أربعة أيام على متن الحمّاصة.

(أ)

لا يُمكنك اختيار مكان مثالي للقراءة في سكن مشترك.”

لستُ أدري لم احتجت لكل هذه السنوات حتى اتوصل للاستنتاج أعلاه، خصوصاً وإذا كانت القراءة التي تودّها غارقة في التركيز، وبلا منغصات خارجية. لا أنكر طبعاً أنني أحب القراءة في كلّ مكان، ولو كان رأسي مزود بزوج اضافي من العيون، لقرأت بينما أمشي، آكل، اتكلم، لكن دائما الوقت، والمكان.. مشكلة. في غرفة الجلوس الأقصى يحصل أي فرد من العائلة على أعلى نسبة تركيز وهدوء ممكنة، حتى وإن كانت مجالس المنزل مفتوحة على المدى، بإمكانك الاختفاء، ودس وجهك خلف الوسائد الوثيرة على الاريكة والبدء بالعمل. إلا إذا وجد والديك أو أحدهما الحاجة الملحة لأحاديث عطلة نهاية الاسبوع المكثفة، يستعيدون الأسبوع، والرحلات المفاجئة ويفحصون وجهك، ويمنحونك مباركتهم على مشاريعك المعطّلة، ويسخرون أو يعززونأحلامك التي لا تنتهيلم أشعر بأنّ عطلة نهاية الأسبوع لذيذة ومنتجة على جميع الاصعدة، كما شعرت خلال اليومين الماضية، زيارات سريعة، وضيوف، والكثير من القراءة، والتأمل، وطبعاً طعام شهيّ ونومٌ هانئ. أقول ذلك لأنني في وقت آخر كنت سأستسلم لبوادر الزكام والحمى، وسينقلب كلّ شيء إلى رحلة جرجرة قدمين إلى السبت.

لكن من يحتاج لحبّة مسكن ولديه كتاب وفنجان قهوة؟

(ب)

المساعدة المنزلية بدأت حملة لتحميص القهوة منذ الثلاثاء الماضي، كل يوم تضع على الحماصة العتيدة – وهي آلة إعداد الفشار بالمناسبة – تضع كوبين إلى ثلاثة من حبوب البنّ اليمنيّ وتنتظر بينما تبدأ دورانها اللانهائي، حتى تكتسب السمرة المطلوبة. حول المنزل لا تشمّ سوى القهوة، القهوة في أحلامك، القهوة في الحديقة، والقهوة في رئتيك! وبينما كنت انعم بساعات القراءة الهانئة، كنت استمع لدوران الحبوب، وانتبه بالتحديد للفوضى التي تسببها حبة قهوة عنيدة ترفض باستمرار الدوران مع صاحباتها، حتى تعطّل دوران الحماصة، وتعكس اتجاهها وتعود، لكن هل كانت الحبّة تستجيب؟ لا! تحتاج الحماصة للتوقف قليلاً ونأتي للتفاهم مع حبّة القهوة التي يبدو أنها ما زالت متشبثه بالحياة كفاية فرفضت أن تموت مع الجماعة. وغادرت الحبة الحماصة بعد صراع طويل.

(ج)

على وجبة الفطور تأملت جمال شرائح الخبز المقصوصة بعناية، وفكّرت لأول مرة عن كيفية تقطيع الخبز بكميات هائلة وبمقاييس تعجز أمهر الايدي، وأحد سكاكين الخبز على انجازها، والطريق أوصلني لحكاية الخبز المقطع.

هنا وهنا وهنا روابط للموضوع، وهنا فيديو على يوتوب عن صناعة الخبز بشكل عام.

(د)

بدءا من هذا المساء بإذن الله سأقرأ في الكتاب Clichés: Avoid Them Like the Plague!” يتحدث الكتاب المنوّع عن أصل الكثير من الكليشيهات والأمثال الشعبية بالانجليزيةالتي نسمعها ونستخدمها أحياناً كتكرار لما تعيده وسائل الاعلام علينا. عندما انتهي من قراءته سأضع له مراجعة بإذن الله، وستجدون الكثير من الاقتباسات على حسابي في تويتر مع الايام القادمة.

حصلت على نسخة الكترونية منه من الموقع ebooks.com.

(هـ)

خلال نهاية الاسبوع كانت الخلفية الموسيقية تعزف أغنيات من راديو أمريكا الجنوبية، وخلال ذلك تعرّفت على الفرقة الشهيرة Inti Illimaniفرقة فولكلورية تشيلية نشطت خلال الستينيات من القرن الماضي، وأشهر أغنياتهم سوف ننتصرالتي أصبحت النشيد الرسمي لحكومة الوحدة التي أسسها سلفادور آييندي، ومُنعت موسيقاهم بعد ايلول الأسود وصودرت من قبل الحكم العسكري، في العام ١٩٧٣م وبعدما سمع افراد الفرقة بالقتل والتعذيب الذي تعرض له الفنانون والكتّاب في تشيلي بأمر الدكتاتور بينوتشيه، بقوا في خارج البلاد، في ايطاليا تحديداً لأطول مدة نفي، وجولات موسيقية استمرت حتى العام ١٩٨٨م عندما أسقطت الحظر عنهم وتمكنوا من العودة للبلادموسيقى الفولكلور العالمية لا تسبب لي الملل، ولا الانزعاج، وهذه الفرقة مناسبة جداً للشتاء، وتخيل السير بلا توقف على رؤوس الجبال. قمت بتحميل الانطولوجيا الموسيقية الخاصة بهم من خلال هذا التورنت.

تعليقان (2) على “أربعة أيام على متن الحمّاصة.”

  1. لنّ أنسى أبداً حجرتي القديمة وانزلاقي على سريري البسيط والمرتب بعناية… أقرأ لساعات طوال، أحياناً تصل ل6 ساعات في الإجازة و3 ساعات في أيام الدراسة، ولن أنسى قرع أمي للباب وتأنيبها لي لإنعزالي الطويل عنهم . أنا الآن أفتقد الفراش ذاك، والمروحة الدائرة فوق رأسي في رتابة وهدوء شديدين قد لا يوقظني منها سوى قرصات الجوع !
    الآن هذه العزلة لا تتأتى لي سوي في الليل، رغم التضحيات التي أتكبدها من أجل ذلك: من عيون محمرة، وأكواب المنبهات، اولإرهاق الذي يخف قليلاً عند قيلولة النصف ساعة عصراً
    شاهدت مرة على الجزيرة للأطفال وثائقياً قصيراً ممتعاً عن صناعة الخبز، وكانت الآلات التي تقوم بتقطيع أسطوانات الخبز الضخمة هائلة حقاً… وعلى فكرة الموسيقى رائعة جداً :)، شكراً لكِ.

  2. شكراً على زهور الأيام. كتابةً. التي نجدها مخبأة بصندوق الـ جوجل ريدر. شكراً يا هيفاء. ولن يدرك أحد. أبداً. كم بهذا الشكر من امتنان عظيم.
    أقرأ بصمت. ربما أمير القراء الصامتين.
    نعبر. نأخذ حاجتنا من الحلوى هنا. ونبتسم. وندعوا لك (كرد لهذا الجميل). ونمشي.

    على كل حال.. دفعني سؤال هذه المرة. سلفادور الييندي، هل هو جد اليزابيل الييندي؟ أو تشابه الحكام علينا؟ .
    شكراً لك على الانطولوجيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.