكم هذا الحزن العظيم لمجرد أنّكم لا تستطيعون التخلص منه! أي لعنة هذه.

لم نعترض على القضاء، لم نصرخ. لكن قليل من الدموع يا الله! لم أتحدث مع أفراد العائلة عن المشاعر الغريبة التي تسكنني، أشعر أننا جميعًا نمر بنفس المشكلة. خلف القشرة القوية وألوان السعادة ما زال هناك حزن بعيد.

قلت لنفسي كي أشفى يومًا ما: لا يمكن أن تمرّ الكارثة دون فائدة. من عمر ١٦ وصاعدًا لن أسلّم نفسي للألم مهما تمكن مني. وفي كلّ مرة اختنق أتذكر أن لا مأساة ستطغى على فقدان أخي، آخذ نفس طويل وأقفز للماء برأسي، ثم أطفو.

بقي سؤال لم أجد له إجابة ووجدتها قبل عدة أيام في فيديو عرض على التلفزيون. جلسنا صامتين أنا وأختي أمام شاشة التلفزيون، وبيلي بوب ثورنتون يتحدث عن وفاة أخيه بسبب مشكلة في القلب، ويروي قصتنا بلغة أخرى في مكان آخر من العالم. في الصمت الذي غمرنا تدفقت دموع دافئة، دموع صافية، دموع الوصول لإجابة. لم ننظر لبعض بكينا ومسحنا الدموع وأكملنا يومنا كالمعتاد.

يا لها من مصادفة أن تبحث عن إجابة وتجدها في فيديو من دقيقتين.

لماذا حافظنا – أنا وأسرتيعلى مسافة ثابتة بين الفرح والحزن ونعبر بينهما بحذر؟ إنّها سمة لمن يفقد إنسانًا بهذا القرب. كل شيء ممكن، وقريب ومفاجئ فتعلّم كيف تعيش بكامل وعيك.

.

.

.

.

حتى لا يأكلكم الندم

 

By Amanda Blake

 

مها، زميلة تعمل معي في الشركة واحتفلت مؤخرًا بعيدها الخامس والعشرين. كانت تخبرنا بذلك وهي تشعر بالأسى لأنها أصبحت كبيرة. في كل مرة تتبرّم عشرينية من عمرها الذي يطول ويمتدّ أضحك وأعلق: ماذا نقول نحن؟

هذه التدوينة إهداء لمها وللكثيرين، ما زال أمامكم الكثير من الوقت إن شاء الله. وستعرفون مع مرور السنوات أن التقدم في العمر خبرة! وحتى لا يأكلكم الندم سأشارككم محتوى مقالة قرأتها اليوم، تناقش أكثر الأشياء التي قد تندم عليها لاحقًا، عندما تكبر.

أولها: أنك لا تطلب المساعدة عندما يجدر بك ذلك

تقول المقالة ببساطة إذا كنت لا تطلب المساعدة في عمل، هذا يعني أنك توقفت عن تحدي نفسك. لقد عانيت طويلًا وعانى معي أشخاص شاركوني العمل، أو الحياة. المعاناة جاءت من تجاهلي طلب المساعدة من الآخرين. أشعر بأنّي قادرة على صنع كلّ شيء، وتحمل كل شيء بالضرورة. لكن بعد تقدمي في العمر وإدراكي لقيمة نفسي وما يمكنها أن تفعل قررت الرجوع خطوة إلى الوراء عندما يرتفع الموج وتشتد الصعاب. ببساطة أطلب المساعدة!

تخيلوا معي موقف يعيشه موظف في مكان جديد ومسؤوليات جديدة، لكنه بدلًا من طلب المساعدة يحاول ويخفق ويضيع وقت مرؤوسيه. لن يعذرك أحد إذا لم تطلب المساعدة. لن يعذرك أستاذك الجامعي إذا وصلت نهاية العام ومشروعك لم ينجز بالشكل الأمثل. إذا قلت له لم أتقن العمل أو كان المشروع أكبر مني سيقول لك: لماذا لم تطلب المساعدة؟ وطبعًا ستكرر هذه العبارة على مسامعكم كثيرًا إذا أصررتم على العناد.

أقول لك أطلب المساعدة لأن الحياة قصيرة، وترغب بإيجاد متنفس خلالها، إذا لم تطلب المساعدة سيغرقك العمل، والحياة الاجتماعية ومتطلبات العائلة.

بدأت منذ فترة لا بأس بها بالتخفف من المسؤوليات التي يمكن لغيري إتمامها، سواء في العمل أو في المنزل. وأستطيع التأكيد بأن الحياة أصبحت أجمل. الآن وضعت خطة محكمة ومتوازنه لا يطغى فيها شيء على الآخر وأتمنى أن تفعلوا ذلك!

تذكر المقالة أيضًا فكرة جيدة للخروج من منطقة الراحة واقتحام المزيد من التحديات في حياتكم: ابحثوا عن مرشد. هل تعمل في مجال جديد يغمرك بالخوف والتردد؟ هل تمر بمرحلة انتقالية في حياتك؟ إن طرح الأسئلة أسرع طريقة للحصول على مساعدة وتوجيه. أكتب لشخص تثق برأيه ويشاركك ذات الاهتمامات. قد لا يكون بالضرورة أكبر منك لكن قد تكون خبرته أكثر عمقًا وغنى. ومن حديثك معه ستصل لحلّ لما يقلقك أو على الأقل ستضع قدمك باتزان على أول الطريق.

ثاني الأمور التي قد تندم عليها لاحقًا: الجهد الذي تبذله للابقاء على علاقة مؤذية

أحبّ أن أوضح أولًا أن الفرق كبير بين المحافظة على علاقاتك حيّة والتواصل المستمر مع الأشخاص الذي يعنيك أمرهم، وبين العلاقات المؤذية (السامة Toxic). سيمر وقت حتى تكتشف ذلك، لكن ما إن تفعل: تصرّف! أكثر شيء يخيف الناس من إنهاء العلاقات المؤذية خوفهم من الوحدة، أو خسارة الآخرين. لكن اقترح عليكم تجربة التفكير في الايجابيات والسلبيات، نعم قد يبدو غرائبيًا التعامل مع البشر من هذا المنطلق، لكن حياتك مهمة جدًا ووقتك كذلك.

ثالث الأمور: التفكير مطولًا في الاخفاقات

اسألوني عن هذا! ما زلت أقاوم هذا الأمر من وقت لآخر. يحدث أن ارتكب حماقة أو خطأ في عملي، ويبقى الموضوع مثل غيمة سوداء تلاحقني. حتى مع تأكيد ذوي العلاقة أن الموضوع عابر والكثير يرتكبون نفس الأخطاء.

قد أبادر بخطوة أو أنفّذ فكرة لا تلقى النجاح المرغوب وأصاب بإحباط يدفعني أحيانًا إلى تجنب رؤية انعكاسي في المرآة! الموضوع مرهق، وما زلت أتعلم تجاوزه بلا تفكير. من جهة أخرى، نجحت في مسامحة نفسي كثيرًا وهذا يسعدني، كلما سامحت نفسك أسرع كلما زادت قدرتك على تجاوز أخطاء الماضي وهذا ما تنصح به المقالة.

الأمر الرابع: التفكير الدائم بالآخرين

إذا حسبنا ساعات يومنا التي نقضيها في الصحو: ١٦ ساعة، وإذا استبعدنا منها ٨ ساعات للعمل أو الدراسة، يتبقى ٨ ساعات أخرى. هل ترغبون بقضاء ٨ ساعات من التفكير في رأي الآخرين في كل ما تفعلونه؟ طبعًا لا! ولا حتى عدة دقائق. لكن البشر يحاولون ويفشلون. قد تؤثر بنا كلمة أو تصرف، أو ردّ ما. ونبقى ساعات وساعات نحلل ونجمع ونطرح بلا جدوى. لكن هل أمضينا لحظة واحدة للتفكير في أن الأشخاص الذين نجري من أجلهم كل هذه الحسابات لا يقضون نفس الوقت بالتفكير بنا أو في رأينا؟

أداوي مشاعري السيئة بالكتابة أحيانًا وبالنسيان كثيرًا. لا مانع من الاعتراف بمشاعرنا السيئة وتأثرنا بالآخرين، لكن ما يقضي على أعمارنا ويلتهمها إطالة التفكير في ذلك.

مخرج

أحب تعليقاتكم هنا كثيرًا، ورسائلكم التي تتركونها في صندوق رسائلي، وأعتذر جدًا لأن الوقت أحيانًا لا يسمح بالردّ عليها. سأحاول مستقبلًا تخصيص يوم في الاسبوع لمتابعة التعليقات هنا والإجابة عليها.

.

.

.