القوّة الخفيّة لتغيير هويّتك

مررت قبل عدة أيام بتدوينة شيّقة للكاتب ليو باباوتا ناقش فيها موضوع تغيير الهويّة (أو الشخصيّة) Identity. أحببت طريقة عرضه للموضوع وها أنا أنقلها لكم مترجمة بتصرفوأعيد نشرها في مدونتي.

القوة الخفية لتغيير هويّتك (أو شخصيتك)

لقد كان تغيير هويتي أحد أهم التحولات التي طرأت على حياتي. لم يحدث ذلك في يومٍ وليلة بالتأكيد، لكنني نجحت في تحقيقه عبر عدة جوانب من حياتي. على سبيل المثال:

  • كنتُ مدخنًا وأقلعت عن التدخين. ومنذ أن أقلعت، لم أعد أفكّر بالتدخين عندما أكون مضغوطًا أو متوترًا.
  • توقفت عن أكل اللحوم واعتمدت النظام النباتي (ولاحقًا النظام النباتي الصرف). لقد تلاشى اللحم من قائمة طعامي، ولم أعد أفكر به.
  • كنت أعدّ نفسي عداء ماراثونات. لاحقًا، أصبحت شخص يتمرّن بانتظام للمحافظة على صحته ولياقته. وذلك يعني ألا أتوقف عن التمرين وإن اختل جدولي قليلًا.
  • أصبحت متأملًا. ولاحقا، طالب لمذهب الزن. وذلك يعني أنني وإن توقفت عن ممارسة التأمل لوقتٍ طويل، سأعود إليه دائمًا.
  • أصبحتُ كاتبًا. نعم، كنت أكتب في السابق لكن ليس بشكل يومي.
  • أصبحت متخففًا Minimalist. أتاح لي هذا التغيير التحرّر من الفوضى والاستمتاع بالحياة بماديات أقل.

هناك العشرات من الأمثلة التي يمكنني مشاركتها معك. أنا أب، أطفاله يدرسون من المنزل، يستيقظ مبكرًا، قارئ، مدرّس، متحدث، رائد أعمال، شخص يدقق في مصروفاته باستمرار. كل تغيير صغير كان أو كبير أدخلته على حياتي وارتبطت به، غير هويتي بطريقة ما. وذلك أقوى مما يدركه معظم الأشخاص، ولكنّه قابل للتطبيق.

المنافع الخفيّة لتغيير هويّتك (أو شخصيتك)

سيتطلب ذلك بعض العمل منك، وستكون بحاجة لتغيير نظرتك إلى نفسك لكنّك ستلاحظ المنافع التالية، والتي لا تتضح لكثير من الأشخاص:

  • ستتوقف عن ممارسة (بعض) سلوكياتك التي اعتدت عليها في الماضي. ستقلع عن التدخين، ستمتنع عن أكل اللحوم، وأي شيء لا يرتبط بهويتك الحالية والشخص الذي أصبحته.
  • ستصبح السلوكيات الجديدة مسلّمات في حياتك. أنت تكتب كلّ يوم وبلا نقاش. إذا أصبحت رائد أعمال، فأنت تعمل وتنظم المشاريع، وهكذا.
  • ستتوقف عن مجادلة نفسك بخصوص فعل الأشياء، وهذا سيوفر طاقتك العقلية ويخلصك تدريجيًا من الصراعات اليومية.
  • ستتمكن من تغيير اعتقاداتك الراسخة التي تمسكت بها طويلًا. مثل: أنا لستُ جيدًا في هذا المجال، أو يستحيل عليّ فعل هذا والنجاح فيه. أيّ اعتقاد أو قناعة لا تخدمك اليوم، تخلّص منها.
  • ستتبنى عقلية التغيير. أي أنك لن تكون عالقًا في أساليبك القديمة، بل باستطاعتك النمو والتقدم وعيش احتمالاتك الجديدة.

هناك الكثير من المنافع بالتأكيد وسأترك لك اكتشافها بنفسك. أما الآن فلننتقل إلى الكيفية“.

كيف تغيّر هويّتك (أو شخصيتك)؟

للأسف لن يكون ذلك سهلًا، ولن يتمّ بضغطة زر في ليلة وضحاها! يمكنك تبنّي التغيير بطرق مختلفة، لكني سأشاركك ما وجدته مفيدًا:

  • لتكن نيّتك: التغيير بوعي. يمكننا تغيير هوياتنا بلا قصدٍ منا عندما نصطدم بشيء يدفعنا للتغيير. لكني وجدت أن فعل ذلك بوعي أفضل من التعثر الأعمى بشيء مذهل.
  • فكّر بالشخص الذي تريد أن تكونه. هل تريد أن تكون شخصًا يكتب كلّ يوم؟ شخص لا يأكل سوى الأطعمة النباتية؟ شخص يقتني القليل جدًا؟ اكتب عن نفسك وعرّف بها قياسًا على ذلك.
  • ابدأ بتبني السلوكيات. استخدم المنبهات والتذكير وكل ما يساعدك على اعتمادها. ولكن الأهمّ من ذلك، أن تبدأ بفعل الأشياء وكأن التغيير حدث بالفعل وأنت الآن في نسختك الجديدة. هل أنت عدّاء؟ أركض.
  • كن شخصيتك/هويّتك الجديدة. القيام بالممارسات والأنشطة شيء، واعتماد هويتك الجديدة ذهنيًا شيء آخر. افعلها كما لو كنت فعلا هذا الشخص. أنظر لنفسك كعدّاء، أو نباتي، أو كاتب محترف. أشعر وتصرف وفق ذلك.
  • عزز التغيير عبر تقدير الذات. خصص وقت كل يوم للتفكير فيما حققته وقدّر ذلك في نفسك. تأكد من أن التغيير يحدث وتذكر: نعم أنا أستطيع! فنحن نميل للتركيز على العقبات، ونتجاهل التركيز على التقدم الذي نحرزه.
  • عندما تتعثر، فكّر في نسختك الجديدة، كيف تتصرف في هذه الحالة؟ ولاحظ أنني قلت عندما تتعثروليس لو تعثرت” لأنك ستفعل لا محالة. لا تقم بالأشياء بشكل مثالي، ولا تستسلم، استمر. سيعود العداء للركض بعد انقطاع أسبوع بسبب السفر، أو الزوار، أو المرض والإصابة. لا تفكر في الانقطاع وكأنك خسرت هويّتك، ولكن تعامل معه كجزء منها.

مرة أخرى، هناك الكثير من الأفعال والممارسات التي يمكنك القيام بها. والكيفيةتوجد نفسها بمجرد أن تبدأ بعيش هويتك الجديدة.

تحذير: لا تكن صارمًا مع نفسك

يمكن لبناء هوية أو شخصية جديدة أن يضعك في مأزق الصرامة مع الذات والتشدد. لنرَ مثلا: عندما تصبح شخصًا يستيقظ باكرًا كل يوم قد يصاحب ذلك امتناعك عن السهر والفعاليات الاجتماعية، وقد يعني ذلك حرمان نفسك من الراحة والنوم لعدة ساعات أحيانا. هذه الصرامة قد تأتي بأشكال أخرى: إذا كنت ملتزم بنظام وأعمل بجدّ هذا يعني أنه لا يحقّ لي الحصول على الراحة، أو أن أكافئ نفسي.

أنت لا تريد تقييد نفسك بالكامل. صحيح أن الحدود والقوانين جيدة ومهمة، لكنّها تصبح ضارة عندما تمنعنا من فعل ما هو أفضل لأنفسنا. إني اشجعك على اعتماد هويّة مرنة، هوية تتغير بوعي عندما تدعو الحاجة لذلك.

أين تنطلق من هنا؟

أشجعك على اختيار جانب من جوانب شخصيتك والبدء به وتطبيق الخطوات أعلاه. ولا تحاول تغيير كلّ شيء دفعة واحدة.

لزيارة تدوينة ليو باباوتا

The Subtle Power of Changing Your Identity

.

.

.

ذاكرة غراب

إذا وقفت في منتصف غرفتي ونظرت باتجاه الحائط الأيمن سترى أثرًا يشبه غيمة داكنة. خط رمادي أطرافه ذائبة في الطلاء الفاتح. أعرف هذا الأثر لأنني حركت الخزائن مؤخرًا. اقترح أفراد العائلة تنظيف الأثر. وبينما أنا أفكر في كيفية إزالته دون التأثير على الطلاء، لمحت بقع صغيرة في مكان آخر من الغرفة.

على الحائط المجاور لطاولة الزينة وحيث تستريح فرش المكياج أرى بقعة بنية صغيرة، بقعة زهرية، ونقط رمادية متفاوتة في الحجم.

كالعادة لدي وفرة من الوقت للتأمل خصوصًا والمهامّ مكدسة وتنتظر. فكرت في الأثر الذي يتركه الآخرون علينا، في الأثر الذي تتركه قراءة كتاب، أو رحلة، أو مشاهدة فيلم.

الكلمات التي تستخدمها اليوم متى بدأت استخدامها؟ ضحكتك هل هي لك تمامًا؟ ذائقتك؟ وقبل أن استرسل في هذه الفكرة المعقدة أعدت نفسي لمكاني، وانشغالاتي العاجلة.

هذه التدوينة الأخيرة قبل عزلة رمضان التي انتظرتها بحماس! لديّ قائمة قراءة، وتعلّم، وكما أتمنى الكثير من الكتابة.

* * *

خلال الفترة الماضية كنت أفكر في العمل، في كتابة المحتوى تحديدًا. أشعر بالاستغراق في العمل لدى الآخرين. أشعر بأنّ طاقتي الإبداعية مسخرة تمامًا للكتابة للعملاء بالإضافة إلى مهامي الوظيفية الأخرى.

هذا العمل يستهلك طاقتي بالتأكيد، لكنّني أيضا وتدريجيا تبنيت أهدافهم، وتطلعاتهم. وهذا ليس بالأمر السيء طبعًا. هذه هي الطريقة المثلى لإظهار اهتمامك بالعملاء ومشاريعهم. لكن، وتحت لكن عشرة خطوط: ماذا لو كانت الكتابة وقود حياتك؟

تزامنت هذه التأملات مع مروري بمقالة في مدونة Copyblogger لخصت مشاعري، وجددت حماسي. كتبت كلير إمرسون ١٠ خطوات لتخرجني وإياكم من دوّامة التردد والتأجيل وإهمال المشاريع الشخصية مثل كلّ سنة.

١أعطِ نفسك الإذن بالبدء قبل الاستعداد الكامل.

٢غير المنظور من يجب عليّإلى سوف أفعل ..”

٣أخرج أفكارك بسرعة من حيز التفكير إلى حيز التنفيذ من خلال تسهيل توليدها.

٤قسّم المشاريع إلى مراحل. ولا تفكر كم بقي للانتهاء؟ الهدف تصغير المشروع قدر الإمكان حيث تختم كل مرحلة كإنجاز وتحتفل به.

٥لا تبدأ بـلماذا؟“. إبدأ بـ لمَ لا؟

٦تخيل انتهاء المشروع. من أذكى الطرق لبناء خطة مشروع هي البدء بالمقلوب من النتيجة النهائية وتفكيكه حتى تصل للحظة الحالية.

٧ركز في الخطوة الأولى أولًاوتجاهل الباقي حتى يأتي وقته.

٨صنف المراحل والمهام وحدد أهميتها، هل يمكن تجاوزها؟ هل يمكنك تفويض المهمة؟ هل يمكن تأجيلها لمرحلة لاحقة؟

٩إذا كانت المشاريع التي تعمل عليها تتطلب البحث والتعلم، لا تتعلم كلّ شيء دفعة واحدة! تقترح كلير تأجيل التعلم حتى تصل للمهمة. بعبارة أخرى: ليكن التعلم مربوطًا بسرعتك الشخصية وموجها لاحتياجك. تذكرت في هذا السياق مهارات التصميم مثلا، أو برمجة المواقع. لا تفكر في تعقيد الأمور وأنت تحتاج مدونة بقوالب جاهزة وطريقة نشر بسيطة.

١٠التزم/ألزم نفسك بالعمل. ما الذي يجعلك مسؤولًا؟ هل تخبر أفراد عائلتك بمشروعك الحالي؟ أو تعمل مع مجموعة من الأصدقاء؟ هل يساعدك ربط المشروع بأهدافك الشخصية؟ لكلّ منّا مرساته، وما يلزمه بتنفيذ خططه.

الرابط بين هذه النصائح بحسب رأي كلير: الإدارة الذاتية والوعي. مشكلتي شخصيًِا الغرق خارج رأسي! وكل ما احتاجه في لحظات الفوضى الجلوس وسرد ما يشغلني على شكل نقاط، وتفكيك العقبات لتصبح قابلة للعلاج. وبالمقابل كلما طالت فترة التجاهل والتبّرم أبقى ساكنة في مكاني.

* * *

خلال الأسبوع الماضي استمعت لحلقة من بودكاست مفضل يقدمه Chase Jarvis، هذه المرة كان تشيس هو الضيف وقابلته ديبي ميلمان المصممة وصاحبة البودكاست الشهير Design Matter. الحلقة ممتعة وتناولت جوانب مختلفة من حياة تشيس ومشاريعه. لكن الجزء الذي أثار دهشتي واهتمامي حديثه عن ذاكرة الغربان! يمكن للغراب تذكر وجوه البشر لسنوات. يمكن للغربان أيضا تذكّر ما إذا كنت صديقا لها أو عدو. وأرشدنا تشيس لدراسة نفذها أحد معارفه ووثقها بحديث على تيد (تجدونه مترجمًا هنا)

* * *

ماذا سيحدث خلال الثلاثين يوم القادمة؟

تجربة كتابة يومية، قصة قصيرة في صفحة واحدة كلّ يوم. ليست لديّ فكرة عن نتيجة هذا المشروع، لكنه الطريقة الوحيدة لتمرين عضلة القصّ من جديد.

الاستماع لعشرات حلقات البودكاست المؤجلة.

قراءة سلسلة كيمياء الصلاة لـ د.أحمد خيري العمري مع العائلة.

نشر كبسولات تثقيفية متنوعة وخفيفة عبر حساب فنّ المحتوى على تويتر.

حمية غذائية نظيفة بلا أطعمة مصنّعة أو سكّر.

التهام كتب معرض الكتاب بحماس.

جرد خزانتي ومكتبتي.

الاستعداد لعطلة الصيف.

.

.

.

ما هي خططكم للشهر؟ شاركوني إياها.

أحبّ رمضان.

أحبّ شعور الخفة والإنجاز والخروج بروح جديدة كل مرّة.

أتمنى لكم أيام مباركة ومنتجة وسعيدة.

وكل عامٍ وأنتم بخير.

.

.

.

في انتظار الرّبيع

«كلما طالت فترة التخطيط دون اتخاذ إجراء، كلما امتدت مساحة الشكّ الذي يشغلك ويمنعك من التنفيذ»

مررت بالاقتباس أعلاه قبل عدة أيام وقضيت وقت طويل في تأمله. هذا الاقتباس يشرح الكثير عن حياتي حاليا. في كلّ شيء أعمل عليه أقضي وقت للتخطيط والاستعداد ثم يتسلل الشك إلى نفسي واتراجع عن الانطلاق كلما ازدادت هذه المساحة وأثرت على تفكيري.

يمر ببالي اسئلة مثل: هل هذه الفكرة جيدة فعلا؟ هل سأتمكن من المتابعة والتنفيذ؟ وفي حالات كثيرة أبدأ بتخيّل نجاحها أو فشلها فينتهي بي الأمر محبطة وأنا لم انطلق.

أتممت شهري الأول في وظيفتي الجديدة، مرّت الأيام بين التعلم والتوتر والاكتشاف. وتزامنت هذه البداية مع زيارة منى (أختي) للسعودية في إجازة هي الأطول من سنوات. أشعر وكأنني في فقاعة مؤقتة وجميلة. نقضي أيامنا بين ساعات العمل في النهار والخروج مساء لاكتشاف المدينة وتعريفها بالتغيرات المتسارعة التي نمرّ بها.

الفترة الماضية أيضا شهدت أعلى نسبة قراءات في الروتين الإبداعي، والكتابة، واستعادة الإلهام (إذا كان هناك شيء حقيقي اسمه إلهام).

في نفس السياق تقريباقرأت عن ٧ تغييرات في روتينك اليومي قد تساعد في شحن طاقتك الإبداعية

  • تحرّك، فالجلوس لفترات طويلة قد يحجب طاقتك ويشعرك بالكسل.

  • ابدأ العمل على مشاريع صغيرة، أضف مشاريع مصغرة لحياتك اليومية والتي قد لا يستغرق العمل عليها أكثر من ٢٠ دقيقة. غالبا كتابة سريعة أو مسودات الرسم Sketch والتي قد ينتج منها لاحقًا مشروع كبير أو فكرة أفضل.

  • قسّم مهام العمل إلى مقاس أصغر وقابل للإدارة والمتابعة.

  • ابدأ يومك بشيء تحبّه. وركز إلى أي مدى تحبّ هذا الشيء وما هي المشاعر التي تحيط بك خلال العمل عليه. قد يكون هذا الشيء التنفس بعمق، أو صنع فطور شهي ومشبع، أو مكالمة شخص تحبه. بدء اليوم بهذه الطريقة يهدئ أعصابك ويضعك في حالة استعداد لما سيأتي في بقية اليوم.

  • احترم طعامك (هذه النصيحة الطريفة التي تأملتها طويلًا). بدلًا من تناوله سريعًا وبلا تفكير. قدّره. وفكّر في الطريقة التي صُنع بها وجُهّز. هذا التفكير في العملية الإبداعية وراء وجبة طعام يهذبك ويعوّدك على التحليل والنظر للأشياء بطريقة مختلفة.

  • تحدّث بوعي واهتمام واختر كلماتك بعناية. هذا التمرين سيصنع منك كاتبًا أفضل. وفكّر أيضا في أن المحادثات فرصة لممارسة الإبداع.


استقبل مارس بكثير من الحماس!

هناك ورش عمل ومشاركة في ندوة تثقيفية لطالبات الجامعة، رحلة قصيرة ربما، وحلقات جديدة من بودكاست قصاصات بعد أن أرتب وقتي بشكل أفضل. أتبع فتات الخبز الذي تركته ورائي لأعود إليه كلما اشتدت فوضى الأيام وأتمنى أن أنجح في ذلك.


في مفضلة الشهر الماضي:

 

.

.

 

لِتهدأ نفسي

في مثل هذه الأيام وقبل عشر سنوات تحديدًا كنت احتفل ببداية جديدة في حياتي. بداية بعد عاصفة طويلة توقعت ألا تكون هذه نهايتها. انتقلت حينها للرياض لبدء دراسة الماجستير. والكثير منكم يعرف كيف انتهت تلك المرحلة المدهشة. لم أحصل على الدرجة، لكن حياتي كلّها تغيرت وقد يكون لدي الوقت الجيد لحكاية التفاصيل الطويلة لتلك الأيام.

سبقت هذه النقلة فوضى عارمة في حياتي، لم يكن أمامي أيّ طريق. كل شيء معتم ويطبق على قلبي ضجر عظيم. فكرت في الانتقال للرياض للعمل لكنّ الفكرة لم تنل استحسان والدي، خصوصًا وأني حينها كنت أعمل بشكل مستقل ولأربعة سنوات! حاولت من جديد ولكن ماذا لو انتقلت للرياض للدراسة؟ جهزت نفسي للتقدم وحملت أوراقي وسافرت. كان قبولي مستحيلا باعتقاد الكثيرين خصوصًا وأنّ المتقدمات لبرنامج الماجستير بالآلاف سنويًا، وفي تخصص تقنيات التعليم بالتحديد كان العدد في ذلك العام ٢٥٠ متقدمة. اجتزت الاختبار الأولي مع أكثر من خمسين متقدمة وكانت الشكوك لدي ولدى عائلتي عظيمة، هل سيتم قبول طالبة من الجبيل ويتركون طالبات الرياض؟ مرّ الصيف على مهله وقد وضعت كلّ شيء على حالة الانتظار. لم ابحث عن عمل. غرقت في النوم والقراءة. وصلت لمرحلة المقابلة الشخصية وكانت مقابلة هاتفية سريعة. بعد شهر تقريبًا ظهرت النتائج وقُبلت مع ١٦ طالبة في التخصص. أصبح حلم الهروب من حبسة رتابة الحياة حقيقة. حتى لو كان سيأتي مصحوبًا بالانتقال لمدينة جديدة، حياة اجتماعية جديدة، دراسة وعمل في نفس الوقت.

لماذا أحكي لكم هذه القصة؟

ربما هي محاولة مني لفهم ما أمرّ به من جديد بعد عشر سنوات. لكنني الآن في الرياض، أعمل واحمل مسؤوليات أكبر من رغبتي بالهرب والانتقال. أهرب للنوم، للقراءة، للجلوس بصمت، للطبخ. هذا ما يمكنني فعله الآن. ينتهي يوم العمل وأترك كل شيء ورائي وأعود للمنزل. أطفئ قلقي ما استطعت. وأتذكر أنّ هذه هي الحياة التي انتظرتها طويلًا، وأنّ الحياة ليست نزهة ممتعة على مدار الساعة، وأن شعور الجلوس على كرسي غرفتي في الخامسة والنصف والنفس الطويل وكوب القهوة مع العائلة علاج يومي.

أقرأ في يوميات ٢٠٠٨، في المدونة هنا وفي المذكرات المكتوبة بخطّ يدي، اتصفح الصور، اتحدث مع من عايشوا تلك الأيام. هذه هي الطريقة المثلى لعلاج ما أشعر به.

* * *

بعيدًا عن فوضى الروح الموسمية أقضي أيامي بين العمل الإبداعي والإداري، الاستجمام اليومي، الاهتمام بصحّتي والهدوء والتخفف، الكثير منه.

اقرأ كتاب الطباخ – دوره في حضارة الإنسانمن تأليف بلقيس شرارة. كتاب ضخم وممتع ولم انتهي من ربعه حتى الآن. لكنني وجدت نفسي أدون الملاحظات وأقضي الساعات بعد كل عدة فقرات لاكتشف التاريخ والصور. السرد ممتع على الرغم من أنّ الكتاب يأتي كدراسة مليئة بالمصطلحات والتواريخ والهوامش. وأعرف من الآن أنني سأعود كثيرًا له.

الاهتمام بالطبخ والمطبخ ليس بجديد، منذ عدة سنوات وأنا أجد في المطبخ مساحة لنفض الهموم والقلق. أحبّ الطبخ لأنه كما وصفته المدونة الأمريكية ديب بيريلمان التي كتبت مقالًا طويلًا عن الطهي في المنزل وجاء فيه هذا المقطع الذي يمثّلني:

«أحبّ الطريقة التي تخفف بها وصفة طبخ من ضغط يوم طويل مليء باتخاذ القرارات. أحب الطريقة التي أطبق بها وصفة وجبة يحبها الجميع، هذا الحدث قادر على تغيير يومي.

تجهيز وجبة شهية حتى وإن لم تتوقع ذلك من نفسك؛ الطريقة الأسرع لتشعر بالانتصار. أحب الوقوف بجانب الفرن، أكيل اللعنات لكاتب الوصفة الذي يقترح كرملة البصل لعشر دقائق، أنهمك تمامًا. لستُ مشغولة برسائل الهاتف الجماعية، أو لحظة غاضبة على تويتر. إني أحصل على فترة قصيرة من الراحة والتزود بالوقود. هذا الشيء، هذا التركيز، هذا الهدف والمكافأة اللذيذة والنادرة التي التهمها كلما سمحت لي الفرصة

إلى جانب القراءة أتابع/تابعت عدة مسلسلات في آن: Ozark ، Bodyguard، Succession.

واستمع لراديو نيويورك الكلاسيكي وقائمة موسيقى طويلة لإيلا فيتزجيرالد، سيمون وجارنفكل، وبوب ديلون.

أحبّ سبتمبر، ويذكرني بعطلاتي السنوية التي بدأتها منذ سنوات، هذا العام مختلف لأن الصيف مرّ وسبتمبر وأنا في المدينة أركض.

أذهب في عطلة جديدة قريبًا مليئة بالمغامرات، وأنوي تجربة مشروع ممتع هذه المرّة وسأروي لكم تفاصيله لاحقًا بإذن الله.

* * *

أكتب مجموعة مقالات حول العمل المستقل، الإنتاجية، العمل الإبداعي والعمل بشكل عام في مدونة تسعة أعشار، بدأت قبل ثلاثة أسابيع وأتمنى متابعة هذا المشروع الممتع.

أيضًا بذكر العمل المستقل تذكرت اللقاء الثالث والأخير لهذا العام للمستقلات، سيقام اللقاء في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة فرع خريص للسيدات. وسيكون محور حديثنا إيجاد التوازن وحلّ المشكلاتسأشارككم رابط التسجيل ما إن يتم اعتماده من المكتبة، والحضور مجاني بالطبع.

* * *

تحدثت عن الطهي والوصفات أعلاه وتذكرت أننا في المنزل استبعدنا تتبيلة السلطة الجاهزة تمامًا، وخلال الأربعة أشهر الماضية اعتمدنا تتبيلة زيت الزيتون والبلسمك والليمون والثوم الطازج. تتغير السلطات والمحتويات وهذه التتبيلة الطازجة والنظيفة هي المفضلة. لم نكن نشتاق لأي تتبيلة أخرى. لقد اكتشفت أن الثلاجة تخلو من الصلصات الخاصة بالسلطة حين توقفت قبل أسبوع في ممر الصلصات العضوية وأعجبت بواحدة لسلطة السيزر واشتريتها. لقد وفرنا عشرات الريالات وقللنا من استهلاك السعرات دون أن نشعر وتلذذنا بالخضروات والتتبيلة البسيطة لأطول فترة.

ما هي تتبيلة سلطتكم البسيطة؟ أحبّ تجربة شيء جديد

* * *

أتعلم خبرة جديدة مرتبطة بصناعة المحتوى، والتعلم يشبه المشي لأول مرة أو تذوق الأشياء ورؤية الأعاجيب! أقضي ساعات في القراءة يوميًا، ومشاهدة مقاطع الفيديو على يوتوب. مضى وقت طويل على آخر مرة تعلمت فيها شيء من الصفر. تراكم المعرفة والخبرات أمر عظيم وقد نغفل عنه أحيانًا. كيف تتعلمون مهارة جديدة؟ شاركوني في التعليقات.

.

.

.

كتاب الإبداع | الأسبوع ١١

مرحبا بكم في أسبوع جديد من كتاب الإبداع لإريك مايزل.

اختتم مايزل تمارين الأسبوع الماضي برؤية عميقة ودراسة للنفس. وهذا الأسبوع يأخذنا لموقع جديد من التأمل والتحليل. هذا الأسبوع سندرس العالم من حولنا.

لكن ستسألون أنفسكم ما الذي سنعود به من وقفات التأمل والتحليل هذه؟ ما أثرها على مشروعنا الإبداعي؟

إذا كنتم ترسمون مثلا ومشروعكم الإبداعي مرتبط بالطبيعة؛ هذا مفهوم. لكن ماذا لو كان مشروعكم الإبداعي مرتبط باستشارات الأعمال، أو دراسة الرياضيات؟ أو تصميم المواقع؟ كيف ستساعدكم دراسة العشب والزهور؟

نحنُ بطبيعتنا نعيش لحبّ الشمس والمساحات المفتوحة، والهواء النقي. لكننا اعتدنا أيضًا العيش داخل المنازل المسورة والمكاتب والمساحات الضيقة وهذا ينسينا شكل الحياة الأجمل.

من الصعب علينا البقاء بذهن حاضر وحيّ تجاه الطبيعة والأشياء بينما نغرق في آلاف المهام وأمام الشاشات تفقد أبصارنا قدرتها على تمييز الجمال والانتباه له.

ومع هذا، مازلنا نستطيع العمل والابتكار ودفع مشاريعنا الإبداعية إلى الأمام. حتى لو انتهى بنا الأمر داخل علبة مخلل – على حد تعبير مايزلسنتمكن من إنجاز الأفكار والعمل.

لكن ما هي هذه الأفكار التي سنخرج بها إذا لم نألف صور الطبيعة المذهلة. نورس يغطس في عمق الماء، أو حبات الرمل المتنوعة، أو سماء الغروب خلف شجرة عتيقة. لا عجب أن موسيقى موزارت زارته خلال رحلات عربته في الغابة.

هناك سبب آخر عظيم ومهمّ لندرس شفرة من العشب.

نحنُ نقفز لصورة الأشياء الكاملة. نأخذها بإطار واسع دون أن نمنح عقلنا فرصة تفكيكها لأجزاء أصغر. لذلك يقترح مايزل تمارين الأسبوع كالتالي:

أ)

ادرس شفرة من العشب.

عندما قرأت التمرين فكرت في أماكن العشب وأنا محكومة بالعيش في منزل بلا حديقة، أو الجلوس في مكتب بناية اسمنتيه ضخمة.

زر أقرب حديقة في مدينتك وأمسك بشفرة عشب واحدة، أو ورقة شجر، أو غصن يابس إن لم تجد سواه. وإذا لم تستطع إيجاد هذا كلّه، تأمل عروق الخشب في طاولة مكتبك أو قطرات الماء التي تكثفت على زجاج كوبك. اغمر نفسك في اللحظة وتأمل وفكك الجزئيات.

في اليوم التالي، ركز على عملك الإبداعي. إذا كنت كاتب ركز على الكلمات، ركز على كلمة. كيف تستخدمها؟ اكتبها مرات ومرات، اكتبها بخط كبير وصغير وزخرفها وتأمل معناها. أما إذا كنت ترسم فركز على ضربات الفرشة والألوان. لاحظ سقوط الضوء في الصور التي تلتقطها من حولك. فكر في تفصيل دقيق واشغل ذهنك بالعمل عليه. اتركه قليلًا أو لعدة ساعات وعد إليه مجددًا.

ب)

يحدثنا مايزل قبل التمرين الثاني عن أحد عملائه. يشكو من كثرة المشاريع التي يرغب بإنجازها لكنّه يتخلى عنها كلها ولا يفعل شيئا. يقول له: حسنًا دعنا نتفحص هذه المشاريع. يخبرنا مايزل أن كثير من عملائه يصابون بالتوتر أو الاندهاش عندما يطلب منهم تحليل مشاريعهم. الحقيقة أن التحليل والنظر بتمعّن يخيفهم ولا شيء آخر. لذلك يوصينا بتمرينٍ ثانٍ لتشجيع قدراتنا التحليلية:

تخيل أنك ستكتب رواية مغامرات يجد فيها البطل نفسه واقعًا في مصاعب كثيرة. الآن فكر في الأدوات على مكتبك، كيف يمكنك إنقاذه باستخدامها. قلم حبر جافّ، علبة فيتامينات، مجموعة أوراق لاصقة أو دبابيس.. الخ

كيف يمكن لهذه الأدوات إنقاذه؟ ستتجلى هنا قدرتك على التفكير والتحليل والربط.

في اليوم التالي اعمل على تحليل لوحة، أو فيلم، أو قطعة موسيقية، أو حتى مهمة داخل مهام عملك. اختر شيئا وأعمل بجدّ على دراسته وفهمه.

في اليوم الثالث، فكر في مشروعك الإبداعي. ما الذي يمكنك تحليله فيه؟ كيف يمكنك توظيف تفكيرك الناقد وانتباهك الجديد بعد هذه التمارين؟

هل أصبحت التفاصيل أقرب؟

* سلسلة كتاب الإبداع مستمرة وبشكل أسبوعي. ويمكنكم متابعتها من خلال مدونتي أو مدونة عصرونية

.

.

.