الثلاثاء – ٦ يوليو

كان طريق العودة للمنزل اليوم طويلًا أطول من المعتاد ربما لأنني كنت انتظر اللحظة التي ارتمي فيها على سريري واتأمل السقف بصمت وهي الفقرة المحببة من اليوم. لا أغفو بعد ساعات العمل لأن نتيجة قيلولات السابعة مساء كارثية. أحبّ هذه اللحظة وأعتقد بأنني كتبت عنها في تدوينة سابقة: هذه اللحظة الفاصلة بين يوم العمل والخروج لعائلتي وإخوتي والحديث والاستمتاع ببقية الأمسية. خلال الأسبوعين الماضية وجدت نفسي أعمل حتى التاسعة مساء بلا توقف، ابحث واقرأ واكتب وأقفز بين المهامّ وهذه مشكلة العمل على أكثر من مشروع في نفس الوقت. لكنني اخترتُ ذلك بوعي، لم يجبرني أحد على العمل على أكثر من مشروع وتقسيم وقتي وعقلي وروحي. أحيانًا أنسى أيّ الهيفات أنا؟ تذكرت موقف طريف حدث خلال جلسة نقاش بؤري (الترجمة العربية Focus Group) نعم الترجمة غريبة وجديدة عليّ. خلال النقاش سُئلت عن رأيي حول حملة تسويقية وكنت اتحدث في البدء عن نفسي كهيفاء. ثمّ شرحت أن هيفاء التي ليست أنا ستفكر هكذا وهكذا. بعد انتهائي من الحديث صمتت قليلًا وكدت انفجر من الضحك. ما هذا التعبير؟ واليوم في الحقيقة أفكر أين هيفاء التي أقسمت قبل سنة تقريبًا ألا تدفع بنفسها للحافة بكثرة المشاريع والأفكار. وأن تلتزم بمشروع واحد لفترة واحدة.

لا أعلم.

في الصورة الخارجية أحمل صينية مليئة بالأكواب الزجاجية وأمشي بتوازن على حبل معلق بين بنايتين. لكن الواقع يقول أن الأكواب كُسرت كلها وأنا اتأرجح على حافة الهاوية.

حسنًا بالغتُ قليلا.

اليوم أحد الأيام التي أعود فيها إلى المنزل وأذكر بضبابية كل المهامّ التي قمت بها والأحاديث التي تبادلتها مع الآخرين من حولي. أذكر أنني عطشت قليلا، ثم مررت الصيدلية في طريقي واشتريت فرشاة أسنان جديدة لا أذكر لونها الآن، وعلبة فيتامين ج ومعجون أسنان لمعالجة الجير. هذا هو الأسبوع العاشر من ارتدائي لقوالب تقويم الأسنان، تبقى ثلاثة وتنتظم من جديد. وهذه المرة الثانية التي أقوم فيها أسناني، لم اهتم كثيرًا للمسافات التي ولدت بينها لكنّ تراكم الجير وخطر تهاويها بعد عدة سنوات دفعني لاختيار طريق العلاج. أتمرن كلّ صباح على ابتسامتي الجديدة وابتهج متجاهلة المبلغ الذي ثقب ميزانيتي لعدة أشهر.

تعرفون التعب الذي يدفعكم إلى البكاء على أنفسكم وكأنكم تقرؤون قصة حزينة؟ هذا هو التعب الذي أشعر به الآن. أعمل بجدّ ولا أرى أبعد من نهاية الأسبوع. خططي مختصرة ومحددة وتقويمي في شكله الأكثر مرونة من سنوات. إذا استيقظت ولم أشعر بالرغبة بالخروج أو الحديث أفعلها. إذا شعرت بالنعاس باكرًا وقد وعدت بالخروج للعشاء، أتمدد وأنام. لا أحب هذه الحالة لكنني أعرف يقينًا أنها عابرة. هذه كآبة الصيف؟ لا أحب استخدم مصطلحات قوية مثل الكآبة بهذه السهولة والعفوية. شاشة تنبيهات مهامّي تومض: تبقى مهمتان لهذه الليلة. آخذ نفسًا طويلا وأفكر ما هو تقييمك للموضوع يا هيفا؟ هل ترغبين في القيام بمزيد من العمل لهذا اليوم؟

أواصل الكتابة هنا، هذا ما أودّ التركيز عليه خلال الدقائق القادمة.

يوم الأحد الماضي قدّمت ورشة عمل ليومٍ واحد حول رواية القصص الشخصية، أحببتها كثيرًا منذ لحظة التخطيط لها واستقبال طلبات التسجيل حتى نهايتها وإرسال العرض الذي قدمته. شعرت بخفتها في روحي أكثر من أي ورشة أخرى. ربما لأنها تتحدث عن أكثر شيء أحبّه واحتاجه في أيامي: رواية القصص الشخصية.

حضرت أختي منى الورشة وكانت متحمسة لها مسبقًا. أنهت مناقشة الدكتوراة الشهر الماضي وبنهاية الشهر الحالي تنتهي رحلتها الطويلة في بلاد العمّ سام. آخر مرة جلسنا سوية، تحدثنا، ضحكنا، مشينا، وسهرنا، واحتضنتها قبل عامين. توداعنا عند باب فندق وتوجهت للمطار بينما توجهت هي لأحزن زاوية في المدينة. اسميها هكذا لأنها محطة باصات حزينة لا أذكر أنني ابتسمت فيها أبدًا. إما أنني أودع أحد اخوتي أو أقف وحيدة بانتظار رحلتي.

لا أعرف كيف كانت حياتي ستكون دون مكالمات فيستايم اليومية التي تسبقها منى بـ: «الي فاضي يكلمني». نتحدث لساعات، ونشاهد البرامج والفيديوهات ونجرب تقنيات مثل Watch Party التي تتيح لنا مشاهدة فيلم أو مسلسل في نفس الوقت ومن عدة مواقع. وإذا لم تكن هذه التقنية فعالة؟ نستخدم أقدم تقنية لضبط الوقت، نصفّر الفيديو، ونعدّ للثلاثة ونبدأ المشاهدة.

اشتقت لمنى كثيرًا ويهوّن عليّ هذا الشوق أنها ستعود إن شاء الله ونجتمع من جديد. عشر سنوات؟ أكثر؟ فقدت شهية العدّ بعد السنة الثالثة. وفي كلّ مرة نجتمع في نيويورك وتضطر للمغادرة باكرًا تُظلم المدينة وتطبق المباني على قلبي. هذه الأسابيع صعبة بسبب كل هذه المشاعر بسبب المنعطفات التي تنتظر والخطوات التي يجب أن أبتّ في أمرها بسرعة لأن إطالة مداها غير مجدٍ.

يقول لي عقلي: اضغطي أسنانك أنتِ متوترة. اسأله لماذا؟ ويقول لا أعلم فقط اضغطيها!

احتاج إجازة.

وكتاب لذيذ وممتع.

الكثير من الشمس والبحر والنوارس.

والبوظة، جالونات من البوظة.

حينها فقط قد يستقيم مزاجي ويعتدل.

.

.

.

.

[Photo by Édouard Boubat]

11 تعليقا على “الثلاثاء – ٦ يوليو”

  1. أحب سلاسة كلماتك. تدوينة تبعث بالانسجام بالرغم من التعب الذي تحكي عنه، أتمنى لك أيام هادئة ومليئة بالانجازات سواء على المستوى الشخصي أو العملي يا هيفاء.

  2. اصبحت الساعه الثانيه صباحا وانا احاول ان انهي يومي، من شدة التعب استحوذ الأرق على وسادتي، فتقلبت وتقلبت، تذكرت انه هناك بعض الايميلات التي لم ارد عليها، قاومت فكرة ان افتحها ولكن فكرة انه ” اصلا مو جايني النوم” دفعتني لافتحها. طبعا كمية ” شيلة هم” كبيره ملأت قلبي، ولا شعورياً اخذتني اصابعي لاتصفح اي شي لكي اسلى.. ووقعت ع هذه المدونه.. اقرا كل حرف وانتمي إليه.. اشعر بما تشعرين.. وداخل نفس دائرة الملامه.. والسؤال يتكرر( الى متى تركضين.. والى اين..والاهم لماذا .. حقاً لماذا هذا كله؟ ) تنهل الاجابات كالمطر فوق رأسي ولكن كلها غير مقنعه.. اعتقد ان الذي حقا يحدث نحن فيه علاقه مغناطيسيه مع الاجهاد طالما نحن من سكان المدينة.. تحديدا الرياض. لا اريد ان اكون متشائمه.. ولكن الى الان بعد ثمان سنوات عمل.. اجد انني افشل في المحافظه ع اخذ الحياة بوتيره ابطأ.. انجح فتره وافشل فتراااات. الله المستعان 💕
    شكرا انك عبرتي عن الي بخاطري في الساعه الثالثه فجراً الان.
    كل الحب والموده لك هيفاء 🤍

  3. شعرت أن هناك هيفاء تقوم بالأدوار الرئيسية بتسلط تعترض عليه هيفا لكن بصوت خافت لم يصل منه للأولى المنغمسة بجدية المسؤولية التي اقنعت نفسها بها الا طنين يقلق راحتها لكن لا يوقفها عما همت به 💭

  4. مبروك تخرج منى،
    تقويم الاسنان خوفا من ان تتهاوى، اعلني مشكلة مشابهة، اذن يجب ان افكر بحل مثلك! التقويم اللي عملته ايام العشرينات صنع حلا لتقدم الفك العلوي و الان الفك السفلي يعلن التمرد😣

  5. معلمة المدرسة، والدة صديقتي، عمتي، جارتي
    هم أصدقائي، أحب الخروج معهم وسماعهم وتحريك شيء من جمودهم بحيويتي و استظرافي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.