جلست لكتابة هذه التدوينة يوم السبت الماضي بعد أن أخذني الحماس لبدء التدوين الأسبوعي. انزلق اليوم كالعادة وتذكرت قبل ليلتين أن التدوينة لم تُكتب، ولم تنجح الخطة.
أحاول من جديد لنفض المشاعر والأفكار كما كانت التدوينات قبل عقد من الآن. أتذكر بوضوح أسبوع دونت فيه يومياتي عندما انقطعت عن شرب القهوة، وأسبوع آخر جربت فيه تحديات متنوعة مشتركة مع مجموعة مدونات. وأيام أخرى كنت أكتب تحت تأثير هذيان الحمّى وعلاجات البرد.
كان ترددي أقلّ وحماسي أكبر. كان هذا كله قبل أن تصبح الكتابة وحش أقابله كلّ يوم، في المكتب، على الهاتف، في أحاديث الأصدقاء. نمت هذه الكوابيس بيني وبين السطور عندما أصبحت الكتابة كلّ شيء إلا هوايتي الشخصية والحميمة.
أين كنا؟
عودة لفكرة التدوين الأسبوعي وكيفية المحافظة عليها، كل أسبوع تقريبًا أكرر نفس الروتين خارج ساعات العمل: هناك مشاهدات، وقراءات، ومواضيع تناقشها دوائري الاجتماعية، أو تجربة شيء جديد طبعًا.
هذه التفاصيل ستكون العمود الفقري للكتابة نهاية الأسبوع (الخميس تحديدًا) إلا إذا كانت لدي مواضيع مخصصة احتاج الحديث عنها باستفاضة.
لماذا فعلت ذلك؟
نهاية الأسبوع الماضي كنت في رحلة سريعة للمنطقة الشرقية، وكالعادة عندما أسافر وحيدة تصبح كلّ حواسي متأهبة. وخاصة حاسة السمع التي تلتقط أحاديث الغرباء، والنداءات، والضحك، وكل الأصوات التي لا التفت لها بصحبة رفقة ممتعة.
أبطال هذه القصّة أبّ وطفلته التي لم يتجاوز عمرها خمس سنوات بحسب تحليلي. كانت تقفز حول الكراسي ويطلب منها أكثر من مرة أن تجلس بهدوء. وكررّ مرات ومرات “اجلسي، اجلسي” بلا فائدة حتى اطلق جملته الحاسمة: “اجلسي وإلا بزعل!” وجلست أخيرًا متملمة.
فكرت لحظتها أنّ المشهد يمكن أن يلخص حياة الكثير منّا، ولن أحدد الفتيات فقط.
الأب لم يوضح للصغيرة أنّ القفز والركض خطر عليها، سيؤذيها هي، أو يؤذي الآخرين الجالسين حولها. بمجرد أن حددّ بأن مشاعره هو ستتأثر، وخاصة شعوره بالزعل أو الضيق، امتثلت للأمر.
وفكرت طويلا كم عدد المرات التي امتنعت أو قمت بفعل شيء يخصني أنا وحدي، بتأثير من “زعل” أحد الوالدين أو كلاهما. ولأذهب أبعد من ذلك وحتى لا يكون الأمر محددًا بهم، يجرب كل شخص تجمعه بك علاقة حميمة من أصدقاء وأقارب هذا السلاح معك. فهل تمتثل؟
لقد تخففت تدريجيًا من هذا الشعور، وبعد حرب طويلة أصبحت أزن الأمور بميزان شخصي، هل هذا الأمر سينفعني أو يؤذيني؟ هل قيمي الشخصية هي البوصلة؟ أو مشاعر الآخرين؟
ومن لحظة الأبّ وابنته التي اقحمت نفسي فيها دون شعور، امتدت تأملاتي لأيام، ووصلت للحظة الحقيقة: أنا لم اتحرر تمامًا من حبسة الذنب تلك، إلا أنني على الأقل أصبحت أكثر وعيًا وانتباها لها.
الحامي الله
في رحلتي القصيرة بدأت الاستماع للكتاب الصوتي Atomic Habits – By James Clear وكما سمعت مؤخرًا أن هناك ترجمة عربية مرتقبة له “العادات الذريّة“. جيمس كلير كاتب ومدون أتابعه منذ مدة ولم أجد الوقت لكتابه إلا مؤخرًا. يناقش كتابه العادات وكيف تبني هويتك الشخصية، كيف تنقل حياتك من صفحة لأخرى بتغيير عاداتك. والأهم من ذلك، كيف تبدأ بذلك تدريجيًا. الكتاب حصيلة أبحاث ومطالعات ودراسة لسيناريوهات عرفتها الانسانية على مدى القرون.
يجمعها جيمس في الكتاب بطريقة مشوّقة وواضحة وسلسة. والجميل في الموضوع أن جيمس يدعم كتابه بوسائل مجانية يمكنكم طباعتها وتطبيقها في حياتكم اليومية تحت تبويب Cheat Sheet.
قبل أن استطرد كثيرًا كانت هذه المقدمة لأخبركم أن الكتاب ممتع للاستماع، ولم يقطع فضولي لاكماله سوى عجوز بشخصية لامعة كانت رفيقة مقعدي في الطائرة. وصلت على كرسي مدولب، وجلست بصعوبة وإلى جوارها ابنتها التي قيمت عمرها بين نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات. قامت بتحيتي وابتسمت عيناها عندما رحبت بها بالمقابل. في انتظار الاقلاع وعبر الميكروفون بدأت تعليمات السلامة وطلب منا ربط الأحزمة. انتبهت لابنتها توصيها بربط الحزام، لكنها رفضت بإيماءة من كفها الذي لفت انتباهي. لقد رأيت هذه الكفوف في زمنٍ بعيد جدًا. نفس التجاعيد والحناء الباهت، والخواتم الذهبية المطعمة بالأحجاز الفيروزية. حتى الطريقة القلقة التي تلفّ بها خواتمها حول أصابعها، واحد تلو الآخر، وتعود من جديد للبداية. عاودت ابنتها الطلب بصوت أعلى هذه المرة وكأنها تطلب مني العون والتشجيع. التفتت وابتسمت للعجوز وأكدت على كلام الابنة، ووضعت يدي على كفها وكأنني لمست الكفّ البعيدة التي لم تعد. قالت العجوز المعترضة ليش؟ قلت عشان يحمينا. وردت بسخرية: الحامي الله يا بنتي وش تسوي الاحزمة. لم اعترض. وبقيت عيناي مسمّرة عليها طوال الرحلة، والكتاب الممتع أصبح كومبارس.
لها نفس التفاصيل الجسدية لجدتي الراحلة، حتى فوضى العباءة والبرقع الذي تضيع نظرته بين عينيها وأجدني بعفوية أرتبه لها. هذه العجوز ليست جدتي، لكن لها نفس الرائحة والضحكة الساخرة والنبرة. ونجحت بإقناع نفسي أنها هدية بين السماء والأرض لتطفئ هذا الشوق الذي يستيقظ كل فترة ولا أجد له حلًا.
أشياء لطيفة للأسبوع الماضي:
-
شاهدت فيلم ١٩١٧ مرتين مع رفقة مختلفة! والآن استعيد الروعة كل يوم مع الموسيقى التصويرية. وإذا حصلت لكم فرصة مشاهدته في السينما لا تترددوا.
-
شاهدت مسلسل فرنسي على نتفليكس Bonfire of Destiny
-
ملف مجاني قابل للطباعة لتخطيط المستقبل (يحتاج تسجيل بريد إلكتروني وكلمة مرور)
-
شوربة الطماطم التي تعرفت عليها من الصديقة مها وأصبحت مثل عدوى أنشرها لكل من أعرفه
-
جربت إضافة البصل المكرمل في ساندويتش الجبن المشوي وكأنني تعرفت على رف جديد من ذاكرتي الذوقية
-
أنهيت رواية جميلة “وهذا أيضا سوف يمضي” لميلينا بوسكيتس
-
مدونتي/مصورتي المفضلة تكتب عن تجربة سنة أولى أمومة مع طفلتها إلويز
-
استمعت لحلقات مكدسة من بودكاست مفضل Hello Monday
كيف كان أسبوعكم؟ أي اكتشافات جديدة؟ قصص؟ احتفالات وألوان؟
.
.
.