الأسبوع ١٨

استيقظت صباح الأول من مايو وعلى غير العادة امسكت بهاتفي المحمول لتظهر على الشاشة رسالة نصية من صديق نيويوركي كانت الرسالة مقتضبة جدًا وكافية لأفهم ما حدث: «هذا يوم حزين». قضيت دقيقة كاملة وفكّرت هناك أمر واحد تعنيه الرسالة، فصديقنا المشترك توفي في صيف ٢٠١٩ وبقي صديقنا الآخر* بول أوستر يصارع المرض من فترة. قلت لنفسي: لقد رحل أوستر بالتأكيد. فتحت المتصفح وكتبت اسمه وإذا بالأخبار تتوالى.

استدل على معرفتي به وقراءاتي الأولى من خلال مقالة نشرت في الاقتصادية، ربما كانت بداية القصة نهاية العام ٢٠٠٨ وبداية ٢٠٠٩. التهمت كتبه الواحد بعد الآخر خلال عدة سنوات ومن بعدها لم يبقَ من أعماله شيء إلا وزرته بالعربية أو الإنجليزية. لكنني أحب سرده الواقعي كثيرًا، أكثر من رواياته وقصصه. رحلاته ونظام عمله ودائرة معارفه كلها كانت محلّ اهتمام. وكلما سافر أحد أفراد العائلة طلبت منه عنوانًا أو اثنين سواء من كتبه أو قراءاته. أذكر أن أول** كتاب صوتي سمعته كان لرسائله وجي. إم. كوتزي وكلّ منهما يقرأ رسائله بصوته. في الكتاب نفسه عرفت بأنه لا يستخدم البريد الإلكتروني ولا يملك حسابًا على منصات التواصل الاجتماعي. وهي معلومة أكدتها زوجته سيري هوستفيدت في منشورها الأول بعد وفاته. أذكر أني كتبت شيئًا في تدوينة سابقة عن القوائم التي نبدأ بسردها في أذهاننا عند فقد أحدٍ نحبّه. وربما كانت هذه قائمتي!

الليلة السابقة لوفاة أوستر كنت اتحدث مع أختي عن شعور أجسادنا بالعمر وتأثيره عليها وتذكرت اقتباسًا في بداية «حكاية الشتاء» لأوستر، يصف شعور الأقدام على الأرض الباردة أو شيء من هذا القبيل. وقبل أسبوع من هذا اليوم كنت اقرأ بشكل عشوائي تدوينات قديمة أحبّها ومررت بتلك التي سجلت فيها مشاعري عند لقاءه في بروكلين!

حلمت كثيرًا بتلك اللحظة لدرجة أني قررت الذهاب لحيّه الذي يقطنه. حديقته العامة والشوارع التي تتخلل الحيّ كي نلتقي في صدفة مجنونة. لكنّ الأمنيات تتحقق بعد عشر سنوات بالتحديد من قراءتي الأولى. وقّع نسختي العربية من ثلاثية نيويورك والتقطنا صورة لطيفة سأحملها في ذاكرتي للأبد.

في أخبار أخرى انتهى شهر أبريل الذي ينافس في طوله شهر شوّال. كان شهرًا عاصفًا*** على جميع الأصعدة لكنّه جميل وممتع. استعدت فيه شهيتي للقراءة والاكتشاف ورتبت لعطلتي الصيفية القادمة وعدت للتدوين طبعًا.

كيف يبدو مايو من هنا؟

اشتركت في تطبيق أبجد للكتب الرقمية أخيرًا بعد عدة محاولات من الصديقات لإقناعي أن القراءة الرقمية مجدية وربما لأن مكتبتي لم تعد تحتمل المزيد من الكتب المطبوعة في الوقت الحالي. قد اتخفف من مجموعة كتب في نهاية السنة لكن حاليًا اخترت القراءة الرقمية وقيمة الاشتراك مذهلة مقارنة بما سأدفعه لشراء كتب ورقية جديدة.

استمتعت بقراءة مقالتين عن القراءة الجهرية ومتعتنا المفقودة عندما توقفنا عنها. أحبّ قراءة مقاطع من الكتب والمقالات أينما كنت أجلس بصحبة عائلتي أو الصديقات.

في كلّ شهر أجرّب إضافة عادة أو تغيير على نظامي الغذائي وفي مايو سأعود لنظام غذائي جربته قبل سبع سنوات وساعدني في اكتشاف الأطعمة التي تسبب لي الانزعاج في جهازي الهضمي ويظهر تأثيرها على جسدي بشكل عامّ. اسم النظام «Whole 30» وكتبت عنه في هذه التدوينة بالتفصيل. سأعيد التجربة لمايو استعدادًا للصيف في محاولة هي مزيج من تنظيف للنظام واكتشاف مذاقات مختلفة. الشيء الذي لن التزم به في هذه المرة هو استبعاد البقول والشوفان ومنتجات الحليب حيث إنها أساسية في نظامي الحالي.

نهاية الأسبوع قضيتها في قراءة الصفحات الأخيرة من رواية «الطباخ» لمارتين سوتر لا أستطيع القول بأنها رائعة جيدة وليست سيئة لكنّها ممتعة ومثيرة للفضول. يوم الجمعة ذهبت مع أخواتي لباليه بحيرة البجع – نعم أردت قول الجملة لأنها تشعرني بالسعادة. أن تذهب للأوبرا مساءً أو تحضر مسرحية أو باليه في مدينتك نوع من الترفيه الذي انتظرته.

أشاهد على يوتوب سلسلة ممتعة عن البيوت والقصور التاريخية في بريطانيا والتي ما زالت تدار من الأسر الارستقراطية التي أسستها وسكنتها أول مرة أو من أفراد العائلة الذين يتحدرون من تلك الأسر. تقدّم هذه السلسلة الفيكونتس جولي مونتغيو وهي سيدة أمريكية متزوجة من ارستقراطي بريطاني. كتبت عنها في تدوينة سابقة بعد مشاهدة سلسلة وثائقية مشابهة وها هي تعود من جديد عبر قناة متخصصة على يوتوب. الكثير من المتعة والاكتشاف وجمال المعمار والطبيعة ينتظركم!

*طلب مني صديق ذات مرّة أن أرشح له كتب لبول أوستر فهو لم يقرأ له من قبل ويرى أنني وهو أصدقاء مقربين. أخذت شهادته هذه على محمل الجدّ واعتمدتها. نحن أصدقاء!

**لدي شكوك حول صحة المعلومة هل كان هذا هو الكتاب الصوتي الأول؟ أو كتاب عن تيد هيوز وسيلفيا بلاث؟

***غمرتني المشاعر والأمطار خلال أبريل بشكل غير مسبوق.

.

.

.

٢٦ أغسطس

أنهيت مهام ليلة الأحد باكرًا اليوم وجلست للتفكير في التدوينة، بلا ضغط أو تأهب. أتذكر دائمًا مبدأ التخلص من الالتزامات وأذكر نفسي أن التدوينة الأسبوعية هذه ستكون تمرين كتابي جيّد في سباق المسافات الطويلة -إنجاز كتابي مثلا. كان الأسبوع قبل الأخير من أغسطس حافل بالعمل والزيارات والقصص. التقيت فيه عدة صديقات بعد عدة أشهر من الانقطاع وتبادلنا آخر الأخبار وتفاصيل الحياة التي لم نشاركها على منصات التواصل الاجتماعي.

وضعت من يدي كتاب حاولت جاهدة مواصلة القراءة فيه بلا جدوى! الرواية المكتوبة بطريقة مختلفة «خلية النحل» كاميلو خوسيه ثيلا فشلت في القبض على انتباهي. أحب الكاتب وأتابع المترجم وقرأت له عدة مرات. عندما يحبطني كتاب اتردد في اختياري التالي وأعود لقوائم مشترياتي القديمة وأنبش الرفوف. وفي المرتبة التالية: المقالات الطويلة التي تصلني في النشرات البريدية أو أحفظها في قائمة مفضلة لا نهائية. لديّ كتاب عن الخبز وآخر عن قطّ مفقود وثالث عن سلسلة جرائم في أوكلاهوما الأمريكية. سأنتظر بداية الأسبوع واتبع مزاجي أينما ذهب.

عدت لضبط موعد استيقاظي من النوم بعد فترة خمول ووجدت أن الحضور المبكر للمكتب وبدء العمل قبل ازدحام المكاتب المشتركة أفضل شيء اخترته لطاقتي وتركيزي.

قرأت خلال الأسبوع ضمن نشرة Brain Food فكرة مثيرة للاهتمام عن مفهوم التفوّق – أو ما يجعل بعض الأفراد متفوقين على غيرهم سابقين لهم. وأوجزت الفكرة تسعة أسباب لذلك أترجمها هنا:

  • الموهبة والذكاء. بعض الأشخاص أفضل وأكثر ذكاء بطبيعتهم.
  • العمل الجاد، فالبعض يعمل بجهد أكبر.
  • التفاوت في رؤية العالم بشكل مختلف. تجربة الأشياء المختلفة، قراءة كتب مختلفة، وتفسير المعلومات بشكل مختلف.
  • الانضباط والنظام. ويقصد به تصميم نظام للعمل والعيش والمواظبة عليه (التمرين اليومي مثلا).
  • اقتناص المواهب البعض لديه المهارة في توظيف أفضل الناس وتحفيزهم لتقديم أفضل ما لديهم.
  • الصبر. انعدام الصّبر يغير النتائج.
  • القدرة على تحمّل الألم. ما هو مقدار المخاطرة التي يمكنك تحملها؟ والأهم من هذا: هل يمكنك التعامل مع الخسائر؟
  • الطباع والحالة المزاجية والحفاظ على ثباتك عندما يفقد الآخرين عقولهم.

أشاهد حاليًا -ببطء- مسلسل Halt and Catch Fire.  المسلسل الدرامي الذي يقع في أربعة مواسم ويصوّر فترة ثورة الكمبيوتر الشخصي في الثمانينات وبداية شبكة الانترنت. أعادني المسلسل لأيام الدراسة ومقررات البرمجة البدائية. ولكن بصورة أكبر أثار بداخلي شغفًا خفيًا لبدء مشروع عظيم والسهر لتحقيقه. أحببت تطور الاحداث التدريجي وتعلقي بكل الشخصيات بلا استثناء وهذا نادر الحدوث! دائما لدي شخصية أو اثنتين مفضلة في سياق الأحداث. الكتابة رائعة ولدي استفهام كبير عن شكل نهاية المسلسل؟ لماذا لم يمتد لأبعد من أربعة مواسم؟ تبقى لي موسم ونصف تقريبًا وسأجد الإجابة.

اكتشفت قناة يوتوب مليئة بالفيديوهات الممتعة تقدّمها مطورة وصفات وطاهية بريطانية اسمها تيش وندرز. لديها أيضا كتب وصفات رقمية جاهزة للاقتناء. لكن اقترح عليكم أولا مشاهدة الفيديوهات والوصفات قبل الشراء. الوصفات مناسبة للطهي في المنزل والتقليل من الأكل خارجه. وأعطتني أفكار لذيذة لغداءات العمل.

.

.

١٧ فبراير

استذكر هذه الفترة اقتباس حول الكتابة لمارلين روبنسون:

«اكتب عندما تسيطر عليّ الرغبة في الكتابة بقوّة. عندما لا أشعر بذلك لا أكتب، لا أكتب مهما حاولت. حتى وإن أردت العمل على كتابة شيء من أجل الاستمرار فإنني انتهي إلى كره ما كتبته، وهذا يصيبني بالكآبة. لا أريد الانتظار حتى يحترق الورق ويصعد للخارج عبر المدخنة.»

اكتب كلّ يوم في مكانٍ آخر، بعيدًا عن مساحتي المفضلة لكنّها كتابة بشكل أو آخر حتى وإن لم تحمل اسمي أو مشاعري أو يومياتي. أكتب في دفتر للمذكرات وأقفز عدة صفحات عندما لا أشعر بذلك.

*

استقرّ معنى الشتاء في قلبي هذا العام بشكل كامل. الاختلاء بالنفس، الهدوء، التباطؤ، والكثير من الفوضى. مراقبة الطبيعة وهي تنفض عنها كلّ حليتها وتسكن حتى تمر العاصفة وتطهّرها بطريقة ما. هذا التذكير السنوي الذي تحدّثت عنه الكاتبة كاثرين ماي في كتابها Wintering الذي لم انتهِ من قراءته حتى الآن لكنّ اقتباسًا منه قادني إليه:

«لدينا مواسم نزدهر فيها ومواسم تساقط فيها أوراقنا، وتكشف عن عظامنا العارية. وبمرور الوقت تنمو مرة أخرى».

مع كلّ هذا التحول البطيء يظهر الصبر كقيمة جوهرية، قبل عدة سنوات وخلال بحث مطوّل عن قيمي التي أعيش بها وحصرها لأتذكرها كلما اشتدت الحياة وتحولت كان الصّبر يظهر بينها متكررًا بإصرار. كلما تسلل الشكّ إلى نفسي حول جدوى كلّ شيء أتذكر: الصبر الصبر الصبر.

وبينما كنت أكتب عن الصبر وصلتني النشرة البريدية الأسبوعية من جيمس كلير وضحكت من الاقتباس الذي توسطها:

«الصبر لا ينفع إلا إذا ربطته بالعمل.

أن تعمل على شيء + الصبر= النتائج

التخطيط للعمل+ الصبر= الانتظار فقط»

**

لو التقطت كاميرا علوية صورة لسريري خلال أشهر السنة ستكون المساحة الأكبر منه محجوزة لقطّتي. في الصيف تحبّ النوم على أقدامي ربما تظن أنها المنطقة الأكثر برودة في المكان، وربما هي كذلك. في الشتاء تبحث عن الدفء فتحتل الوسادة التي أصبحت لها بوضع المخالب! تبحث عن الدفء وتحاول استعادة ذاكرتها للحياة كما تعرفها. لكن لولو (Elle) لا تتصف بالوداعة دائمًا. لديها مسرحية ليلية مرهقة تتكون من فصلين أحدها “أدخليني” والآخر “أخرجيني!”.

لم تتوقف عن أدائها طيلة السنوات الماضية وأنا بلا مقاومة أحضرها أو ألعبها معها. هذه الأرجوحة المتحركة تذكرني بالحياة في العالم الخارجي، بعيدًا عن قطتي وبعيدًا عن سهراتها. المدّ والجزر في الحضور، في العلاقات، في العمل، في كلّ شيء. لا يمكنني الحكم على القطة فهي لا تمتلك قدرة متطورة على الانتباه والتحليل لتصرفاتها المتناقضة بين الرغبة في البقاء أو الرحيل.

***  

يقترب شهر فبراير من نهايته. قد تستسلم للفكرة المرعبة بأن شهران انقضيا في العام الجديد، أو ببساطة ستقول كانت شهرين رائعة من رعاية الذات ورفض ثقافة السباق وقوائم المهام التي يجب عليك إتمامها مع مطلع يناير.

ينتهي فبراير بالاحتفال بيوم التأسيس وعطلة قصيرة ممتعة، زواج لإحدى قريباتي، ورحلة مفاجأة بمزيج من العمل والاستجمام. سأقضي الأيام القادمة في الاستعداد لتحول الفصول ومشاريع إبداعية مؤجلة، بالإضافة للمزيد من التدوينات من وجهتي القادمة بإذن الله. هذه التدوينة عاصفة أفكار بسيطة بلا هدف واضح وربما هذه سمة الكتابة المحببة عندما تحضر ولا أقاومها.

.

،

،

،

Photo by Luca Severin on Unsplash

ضع حدودك وانعم بالسّلام

خلال السنوات الثلاث الماضية ظهرت لي باستمرار وبشكل يومي منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تشجع على وضع الحدود الشخصية واحترامها. بعضها كان لطيفًا وملهمًا والبعض الآخر مليء بالغضب والأوامر غير المنطقية لنا كبشر. نعيش في جماعات ونأنس بالآخرين ونحبهم. هذا التأرجح في عرض موضوع مهمّ وحساس يضمن لنا عيش الحياة بصورتها الأفضل دفع فضولي في اتجاهات مختلفة. مرة اتحدث مع الأهل والأصدقاء عن تعريفهم للحدود وكيف يفعلونها في حياتهم اليومية؟ ومرة بالقراءة والبحث عبر المصادر الرقمية ومشاهدة مقاطع الفيديو والاستماع للبودكاست. لا أعلم حقيقة ما الدافع وراء موجة التصحيح والتحول لعيش أطيب، هل كانت الجائحة التي دفعتنا للشعور بأننا نوشك على الانتهاء؟ هل كان الانفصال الاجباري عن الآخرين؟ هل دفعنا بطريقة ما لتحليل كل نواحي حياتنا واكتشفنا أن المسبب الرئيسي لكثير من مطباتها: نحنُ؟

لم أجد إجابة بعد، لكنني عثرت على كتاب لطيف واقرأ فيه على مهل منذ شهر أو يزيد. اسم الكتاب Set Boundaries, Find Peace للكاتبة نيدرا غلوفر تواب. قرأت عدة فصول منه باللغة الإنجليزية. ومع أن نسخة عربية صدرت خلال هذا العام إلا أنني لم اطلع بعد عليها أو جودة ترجمتها. تهدف الكاتبة عبر كتابها هذا إلى تعريفنا بالحدود الصحية، كيف نضعها؟ وكيف نحقق التوازن بين جوانب حياتنا المختلفة – إن وجد ذلك حقًا – وكيف نستمتع بعلاقات جيدة مع الآخرين.

الكتاب مقسم إلى قسمين رئيسيين:

الأول يساعدنا على فهم أهمية وضع الحدود الشخصية وأنواعها وتعريفها، والقسم الثاني مرتبط بالعمل الفعلي وكيفية وضعها.

يتبع كل قسم مجموعة من الفصول التي كُتبت بلغة خفيفة وواضحة ومؤثرة، وبعد كل قسم تمرين مخصص لمراجعة ما تعلمناه. أحببت طريقة الكاتبة في اعتمادها على إجابة الأسئلة كتابيًا وهذا في ظني يترك الأثر الأفضل على الانسان. أن ترى كل شيء مدونًا أمامك: اجاباتك الحقيقية والشفافة على الأسئلة الصعبة، واستعدادك للتغيير والتحسين. سأشارك معكم في الجزء التالي من التدوينة ما اقتبسته من الجزء الأول في الكتاب. أتوقع أن يثير حماسكم لاقتنائه أو اكتشاف الكاتبة عبر ما نشرته من مقالات وتوجيهات بهذا الخصوص.

لكن ماذا نقصد بالحدود؟

الحدود هي التوقعات والاحتياجات التي تساعدك على الشعور بالأمان والراحة في علاقاتك. تساعدك التوقعات في العلاقات على سبيل المثال على البقاء بصحة جيدة. تعلم متى تقول لا ومتى تقول نعم هو أيضًا جزء أساسي من الشعور بالراحة عند تفاعلك مع الآخرين.

متابعة قراءة ضع حدودك وانعم بالسّلام

١٠ استراتيجيات لتصبح قارئًا أفضل

كنت لوقت طويل مصابة بحساسية تجاه الأدلة الإرشادية للقراءة. كيف تقرأ؟ متى تقرأ؟ ماذا تقرأ؟ والأهم من هذا كله فكرة طقوس القراءة. ربما لأنني اعتدت القراءة لأسباب كثيرة من بينها: التعلم، والترفيه، والاكتشاف، والسلوى. ولم أقبل بوضع أيّ من هذه التوجهات في إطار محدد وخطوات معينة.

لكنني مؤخرًا مررت بمقالة للكاتب ريان هوليداي الذي وجدت في متابعته واكتشاف كتبه متعة عظيمة! وجدت فيه أيضا شخص عبقري في تصوير الأفكار وتنظيمها بالكتابة. هذه المقدمة التي بدأت بها لأشارككم ١٠ استراتيجيات اقترحها هوليداي لنصبح قراء (وأشخاص) أفضل. لم تكن مثل الطقوس المقترحة التي أنفر منها أو المقترحات المستحيلة التي تقيدني بسلسلة كتب أو مؤلفين. هذه الاستراتيجيات (أو الأفكار) ستجعل من القراءة رفيقتكم في كلّ وقت، وإذا كان لديكم أيّ شك في أثر القراءة على الحياة، ربما هذه فرصة جديدة للتحقق بأنفسكم.

بلا إطالة، هذا ملخص استراتيجيات ريان هوليداي التي ترجمتها عن الإنجليزية.

١-توقف عن قراءة الكتب التي لا تستمتع بها

يشارك هوليداي هذه الفكرة الهامة ويذكرنا بأننا نتوقف عن تناول الطعام الذي لا يعجبنا، ونتوقف عن مشاهدة برنامج تلفزيوني إذا كان ممل، وفي نفس السياق نلغي متابعة الأشخاص الذين لا يقدمون ما يفيدنا. لماذا نفعل ذلك مع الكتب التي لا تعجبنا؟

ويذهب أيضا لمشاركة قاعدة مثيرة للاهتمام تقول: اطرح عمرك من ١٠٠ لتحصل على عدد الصفحات التي يمكنك قراءتها وإذا لم تأسرك، انتقل إلى كتابٍ آخر.  الطريف في الأمر أن تقدمنا في العمر يعني أننا سنستبعد الكثير من الكتب التي لا تنجح بكسب اهتمامنا بعد عدد صفحات أقل.

٢-اقرأ كجاسوس

أول مرة أتعرف على هذا التعبير! لكن قصد هوليداي من إضافته أن نتعمد القراءة وننغمس في تفكير واستراتيجيات الذين نختلف معهم. حيث إن فرص التعلم متاحة ويمكننا من خلال هذا التوجه تعزيز دفاعاتنا تجاه من يخالفنا الرأي.

٣-احتفظ بكنّاشة

أو كشكول، أو دفتر ملاحظات، أو كتاب اقتباسات! سمّه ما شئت لكنه سيكون مكانك المفضل سواء كنت ترغب في العودة لما قرأته وتعلمته أو لتحسين كتابتك ودعمها بالمراجع والصور والمقتطفات الأدبية. يرى هوليداي أن الاحتفاظ بكناشة جعلته كاتبًا أفضل وشخصًا أكثر حكمة.

بالنسبة لي، احتفظ بدفتر مشابه منذ سنوات وكلما ملأت أحدها أرشفته وبدأت آخر. أسميه «دفتر كلّ شيء» وهو كذلك. لا يشبه مذكراتي اليومية أو مذكرة مهامّ العمل لأنها تحمل طابع محدد وواضح: يومياتي، أحداث موسمية، مهام عمل متكررة، وملاحظات اجتماعات.

دفتر كلّ شيء يحتوي على اقتباسات، وأسماء أماكن وأشخاص، أفكار ومقترحات من متابعين لتدوينات أو حلقات بودكاست، وأحيانًا مشاعر مرتبطة بنصوص أو مشاهدات. أودّ تصنيف وترتيب هذه الكناشات بشكل أفضل مستقبلا فهي الآن بحر من الكلمات والعبارات المتقاطعة.

٤-أعد قراءة الكلاسيكيات

قرأنا الكثير من الكلاسيكيات في عمر مبكر، سواء بشكل مباشر أو ملخصات لها، أو رواها لنا شخص يكبرنا، وفي حالتي شاهدت كثير من الاقتباسات لأعمال عظيمة على شكل فيلم رسوم متحركة أو مسلسل تلفزيوني. السؤال المهمّ الذي يطرحه هوليداي: هل تذكرها بشكل جيد؟ هل قراءتك لها آنذاك مثل اليوم؟

لا يمكننا الاعتماد على تلك التجربة، أو قراءة هذه الأعمال العظيمة مرة واحدة. لأن العالم يتغير بشكل مستمر ونحن نتغير ورؤيتنا لتلك الأعمال كذلك. يقترح هوليداي عليك قراءة الكلاسيكيات في كلّ مرحلة من عمرك. ويستشهد بقول هيراقليطس: «إنّك لا تعبر النهر مرتين». ولهذا السبب ينبغي أن نعود مرارًا وتكرارًا إلى الكتب العظيمة.

٥-اقرأ القصص والروايات

أعتقد بأننا شهدنا الكثير من النقاشات حول جدوى قراءة الروايات والقصص مقابل التصنيفات الأخرى. لستُ أنوي تحليل هذه النقاشات أو إعادتها أو إطلاق شرارتها في هذه التدوينة.

يتحدث هوليداي في هذا السياق عن الخطأ الذي يقع فيه القراء عند استبعادهم قراءة القصص والروايات Fiction وتفاخرهم بذلك. والتبرير الذي يقدمه هؤلاء بحسب قوله إنهم مشغولون جدًا وليس لديهم وقت للفن أو الخيال. ويقول إن القصص والروايات هذه مثلها مثل كل الفنون الرائعة، مليئة بالإضاءات التي يمكنها أن تغير حياتك. ويمكنها أيضا أن تعلمك أكثر من الكتب الواقعية حيث إن هناك أبحاثًا علمية ربطت بين قراءة الأدب وتقليل التوتر، وصقل المهارات الاجتماعية، وحسن التعاطف مع الآخرين.

٦-أطلب توصيات الكتب من أحبّتك

اعتاد هوليداي خلال سنوات مراهقته في كلّ مرة يتلقي بشخص ناجح أو مهمّ ويعجب به أن يسأله: ما هو الكتاب الذي غيّر حياتك؟ إذا غيّر كتاب ما حياة شخص -مهما كان موضوعه أو أسلوبه- فمن المحتمل أنه يستحق الانتباه. وإذا كنت سأذهب لأبعد من اقتراح هوليداي وعندما نستنفذ كل التوصيات في دائرتنا المقربة، أحبّ اكتشاف المؤلفات التي يضعها الكتاب والفنانون عمومًا حول مكتباتهم والكتب التي مروا بها هذه نقطة انطلاق أخرى.

٧-ابحث عن الحكمة لا الحقائق

يرى هوليداي أننا لا نقرأ فقط للعثور على أجزاء عشوائية من المعلومات بلا جدوى. نحن نقرأ للوصول إلى الحكمة الحقيقية التي يمكننا تطبيقها في حياتنا اليومية.

٨- لا تعتمد على تجربتك الشخصية في التعلم

يقول الجندي والفيلسوف الجنرال جيمس ماتيس: «إذا لم تكن قد قرأت مئات الكتب، فأنت أميّ وظيفيًا». يخصص هوليداي هذه الفكرة لتوضيح أهميّة الاستفادة من المعرفة التراكمية. إذا كنت حصلت على أموال مستثمر لبدء مشروع جديد لا تهدرها بتجاهلك أخطاء وتجارب رواد الأعمال الآخرين. هو يقول بوضوح: اختصر الطريق واستبعد الأخطاء المتكررة بقراءة تجارب الآخرين. ابحث في التاريخ، والأدب، والمذكرات وأدرس هذه الحكايات وتعلم منها حتى لا تكون مقصرًا.

٩- الكيف مقدمًا على الكمّ

قد تكون هذه هي فقرتي المفضلة! يشير هوليداي إلى الأشخاص الذين يدخلون في سباقات مستمرة بقراءة الكثير من الكتب دون الالتفات لمحتواها. لست مضطرًا لقراءة مئات الكتب، بل إن القراء الذين يضعون لأنفسهم أهداف للقراءة مرتبطة بالعدد ولا يتمكنون من تحقيقها يصابون بالإحباط ويتوقفون عن القراءة تمامًا. اقرأ بانتباه، اقرأ بعمق وبشكل متكرر وليكن هدفك الحصول على الجودة لا العدد.

١٠-تجاوز حبستك القرائية (أو أي حبسة أخرى)

يقول هوليداي أن الطريق للحكمة ليس مستقيما والرحلة طويلة وغير مباشرة وعاصفة ومليئة بالمنعطفات. قد تكون عالقا في منعطف أو حفرة ما على هذا الطريق. يسميه الركود، وأسميه حبسة! قد نمرّ في فترات إرهاق أو احتراق وظيفي أو أن إحدى مشاغل الحياة اعترضت طريقنا ونحن منغمسين تمامًا في تجاوزها.

يقترح هوليداي فكرة جيدة للخروج من هذا الركود وهو العودة لقراءة شيء مؤثر ومحبب. بدلا من التقاط كتاب جديد وعشوائي أو إجبار أنفسنا على القراءة في موضوع لا نحبه. نعود لكتاب لامس حياتنا وأثر فيها. كيف يمكننا قراءته بشكل مختلف اليوم؟ ماذا عن النصوص التي ظللناها والاقتباسات؟ قد يكون هذا الكتاب رواية مفضلة أو قصص قصيرة. لهذا الوقوف أثر طيب، الأثر الذي ذكرني به هوليداي وأعود له دائمًا: إنّ هذه اللحظات تشبه فتات الخبز الذي يربطنا بأنفسنا ويعيدنا إليها.

أحبب قراءة هذه الأفكار كثيرًا وأحببت ترجمتها بتصرف طبعًا.

أتمنى أن تجدوا فيها شرارة تعيدكم للصفحات أو تدفعكم للقراءة بشكل مختلف.

أتطلع للتعرف على استراتيجياتكم المشابهة، وإذا كنتم قد طبقتكم الأفكار أعلاه من قبل، كيف كانت النتيجة؟

الكولاج: جاكلين دي باركر

.

.

.