ربيع هادئ، متأنٍ وذكيّ!

هذا الأسبوع أنهي شهري الثالث في وظيفتي الجديدة. وبالمناسبة لا أدري إلى متى سأستمر بالعدّ، ربما سينتهي ذلك عندما أعود نفسي أنني عدت لانتظام العمل لدى الآخرين، وتخففت قليلامن رهبة البدء.

ألمح من شبّاك المكتب كل يوم وفي نفس الوقت الذي استعد فيه للخروج إلى المنزل، مهندس شابّ يحمل في يدٍ خوذته الصفراء ويمسك باليد الأخرى حقيبة على الظهر. ينظر إلى نقطة بعيدة في الأفق، ربّما بوابة الخروج من المدينة، أو يسرح بأفكاره عن آخر تعديل أضافه على المبنى. انتبهت له أول مرة في أسابيع العمل الأولى. في أيام يبدو شارد الذهن تمامًا، للدرجة التي تعجز فيها عن تحديد مكان نظرته. وفي أيام أخرى يمشي بلا تركيز وهو يتحدث على الهاتف، قد تكون مكالمة سعيدة يمكنك معها التقاط التماع عينيه وابتسامته التي يقاومها ليحافظ على اتزانه. حاسر الرأس دائما، وأصلع. لا أعرف هل هذا الصلع اختياري أم أُجبر عليه مع الوقت. تمرّ الأيام ويمكنني رؤية أثر العمل اليومي عليه. كيف؟ من لونه. خلال ثلاثة أشهر حمصت الشمس بشرته تماما حتى اختلط لون ذقنه الخفيف مع وجهه وسيحتاج الرائي إلى لحظات حتى يتحقق أين تبدأ لحيته وتنتهي.

لاحظت أيضا تبدّل ملابسه. في البدء كانت القمصان أثقل، وكان يزاوجها مع صدرية الجينز. قمصان مطبعة، قمصان مضربة، قمصان بنقط فاقعة اللون. ومنذ حلّ إبريل ودع الجينز والأقمشة الثقيلة وأصبحت أكمامه أقصر. أفكر ما هي إجراءات السلامة في موقع العمل؟ أليس من الأفضل ارتداء قمصان بأكمام طويلة؟ وهكذا كلّ يوم، أهدئ عقلي بعد حفلة شواء طويلة أقلب فيها الكلمات وأقطعها واستبدلها واستبعد المحترق منها. أراقب هذا المهندس الشارد وهو يودع يوم عمله. أقف خلف زجاج عاكس وابتسم.

* * *

هل فكرتم من قبل في قصة الدببة الثلاثة؟ أو العنزات الثلاثة؟ أو مسلسل المهابيل الثلاثة؟

طيّب إعلان بونكس: نظافة، ريحة، توفير؟

أو إشعارات السلامة عند حدوث الحريق: Stop, Drop and roll؟

ماذا عن ثلاثيات الكتب والأفلام؟

(أعدكم هناك فكرة هامة ستأتي بعد قليل)

سأترك لكم مساحة تفكير تستحضرون بها المرات التي لفتت انتباهكم عبارة مكونة من ثلاث كلمات، تصف منتج، أو فكرة وأحيانا لتؤدي نفس الغرض. عندما بحثت في الموضوع وجدت أنّ المسمى القاعدة الثلاثيةأو قاعدة الثلاثةوبالإنجليزية Rule of Three.

موضوع القاعدة هذه متشعب جدًا، وله جوانب كثيرة تفصلّها عندما يتعلق الموضوع بالقصص، والمسرح، والموسيقى. وأكثر ما أثار اهتمامي حقيقة، هو تأثير استخدامها في كتابة المحتوى التسويقي لجذب القرّاء ودفعهم للتفاعل مع ما تطرحه.

لماذا ثلاثة؟

ثلاثة هو أصغر عدد يمكننا منه تأسيس نمط تكمن قوته في عرض ثلاث عناصر بسيطة وواضحة وتمكنك من إيصال الأفكار المعقدة بشكل فعّال.

النمط الثلاثي هذا ينجح لأنه: قصير، لا يُنسى، وقويّ.

* * *

مخرج لنهاية الأسبوع

كيف تعزز انتاجيتك باستخدام القاعدة الثلاثية؟

عجينة بيتزا مثالية

مقالة: إبدأ قبل أن تكون مستعدًا

كتاب Save me the plums : مذكرات شهيّة

كيف تعرف ساعاتك الأفضل؟

أغنيات من ميادة، وسميرة سعيد رافقتني الأيام الماضية

.

.

.

رائحة صابون بعيدة

خلال يوم عمل مُنهك نظرت لانعكاسي في المرآة الصغيرة على مكتبي. وانتبهت للقميص الذي ارتديته ذلك اليوم. أحبّ هذا القميص كثيرًا، وانتظر بحماس عودته من الغسيل لارتديه مجددًا. أذكر بوضوح اليوم الذي اشتريته فيه، كنت في سفر وحقيبتي كلها مستعدة للخريف، لكن درجات الحرارة في نيويورك فاجأتني.

خلال أقل من ساعة وجدت نفسي في غرفة القياس لإحدى المحلات وفي يدي قميص مخفض (أذكر إن قيمته لم تتجاوز الخمسين ريال) اشتريته وتركت طبقات الملابس الأخرى في كيس المحل وخرجت للاحتفال بالحياة.

لم تكن هذه المرة الأولى التي اضطر فيها لشراء قطعة ملابس لحالة طارئة.

في سنة أخرى اشتريت حذاء لأن قدمي قررت التوقف عن العمل. وصار الحذاء صديقي لأربعة سنوات تالية!

هناك مظلات الأمطار المفاجئة.

وفساتين السهرة المفاجأة التي تأتي لتحلّ مشكلة ضيق الملابس (والملابس في الحقيقة لا تضيق بل نحن الذين ننتفش).

هناك حقائب السفر التي تسافر ولا تعود معنا لأنّها ببساطة أصغر من أن تكفي لجنون التسوق الطارئ.

والكتب التي يلحّ بعض الأصدقاء بتوصياتهم لاقتنائها وهي لا تشبهنا.

والقائمة تطول.

أما القاسم المشترك بينها كلّها هو الحبّ الذي يأتي طارئًا ويستمرّ حتى تلفظ هذه المشتريات آخر أنفساها. تصبح أهم من تلك التي خططنا لها.

عندي فضول لمعرفة قصصكم حول هذا النوع من المقتنيات.

* * *

في ليلة أرق ليست بعيدة ذهب تفكيري لجمادات المنزل.

الحقيقة أن الفكرة بدأت عندما لمحت بطاقة مغسلة الملابس على لحافي وكُتب عليها (القدس)، والقدس هو الحيّ الأخير الذي سكناه في مدينة الجبيل قبل انتقالنا للرياض. صحيح أن مغسلة الجبر هي المغسلة الأقرب لبيتنا الآن لكن ملصقاتها تحمل اسم الحيّ الذي نسكنه. من أين جاء هذا اللحاف؟ وكيف لم يستخدم خلال السنوات الأربعة الماضية على الرغم من تخففنا وتقليل اللحف؟

فكرت فيه أكثر، كيف كان يختبئ في الرف واللحف تذهب وتعود، تُغسل في الرياض وتعود لتجلس بجانبه. يقولون لك رائحة صابون بعيدة وغريبة من أين أنت؟ وهو يستجوبهم عن الحياة في الخارج. كم عدد ساكني المنزل الآن؟ وهذا الشعر الأبيض الذي يلتصق بكم، هل ما زالت القطة المزعجة هنا؟

هذه الأفكار ممتعة.

قضيت ساعات الأرق حتى غفوت وأنا أفكر في جمادات المنزل الأخرى. ملاعق غرفة الطعام الأنيقة التي ينتهي بها الحال إلى درج المطبخ بالخطأ، وتقابل الملاعق الضائعة والتي تعلوها الخدوش، وتسألهم عن عذابات الحياة اليومية، ويسألونها عن الضيوف، عن السيدات المتأنقات وأطباق الحلوى!

توقفت الأفكار عند أرائك الصالة التي ستسقط قريبًا لا محالة، والسجادة متعددة الألوان (كانت فكرة صائبة) وطاولة الطعام التي سأروي لكم قصتها الكاملة يومًا ما.

* * *

شهر مارس كان ممتع، مجنون، مليء بالاكتشافات، ولحظات الراحة المسروقة.

وعلى غرار تدوينات صديقتي الرائعة مها البشر سأسرد مباهج مارس أدناه:

طاحونة قهوة من Dēlonghi اقتنيتها بتوصية من مها

عيد ميلاد موضي للمرة الأولى ونحن الأخوات سوية منذ ٢٠١١م

رواية أغنية هادئة – ليلى سليماني

مطعم هندي (Bombay Bungalow) في دبي

مطعم ياباني (Akiba Dori) في دبي

سلطة شهية لأيام العمل

١٢ حساب على انستقرام لتحفيز الإبداع

كتاب الحياة السرية للألوان وحلقة بودكاست لقاء مع مؤلفته كاسيا سانتكلير

وثائقي من أربعة أجزاء عن هنري الثامن (لا أملّ من قصص هذا الملك)

العودة لاستخدام عطر قديم (سامسارا) من غيرلان (اطلق العطر للمرة الأولى عام ١٩٨٩)

الإنتاجية هي إدارة الانتباه

ماذا تفعل إذا أصابك الملل من روتينك؟

.

.

.

كنت وما أزال، ذلك المندهش الذي يحيا بالدهشة، ويبحث دومًا عن أسبابها طلبًا للمزيد من الدهشة: الدهشة بالدنيا، بالله، بالناس، بالمدن، بالأرياف، بما تراه العين وبما لا تراه العين. وعندما لا أندهش أحس أن خطأ ما قد وقع، فيّ أنا أو في الناس أو في الأشياء. وأبحث مجددًا عن السبب. ولهذا كان عليّ أن أكتب، وكان عليّ أن أترجم، وكان عليّ أن أرسم. كان عليّ أن أخوض بحارًا من الكلمات. بحارًا من الخطوط والألوان، وبحارًا من الأنغام لا تخوم لها. وكان عليّ أن أكثر من السفر ومن الترحال، وأكثر الحديث والنقاش مع الناس من كلّ جنس ولون، أساتذة وتلاميذ، زملاء وغرباء، خصومًا ومريدين. لكي أستمر في هذه الدهشة، وأستمرّ في محاولتي معرفة هذه الدهشة، ومعرفة أسبابها وأبعادها.

فأنا حياتي رحلة إثر أخرى من خلال الأزمان. فهي رحلات على مستويات مختلفة ولو أن هذه المستويات أحيانا سائرة آنيًا، في الاتجاه نفسه. وكان لا بد من إيجاد الوسيلة التي تبقي على سلامة النفس. وتبقي على يقظة الحواس، وهي التي تبقي على نبض الحياة الداخلية التي تتجوهر بها إنسانية المرء في بحث ما، وفي توق ما.

وإذا كان لا بدّ من أن ألخص هذا كله، أقول:

من المرارات المتعاقبة أردت استخلاص قطرتين من الحلاوة. من البؤس المتكرر أردت الانتهاء إلى وهج يعجز عن أن ينال منه أي بؤس. في زمنٍ مهشّم معذب أردت أن أتبيّن جمالًا يتخطى التهشم والعذاب. وبقدر ما انخرطت في زمني كان همّي أن أنتزع منه ما ينمّي شجرة الأمل بأن الإنسان سيخرج من ذلك كلّه منتصرًا لإنسانيته، ومنتصرًا لحبّه وممتلئا من نعمة الله وروعة الكونولن تنتهي دهشته، ولو أن بؤسه أيضًا قد لا ينتهي.

جبرا إبراهيم جبرا | من كتاب الاكتشاف والدهشة (حوار في دوافع الإبداع) لماجد صالح السامرائي

.

.

.

سبعة كتب مفضلة

يشهد تويتر خلال الأيام الماضية حركة نشطة لمشاركة الكتب المفضلة دون ذكر أسباب، أو شرح أو تقييم. ومع أنني لا أحب التحديات المتسلسة الطويلة إلا أنني فكرت في طريقة ذكية لقبول التحدي ومشاركة كتب مفضلة، في هذه التدوينة ٧ صور لأغلفة هذه الكتب. والتحدي مفتوح لمن يرغب بمشاركة كتبه السبعة المفضلة سواء من خلال التعليقات هنا أو في حسابي على تويتر.

.

الغابة النرويجية – هاروكي موراكامي

.

كل الأسماء – خوزيه ساراماغو

.

المرأة العسراء – بيتر هاندكه

.

القصص القصيرة الكاملة – غابرييل غارسيا ماركيز

.

السفينة – جبرا إبراهيم جبرا

.

في بلاد الأشياء الأخيرة – بول أوستر

.

الاحتقار – البرتو مورافيا

.

.

.

في انتظار الرّبيع

«كلما طالت فترة التخطيط دون اتخاذ إجراء، كلما امتدت مساحة الشكّ الذي يشغلك ويمنعك من التنفيذ»

مررت بالاقتباس أعلاه قبل عدة أيام وقضيت وقت طويل في تأمله. هذا الاقتباس يشرح الكثير عن حياتي حاليا. في كلّ شيء أعمل عليه أقضي وقت للتخطيط والاستعداد ثم يتسلل الشك إلى نفسي واتراجع عن الانطلاق كلما ازدادت هذه المساحة وأثرت على تفكيري.

يمر ببالي اسئلة مثل: هل هذه الفكرة جيدة فعلا؟ هل سأتمكن من المتابعة والتنفيذ؟ وفي حالات كثيرة أبدأ بتخيّل نجاحها أو فشلها فينتهي بي الأمر محبطة وأنا لم انطلق.

أتممت شهري الأول في وظيفتي الجديدة، مرّت الأيام بين التعلم والتوتر والاكتشاف. وتزامنت هذه البداية مع زيارة منى (أختي) للسعودية في إجازة هي الأطول من سنوات. أشعر وكأنني في فقاعة مؤقتة وجميلة. نقضي أيامنا بين ساعات العمل في النهار والخروج مساء لاكتشاف المدينة وتعريفها بالتغيرات المتسارعة التي نمرّ بها.

الفترة الماضية أيضا شهدت أعلى نسبة قراءات في الروتين الإبداعي، والكتابة، واستعادة الإلهام (إذا كان هناك شيء حقيقي اسمه إلهام).

في نفس السياق تقريباقرأت عن ٧ تغييرات في روتينك اليومي قد تساعد في شحن طاقتك الإبداعية

  • تحرّك، فالجلوس لفترات طويلة قد يحجب طاقتك ويشعرك بالكسل.

  • ابدأ العمل على مشاريع صغيرة، أضف مشاريع مصغرة لحياتك اليومية والتي قد لا يستغرق العمل عليها أكثر من ٢٠ دقيقة. غالبا كتابة سريعة أو مسودات الرسم Sketch والتي قد ينتج منها لاحقًا مشروع كبير أو فكرة أفضل.

  • قسّم مهام العمل إلى مقاس أصغر وقابل للإدارة والمتابعة.

  • ابدأ يومك بشيء تحبّه. وركز إلى أي مدى تحبّ هذا الشيء وما هي المشاعر التي تحيط بك خلال العمل عليه. قد يكون هذا الشيء التنفس بعمق، أو صنع فطور شهي ومشبع، أو مكالمة شخص تحبه. بدء اليوم بهذه الطريقة يهدئ أعصابك ويضعك في حالة استعداد لما سيأتي في بقية اليوم.

  • احترم طعامك (هذه النصيحة الطريفة التي تأملتها طويلًا). بدلًا من تناوله سريعًا وبلا تفكير. قدّره. وفكّر في الطريقة التي صُنع بها وجُهّز. هذا التفكير في العملية الإبداعية وراء وجبة طعام يهذبك ويعوّدك على التحليل والنظر للأشياء بطريقة مختلفة.

  • تحدّث بوعي واهتمام واختر كلماتك بعناية. هذا التمرين سيصنع منك كاتبًا أفضل. وفكّر أيضا في أن المحادثات فرصة لممارسة الإبداع.


استقبل مارس بكثير من الحماس!

هناك ورش عمل ومشاركة في ندوة تثقيفية لطالبات الجامعة، رحلة قصيرة ربما، وحلقات جديدة من بودكاست قصاصات بعد أن أرتب وقتي بشكل أفضل. أتبع فتات الخبز الذي تركته ورائي لأعود إليه كلما اشتدت فوضى الأيام وأتمنى أن أنجح في ذلك.


في مفضلة الشهر الماضي:

 

.

.