في مكان ما من الصورة، كنت أركض.

Leon Levinstein

استيقظت صباح اليوم واختبرت قدمي على الأرضية الباردة.

أنا في حرب مع السجادة التي تسافر تحت سريري مرة لليمين ومرة لليسار، وأحاول أن أصنع التوازن بسحبها للوسط، كل يوم. إني في صراع مع حياتي يحاكي صراعي مع السجادة.

مشيت على قدمي منذ أسبوع تقريباً، كنت وضعت هدف مايو الأول أن امشي عليها، والآن أفكر في الركض، والرياضة والرقص بطبيعة الحال.

حجرات المنزل كلها مأهولة.

لم أعهدني قلقة ومؤرقة مثل الثلاثة أشهر الماضية. لم تكن القراءة تساعدني، ولا الثرثرة ولا الهرب من كل شيء، بالنوم.

لأول مرة منذ تسعة أشهر أنام نوماً عميقا لا يشوبه أرق أو تساؤل أو رسائل قصيرة عابرة للمحيطات. أخواتي معي، وتساءلت بعد مضي عدة أيام: هل كنت أشتاق إليهم حقيقة؟ أم أنه شوقي لنفسي التي أعرفها قبل دوامة الانتقال للرياض والتحولات الجذرية التي مررت بها في فترة قصيرة بلا تأهيل.

عزائي الوحيد أنني كنت هنا قبل عدة سنوات، أعرف الطرق الرئيسية، أعرف ما كنت ضائعة أو لا، وأعرف الطريق إلى أساسيات الحياة: مستشفيات، مراكز تسوق، منازل أقارب.

لستُ أكيدة من حبي للانتقال هنا لكنني أعرف بلا شك أن حياتي الآن أفضل وإن بدت وسط دوامة عظيمة.

أعمل في وظيفة ممتعة، وفيها فرصة للتعلم كلّ يوم، اسكن في منزل مع عائلتي لا ينقصنا شيء والحمد لله. لكنني افتقد لإلهام الكتابة العظيم. أريد أن أذهب في إجازة طويلة مع نفسي، وأترك قلقي وترددي وشكوكي ورائي، وأكتب. أكتب من شروق الشمس حتى الغروب، وإن أحرقت مسودتي في نهاية اليوم، لن أبالي، أريد أن أشعر بوقود الكلمات في أصابعي.

في نهاية شهر ابريل الماضي شاركت في مرحلة المقابلات الشخصية لمسابقة أقرأالتي تنظمها شركة أرامكو السعودية لإثراء الشباب. الفكرة في هذه المرحلة مقابلة المتسابقين والمتسابقات وطرح اسئلة تهتم بالقراءة للتعرف عليهم أكثر. في الأغلب سيتحدث المشاركون عن الكتاب الذي قدموا مراجعته في المرحلة الأولى في المسابقة وعن سبب اختيارهم له. أعجبت كثيراً بفكر المشاركات واختياراتهم، وشعرت من ناحية أخرى أن اختيارات بعضهن كانت أكبر من فئتهن العمرية وأكبر من فهمهم الحالي. نسيت أن أقول أنني قابلت المشاركات في المرحلة المتوسطة والثانوية. لكن بشكل عام بمسابقة أو بدونها شعور الحديث مع القراء مبهج ويبث الحماس وذكرني شخصياً ببدء قراءاتي واطلسي الذي حملته معي في كلّ مكان. العجيب في الأمر أنني أمرّ بفترة فقيرة في القراءة. أحاول تغيير المواضيع، واستعادة حماسي ولا أجد أي تجاوب من نفسي. أقرأ المقالات التي كدستها في مفضلتي وبدأت بقراءة كتاب يجمع مقالات للروائية سيري هوسفدت زوجة الروائي الأمريكي پول أوستر. بداية ممتعة وإن لم اتجاوز معها عدة صفحات.

جربت الكتب الالكترونية، والصوتية وعدت مجددا للورقية بلا فائدة. على الأرجح سأترك هذه المشاعر لتعبرني بهدوء ولن أقاومها. وسأقضم قليلا من الكتب هنا وهناك حتى أكتشف إلى أي اتجاه تشير البوصلة.

أقرأ مقالات وقصص عن الشخصيات الناجحة التي غيرت اهتمامات حياتها ومجال عملها بعد الثلاثين. لم يكن الوقت متأخراً أبداً. استسلم أحيانا إلى فكرة أنه فاتني الكثير، والكثير الذي لا يمكن استعادته. لكن العمل مع مجموعة من الشباب والشابات الذين يتجاوز الفارق العمري بيني وبينهم خمس أعوام جعلني اتراجع عن هذه الفكرة. شيء ما بداخلي يتحول، ضوء مبهر!

خلال الشهر الماضي فكرت أكثر من مرة في كتابة تدوينة وداع لمدونتي، والتوقف عن الكتابة لفترة طويلة. شغلت بالعمل وأشياء أخرى ولم أكتبها، والآن أنا سعيدة بأنني لم أفعل. قد يبدو المكان هنا هادئا جداً، لكنه ما زال ينعم بالدفء والأشياء الجميلة التي أذكرها جيداً. شكرا لكل الرسائل والتنبيهات التي ذكرتني بالعودة وألحّت علي. سأحاول من أجل نفسي أولاً، ثم لأجلكم.

35 تعليقا على “في مكان ما من الصورة، كنت أركض.”

  1. اهلاً بعودتك هيفا
    لأول مرة اكتب تعليقاً في مدونتك لكنني أظن باني أول القارئين لاغلب تدويناتك
    حقيقة يجب ان تعرفيها ان لكِ متابعين باعداد هائلة من كل مكان حتى وان لم يظهروا لك ، وانا كنت منهم ، لكن مجرد فكرة ان تودعي المدونة جعلتني أظهر لا أقول لك لا تفكري ابداً بهذا ولا تحاولي ( ليس إلزاماً ان تكتبي دائماً ولكني تأكدي انكِ عندما تكتبي انا سنبقى جميعاً نقرأ لك )
    وكوني بخير وكوني بالقرب .

    1. أهلا نوف،

      سعيدة أن هذه التدوينة استدرجتك.
      أنا ممتنة لك ولكل من يقرأ ويهتم، وأحب أن أفيد الجميع قدر الامكان حتى ولو كانت الكتابة شخصية بحتة. لكنني أحيانا امتعض واشعر بعدم الارتياح جراء هجري للمكان، وربما كانت رسالة اعتذار وابتعاد ستكون جيدة لمن يتساءل عن سبب غياب المحتوى.
      شكرا لك من جديد وأهلا دائما.

  2. أنا ياهيفاء
    أتابعك في كل مكان
    ولا أجد هيفاء التي أحبها إلا هنا
    هنا انت كما انت
    لا كما يرغب فيك الآخرون

    بالله عليك أي خاطر هذا الذي خطر عليك لإغلاق هذه المدونة
    خاطر شيطاني بلاشك

  3. مرحبًا هيفا..

    عودًا حميدًا.. طال الغياب و لكن لابد من عودة ( :

    ماكتب اعلاه يصف معاناتي!

    الركض.. سباق الوقت.. لاوقت للتوقف و التأمل.. هذا ببساطة سببه هذه المدينة الرياض !!
    و كان سبب اكتشافي هذا أنه كنت منذُ فترة برحلة خارج البلد و بعد مضي يومين وجدت نفسي امضي وقتي بها
    متسرعة و مستعجلة على كل شيء و لذلك لم اجد متعة او اشعر بالرضا عن ما افعله، فتوقفت و سألت نفسي مالسبب؟!
    لاكتشف أن الوقت يتحكم بتصرفاتي و لست أنا من يتحكم بالوقت!
    فكانت الأيام التالية اكثر هدوءًا و بالتأكيد كانت ممتعه بشكل مدهش..

    فكان أول قرار بعد عودتي للبلد أن اخفف عجلتي و استمتع بكل شيء و حتى و لو لم انجز الكثير، فلم اعد اركض بمركز التسوق كأن الوقت يتفلت مني و اصبحت اتناول وجبة الافطار بهدوء و الكثير من الاستمتاع حتى لو تأخر حضوري للدوام!

    و مازلت اجد نفسي بصراع دائم مع سرعة عجلة المدينة و التمتع بالهدوء و الاستمتاع بكل شيء.

    الشهر القادم سأكون بعمر الثلاثين و هناك كتاب على الرف له خمس سنوات بالانتظار، فقد نصحتني به صديقة
    و قالت “لابد من كل امرأة بعمر الثلاثين قراءته “.

    لعل تجدني بالكتاب شيء يلهمك اسم الكتاب “امرأة في الثلاثين” لبلزاك.
    مع العلم أنني اطلع عليه بعد (:

    1. حضورك دائما بهجة : )
      أكيد تعرفين ذلك الآن.
      مثل ما وصفتي بالضبط أريد التمهل والانتباه، اعتقد سيتغير كل شيء إن فعلت ذلك.
      وسأبحث عن الكتاب بالتأكيد.
      شكراً :*

  4. لم يسبق ان قرئت لك ولا ان تعرفت عليك لكن قرئت هذه التغريدة عن الكاتبة سعدية مفرح
    “تحقيق مميز لنور القحطاني: شباب المترجمين على «تويتر»؛ مدونات مضاءة بمؤلفات عالمية.

    http://t.co/FFqi34x3yH
    @noor_mqahtani”
    فاخذني الفضول لاتعرف على كتاباتك وبالفعل لم اندم

    1. أهلا بك وليد،
      والشكر لمقالة نور التي دلتك الطريق، أتمنى أن تجد في مدونتي ما يفيدك ويلهمك : )

  5. أستمتع بالاطلاع على كل شيء منك.. و “أستمتع” تعني أنه المكان الذي أجد فيه حياة فعلًا
    أرجو أن تبقى روحك الوضاءة دائمًا و تستمر لتضيئنا هنا

  6. السلام عليكم ، تدوينة ؛ نشم منها رائحة الصدق ! فللمعاني رائحة ،، ! ، الذي ينقصك في رأيي هو الحَماسة ! لا شيء ينقص القلوب العاقلة إلا الحماسة .. وسهم قاتل ؛ ألا وهو : الزوال ! أنّ كل شيء يؤول إلى الزوال ؛ فلا فائدة من قراءة شيء ؛ أو كتابة شيء .. ! هي فكرة مسمومة .. ثمة أمل ؟ ، ج : نعم ، حتى هذه الفكرة مصيرها إلى زوال .. وترجع إلينا نعمة النسيان ! ؛ لنكتب من جديد ؛ ونحيا .

  7. سعيده بإنشغالك عن كتابة تدوينة الوداع !
    وأتمنى من كل قلبي أن تنشغلين في كل مرة تفكرين أفيها توديع المدونة 🙂 !

    أهلاً بك بعد غياب لم أسعد به، وبإذن الله أن تعود حياتك كما كانت بل وأفضل أو كما تحبين.. هيفا .

    روان .

  8. فقدناك، وأسيّر على مدونتك شبه يوميّا..
    غالبًا ما أرتب فوضى نفسي بكتابة ما أحتاجه في ورقة، أشعر أن ترتيبها على الورق يرتبها في الذهن.

    شفى الله قدمك وجعلها تسبق الحصان :p

  9. مرة ثانية حمدالله ع سلامتك هيفا، اياك ان تفكري بتودعينا او توديع مدونتك الملهمة خذي فترة انقطاع طويلة لكن رجاء لا للوداع

  10. مرت علي فترة كنت أزور دائما مدونتك بانتظار أي تدوينة جديدة، آمل حقا كما قال الآخرون أن تنشغلي في كل مرة تريدين فيها توديع المدونة
    بالنسبة للحظات التي نغرق فيها في دوامة الحياة، أظن أنها شعور مؤقت، نحن نتأرجح دائما بين أوقات تتفلت الحياة من بين أيدينا، وبين أوقات يكون أقصى انشغالنا فيها هو شيء بسيط ونحبه.
    أحاول في مراحل الضغط أن أسرق الوقت لنفسي، حتى وإن فشلت.
    هناك مقطع شاهدته قريبا يحكي عن هذا الشيء لعلي أبحث عنه من أجلك، سأعود به فيما لو وجدته، كل أمنياتي لك ببال صاف وذهن لا يشوبه أي قلق! ❤️

  11. الحمدالله على سلامتك
    ولأنك هيفا التي ما إن تفكر الا وتترجم افكارها لخطوات تنفيذ لك ِ مني هذه الموسيقى مفضلتي حين أرقص قد تستهويك ذات رقصة ترتكز على قدمك اليمنى 🙂
    https://www.youtube.com/watch?v=n_BHJNAJk8Q

    لن أفكر أكثر من مرة لكيلا أتراجع عن كتابة التعليق فهذه المرة الأولى التي أعلق لا اعرف مالذي تغير اليوم ولم تكن مجرد محاولة للتعليق كالمحاولات السابقة بعدد تدويناتك هنا أو ربما أعرف ربما تفكيرك بكتابة تدوينة وداع ..

    هيفاء هذه التدوية لا تنتظرها منك
    بقدر ماننتظر منك أي سطور هنا أو حروف في تويتر
    وليتضح لك القدر، أنتظاري أنا شخصياً يتترجم نقرات مع كل صباح أو مزاج جيد على المفضلة تتحول في أوقات الشوق الى نقرة واحدة فحينها تظهر قصاصات ملونة في نوافذ الوصول السريع للمتصفح لكثرة الزيارة هههه

    جمال المساحات هنا لا يلخص أتمنى أن تدوم عليه ألوانه .

    1. أهلا نوف،

      أحب الموسيقى هذه كثير، شكرا لك.
      أتمنى أن أعود لمعدل تدويني السابق، قريبا ان شاء الله.

  12. صباح الخير يا هيفا 🙂

    انا بواظب على قراية مدونتك بقالي سنتين تقريبًا، انتي شخصية جميلة وناجحة حقيقي
    متبطليش كتابة وإلهام ليكي وللناس اللي حواليكي، وانا منهم 🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.