تدوينة لأطول ليلة في السنة

اكتب هذه التدوينة بعد نهاية أسبوع حافل. كل مرة أكتب هذه الجملة أفكر كيف كانت أسابيع هذه السنة حافلة بطريقة أو بأخرى؟ بالسعادة والغضب والحزن والدهشة والألم. لو مُدت لي دائرة تحليلية لكل مشاعر الحياة سأربطها بأيام هذه السنة وسأجد لها قصص مناسبة بالتأكيد.

لم أكن خارقة هذا الأسبوع، بقيت أمور معلقة وزيارات مؤجلة ودائما هناك وقت. هذا الأسبوع مددت ساعات يومي لاثنتين إضافية والمفاجأة كانت أن مسار العمل لم يتأثر! بقيت في فراشي حتى تركت نقشة اللحاف توقيعها على خدي. أتممت المهام، وأجريت الاتصالات وحصلت على وقت مستقطع للقاء صديقات وحضور اجتماع عمل عن بعد بينما مكائن القهوة تهدر خلفي. الجو لطيف في الرياض هذا الأسبوع ويذكرني بالأعوام السبعة التي قضيتها في المدينة. اللحظة التي حملت كل حياتي في صناديق ورق مقوى وودعت بيتي في الظلام والساحل الشرقي يبتعد ورائي. الرياض حلوة هذه الأيام بالفعاليات والاكتشافات والألوان والأضواء. كلّ يوم هناك شيء يشبهك إذا أردت البحث عنه. فعالية فنية؟ أمسية موسيقية؟ مقهى جديد في الحيّ؟ تخفيضات في محل أثاث تحبّه؟ كلها قريبة ومناسبة.

بدأت كتابة مسودة هذه التدوينة لأنشرها يوم ٢١ ديسمبر، الليلة الأطول في السنة وأول ليالي الشتاء. اليوم شاهدت تعليق من خبير الطقس المحلي يقول إن الليالي التالية: الثلاثاء والأربعاء والخميس ستكون الأطول في السنة. ما زال العنوان مناسبًا إذًا؟

كتبت تغريدة قبل عدة أيام عن أشياء عشوائية أحبها وفوجئت اليوم بالحماس والتعليقات عليها. وجدت لنفسي متعة اكتشاف ما يحبه الآخرون واقترح عليكم اكتشافها كذلك.

أحب أيضًا احتفال الأطفال بالقطط عندما تحضر لبيوتهم. أشاهد فيديوهات الآباء والأمهات وهم يحملون الكائنات الصغيرة بين يديهم ويمدونها لطفلهم فيقفز ويضحك وأحيانا يتأثر حدّ البكاء. لم يكن لقائي بقطتي لولو مماثلا، لكن أذكر تبنيها في بيتنا. عدت ذات عطلة قصيرة من الرياض وكانت في استقبالي مع أختي الصغرى. لا أدري أيهما ألذّ؟ أختي التي فقدت اسنانها الأمامية أو قطتنا التي تحاول المشي باتزان.

رفيقتي الوفية. لولو.

تجلس على وسادة ضخمة أحركها لها كل يوم مع تحرك بقعة ضوء الشمس في غرفتي، وكلما حجبت اشعتها كتل الغيم التفتت نحوي بمواء له نغمة التساؤل. تظن أنني خبأت الشمس عنها، تستمر بالمواء حتى تعود الشمس من جديد وتمدّ ذراعيها لاستقبالها.

على جواربي علامات ترشدني للفردة اليمنى واليسرى، حرفي L و R، اتجاهلها وأقلب الجوارب كلّ مرة. ماذا سيحصل إذا قاومت هذا الأمر؟ لا شيء طبعًا. أذكر نفسي بالانتصارات اليومية الصغيرة على الإطارات والقوالب. كيف تمضي أيامي؟ أحاول.

نهاية العام الماضي كتبت قائمة تشبه الامنيات للسنة كلها، لم أعد لقراءاتها أبدًا. خبأتها في كتاب سيرة ماركيز كتاب أنهيته قبل أكثر من ١٠ سنوات وكانت لدي رغبة طموحة في ترجمته. تبخرت. خبأت في أمنياتي وسأعود لقراءتها نهاية الأسبوع المقبل.

هل سأكتب جديدة؟ لا أعلم.

أشياء أحببتها هذا الأسبوع

  • تابعت عدة حلقات من مسلسل نيوزلندي من العام ٢٠١٩ بعنوان «الخليج» دراما وإثارة وجريمة. شدتني الاحداث وكالعادة أحب تفرد المسلسلات النيوزلندية والأسترالية. لها طابع مختلف لا يشبه الأمريكية التي اعتدناها.
  • جربت مذاقات جديدة لصلصات طعام شهية! جربتها مع مقرمشات وجبنة وفواكه ومرة أخرى في ساندويتش وبرغر. وجدتها في متجر Chopped في الرياض وهي من انتاج مزرعة عائلية في استراليا. الصلصات التي جربتها (البصل المكرمل، والفلفل الحلو)
  • قرأت هذا الأسبوع رواية قصيرة لسيلفيا أرازي بعنوان «الانفصال» لطيفة ومختلفة عن القراءات التي أنهيتها هذا العام. ذكرتني قليلا برواية «أربطة» لدومينيكو ستارنونه.
  • استمعت لحلقة من بودكاست مفضل Life Kit وكانت في مجملها تتحدث عن اللغة السلبية والخطاب المؤذي الذي نوجهه لأنفسنا وكيف نقاومه بشكل أفضل. أحببت أحد التقنيات المذكورة وهي: لنتمكن من إيقاف الصوت الذي يتردد بداخلنا يجب أن نتعرف على كيفية عمله. تقترح د. جوي أن نراقب هذه الأحاديث السلبية ونسجلها. اختر نصف يوم مثلا وراقب هذه الأفكار وقم بتدوينها. لاحقًا تحقق ما إذا كانت هناك أدلة تدعم هذا الحديث. ما هو الدليل الذي يؤكد هل أنت فعلا كسول؟ هل أنت فعلا غبي؟ هل أنت فعلا مكروه؟ وغيرها من العبارات التي نستخدمها مع أنفسنا على سبيل الأذى والتحقير. دوّن هذه الأشياء التي تنفي الحديث السلبي أو فكر فيها بنفسك. اليوم استيقظت في وقت مناسب وأنجزت مهامي كاملة يعني أنا لستُ كسولا. الحلقة كلها ممتعة ومفيدة واقترح عليكم الاستماع لها.
  • في الأيام التي أعمل برفقة أختي في مكتبها تقترح تجربة مكان فطور جديد، لا اعتمد يوميًا على احضار فطوري وأحب التغيير من وقت لآخر. مرة نتناول المناقيش ومرة أخرى ساندويتش جبن أو خضروات من مقهى. هذا الأسبوع جربت ساندويتش البيض الشهي من ارابيتا، مطعم ومقهى في الرياض.

Painting by Nora Heysen

.

السبت – ١٣ نوفمبر

وجدت على مكتبي صباح اليوم عدة أوراق من دفتر ملاحظات تحمل عنوان فندق زرته الشهر الماضي. كتبت في رأسها حصيلة أكتوبر كانت لتكون بذرة تدوينة أنشرها قبل أسبوعين ولم يحدث ذلك. حبسة الكتابة -والتعبير- تزورني مجددًا يبدو أنها مثل عدوى سنوية تأتي في موسم ثابت. صديقتي تقول ربما هذه المشاعر التي يسمونها ب birthday blues أو الحزن المصاحب لأعياد الميلاد. لم أشعر أبدا بالحزن في ذكرى يوم ميلادي حتى في تلك المرات التي حلّ فيها وأنا وحيدة وبعيدة.

هناك شعور بالتباطؤ وأنا اتجه لنهاية العام ما الذي يمكنني فعله في الأيام القليلة القادمة قبل أن تبدأ السنة الجديدة؟ إعادة تهيئة؟ كتابة قائمة أهداف مختلفة؟ أو الجلوس والانتظار؟ قدمت طلب إجازة للتخفف من الأيام الكثيرة التي جمعتها خلال عام الجائحة والتي لا يمكنني ترحيلها للمرة الثانية. تزامنت الاجازة مع بدء دورة للكتابة عن الفنّ أقامتها دار سوذبيز للمزادات بالتعاون مع معهد مسك للفنون في الرياض. كانت خمسة أيام منهكة وممتعة في نفس الوقت تعلمت فيها مزيج من المهارات الجديدة والقديمة لكن أكثر ما أسعدني هو التعرف على مجموعة من المتحمسين للكتابة والفنّ معًا. البعض جمعتني بهم منصات التواصل الاجتماعي أو ورش عمل قدمتها سابقا أو علاقات مهنية مشتركة.

انتهت الدورة يوم الخميس الماضي وحملت معي منا قصص جديدة ونظرة مختلفة. أما الكتابة التي خاصمتني لأسابيع تدفقت تحت ضغط التمرين والمشاركة. عرفتُ أنها نافذتي الوحيدة عندما أقفل كل نوافذ التواصل والاكتشاف وستكون دائمًا الهدية التي أشكر الله عليها كلّ حين.

ماذا عن أوراق الملاحظات التي حملتها معي؟ كتبت فيها نقاط سريعة وتأملات أنشرها هنا بلا تنقيح:

  • الجمعة ٨ أكتوبر، الميلاد والحفلة وحضور فيلم جيمس بوند الجديد وطقم الملابس المريح الذي اقتنيته ليذكرني باليوم. طلبت من أخواتي الكعكة التي أريدها بالتحديد: كعكة ميلاد تشبه كعكات السوبرماركت التي كان والديّ يشتريانها في الثمانينات احتفالًا بنا. أردت احتفالية بسيطة وغرقت في باقات الورود والأمنيات الطيبة والهدايا غير المتوقعة!
  • زرت مكة المكرمة وأديت العمرة في الأسبوع الثالث من أكتوبر. كانت هذه الرحلة برفقة والدتي التي شاركتني الانفصال عن كلّ شيء والتوقف وغسل أرواحنا. سأحتفظ بذكرى هذه الليالي حتى أعود إليها مجددًا. ولن أنسى اللحظة التي وضعت فيها جبيني على سجاد المسجد لتغمرني رائحة الورد وتمدني بالسكينة التي احتجتها لسنوات. قرأ الامام في صلاة المغرب حتى وصل «لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها» ووقعت في قلبي تمامًا.
  • نهاية الشهر زرت المنطقة الشرقية لحضور افتتاح موسم تنوين الذي ينظمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء». وصلتني دعوة الحضور بصفتي مدونة وحضرت مع مجموعة من العاملين في المجال الإعلامي. يمكنني ملاحظة الاختلاف بين المدارس التي ننتمي إليها. أنا جئت من مدرسة التدوين -إذا كان هناك شيء بهذا الاسم- وأشارك تجاربي وقصصي الشخصية في قالب مختلف جدًا عن الصحف والمجلات وقنوات التلفزيون والراديو. تعرفت على زميلات جدد وتبادلنا الأحاديث الممتعة خلال ساعات تنقلنا وحضورنا المؤتمر. كانت الرحلة هذه فرصة للقاء الأصدقاء بعد غياب امتد لسنة أو أكثر.

قراءات: انهيت قراءة رواية عمر طاهر «كحل وحبهان» ممتعة ولذيذة جدًا! وقرأت كتاب آخر عن أدب الرواية والكتابة غير الواقعية fiction بشكل عام للمؤلفة Alice McDermott بعنوان: What About the Baby? الكتاب يستعرض تقنيات متنوعة ويطرح أمثلة للتأمل والتحليل.

مشاهدات: وثائقي «دماء على نهر السين – بين فرنسا والجزائر» يحكي قصة أحداث مجزرة باريس عام 1961 التي نفذتها الشرطة الفرنسية ضد مئات المدنيين الجزائريين العزل.

.

.

.

الأربعاء – ٦ أكتوبر

على خدّي الأيمن تتسع رقعة ندبة حمراء، تشبه قرصة لكنني لم اكتشف الكائن الذي تركها على وجهي. لا تثير الحكة أو الانزعاج لكنها تظهر في مدى نظري وانعكاسي في المرآة. توقيت ممتاز لهذه القرصة أو الحبة مجهولة المصدر. تتوسط المسرح الرئيسي للاحتفال بميلادي القادم. «أهلا شكرًا لأمنياتكم الطيبة مني وصديقتي الحمراء هنا».

بدأت أسبوعي بحماس لزيارة المعرض مرة ومرتين وانتهي بي الأمر لإلغاء الزيارة والتمدد في فراشي لساعات حتى يعبر هذا الكسل والتعب. وإصابة ركبتي تهمس لي أنا هنا لا تنسيني. وخيارات المشي الطويل مؤجلة لرحلة قريبة وهكذا في غضون عدة أيام توقفت عن المران وأجلت فكرة معرض الكتاب والخروج من المنزل.

يوم الأحد كان لطيف بحضور الحفلة الموسيقية لعمر خيرت، هذه المرة الأولى لحضور حفلة موسيقية في الرياض. كل الحفلات التي رغبت في حضورها خلال السنوات الماضية تتزامن مع رحلة خارج المدينة، أو وعكة مفاجئة. كانت الموسيقى صندوق ذكريات، موسيقى تصويرية لطفولتي وسنوات مراهقتي الأولى. مقدمات موسيقية لمسلسلات، أفلام قديمة، والموسيقى التي تملأ فواصل الراديو في الظهيرة.

قضيت صباح الأمس بالكامل في الفراش وقطتي تحرسني. قرأت رواية قصيرة «المطر الأصفر» لخوليو ياماثاريس وترجمة د. طلعت شاهين. ذكرتني برواية «حياة كاملة» لروبرت زيتالر. هل الرابط ثيم العزلة والثلج والجبال؟ أو أنني أمر بمشاعر مشابهة لتلك الفترة التي قرأتها بها. لا أعلم. الكاتب يروي حكاية احتضار قرية صغيرة في جبال البرانس الاسبانية وبطريقة أخرى يروي احتضاره. أحببت حديث النفس الطويل هذا والمزيج بين الصحو وهذيان الحمّى. كانت مناسبة جدًا للقراءة في جلسة واحدة.

أعادت القراءة شهيتي للعمل بعد الظهيرة والاستعداد لورشة قدمتها مساء عن صناعة المحتوى الشخصي على المنصات الرقمية. كانت ورشة ممتعة سريعة وخفيفة وأحببت تفاعل الحاضرات واسئلتهم المنعشة. هذا التفاعل يخفف من شعوري بالروتين وتكرار المعارف التي أتقنتها منذ سنوات ويدفعني للتركيز على شيء واحد فقط: نقل المعرفة.

بداية الأسبوع قررت وضع مقترح جديد يساعدني وموضي -أختي- على اتخاذ قرار سريع في المشاهدة المسائية المشتركة. نهاية كل يوم بعد العمل والعشاء نجلس لساعة أو أكثر بقليل لمشاهدة مسلسل أو برامج منوّعة قبل أن تختلي كل واحدة منا بنفسها للقراءة أو النوم.

الدقائق المهدرة وأحيانا الساعات التي نقضيها لنتفق على شيء تجهدنا وتقضم الوقت المتبقي من الليلة. قلت لها ضعي جدولا! كل يوم من الأسبوع نحدد شيء لمشاهدته ونعتمد هذا الجدول كي نقتل الحيرة. نقترب الآن من نهاية الأسبوع والنتائج رائعة. لا أدري لماذا لم نفكر في هذا المقترح من قبل؟ يشبه الأمر تحضير جدول الوجبات أو إعداد الطعام وتحضيره لأيام الأسبوع.

أشياء طيبة لهذا اليوم

  • أنهيت عدة مهام عالقة هذا الصباح بسرعة فائقة والكثير من الصبر.
  • أفكر في اصطحاب نفسي للغداء يوم غد، والاحتفال بميلادي باكرًا لكن لن أقرر حتى أعرف قدرتي على ذلك.

Painting by Ramon Casas

.

.

الثلاثاء – ٢١ سبتمبر

مددت بساط التمرين على أرضية صالة النادي الخالية وتأملت كيف مزقته مخالب قطتي. لففته لأشهر مضت وأصبح وسادتها وكرة اللعب ودميتها في ذات الوقت. الثقوب التي تعلوه مضحكة وغير مبررة. الصالة تخلو من المتدربات في هذا الوقت من اليوم وإن احتجت في وقتٍ ما لتفسير هذه الثقوب سأفعل بكلّ حبّ. عدت بحماس للتمرن في النادي بعد انقطاع دام ستة أشهر! تعرضت لإصابة بداية السنة لم تحدث في النادي طبعًا لكنها ابعدتني عن كلّ الأنشطة الحركية التي أحبها. حتى المشي الذي أجد فيه السلوى وصفاء التفكير أصبح فقرة مؤلمة يليها ساعات من النقاهة.

خطر ببالي اليوم أن استخدم الكلمة المفتاحية: إصابة للبحث في المدونة وكانت النتائج مضحكة. مرة إصابات أقدام، ومرة أخرى رقبة والأخيرة ركبتي التي منعتني من أي أنشطة بسيطة كصعود الدرج بسرعة أو الصلاة على الأرض.  تعافيت بالتدريج على مدى الأشهر الماضية واختبرت قدرتي على المشي في نيويورك وبنسلفانيا والنتيجة ٢-٠ لصالح المدينة والمزرعة.

عدت للنادي والحمد لله تزامن ذلك مع عرض سخيّ بمناسبة اليوم الوطني سيمنحني ضعف مدة الاشتراك وهذه المرة أنوي الاستفادة منها جيدًا والحذر من الإصابات والمبالغة في إجهاد عضلاتي.

أحبّ كيف تحول كلّ شيء في حياتي للبطء. لم تعد السرعة تغريني في أي شيء. حتى فضولي الذي كان مستعرًا على الدوام هدأ فجأة. لن يفوتك شيء يا هيفا طالما كان مهمًّا وحتى هذه العبارة تحتمل عدة تأويلات تقودني دائما إلى: استمتعي بالبطء.

هذا الصباح أقفلت الصناديق التي ملأتها بالملابس الفائضة عن حاجتي للتبرع بها خلال الأيام الماضية. كانت الملابس في كومة هائلة لففتها بأغطية السرير القطنية حتى لا تتسخ.

اليوم غريب كنت أحدّث نفسي بعد أن جمدت بصري أمام الشاشة في محاولة لإتمام مهام الأسبوع قبل العطلة القصيرة. لم أتمكن من كتابة حرف واحد وعليه قررت أن أعود لقائمة مهامي الشخصية التي تنتظر الإنجاز. تجهيز وصفة للعشاء، جمع الملابس للغسيل، الرد على رسائل الهاتف والتفكير في تمرين الغد. هذا النوع من الانفصال قليلا من المهمة الأكبر يحفزني للتفكير بها بشكل مختلف بعد العودة إليها. فكرة تنجح دائمًا.

نهاية الأسبوع المقبل أكمل شهر تقريبا على اعتماد نظام غذائي ممتع –كتبت عنه هنا – اكتشفت أن الفكرة الأولية لم تكن صعبة كما توقعتها. الغذاء النباتي (مع منتجات الحليب والبيض) أسهل بكثير من التفكير يوميًا في قطعة اللحم أو البروتين الحيواني الذي سأضيفه لوجبتي. وفي نهاية الأسبوع أُشبِع هذا الجوع باختيارات أكثر جودة.

أحبّ تدوين اليوميات العشوائية عن تغيرات الحياة اليومية والعادات التي اتبناها وكيف تؤثر علي، ومنذ اعتماد هذا النظام أجد نفسي أكثر امتلاء ورضا وكلّ وجبة هي فرصة للتلذذ بإضافة جديدة.  

في هذه الأيام لاحظت تحسّن نومي بشكل ملحوظ -ما عدا ليالي اكتمال القمر التي تربكني جدًا – أغفو خلال أيام الأسبوع قبل الحادية عشرة والنصف واستيقظ الفجر بكامل وعيي ودون الحاجة لمنبّه. أقول لوالدي هذه الملاحظة ثمّ يعلق: هذا تأثير أذان المسجد الجديد الأقرب.

كان لدي الكثير من الحماس لتقديم ورشة عمل خلال سبتمبر، لكن عندما نظرت لجدولي وتذكرت كل الأشياء المؤجلة التي أود اكتشافها قررت تأجيل الفكرة قليلًا. أفكر في ورشة عمل مختلفة هذه المرة، ممتعة ومنوّعة وتطبيقية.

التوقيت السنويّ يقول أنّ هذه الأيام أيام الحصاد، وأنا أشعر بها جدًا. الجو اللطيف والمزاج الرائق برغم التساؤلات حول القادم من الأيام. أخطط لأشهر السنة الباقية وتخليت عن فكرة عطلة قصيرة كانت مشوقة ومغرية في البدء لكنها ستثقب ميزانيتي بلا رحمة. ولأجل نفسي أعددت هدية ميلاد مميزة انتظرها بحماس!

الأيام القادمة موجهة للاحتفال مع العائلة ضمن تقليد سنوي نجتمع فيه خلال عطلة اليوم الوطني ولقاء القريبات بعد فاصل اجتماعي ممتد منذ عيد الفطر الماضي.

أحب التخفف المعنوي والفيزيائي، أحبّ أنه يترك لي مكان لعبور الاكسجين والرؤية الواضحة. حاليًا أعيش أيام شعارها: الاستيقاظ من حلم طويل. لا أدري هل كان هذا الحلم كابوس؟ أو خيال تختلط فيه الحكايات الجيدة والمؤلمة؟ لستُ أدري.

الليلة سألتقي بصديقة لطيفة تعرفت عليها في نيويورك قبل عدة سنوات والتقيت بها هناك هذا العام، لم نجد فرصة للقاء في الرياض قبل اليوم واتطلع لذلك. سأعدّ للعشاء هذه البيتزا الشهية التي اتذكرها مع موسم التين دائمًا، وقد اقرأ قليلا لأنهي كتاب ممتع، وسأنام باكرًا لاستقبال آخر يوم عمل في الأسبوع!

.

.

.

اللوحة للرسام Urmanche Baki Idrisovich

الاثنين – ٦ سبتمبر

توقفت الكهرباء عن العمل لحوالي الساعة وفي نفس اللحظة التي غمرني الهدوء فيها تذكرت أنني أجلس على مكتبي لأكثر من ثلاث ساعات الآن واحتاج لفاصل راحة. توجهت للمكتبة واخترت كتاب لجوليا كاميرونThe Listening Path الذي بنته على كتابها الأشهر The Artist’s Way ويركز بشكل كبير على الاستماع. بدأت بقراءة المقدمة وخلال ٤٥ دقيقة فصلت نفسي تمامًا من مكتبي ومهامّي. عادت الكهرباء للعمل وعادت معها شبكة الانترنت وجهازي وتوقفت عن هذا الفاصل المنعش لأتابع مهامي.

كلّ يوم أعمل فيه من المنزل تسعدني هذه الفكرة، فكرة الفاصل الذي اقتنصه من اليوم لاكتشاف فيديو قصير أو قراءة فصل من كتاب أو اجراء مكالمة أو الرد على بريد. لم يكن هذا سهلا حتى قررت ذات يوم الجلوس لكتابة قائمة بالأشياء التي أحبّ تضمينها في يومي متى ما كان الوقت مناسبًا ولم أحدد الوقت كي اسمح بجمع أكبر عدد من الأنشطة.

كانت المفاجأة عندما أدركت أن الوقت الذي احتاجه لكثير من هذه الأشياء لا يتجاوز الساعة. اليوم مثلا مع انقطاع الكهرباء قرأت قليلا في كتاب لطيف، وفي يوم آخر استغل الوقت الذي اتركه بين المهام لقراءة مقال معلّق في المفضلة أو تصفح انستقرام قليلا.

ليلة البارحة كانت صعبة جدًا.

استيقظت صباح الأحد على وعكة هضمية شديدة اختبرت معها صبري. قضيت ساعات النهار نصف واعية لا اقوى على تناول شيء وأحاول عقد هدنة مع معدتي برشفات الماء. لم اعتذر عن مهام العمل ربما لأنني ظننت أن العمل ممكنًا. فوتت اختبار مهمّ والآن سأعيد جدولته. يوم أمس كان في بعد آخر هذا ما شعرت به لحظة وضعت رأسي على الوسادة قبل العاشرة مساءً. خفيفة بمعدة خاوية تمامًا ورأس خالٍ من الأحلام.  

لكثرة ما اصطدم مع معدتي الحساسة جدا على مدى السنوات الماضية أصبحت أعرف البروتوكول الصحيح لعلاجها. مرة يكون الأمر مجرد التهاب خفيف سببه القلق، ومرة أخرى يغضب قولوني العصبي ويعلن الاضراب، ومرات أخرى اتناول طعامًا سيئًا في مكان ظننت أنه يقدم الأجود من كلّ شيء.

الحلّ السريع في حمية BRAT وعناصرها (الموز والأرز الأبيض المسلوق، وصلصة التفاح والخبز) وأضفت لها الزبادي قليل الدسم.

عندما أعمل من المنزل احتاج إلى خلفية صوتية، واختار عادة برامج وثائقية لا تتطلب الكثير من التركيز وكبديل عن نشرات الاخبار التي ادمنت سابقًا صوتها. إذا كنت أعمل على ملفات أو بحث باللغة الإنجليزية اختار مشاهدة أو الاستماع إلى برامج عربية، والعكس عندما يكون العمل على مستندات عربية. يعمل دماغي بطريقة غريبة! وعندما يكون العمل على مراجعة ملفات باللغتين كمقارنة ترجمة أو تصويبها استمع للموسيقى الكلاسيكية حتى لا تشتتني أي من اللغتين.

الأيام الماضية صحبتني سلسلة «محطات موسيقية» من الجزيرة الوثائقية، واكتشفت معها أصوات وألوان موسيقية عربية مختلفة.

وبما أنني بدأت الحديث عن الوثائقيات بدأت مساء البارحة مشاهدة السلسلة الوثائقية The Boleyns: A Scandalous Family من انتاج BBC. الذي يعرفني جيدًا يعرف ولعي الشديد بقصة آن بولين والاحداث التاريخية التي تلت زواجها من هنري الثامن، وصعودها ونهايتها المفجعة.

افرغت خزانتي نهاية الأسبوع الماضي، أتوقع مجموع ما اخرجته يصل إلى ٧٥٪ من حجمها السابق. كانت عدة ساعات مليئة بالأسئلة والغضب: لماذا اشتريت هذه القطع؟ ما الذي كان يدور في بالي؟ من يعيد لي كل هذه المبالغ؟ كنت اضحك قليلًا وبعد لحظات يغمرني التأثر والقنوط. ما هي القصات المناسبة لي؟ ما هي الألوان والنقوش؟ كانت اختي موضي تعطيني التلميحات وتشير عليّ بأن أبقي هذه القطعة أو اتخلص منها. هذا الأمر كان مريح بالنسبة لي، أن اتخفف من مسؤولية التخلص من ملابسي عندما أفكر في قطعة منسية. الفكرة التي تسليني دائمًا خيارات التبرع بهذه الملابس وأنها ستجد بيت جديد ومحبّ.

تقول لي مرشدتي أن الثيمة الطاغية على حياتي حاليًا: التخفف وإعادة التأهيل. وأنا اتفق معها، ربما هو الاقتراب من ميلادي الموعد السنوي للتفكير في الحياة وكلّ شيء حولي؟ أو هو موسم الحصاد الذي أشعر به في خلاياي؟ كلها ممكنة ومناسبة لما أشعر به.

كيف كانت بداية أسبوعكم؟

.

.