القدرة على الإدهاش

في الطريق للمكتب كل صباح أمرّ على وكالة سيارات وتطالعني عبارة ضخمة داخل مبناها:

القدرة على الإدهاش

كنت في البداية أفكّر هل العبارة صحيحة حتى؟ ما مدى صحة الصياغة؟ لأنها تبدو ثقيلة على الترديد. أكتبها على ورقة ملاحظات عندما أصل، وأفكر فيها كل يوم كلما مررنا. أصبحت أردد القدرة على الإدهاش وكأنها تأمل سرّي في الصباح. أريد ألا أفقد هذه العضلة بعد أن مرّنتها سنين طويلة. ترعبني فكرة أن يحدث ذلك. أن أكرر نفسي، أو أسوأ: يصيبني الملل.

القدرة على الإدهاش مؤخرا لا تعني بالضرورة قدرتي على إدهاش الآخرين، بقدر ما هي مرتبطة بنفسي. عضلة التجارب الجديدة تضعف إذا لم أمرّنها. وعندما لا أكون في سفر أو وظيفة جديدة، تصبح المهمة أصعب.

لكنّها التفاصيل الصغيرة التي تعيد انعاشي: طريق جديد للعمل، مسلسل، قراءة ثلاثة كتب في نفس الوقت، تقديم ورشة عمل في مجال أحبّه، وصفات الطبخ الموسمية، الاستسلام لثقل مشاعر معينة وأخذ وقت مستقطع من كل شيء.

* * *

بالأمس قضيت ساعة ونصف في السوبرماركت.

هذا رقم قياسي جديد للبقاء هناك، ولم أكن محتجزة وقت الصلاة بل كان المشي بين الممرات تأملي الطويل. الحمد لله أن ذلك لم يؤثر على فاتورتي، ولكنني في كل خطوة وكل مرة أمسك بمنتج اتخيل مكانه في المنزل: في مخزن الأكل، في الثلاجة، أو على الرفّ. هل سنعدّ طبقًا يحتوي على هذه المقادير فورًا؟ أو تؤجل للأسبوع القادم؟

لقد حللنا مشكلة مستعصية وقللنا نفقات تسوق الأغذية عندما وضعنا لأنفسنا وللمساعدة المنزلية خطة أطباق أسبوعية (لم يصيبنا الملل منها حتى الآن). مثلا يوم البيتزا العائلي هو يوم السبت (كان الخميس) تعدّ الفطور لوالديّ ثم تجهز العجينة لتختمر حتى المساء. نتناول غداء خفيف أو نكتفي بالتمر والقهوة، وفي الليل تُجهز كل المكونات في أطباق على محطة العمل التي تتوسط المطبخ ويجهز كل شخص البيتزا الخاصة به أو يطلبها.

  • نعرف يوم السبت أننا بحاجة لجبن الموزاريلا مثلا، والزيتون وصلصة الطماطم.
  • يوم الأحد العشاء دجاجة مشوية ومسقعة باذنجان وسلطة زبادي بالخيار.
  • الاثنين دجاج وخضروات وأرز بالجزر.
  • الثلاثاء ساندويتشات خفيفة.
  • الأربعاء شوربة وسلطة خضراء.

فهمتم الفكرة؟

هذه الطريقة تعني أن لا شيء يذهب دون استخدام، الخضروات المشتراه واللحوم، والمحافظة على نظام المطبخ ونظافته تصبح أسهل.

عادة لا نلتزم بالقائمة عندما نفكر في تجربة شيء جديد، مثلا اليوم سأعدّ السلطة بنفسي، وغدًا أجرب وصفة خضروات مشوية. لكن المكونات التي نشتريها لا تتغير وهذا سرّ التوفير والمحافظة على الخيرات.

* * *

خلال رحلة السوبرماركت تذكرت عادة تلازمني.

بعد الانتهاء من التسوق والوقوف لدى المحاسب أرفض أن يساعدني الموظف في إفراغ السلة. أضع الأغراض بالترتيب: المنتجات الباردة مع بعض، منتجات الحليب، الخضروات الطازجة، المعلبات الزجاجية، أكياس البقول والحبوب والمكسرات، الخبز، ثم انتهي بأدوات التنظيف أو العناية الشخصية.

استغل فرصة إفراغ السلة بتذكّر المشتريات ومراجعة القائمة، والموظف ينزعج ويرجع إلى مكانه. أحاول كل مرة شرح فكرتي بلطف. وأقاوم الاستسلام للمساعدة. قبل أسبوعين تقريبا وافقت أخيرا وسمحت للموظف بإفراغ العربة بدلا مني.

خلال تلك اللحظات شُغلت بهاتفي، ولم ألتفت للأغراض التي حُشرت على عجل وفوضى. وصلت المنزل واكتشفت بأنني نسيت غرضين مهمة. والدرس المهمّ: لا مساعدة من جديد. حتى لو بدا ذلك مريحًا.

أشياء لبداية الأسبوع

.

.

.

7 تعليقات على “القدرة على الإدهاش”

  1. اشتقنا والله لهذه التدوينات المنعشة
    امس وانا ارتب قائمة طعام هذا الشهر كنت افكر في تدوينة تنظيم وجبات الأكل والإستفادة من الأمور التي تجعل المطبخ اكثر متعة شكرًا لإنك دائما مرجعنا الأول وصندوقنا المدهش

  2. مرن عضلة التجارب الجديدة لتدهش نفسك.
    اعتقد ان هذه العبارة ستجد طريقها على لوح التخطيط بالثلاجة
    مرحبا هيفاء..
    تسئلني ابنتي دائما كيف لا اشعر بالملل وانا بالسوبرماركت، اظنها لم تقتنع بكلامي ولا يزال الامر يثير استغرابها لذلك سوف ادعها تقرأ تدويتك لتتأكد أنى طبيعية .
    كما اتفق مع جدوى الخطة الاسبوعية وبالتحديد تخصيص بعض الايام لتناول وجبات معينة، لاتزال بذاكرتي سمك يوم الخميس وكبسة وعصيدة الجمعة كطقس نشأت عليه، حيث يقوم والدي بالتسوق صباح الخميس بسوق السمك، وصباح الجمعة بحلقة الخضار وذلك قبل تغير ايام نهاية الاسبوع .

    حاليا اتبع ذات الطقوس مع اسرتي بتحديد كل يوم في الاسبوع لصنف معين، الان مع حلول الشتاء تتغير الايام والاصناف:
    فلدينا يوم الفطائر – pie، ويوم الكاري، يوم الحساء والسلطات الساخنة، ويصبح تحضير الكيك والمفن لنهاية الاسبوع روتين مقدس بالشتاء.
    ولكل من يخشى الملل اوكد له ان ذلك لن يحدث، فالمكونات والحشوات تتغير

    اما سالفة التسوق فالجميع يخبرني بما فيها موظفة الكاشير باني مهووسة وغريبة، ولا الومهم فانا التي تحمل المناديل المعقمة لتمسح مقابض العربة والسير قبل وضع الاغراض، ولطالما كانت عربتي مرتبة لذلك في معظم الاوقات يسئلني العامل قبل ان يحملها وأحيانا يبتعد عن عربتي وينتظرني بالجهة المقابلة ليقوم برص المنتجات كما تصله
    اعتقد ان هذا الهوس زاد بعد مشاهدتي لبرامج التنظيف ومفتشي الاطعمة ومعرفتي ان مقابض الابواب والعربات هي الاكثر تلوثا.
    وحتى اتفادى هذا الاحراج، اصبحت اتسوق في اوقات غير مزدحمة غالبا في الصباح، كما اعتمد سوبر ماركت واحد للتسوق الرئيسي (سوبرماركت الحي)، وأقدم بقشيش سخي للعامل ان التزم بتعليماتي.
    هذا منح الموظفين فرصة للتعرف على لذلك أجد منهم معاملة لطيفة وتوصية
    اخر زيارة قام الموظف بنفسه بمسح السير قبل ان اضع اغراضي
    سعدت حقا بهذه التدوينة شكرا لك
    الهام

  3. هيفا كيف اخبرك أني أحبك و أحب شخصيتك وأحب كتاباتك ؟ ❤❤❤❤❤
    من يوليو السنة الماضية سمعت بودكاست لك مع ثمانية 💜 و ألهمتني جدا
    و لليوم وأنا أتذكره جيدا و افكر فيه.. وأفتح مدونتك كل فترة و أستمتع بكتاباتك 💘
    بسببك دخلت عالم الكتب والقراءة وقرأت بسنة مالم أقرأه في ٢٣ سنة الماضية📚⭐
    ممتنة لوجودك… أتمناك حياة سعيدة وجميلة مثلك 🌸
    ..دمتي بخير وأنت الخير يا هيفا.

  4. حتى أنا؛ أميل إلى جمع الأغراض بنفسي، وتولي نقلها بالعربة إلى المقعد الخلفي بالسيارة (لا في الصندوق)، أحب تكديس الأكياس في الخلف وهي في قلب بعضها البعض (وكأني أخبئها) ذلك ليخف حملها عليَّ لاحقاً عند البيت. هنا أكتب التعليق العابر ميلاً إلى التواصل والتفاعل مع العابرين، حتى أنا؛ هذا صوتي وهذا تعليقي. شكراً لكتاباتك المهلمة المستمرة، بالتوفيق بالدنيا والآخرة، تحياتي.

  5. جميلة هي فكرة إدراج الوجبات الأسبوعية فهي كما تفضلتِ تحد من الهدر للمواد الغذائية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.