يناير كان

رأيت في الحلم ليلة البارحة أني أفتش في رفوف المطبخ عن شوكولاتة Lion Bar ووجدت الكثير من اللفافات الفارغة والجديدة. بدأت يومي وأنا أفكر في الشوكولاتة وسبب ظهورها في حلمي. وهذه معلومة لا أدري إذا شاركتها معكم من قبل أو لا: أحبّ التفكير في أحلامي وتحليلها وأذهب لأبعد من ذلك وأسأل غوغل عنها كلّ صباح.

يناير كان شهر طيب بمقياس الحياة الحالية. كان فيه عمل كثير ومرح، وفرح، ورحلة قصيرة لجدة جمعتني بالأصحاب والموج والغروب. شحنت نفسي واستمتعت بقليل من العزلة بعيدًا عن المنزل الصاخب. تقول لي مرشدتي: تقفزين قفزات غزال طويلة وخفيفة! والسبب في هذا الوصف أنها لاحظت التغيرات التي مررت بها خلال السنة التي قضيناها سوية. أتممت مهامّ ممتعة وصعبة في نفس الوقت، قرأت عدة كتب أوصت بها لاكتشف موضوع جديد أو فكرة ناقشناها واحتاج لتفكيكها أكثر. أحبّ العمل الذاتي هذا، وسعيدة أنني في الوقت المناسب من الحياة قررت الالتفات لنفسي وعلاجها. خلال السنة الماضية مررت بعدة مواقف شديدة ما كنت لأتجاوزها بخفّة ووعي لولا أن مددت يدي لطلب المساعدة. لدي الكثير لقوله عن هذه الرحلة لكنني انتظر لحظة مناسبة ومكان أفضل للحديث عنها. بالعودة للأمس وأحلامي الغريبة اشتريت لوح الشوكولاتة المنشود وكنت أفكّر في روعة تحقيق الحلم بهذه السرعة! تخيلت إن الأحلام التي نراها تتحقق بسهولة زيارة السوبرماركت، وذهبت أبعد لأفكر: ربما كانت المشكلة أننا لا نفكك هذه الأحلام لأجزاء أصغر وأكثر قابلية للتحقيق. عدت للائحة طويلة من الأحلام وبدأت بتفكيكها إلى أصغر مكوناتها، وصولا إلى النية. وربما يجب ألا أقول إن النية مكوّن صغير فأثر البدء بالنية في النفس والحياة حولنا كبير لو تأملناه.

أعددت بالأمس شوربة الطماطم وسندويتشات الجبنة المشوية وجلست مع اخوتي للعشاء، هذه اللحظات التي نسرقها من أيام مجنونة لا نعرف رأسها من قدميها. خلال يناير قدمت الورشة الأولى (من الـ١٢ المخطط لها في هذا العام بإذن الله)، وبعد أسبوعين تقريبا أقدم ورشة فبراير. الشهر الأول كان عن تدوين اليوميات وهو وقت مناسب للبدء بهذا المشروع. سأنشر خلال الأيام القادمة نسخة ملخصة من الورشة صالحة للقراءة. أما شهر فبراير الحالي سيكون عن التدوين، البدء بالتدوين تحديدا من خلال ورشة مدتها أربع ساعات مناسبة لمن يرغبون ببدء التدوين من الصفر. كيف تبدأ مدونتك من الفكرة والاستراتيجية وصولًا لاختيار المنصة الرقمية المناسبة. يمكنكم التسجيل في الورشة من خلال المتجر الإلكتروني على هذا الرابط.

خلال الأشهر الماضية اعتمدت وحدة قياس للأيام والوقت، هذه الوحدة تركز على اللحظات التي اجتزت فيها حاجز خوف وهمي وضعته لنفسي، أو قفزة بعيدة عن منطقة الراحة. وما أكثرها من حسن حظي! قررت قبل أسبوعين العودة للتمرين في نادٍ رياضي خارج المنزل، وكان القرار صعب لكنّه ضروري لأنني بحاجة لأجهزة إضافية ومساحات وغرفتي ومساحة التمرين لا توفرها. اخترت فكرة ذكية بالاشتراك بعدد الزيارات وليس بالاشتراكات الكاملة المكلفة خصوصا وأن علامات الحجر تلوح في الأفق. كان تخمين صحيح فبعد إتمام عملية الاشتراك بأسبوع أُعلن عن إيقاف الحضور للأندية الرياضية لعشرة أيام -قابلة للتمديد. في اليوم الأول لحضوري قالت لي موظفة الاستقبال أنها سعيدة باشتراكي وترغب في إرشادي لغرفة أخذ القياسات وكتلة الجسم وما إلى ذلك. ابتسمت ورددت بلطف: لا أريد ذلك. تفاجأت وضحكت وقالت: تخافين من النتيجة؟ وأكدت لها: أنا أرى النتائج بوضوح في المرآة ولا أرغب في الوزن أو قياس الكتلة والعضلات والماء. وحاولت محاولة أخيرة معي بقول: لن تدفعي شيئًا مقابل الخدمة فهي من ضمن اشتراكك، وأجبت بحزم محاولة ألا أفقد ابتسامتي: لا شكرًا، ممتنة لتوضيحك كافة تفاصيل الاشتراك لكن لا احتاج أخذ وزني الآن أو بعد ستة أسابيع أو سنة.

 لم أرد أخذ المزيد من وقتها لشرح قصتي عندما تخلصت من الميزان تمامًا وتخلصت معه من مشاعر التوتر ومراقبة صعود وهبوط الأرقام. أصبحت علاقتي بجسدي أهدأ، ضاقت الملابس؟ انتبهي هذا يعني بأنك زدت من الأكل وقللت الحركة ولنعد الآن لوضعية الإصلاح. يكفي أن ارتدي ملابسي في الصباح، أو ألحظ اضطرابا في لياقتي لاعتمد إحدى طرق العلاج المجربة. الاسراف في الأكل والاسراف في الجلوس تتناقض وفكرة الأكل الحدسي والحركة اليومية وهذه الأفكار هي التي حققت أفضل النتائج في حياتي. قرأت في يناير أيضا بشهية مفتوحة ومتعة، قرأت “مستر غوين” لأليساندرو باريكو. الرواية التي يقرر بطلها التوقف عن الكتابة والتوجه للبورتريه ولكن بمفهومه الخاصّ. كانت رواية ذكية وممتعة وبرأيي أي تفاصيل إضافية عنها ستحرقها. وما إن انتهيت من روايته هذه مددت يدي لرواية أخرى له وهي “حرير” التي يعمل بطلها في مهنة مدهشة: تجارة دود القز وتهريبه من أقصى الأرض. أحببت الشاعرية والغموض والمساحات التي يتركها الكاتب لخيالي. ومن المؤكد أنني سأبحث عن بقية مؤلفاته خلال الفترة القادمة.

كيف كان يناير لكم؟ ما هي الاكتشافات الشخصية التي قادكم إليها؟ كتب قرأتموها؟ مشاهدات؟ أحب قراءة تعليقاتكم كلها -مع أن الوقت لا يسمح لي دائمًا بالرد عليها لكنها تسعدني وتلهمني جدًا.

.

.

.

أمسيات ذات معنى

نقضي حياتنا ونحن نلتقي بالآخرين لأغراض كثيرة، لكنّ السؤال المهم إلى أي حد هذه اللقاءات أو الاجتماعات تكون ناجحة؟ عندما ننوي دعوة مجموعة من الأصدقاء أو الأقارب غالبا ما نركز على أمور لوجستية، ما الأطعمة التي سنعدها؟ أين سيكون الجلوس؟ ماذا نرتدي؟ كم عدد المدعوين؟ ونادرًا ما نفكر في هذا اللقاء على مستوى أعمق، كيف يتواصل الناس مع بعضهم؟

قبل سنتين تقريبًا تعرفت على كتاب بريا باركر “The Art of Gathering” وكان اكتشاف مهمّ في حياتي، ومنذ ذلك الحين وأنا أبحث عن طرق أفضل لتحسين جودة التواصل واللقاء بالآخرين. سواء كان ذلك في اجتماع عمل، أو أمسية عشاء.

استمعت للنسخة الصوتية من الكتاب وهي متوفرة في موقع Audible وفيه كثير من التفاصيل والأساليب المدعمة بدراسات استندت عليها أفكار باركر لتصميم اللقاء المثالي. قبل أن أوجزها لكن أرغب بالتعريف عن بريا باركر لوضع خبرتها أمامكم وربطها بالكتاب الذي عملت عليه.

بريا باركر ميسّرة لقاءات ومستشارة استراتيجية قضت حوالي ١٥ عامًا في مساعدة القادة والمجتمعات على خوض النقاشات الجادة، والمحادثات المثمرة في مجالات مرتبطة بالمجتمع والسياسة والهوية والأعراق، كما تلقت تدريبا متخصصًا في حلّ النزعات.

يستند كتاب باركر على الأفكار التالية:

١- اللقاءات-أو التجمعات- مهمة جدًا للتجربة الإنسانية، لكننا نغفل التفكير بها بشكل جدّي ويذهب وقتها -للأسف- في اتجاه غير ملهم وأقل من عادي. وبدلا من التفكير في حلول أفضل لتحسين هذه التجربة، نستمر على نهجنا الذي أثبت عدم فعاليته.

٢- يعتمد اللقاء الناجح على وضوح الهدف منه لجميع المدعوين. لماذا تجتمع العائلة كل خميس في بيت الجدّ؟ لماذا يلتقي الأصدقاء مرة كل أسبوعين؟ لماذا حدد المدير الثالثة مساء الأحد لاجتماع الأسبوع؟ والقائمة تطول. الكثير من لقاءاتنا بُنيت على عادة، أو اختيار آلي، ومهما تقدم الوقت نستمر عليها دون مراجعة لجدواها ومخرجاتها. سيفكر القارئ هنا: لماذا علينا أن نجد هدفا لكل شيء؟ هل يجب تحديد جدوى ومخرجات للقاء عفوي؟ لماذا تصعبون الأمر؟ وسأقابل هذه الأسئلة بسؤال مهم: هل يهمّك وقتك؟ وأفكر أيضًا في الحفلات الاجتماعية التي يقيمها الناس لسبب تقليدي آلي وتكلفة عالية دون تفكير “لقد تعودنا على ذلك”. التفكير في سبب الاجتماع بعمق سيمنحنا خارطة للقاء ممتع. هل السبب هو إحاطة نفسك بأحبتك؟ إذًا عشاء حميم ومختصر سيؤدي الغرض. إذا كان الهدف هو التعرف على مستجدات حياتهم، اختر جلسة هادئة بلا صخب، وبطعام بسيط خالٍ من التكلف.

٣- استعدّ لاستبعاد بعض المدعوين من القائمة. تتحدث باركر عن نقطة درجنا على التفكير بها: كلما زاد عدد المدعوين، كلما كانت الحفلة ممتعة. وهذا للأسف مفهوم غير مناسب بشكل دائم. إذا أردت أن تحقق لقاءاتك هدفها المنشود، قد يعني ذلك اختصار عدد الضيوف وانتقاء الأشخاص الذين يشعرون بالانسجام مع بعضهم البعض. قد يكون ذلك صعب في البداية لكن مع الاعتياد ورؤية النتائج ستشعر بالحماس لتكرار ذلك. هذه الفكرة تذكرني بعلاقاتي وصداقاتي المتنوعة. قبل اللقاءات الكبيرة أتواصل مع المدعوين وأبلغهم بأن الهدف من اللقاء كذا، وأنّ س من الناس سيكون هناك، هل هذا مريح ومناسب لك؟ هذا التساؤل اللطيف قد ينقذك من حرج دعوة ضيوف لا ينسجمون مع بعضهم أو يفضلون اللقاء معك في ظروف مختلفة.

٤- المضيف الذي يمارس سلطته يدير لقاء رائع مقارنة بالمضيف المسترخي أو الكسول. والمثال الذي سيقرب هذا المعنى للأذهان بشكل جيد: نحن نفضل أن نترك للضيوف حريتهم في التصرف، ونأخذ مكانًا جانبيا بعيدًا عن إدارة اللقاء أو الحفلة. “اخدم نفسك” “اجلس في أي مكان” “عرفوا بأنفسكم إذا شئتم” وغيرها من الاقتراحات التي تعفيك من بذل مجهود لضبط اللقاء. لكن الكاتبة تقترح ممارسة “السلطة” بطريقة هادئة. اطلب من ضيوفك الجلوس بطريقة محددة حول المائدة، أطلب منهم التعريف بأنفسهم في حال التقوا للمرة الأولى، ساعد المترددين في المشاركة في مسار الحديث وتنقل بينهم بالتساوي. قد يبدو ذلك غير منطقي في البدء، لكنها أفضل طريقة لتمنح كل الحاضرين القدر نفسه من المتعة.

٥- وضع قواعد وقوانين واضحة للقاء أو الاجتماع سيحررك بشكل مدهش! والقوانين اكتسبت سمعة سيئة مع الوقت، فنحن عندما نقول قوانين أو قواعد نتذكر المدرسة، الوالدين، والضجر والصرامة. هذه سمعة سيئة لكنها ظالمة. إذا اخترت قوانين تحكم لقاءاتك بشكل ذكيّ ستحصل على تجربة ممتعة وخلاقة. لنفكر في بعض القوانين التي تعزز من تواصل الحضور وقد مررت بها في مناسبات عائلية وعملية عدة، منها الحد من استخدام الجوال خلال الجلوس والحديث. أو دعوة الضيوف لسرد القصص الممتعة والكلّ يشارك، أو رواية تجربة مؤثرة. هناك لقاءات أخرى تتطلب منك عدم التقاط الصور أو تسجيل الحديث لتكتفي بالحضور الكامل. من جهة أخرى ينبغي ألا نخلط بين هذا النوع من القوانين “الجيدة” والنوع الذي يتسبب بالضغط على الضيوف، كتحديد ارتداء لون ملابس معيّن! أو إحضار أطباق محددة حتى وإن لم يجيدون تحضيرها. أرجو أن الفكرة اتضحت لك.

٦- الاحتفاء بالضيوف واستقبالهم باهتمام سيحدد مسار اللقاء بالكامل. لا يوجد أجمل من دخول ضيوفك لمكان معدّ لاستقبالهم، وتحيط بهم مساحة مرحبة ومهيأة. استغرب أحيانا من المضيف الذي يحدد موعد وصولك، ويستعجلك أحيانًا وعندما تصل على الموعد تجده يجري في كل الاتجاهات، غرفة جلوس تعمّها الفوضى وكأنك داهمته بلا موعد.

٧- تصميم اللقاءات التي يظهر فيها الناس ذواتهم الأصيلة التلقائية ليس ممكنًا وحسب، بل سهل جدًا! هذه الفكرة الأهم بنظري وهي التي دفعتني لتضمين أنشطة مختلفة لإيجاد مساحة لقاء حقيقية مع الآخرين. أحد هذه الأنشطة استخدام الاسئلة العميقة ومشاركة الإجابات لتظهر جوانب مختلفة من حياتنا. يظهر خوفنا، يظهر ضعفنا، ويظهر استعدادنا الدائم للاكتشاف والتغيير. الأمر أشبه باستخدام الـ Prompts أو المحفزات للحديث. قد تكون أداتكم بطاقات ألعاب ذكية، أو موقع بـ١٠٠ سؤال للتعرف على الأصدقاء، أو تمارين كسر الجليد إنما أكثر حميمية. هذا كلّه سيحدث في جوّ عفوي عندما تبدأ بنفسك وتشجع ضيوفك على القيام بالمثل.

٨- ختام اللقاء مهمّ كبدايته. في كثير من اللقاءات تأخذ الأمسية منحى مختلف ويخفت الحماس فجأة. تشارك باركر مثال لتوضيح الفكرة في الحانات ينادي الساقي قبل موعد الإغلاق Last call! والنداء الأخير هذا يعطي الجميع فرصة للاستعداد للخروج، أو طلب مشروب آخر، أو إنهاء محادثة عابرة مع زائر آخر. بكلّ الأحوال هذا النداء يثير انتباههم لنهاية الأمسية. ويمكنك بالطبع تطبيق مبدأ النداء الأخير في لقاءاتك، خصوصًا إذا كنت تعاني من المشكلة الشائعة بعد تقديم العشاء: هناك الضيوف الذين يستأذنونك خجلًا ليغادروا بعد أن أعياهم السهر، وهناك من يفضّل البقاء والسمر. لعلاج هذا الموقف تقترح باركر شكر الجميع بعد العشاء، وابداء تفهمك لمن سيغادر، ودعوة البقية للانتقال لغرفة الجلوس بعيدا عن فوضى الطاولة. ذلك يعطيهم الإحساس بقرب موعد المغادرة. تذكرت تقليدًا محليًا بعد تناول الطعام، ألا وهو إشعال البخور ودورانه في المجلس بين الحاضرين، وغالبا هذه طريقة تنبيه لطيفة فـ “ما عقب العود قعود” والضيف حينها يعرف أن الأمسية شارفت على الانتهاء. هناك الكثير من الأساليب اللطيفة لإنهاء اللقاءات، وأحبّ كثيرًا اللقاءات التي يصلني في دعواتها موعد المغادرة بوضوح. كما أنّ استشعارنا الذاتي وإحساسنا بالآخرين سيجعلنا نفكر في الوقت المتبقي من يومهم وكيف سيقضونه.

بدأت أنا والصديقة مها البشر مع مطلع العام الماضي -٢٠١٩- أمسية شهرية نلتقي فيها ونتشارك مستجدات حياتنا، نطهو العشاء سوية، ونقضي وقت غنيّ بالتجارب والمطالعات. أحبّ هذا اللقاء لأنه مكثف وواضح المعالم، فلا نقضيه في الشكوى، أو الحديث السلبي عن الآخرين، وعندما نناقش ما يشعرنا بالضيق فلأننا نبحث بوعي عن حلول ذكية له. التزمنا بهذا اللقاء حتى داهمتنا جائحة كورونا مع بداية هذه السنة، وعدنا إليها تدريجيًا عندما سمحت الظروف لذلك. أحبّ موعد اللقاء مساء الجمعة، والأيام التي تقودنا له. أحب اختيار الوصفات ومشاركتها لنرى كيف تتفق أو تختلف فتعطي مذاقًا رائعًا. أحب تبادل الكتب، ومشاركة الصالون الدافئ مع أطفالها، أحبّ صحبتنا التي تشعرني بأنني “غنية” معنويًا. لقد جسدت هذه الأمسية قواعد باركر سواء خططنا لذلك أم لم نفعل. وأدعوكم لتجربة الاستماع/أو قراءة الكتاب وتطبيق مقترحاته بينما نعيش واقع جديد يفرض علينا اللقاء بشكل مختلف.

سأترككم مع فيديو لبريا باركر تجيب فيه على السؤال: كيف يمكن لنا أن نغيّر لقاءاتنا اليومية من أجل التركيز على صُنع مغزًى بالتواصل الإنساني؟

.

.

.

أزرق ممتد

لم أكن متأكدة بشكل قاطع من ارتباط حياتنا اليومية بالكوابيس التي نراها خلال نومنا، حتى توقفت مؤخرًا أحلام السيارة المنطلقة على الطريق وأنا مرتبكة أبحث عن حلّ لإيقافها أو قيادتها ولا أستطيع! أصبحت الأحلام أكثر وداعة، الآن هيفا تبدأ بتشغيل السيارة، تعرف أي الدواسات تستخدم، وتنطلق على طريق ولا تسقط من هاوية. والسبب؟ هو دروس تعلّم القيادة التي تلقيتها في مارس الماضي، أما الرخصة والاختبار ذهبت في النسيان مع إقفال كلّ شيء.

ما هو الكابوس الذي تخلصت منه في أغسطس؟ كوابيس البحر المائج. لقد فعلتها أخيرًا وركبت الماء وأقول الماء لأنني لم أكن في قارب، صغير كان أو كبير على امتداد حياتي. نعم عشت لثلاثين عامًا في مدينة ساحلية، لكنني كنت دائما على الساحل. لذلك ولدت كوابيسي، من المدّ الهائل، للموج الذي يغمرني، للظلمة الممتدة وأنا لا أسبح ولا أغرق. نعم أنا واعية للتفسير خلف رموز الأحلام، وربما هي مسائل من الحياة لكنها تظهر على شكل بحر، أو أسد، أو حتى عنكبوت. لكنني تخلصت من كابوسي الحقيقي، وقضيت عدة أيام في البحر. كانت مثل حلم هادئ. وقد تخوفت من احتياجي لعلاجات الغثيان لكن الموج كان لطيفًا. وأدرك اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى إلى أي درجة أحب البحر. وإلى درجة احتاجه في أيامي. وستة أشهر بعيدة عن رؤيته أصابتني بشوق غريب. شوق الذي يغمض عينيه ويرى أزرق ممتدّ في كلّ مكان، ويسمع صوت نوارس ولا يراها في مدينته الصحراوية.

ركبت البحر وحصلت على عدة ليالٍ بعيدًا عن المنزل وهكذا كسرت تعهدي بعدم الذهاب إلى أي مكان حتى تنجلي الجائحة أو يُعرف لها علاج. كانت الرحلة مزيج من عمل وترفيه، ولكن أيضًا كان لديّ خيار رفضها أو تأجيلها. لم أفعل. وتزامن ذلك مع قراءة لمقالة صادفتها في هارفارد بزنس ريفيو خلال أغسطس الماضي.

المقالة في المجمل تتحدث عن ضرورة الحصول على إجازة، حتى في هذه الظروف، وتطابقت أفكار المقال مع ما بدأت ترويض نفسي عليه: لن تكون الرحلة كما خططتِ لكّنها فرصة لتغيير المناظر والبشر.

في المقال نصائح متفرقة عن كيفية تحقيق هذه الخطة، ومن الممكن ألا تكون سفر بالمعنى الحقيقي (ركوب طائرة، أو قطار، أو سيارة) قد تكون ليلة في فندق قريب في مدينتك، أو نهاية أسبوع بصحبة أقاربك. المهمّ هو ألا تتنازل عن فكرة الراحة والاستجمام.

أغسطس كان شهر اليقظة، أن أكون منشغلة تمامًا بشيء، بعيدة عن منزلي وأشيائي المألوفة، عن زاوية التأمل التي أقضي بها نهاية النهارات، ثم يغمرني شعور هائل، أريد أن أعود الآن للمنزل، أريد أن ابدأ شيء، أن انتقل لمكان، لا أعرف ما هو لكنّه شعور موجود وملحّ لتغيير كلّ شيء. هل سبق وشعرتم بهذا؟

هل كانت هذه حصيلة الخروج الأول للحياة؟ حصيلة إيقاف القلق والهلع للحظات لنتخيل العالم بلا جائحة؟ نلتقي بأحبتنا ونتذوق أطايب الحياة، نتسوق ونمشي في ضوء الشمس، نتأمل أضواء المساء في مدينة بعيدة. نعم قد يكون هذا هو السبب، كنت فقط بحاجة للنوم ليلة واحدة بعيدًا عن حبسي الفيزيائي والمعنوي.

الرفض والبدء من جديد

تزورني كثيرًا فكرة الرفضهذا الشعور الذي يأتي بمثابة حاجز، أو تحويلة إجبارية في الطريق. ونحن، إما أننا نواصل ونقاوم هذه العقبة أو نستسلم ونعود أدراجنا. والرفض يأتي بأشكال كثيرة، فهو مرة مقابلة عمل تحولت إلى منحدر ورسالة إلكترونية تفيد باستبعادك. ومرة صمت ممتد لا يمكنك تفكيكه أو فهمه بطريقة أخرى غير أنّه رفض متأنق. قد ترفضنا العلاقات وتنتهي، وقد تستغني عنّا جهة العمل فجأة وبلا إنذار. كلّ هذه المواقف رفض. وبعد أن مددت خطتك ورسمت كل اتجاهاتها بحذر يأتي الرفض وكأنه طفل مشاغب، يقلب كلّ شيء ويقول: هاه ماذا ستفعل الآن؟ في كثير من المرات شعرت بأنّ الرفض نهاية كلّ شيء، واحتجت لوقت طويل لاستيعاب طريقي وخطتي من جديد. لكن، مع العمر والتقدم في الحياة واكتساب الخبرات، قررت أن أمنح نفسي وقفة قصيرة فقط لإعادة التهيئة والانطلاق من جديد. وفي أحيان كثيرة ويا لدهشتيكان الرفض أجمل عقبة وجدتها في طريقي، ورضيت وقنعت بأقدار الله، لاكتشف أنني ما كنت لأرى هذا المنظر الجديد، ما كان لي أن أجد ضالتي لو لم يكن الطريق مقفلًا في وجهي للحظات.

صحيح الرفض متعب، ومخجل أحيانًا سأستطرد قليلًا هنا: تذكرت رسائل الإعجاب التي بعثتها لأشخاص لم أجد منهم سوى ردود غريبة أو مجاملة سببت لي المغص بدلًا من الفرح ودارت الأيام وتقاطعت طرقنا في عمل أو علاقات مشتركة. كيف تتوقعون أنني تعاملت مع الموقف؟ نسيت رسائلي تمامًا. كان الرفض موجعًا وقتها، لكن الآن أفكر بجدية: الحمد لله أنّ الرد لم يكن بالقبول والموافقة، ربما لم نكن متوافقين تمامًا، وربما كانت تصوراتي الحالمة عن هذا الشخص هي ما قادتني بالدرجة الأولى لكتابة الرسالة. وعلى أيّة حال، لم تتغير فكرتي عن المبادرة، وربما سأفعلها مرة واثنتان وثلاث.

ما الذي وجدته مفيدًا للتعامل مع كلّ أشكال الرفض؟

  • الوعي بمشاعري والاعتراف بها، لا أهمشها ولا أقمعها ولا أقاومها بشدة. إذا كنت حزينة، أو خجلة، أو محبطة، أواجه كلّ شيء وأعطيه مساحته. ثم أنهض من جديد.
  • إذا قوبلت بالرفض هذا لا يعني النهاية، كوني أصل وأقف عند الحاجز يعني أنني أقدمت بطريقة أو بأخرى، دفعت نفسي إلى مداها، وهذه العقبة ليست إلا دليل على شجاعتي مهما كان الموقف.
  • أعامل نفسي برفق، واستبعد التقريع والكلام المؤذي معها. ودائمًا أتذكر النصيحة التي تقول: عامل نفسك وكأنها صديق تحبّه جدًا وتثق به. هل ستقابلها بالأذى الدائم والبذاءات؟ لا أعتقد.
  • الرفض الذي أواجهه والعبارات والأحاديث المصاحبة لهذا الرفض لا تمثلني بالكامل. قد تكون مرتبطة بجزء من شخصيتي، الجزء الذي اخترت إظهاره في تلك اللحظة. وسواء كان الرفض من وظيفة أو علاقة، يجب ألا يحدد هذا الموقف تقديري لذاتي ونظرتي لها.
  • أتعلم من هذا الرفض درس للحياة. ومثل أيّ تجربة أخرى، يصبح الموقف بوصلة يحدد خطواتي القادمة وما الذي يجب عليه فعله للتقدم إلى الأمام.

انتصار مهمّ

أحبّ خوض مغامرات وتحديات مع جسمي، أعرف أن الله وضع قدرات هائلة في أجسامنا وعلينا اكتشافها بكلّ الطرق. تارة يكون التحدي نظام تغذية جديد، أو تمارين مختلفة، وتارة أخرى يكون التحدي مع الساعة البيولوجية وكيفية ضبطها لتناسب طاقتي وأهدافي اليومية. أعرف مثلًا أن البقاء يقظة بعد الساعة ١٢ صباحًا يرسل جسمي في اليوم التالي في رحلة فوضوية من الكسل والضياع. لذلك اعتمدت الاستعداد للنوم قبل ١١ مساء، والانشغال بأي نشاط يبدّد آخر ما تبقى من طاقتي، سواء قراءة، أو تدوين يوميات، أو مكالمة هاتفية.

ما هي المشكلة التي واجهتها الفترة الماضية؟ أن وقت صلاة الفجر يصادف غرق في النوم العميق، وما من سبيل للاستيقاظ بهدوء لأن المنبّه يفزع كل خلية في جسمي، وأوفر هذا الفزع لموعد الاستيقاظ للعمل عادة. لكنني ما زلت أعمل من المنزل لليوم وساعتي البيولوجية توقظني حول الثامنة والنصف بلا منبّه.

احتجت لإضافة تنبيه بيولوجي جديد، بدأت بمنبه بصوت خفيف وبعيد في الغرفة، يصل لعمق نومي وكأنه نداء خافت. واستيقظ في نفس الوقت لعدة أيام. ثمّ توصلت لفكرة شرب السوائل في وقت متأخر قريب من وقت الغفوة، وأصبح جسمي يوقظني في الرابعة والنصف أو بعد بقليل. لقد انتصرت! حدث الأمر بمرونة وهدوء والآن أتممت الأسبوع الأول من الاستيقاظ للفجر بلا منبّه.

ماذا أحببت في أغسطس؟

.

.

.

١٢-١٩ أبريل

١

خلال الأسبوع الماضي شغلتني فكرة صغيرة. وامتدت منها تأملات طويلة واسئلة لمن حولي. هل تذكر أول نجّار عرفته في حياتك؟ أذكر إنه جدّ هايدي (الشيخ باللحية البيضاء في مسلسل الرسوم المتحركة). جدّ هايدي أول نجار عرفته في حياتي، تذكرت المشهد وهم يسكنون القرية عندما ينزلون من الجبل في موسم الثلوج والبرد. نشارة الخشب، والقطعة التي تحولت بين يديه إلى غزال، ومكعبات للعبومن تلك المشاهد انطلقت في رحلة عبر الذاكرة. أول مرة أعرف أن الجبنة تذوب مع الحرارة على رغيف الخبز، أول أصدقاء عرفتهم (هايدي وبيتر)، كيف هي فصول السنة؟ ما معنى انهيار ثلجي؟ السفر بالقطار، والخدم، جبال الألب، والعنزات الجبلية والنوافير. هذه الصور الأولى التي تلتقطها الذاكرة وتصبح مثل قالب نتوقع من خلاله الأشياء. أدعوكم في التفكير في الصور الأولى لحياتكم، وكيف أصبحت مرجعًا للأيام اللاحقة فيها.

٢

قضيت ساعات النهار والعمل خلال الأسبوع الماضي في غرفة الجلوس. نشاهد حلقات متتابعة من برامج الألغاز البوليسية وحلّ الجرائم المجهولة. استخدم كل مهارات التفكير والتحليل واتسابق مع المحققين للوصول لإجابة. غالبًا تحليلي صحيح، وفي بعض الأحيان تفاجئني سذاجتي في إغفال تفصيل مهمّ!

٣

خلال الأسبوع الماضي أنهيت رواية أربطةلدومينيكو ستارنونه. كانت قراءتها مثل الامساك بالشوك، لم استطع إفلاتها من يدي، وانتهت وأنا منهكة بخليط من المشاعر. الرواية كُتبت بمهارة والترجمة ممتازة.

٤

أشعر بالحماس وتتجدد الحياة بداخلي كلما شاهدت وثائقي يروي سيرة حياة لمبدع، أيّا كان المجال الذي يعمل به. والأسبوع الماضي شاهدت وثائقيات سلسلة American Masters أحدهما عن الرسام الأمريكي أندرو وايث، والآخر عن الكاتبة الأمريكية لويزا ماي إلكوت (مؤلفة رواية نساء صغيرات). أعرف عنهما القليل جدًا، والأعمال الأشهر قد تظلم مسيرة حياة كاملة. ما تنظر إليه هو بمثابة قمة جبل صغيرة في البحر، والباقي يغيب تحت السطح.

٥

تعرّفت على مبدأ السيسو الفنلندي Sisu ويساعدهم على مواجهة المصاعب! يمكنكم القراءة عنه أكثر هنا:

٦

جربت تلميحة قرأت أن اليونانيين يستخدمونها لشواء بطاطا مقرمشة وشهية. النتيجة رائعةبعد غسل البطاطا وتقطيعها لمكعبات كبيرة (بوصة تقريبًا) أقلبها في تتبيلة بمقادير متساوية من: زيت الزيتون، عصير الليمون، مرقة الدجاج، وملح وفلفل. ومن ثم الشواء في فرن ساخن (حرارته ٤٥٠ فهرنهايت) لمدة ٤٥ دقيقة. أظن أن السرّ في الليمون ومذاق المرقة، وأظنّ أنني سأتبع الطريقة دائمًا.

.

.

.

*اللوحة أعلاه للرسام الأمريكي اندرو وايث

السرعة الأرضية ٧٢٥ كم

جلست لكتابة هذه التدوينة يوم السبت الماضي بعد أن أخذني الحماس لبدء التدوين الأسبوعي. انزلق اليوم كالعادة وتذكرت قبل ليلتين أن التدوينة لم تُكتب، ولم تنجح الخطة.

أحاول من جديد لنفض المشاعر والأفكار كما كانت التدوينات قبل عقد من الآن. أتذكر بوضوح أسبوع دونت فيه يومياتي عندما انقطعت عن شرب القهوة، وأسبوع آخر جربت فيه تحديات متنوعة مشتركة مع مجموعة مدونات. وأيام أخرى كنت أكتب تحت تأثير هذيان الحمّى وعلاجات البرد.

كان ترددي أقلّ وحماسي أكبر. كان هذا كله قبل أن تصبح الكتابة وحش أقابله كلّ يوم، في المكتب، على الهاتف، في أحاديث الأصدقاء. نمت هذه الكوابيس بيني وبين السطور عندما أصبحت الكتابة كلّ شيء إلا هوايتي الشخصية والحميمة.

أين كنا؟

عودة لفكرة التدوين الأسبوعي وكيفية المحافظة عليها، كل أسبوع تقريبًا أكرر نفس الروتين خارج ساعات العمل: هناك مشاهدات، وقراءات، ومواضيع تناقشها دوائري الاجتماعية، أو تجربة شيء جديد طبعًا.

هذه التفاصيل ستكون العمود الفقري للكتابة نهاية الأسبوع (الخميس تحديدًا) إلا إذا كانت لدي مواضيع مخصصة احتاج الحديث عنها باستفاضة.

لماذا فعلت ذلك؟

نهاية الأسبوع الماضي كنت في رحلة سريعة للمنطقة الشرقية، وكالعادة عندما أسافر وحيدة تصبح كلّ حواسي متأهبة. وخاصة حاسة السمع التي تلتقط أحاديث الغرباء، والنداءات، والضحك، وكل الأصوات التي لا التفت لها بصحبة رفقة ممتعة.

أبطال هذه القصّة أبّ وطفلته التي لم يتجاوز عمرها خمس سنوات بحسب تحليلي. كانت تقفز حول الكراسي ويطلب منها أكثر من مرة أن تجلس بهدوء. وكررّ مرات ومرات اجلسي، اجلسيبلا فائدة حتى اطلق جملته الحاسمة: “اجلسي وإلا بزعل!” وجلست أخيرًا متملمة.

فكرت لحظتها أنّ المشهد يمكن أن يلخص حياة الكثير منّا، ولن أحدد الفتيات فقط.

الأب لم يوضح للصغيرة أنّ القفز والركض خطر عليها، سيؤذيها هي، أو يؤذي الآخرين الجالسين حولها. بمجرد أن حددّ بأن مشاعره هو ستتأثر، وخاصة شعوره بالزعل أو الضيق، امتثلت للأمر.

وفكرت طويلا كم عدد المرات التي امتنعت أو قمت بفعل شيء يخصني أنا وحدي، بتأثير من زعلأحد الوالدين أو كلاهما. ولأذهب أبعد من ذلك وحتى لا يكون الأمر محددًا بهم، يجرب كل شخص تجمعه بك علاقة حميمة من أصدقاء وأقارب هذا السلاح معك. فهل تمتثل؟

لقد تخففت تدريجيًا من هذا الشعور، وبعد حرب طويلة أصبحت أزن الأمور بميزان شخصي، هل هذا الأمر سينفعني أو يؤذيني؟ هل قيمي الشخصية هي البوصلة؟ أو مشاعر الآخرين؟

ومن لحظة الأبّ وابنته التي اقحمت نفسي فيها دون شعور، امتدت تأملاتي لأيام، ووصلت للحظة الحقيقة: أنا لم اتحرر تمامًا من حبسة الذنب تلك، إلا أنني على الأقل أصبحت أكثر وعيًا وانتباها لها.

الحامي الله

في رحلتي القصيرة بدأت الاستماع للكتاب الصوتي Atomic Habits – By James Clear وكما سمعت مؤخرًا أن هناك ترجمة عربية مرتقبة له العادات الذريّة“. جيمس كلير كاتب ومدون أتابعه منذ مدة ولم أجد الوقت لكتابه إلا مؤخرًا. يناقش كتابه العادات وكيف تبني هويتك الشخصية، كيف تنقل حياتك من صفحة لأخرى بتغيير عاداتك. والأهم من ذلك، كيف تبدأ بذلك تدريجيًا. الكتاب حصيلة أبحاث ومطالعات ودراسة لسيناريوهات عرفتها الانسانية على مدى القرون.

يجمعها جيمس في الكتاب بطريقة مشوّقة وواضحة وسلسة. والجميل في الموضوع أن جيمس يدعم كتابه بوسائل مجانية يمكنكم طباعتها وتطبيقها في حياتكم اليومية تحت تبويب Cheat Sheet.

قبل أن استطرد كثيرًا كانت هذه المقدمة لأخبركم أن الكتاب ممتع للاستماع، ولم يقطع فضولي لاكماله سوى عجوز بشخصية لامعة كانت رفيقة مقعدي في الطائرة. وصلت على كرسي مدولب، وجلست بصعوبة وإلى جوارها ابنتها التي قيمت عمرها بين نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات. قامت بتحيتي وابتسمت عيناها عندما رحبت بها بالمقابل. في انتظار الاقلاع وعبر الميكروفون بدأت تعليمات السلامة وطلب منا ربط الأحزمة. انتبهت لابنتها توصيها بربط الحزام، لكنها رفضت بإيماءة من كفها الذي لفت انتباهي. لقد رأيت هذه الكفوف في زمنٍ بعيد جدًا. نفس التجاعيد والحناء الباهت، والخواتم الذهبية المطعمة بالأحجاز الفيروزية. حتى الطريقة القلقة التي تلفّ بها خواتمها حول أصابعها، واحد تلو الآخر، وتعود من جديد للبداية. عاودت ابنتها الطلب بصوت أعلى هذه المرة وكأنها تطلب مني العون والتشجيع. التفتت وابتسمت للعجوز وأكدت على كلام الابنة، ووضعت يدي على كفها وكأنني لمست الكفّ البعيدة التي لم تعد. قالت العجوز المعترضة ليش؟ قلت عشان يحمينا. وردت بسخرية: الحامي الله يا بنتي وش تسوي الاحزمة. لم اعترض. وبقيت عيناي مسمّرة عليها طوال الرحلة، والكتاب الممتع أصبح كومبارس.

لها نفس التفاصيل الجسدية لجدتي الراحلة، حتى فوضى العباءة والبرقع الذي تضيع نظرته بين عينيها وأجدني بعفوية أرتبه لها. هذه العجوز ليست جدتي، لكن لها نفس الرائحة والضحكة الساخرة والنبرة. ونجحت بإقناع نفسي أنها هدية بين السماء والأرض لتطفئ هذا الشوق الذي يستيقظ كل فترة ولا أجد له حلًا.

أشياء لطيفة للأسبوع الماضي:

 

كيف كان أسبوعكم؟ أي اكتشافات جديدة؟ قصص؟ احتفالات وألوان؟

.

.

.