يحاول والدي منذ ثلاثة أيام إقناعي بتجربة ثمرة الأناناس التي اقتناها من أجلي. ولكنّني اتبع حدسي في الأكل لمدة، ويتكرر وقوفي في منتصف المطبخ، وفتح الثلاجة، والنظر للقطع اللامعة بعصيرها على شكل نصف دوائر مضلعة. أقفل الباب وأخرج فالمزاج يطلب شطيرة بيض وجبنة، أو مربى برتقال وجبنة، أو أفوكادو مهروس بالتوابل على خبزة محمصة. اليوم فقط قررت أنه وقت مناسب لتناول الأناناس، لاذعة، حلوة ومفاجأة. ومع قطعتين من الجبنة الدسمة كانت هي وجبة الغداء لليوم. يعبّر الآباء عن حبهم بطرق كثيرة –وعن غضبهم وامتعاضهم وخيبتهم كذلك–، وفي حالة والدي يفعلها بانتقاء الفواكه بيديه، أو زيارة المخبز المفضل، وحمل أكياس من الخبز الطازج، وشمع العسل، وآخر ابتكارات المحل من الزيتون والمربيات. كيف تشكره على ذلك؟ تأكل وتأكل ثمّ تأكل. لقد كان شعوري بالذنب تجاه حماسه وتسوقه هو الدافع للأكل. وأحيان كثيرة لا أجوع ولا أرغب بتناول صنف معيّن، لكنني أثقل نفسي بالذنب، وأمد يدي، ملعقة من هنا وملعقة من هناك. وصوته يتردد: كلوا منه قبل أن يفسد! احتجت لوقت طويل حتى تخلصت من شعور الذنب المرتبط بالأكل، هذا الشعور بالتحديد مرتبط بمشاعر سيئة أخرى صنعت بيني وبين الغذاء رابطة غريبة ومضطربة.
كيف تحررت تدريجيًا؟
وجدت مكان جديد اسمه التغذية الحدسية (يمكنكم الاستماع لتجربتي معها في حلقة بودكسات قصاصات الأحدث) ومعه أصبحت أقوى في وضع الحدود حول ما أحبّ أكله وما استبعده. التغذية الحدسية تمنحك القوة للوقوف للحظات أمام الثلاجة، أو الطبق، أو حتى رفّ الأطعمة في السوبرماركت قبل الشراء. تفكر بوعي: هل احتاج هذا؟ هل شهيتي تجاهه قوية؟ وهل هو جيد وصحي على المدى البعيد أو سيسبب لي مشاكل وتحسس؟ الكثير من الأسئلة السريعة والأجوبة ضرورية قبل تمرير اللقمة الأولى إلى معدتك. تحررت تدريجيًا من عقدة تناول الطعام لمجرد أنه هنا، أو سيفسد، أو سينفد. والآن عندما يعلن والدي بعد رحلة تسوق أو زيارة لمطعم أو مخبز عن مجموعة من اللذائذ، أشكره فورًا، أساعده في ترتيبها، واسأله هل يرغب بتناول شيء منها؟ ثمّ أؤكد له بأنّ أحدًا من أفراد العائلة سيستلذ بها خلال اليوم. وأنني حاليًا لا احتاجها أو سأعد منها طبقًا لاحقًا. هكذا إذا تمّ الأمر بهذه البساطة والوضوح، لأنّ أحدًا لن يعرف ما الذي تفكر به أو تحسه حتى تعبّر عنه.
العودة إلى ٢٠٠٩
بعد التدوينة السابقة وحالة الإحباط وانعدام الحماس التي غمرتني، بدأت البحث في نفسي وعدت لمذكرات سابقة وأحوال مشابهة –لم يكن البحث سهلًا بالتأكيد– لكنني قرأت وقرأت. وكانت رحلة ممتعة بالرغم من اضطراري لقراءة الجيد والسيء من الذكريات. الشيء الذي رددته بيني وبين نفسي: ما هي الفترة التي أحببتها من حياتك؟ وإذا أمكن حصرها في سنة واحدة أو سنتين فأي أعوامك الماضية ستكون؟ الفكرة هي: أريد مراجعة تلك السنة، عاداتي، اهتماماتي، علاقاتي، استهلاكي، قراءاتي. كل شيء يمكنني البحث فيه وإعادة إنعاشه اليوم سيكون مفيدًا. ووقع الاختيار على الفترة بين (سبتمبر ٢٠٠٨– ويناير ٢٠١٠) تلك الأشهر مرّت وكأنها حلم، أو رحلة ممتعة. كانت مغامرة اكتشاف للذات من النوع الممتاز. كنت أكثر اهتمامًا بنفسي من ناحية تنظيم الوقت والعمل. ومن جهة أخرى كنت مرحّبة أكثر بالعلاقات الجديدة، والتعارف، واكتشاف المدينة من وجهات نظر مختلفة. اليوم ذهبت للسوق بعد انقطاع طويل، ليس بسبب كورونا بل بسبب انعدام الحاجة لزيارة مجمعات التسوق لغرض غير زيارة مطعم، أو حضور فيلم في السينما. منظر الكمامات على الوجوه، وحرارة الجوّ، والتوجّس من اقتراب أحدٍ منك. رواية رعب غرائبية. قررت شراء قطع ملابس جديدة من تخفيضات مغرية، وعدت لشراء عطر حياتي الأول بعد انقطاع حوالي ١٢ سنة اكتشفت خلالها الكثير من العطور المميزة، التي استيقظت صباح أحد الأيام الماضية ونفرت منها جميعها.
أعود لهيفا ٢٠٠٩، تقرأ كثيرًا، وتنصت، وتبادر بلا تردد.
مختارات لطيفة لمنتصف يوليو
- جربت مطعم Treehouse في العاصمة يعتمد نظام Farm-to-table الذي أحبّه في كل مكان ولا أجد له شبيه بكثرة لدينا.
- استخدم منتجات R.E.N للبشرة وخصوصًا كريم النهار، أحبّ تركيبتها اللطيفة للبشرة الحساسة، ونظافتها مقارنة بالمنتجات الأخرى، أيضًا أحببت تسعيرة المنتجات المناسبة جدًا، وتوفره عبر موقع iherb.
- شاهدت سلسلة وثائقية ممتعة An American Aristocrat’s Guide To Great Estates، هذه السلسة تتبع سيدة أمريكية أصبحت جزء من عائلة ارستقراطية إنجليزية وتدير قصر العائلة وحدائقه. جولي بدورها تزور أقدم وأعرق القصور والقلاع التي ما زالت تحت إدارة الأُسر الأرستقراطية الإنجليزية، وتتعلم منهم كيفية إدارة هذه الممتلكات وكيف تبقي على مجدها السابق.
- زرت مقهى/مطعم Moonshell في الرياض، أحببت المكان جدًا، وتخصصه بالأطباق والمشروبات النباتية الصرفة جديد عليّ. خلال النهار اشتدت الحرارة في المكان وفكرت بأنني سأزوره المرة القادمة مساءً، أو عندما يصبح الطقس أفضل وأكثر اعتدالا.
- ضبطت وصفة المحمّرة –طبق المقبلات المفضل لدي– وأصبحت أعدها بكمية إضافية، وأحمل منها علب للأصدقاء.
.
.
.
مسائك خير وحب وسعادة وبركة هيفا
الله يطول بعمر الوالد، ويحفظه ويبارك له فيكم
يا الله فكرتيني بفترة من حياتي وكيف كنت ألوم نفسي وأعصب لما آكل شي مو صحي أو وجبات سريعة
ولكِ أن تتخيلي بتأثيره السيء عليّا باقي اليوم
وكيف فعلا بعد تطبيق (التغذية الحدسية) صرت أهدأ وأحلم مع نفسي
وفرق مرررة في أكلي كلياً وفي وزني ؛)
على فكرة أول مرة أعرف إنه اسم الحالة (التغذية الحدسية)!
راح اسمع الحلقة بإذن الله خلال الأيام الجاية
” هكذا إذا تمّ الأمر بهذه البساطة والوضوح، لأنّ أحدًا لن يعرف ما الذي تفكر به أو تحسه حتى تعبّر عنه”
لو طبقناه على كل شي في حياتنا، قد ايش راح تصير حياتنا هادية مريحة خفيفة؟؟
وقد ايش راح نحس بالتصالح مع نفسنا
حبيت كيف إنك بتدوّني ولكِ ذكريات عن كل سنة وفترة في حياتك ماشاءالله
نظام Farm-to-table شفته في مسلسل قبل فترة ولأول مرة كنت أعرف عنه
أحس طعم الأكل يكون غيير لذيذ بشكل غريب
من المطاعم اللي راح ازورها بإذن الله لو جيت الرياض
حلوة فكرة الوثائقيات 🙂
في وثائقي يتكلم عن أغرب البيوت حول العالم، طريقة التصميم فيه غريبة مرة تكون
خطر على بالي وأنا بقرا
The world’s most extraordinary homes
اممم ما كنت أؤمن بالمطاعم المختصة بالأكل النباتي بس جربت مطعم في دبي
(للأسف ناسية اسمه) وكان مرررة لذيذ الأكل
أنصحك ترجعي في وقت لطيف وحلو تجربي المطعم
هيفا أنا مرررة أحب المحمرة وللأسف ماتنباع عندنا بالطريقة اللذيذة
لما أسافر اسطنبول احرص تكون دائما متواجدة في طاولة الأكل ؛)
وتكون مررة لذيذة لما يكون فيها قطع مكسرات
شكرا لمشاركة الوصفة بإذن الله أجربها وأشاركك رأيي فيها
هنيالهم عائلتك وأصدقائك وبالعافية عليكم
تدويناتك لها طابع خاص كأنك بتتكلمي مع أحد الصديقات، قريبة للقلب
أحببت فكرة العودة إلى المذكرات القديمة و تفعيل بعض ما فيها لعيش أيام أفضل الآن
جعلتني أفكر كثيرًا بأهمية التدوين على مدار العام، كم أنه مفيد و يساعد على معرفة الشخص لنفسه، ما يحب، ما يكره. ما يناسبه، و ما لا يناسبه .. و أكثر !
شكرًا على هذه التدوينة الخفيفة و الثمينة في ذات الوقت 🌸
“يعبّر الآباء عن حبهم بطرق كثيرة –وعن غضبهم وامتعاضهم وخيبتهم كذلك–، وفي حالة والدي يفعلها بانتقاء الفواكه بيديه، أو زيارة المخبز المفضل، وحمل أكياس من الخبز الطازج، وشمع العسل، وآخر ابتكارات المحل من الزيتون والمربيات. كيف تشكره على ذلك؟ تأكل وتأكل ثمّ تأكل. ”
ضحكت من قلبي يا هيفاء، وصفك يصف أبي، وربما أغلب الآباء! أطال الله في عمرهم ورحم الميت منهم..
أحببت طريقتك في تغيير ردة فعلك تجاه والدك ، وجدتها من لطف إلى ألطف، دمتي لطيفة هيفاء..
ربي يحفظك.