قد يؤلم هذا قليلاً، حسناً؟

قرأت تعليق لإحدى المتابعات في تويتر تقول شيء بمعنى: إنك أول واحدة تمدح سنة ٢٠١٨. فكرت في كلامها قليلًا، وتذكرت لحظة خلال ديسمبر الماضي، كنت أتناول الفطور مع الصديقة مشاعل الدريعان وأحكي لها عن أكثر سنة مجنونة في حياتي، عن أكثر سنة بكيت فيها، وشعرت بالرعب، والخوف والخذلان، والبهجة والسعادة، وشعرت أنني حرفيًا أطير. نعم، كلّ ذلك في سنة واحدة.

خلال السنة بدأت نقلة مهنيّة جديدة، وسافرت لمدن أحبّها، وقابلت العشرات من الأشخاص الذي أعطوا حياتي معنى ولون جديد. فقدت الكثيرين إما بسبب غيابهم وابتعادهم أو بسبب رحيلهم من هذه الدنيا، عمتي الغالية التي ذهبت واقتطعت حصة كبيرة من طفولتي الدافئة، لقد عانت من الزهايمر قبل وفاتها وخلال أيام عزائها أعادت ترتيب ذاكرتنا وقلوبنا.

نجحتُ في إعداد وتقديم ملتقى للمستقلات على مدار السنة بالتعاون مع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، بحضور مبهج وفائدة عظيمة. كتبت كثيرًا في العمل وخارجه، ودرّبت في مجال كتابة المحتوى، تنظيم الأيام، والبحث عن إلهام.

خلال ديسمبر سافرت في عطلة قصيرة إلى لندن، علاقتي بهذه المدينة غير واضحة حتى اللحظة، أحب واجهتها العمرانية، مبانيها القديمة، وأناقتها، لكنني لا أحبّها في العمق. أقول لكل من يسألني: لا أحب المدن التي أحذر فيها كثيرًا، أو اضطر للركض والاختفاء ما إن تظلم الشوارع. لم أشعر بذلك في نيويورك مثلا، وكانت إحدى المتع التي اكتشفتها هذا العام: المشي في شوارعها مع ساعات الليل الأخيرة.

سنة استثنائية في كلّ شيء، حادة جدًا بين الفرح والحزن، وبفترات رمادية قصيرة.

اختبرت نفسي فيها واختبرت الناس، والأماكن، والقناعات.

ولو سألتوني اليوم (السادس من السنة الجديدة) ما الخطة؟ لا أعرف، وهذا مقبول، لا أحد يمسك العصا فوق رأسي ويطالبني بصياغة أهداف السنة الجديدة، تبدو الفكرة متكلفة جدًا ومرهقة. أقول لنفسي وأقول لكم، لا شيء مستعجل، ويمكنكم دائما البدء متى بدا ذلك مريحًا لكم. حتى لو كان في الشهر الحادي عشر!

حاولت تلخيص سنتي في تدوينة وفشلت، لكنّ فكرة تدوين أهم ما جعلها أجمل وأفضل من سابقتها كان مهمّ لي بشكل شخصي وقد يكون ملهمًا لكم.

لذلك وبلا إطالة هذه الـ ١٨ لـ ٢٠١٨:

١النوم الجيدلقد عاهدت نفسي من بداية السنة ألا أضحي بنومي لأي سببٍ كان، غفوت مثل الأطفال كلّ ليلة في وقت محدد، وتجاهلت مغريات السهر والمبالغة في العمل لوقت متأخر ما استطعت. أقول ما استطعت لأنني فشلت أحيانًا أو أصابني الأرق بسبب فكرة أو شعور مقلق. لكن، كنت دائما أعوض هذا النوم. عدلت أوقات تسليم المهام، والعمل، وأوقات الزيارات ورؤية الأهل والأصدقاء حتى تتواءم مع مشروع النوم الأفضل.

٢أقل جرعة ممكنةهذه حلقة پودكاست تشرح توجهي الجديد.

٣الإبداع التعاونيتخلصت من تفضيلاتي الشخصية بالعمل وحيدة على المشاريع، وقدمت لنفسي أعظم هدية باعتماد الإبداع التعاوني كتوجّه جديد. يمكنكم القراءة عنه أكثر في هذه التدوينة.

٤قول لاأكثراعتذرت عن مشاريع لا تشبهني ولا تشبه شركتي، اعتذرت عن مشاريع عائلية واجتماعية لأنها كانت ستمتص طاقتي وتثير الفوضى في أيامي. قلت لالتفضيلات الآخرين التي لا تناسبني، ولالنفسي أيضًا.

٥التركيز في اللحظةأكثر ما كان يشغلني عن التركيز في اللحظة هو التخطيط لما بعدها، أو تفسير ما لا يحتمل التفسير، أو للأسف النظر في هاتفي. خرجت أكثر وتركته ورائي، امتنعت عن التصوير بكثافة، واستمعت للآخرين واستمتعت معهم بكامل حواسي.

٦الاستمتاع بالتفاهةفي أذني ترنّ نصيحة إحدى الصديقات للاستمتاع بتفاهتي الخاصة، وكانت بالنسبة لي مشاهدة برامج الواقع الفارغة، قراءة مجلات أخبار المشاهير والضحك من النكت السمجة.

٧نقل المعرفةأحببت خلال السنة تدريب العديد من الشابات لبدء العمل في صناعة المحتوى، أو العمل بشكل عام. واستضفت في مكتبي خلال أشهر الصيف أختي الصغرى وصديقتها وكنّ خير العون وأضفن البهجة والمتعة في أيامنا جميعًا. أجبت أيضًا على عدد من الرسائل التي تصلني حول التدوين، العمل المستقل، والانتقال لمدينة جديدة، والبدء دائما.

٨التعبير عن المشاعر بوضوحلم أجد أجمل من وصف شعوري بدقة، والبكاء في العلن، والتصريح عن الألم والضجر والخوف دون استعارات أو كلمات بديلة.

٩المبادرة وإن أرعبتني:لا أقول أن النتائج كانت دائما كما أهوى، لكن المبادرة غيرت حياتي للأفضل.

١٠الاستسلام لحقيقة أن بعض العلاقات لها خاصية التطاير.

١١السماح للآخرين بمساعدتي والاتكاء عليهم.

١٢أعدت تصميم أيامي. (هنا تدوينة من ٢٠١٧ يمكن أن تفيدكم)

١٣أهديت نفسي رحلتين وحضرت مؤتمر إبداعي ومهرجان أدبي وثقبت ميزانيتي وبقيت بلا دخل لشهور متتالية لكنني أحببت أثر الرحلات علي.

١٤لم أبدّد جهودي ووقتي على مشاريع وعلاقات ضبابية بلا فائدة حقيقية. أو كما يقول الوصف بالإنجليزية: Not spreading myself thin.

١٥القراءات القصيرةلم اقرأ الكثير من الكتب هذه السنة، لكنني أحببت القراءات القصيرة سواء المقالات أو القصص والنصوص التي انتهي منها بسرعة. لقد ناسبت هذه القراءات نمط حياتي الحالي، وخلصتني من الشعور بالذنب تجاه مكتبتي المكتنزة.

١٦الصيام العكسيانهيت السنة بلا نقصان واضح في الوزن، لكنني لم أزد كيلو واحد عن وزن يناير الماضي. وأشعر بالامتنان لاعتماد نظام الصيام العكسي. مع قلة نشاطي الرياضي خلال عدة أشهر، وعدم حرمان شهيتي من أي نوع طعام. كان خيار الصيام العكسي خير الرفيق لضبط الأكل بشراهة ولتقليل آثار ليالي الولائم وأسابيع السفر واكتشاف موائد الأرض.

١٧الصمت المحببتخليت عن المشاركة في الأحاديث لمجرد المشاركة. واحتفظت برأيي عندما شعرت بأنّ التصريح به لن يغير شيء. خصوصًا في نطاق علاقاتي العائلية ومع الأصدقاء.

١٨الشراء بوعيفي نهاية العام أجريت جردة لاستهلاكي وما هي المنتجات أو السلع التي اشتريتها. سعدت بالنتيجة لأنها كانت محددة وجاءت بعد تفكير طويل. لم اقتنِ شيء وندمت عليه. هذا يحصل بالتهذيب وتغيير عادات الشراء والتسوق ولم يكن سهلًا أبدًا.

.

.

.

في أيام كثيرة أنسى أمرًا صعبًا شُغِلت عنه، ويباغتي في لحظة هدوء، مثل ضمادة جروح التصقت بجلدي ونسيتها طويلًا، ثم تُسحب فجأة،يقول لي صوت: قد يؤلم هذا قليلًا، حسنًا؟ ولا أملك إلا أن أوافق، اتخفف، واتخلص من العبء دفعة واحدة وإن آلمني ذلك. وهكذا كان عبور سنة أخرى من الحياة، أتمنى أن تحمل لي السنة الجديدة بشائر وقصص أجمل.

وأتمنى لكم المثل.

.

.

.

4 تعليقات على “قد يؤلم هذا قليلاً، حسناً؟”

  1. قرأت تدوينتك الجميلة وأراحتني عبارتك “لا شيء مستعجل ويمكنكم دائماً البدء متى بدا ذلك مريحاً لكم”
    لا أعلم كيف لي أن أصنف عامي السابق .. ربما رمادي !
    مع إنني أحب هذا اللون .. لكن لا يوجد الكثير غيرت وظيفتي وانتقلت لمرحلة جديدة و ودعت أناس لطفاء.. التزمت بجدولي في نادي رياضي ونظام صحي نوعاً ما .. لكن ما زال القلق والخوف يراودانني لا أعلم لما؟ شعور أن هناك جزء ناقص لا أعلم ما هو ؟ لكني ما زلت أبحث وأبحث وأنتظر

    أفتقد أمور كثيرة سابقة لم تعد متاحةً لي في جدولي المزدحم أعتقد إن هناك مشكلة بين وبين الوقت فهو دائماً لا يسعفني :/

    تقليل الضغط النفسي والإلتزامات التي ترهق بقول “لا” إذا لزم الأمر هو الحل الأول .. هو الحق لنفسك قبل الآخرين
    بالنسبة للإتكاء على الآخرين أتمنى أن افعل ذلك هذا العام فهو أمر معقد لدي :/

    وكما قلتي الإستمتاع باللحظة هذا الأمر يساعد على شحن الطاقة والإسترخاء هو أمر صعب لكن مع الإعتياد يمكن ممارسته بجدارة 👏🏼

    لا أريد الإطالة .. تمنياتي لك بعام جميل ولطيف ومليء بالإنجازات ..

    شكراً لك 🌸

  2. ٦–الاستمتاع بالتفاهة: في أذني ترنّ نصيحة إحدى الصديقات للاستمتاع بتفاهتي الخاصة، وكانت بالنسبة لي مشاهدة برامج الواقع الفارغة، قراءة مجلات أخبار المشاهير والضحك من النكت السمجة.
    النقطة هذه من ابرز التغييرات بالنسبة لي في ٢٠١٨، كنت قد قررت في بداية السنة بتنظيم وقتي و التخلص من كل المشتتات، بعد مرور اكثر من ٥ اشهر من الحرمان وجدت انه لا بأس بالتفاهات و الاستمتاع بقضاء الوقت على الانستاجرام و و و… طبعا من دون مبالغة.
    بعد ان ادركت هذه الحقيقة اصبحت اطلق شعري و البس الوان فرحة و اضحك بصوت مرتفع و اغني و ادندن اغلب الاوقات. الاستمتاع بالتفاهة امر اساسي لأحافظ على سلامة عقلي و روحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.