عن تدوين اليوميات

بدأت كتابة يومياتي بعمر العاشرة تقريبًا. لم أكن واعية لفكرة تسجيل اليوميات بشكل كامل، ربما شاهدت شخصية محببة تفعلها -كانت جودي أبوت ربما- لكن السبب الرئيسي هو رغبتي في الحصول على المذكرة السنوية التي تصل والدي من الشركة ولا تتأخر كل سنة. غلافها الجلدي الرائع، حواف الصفحات الذهبية، شريط المؤشر الحريري الأنيق، والصفحات الأولى طبعًا: تحويل المقاييس، مفاتيح الاتصال الدولي التي لم استخدمها إلا بعد ٢٠ سنة لاحقة. بدأت الكتابة وكانت أكثر شيء أكرهه في ذلك العمر. خطي سيء وإملائي كذلك. كنت أحب القراءة أكثر وكانت كتابة اليوميات فرصة لتمرين يدي. كتبت لنفسي، وللأصدقاء، خيالاتي وكوابيسي وأحلامي. لم تأخذ كتابة اليوميات شكلها المناسب إلا بعد عمر ١٥ تقريبًا. احتفظ اليوم بمذكرة من ١٩٩٧، السنة التي شهدت احتكاكي الأول بالموت والفقد، كتبت عن كل شيء حدث في الرحلة التي سبقت وفاة جدتي لأبي. حتى سرعة سيارتنا التي لم تزد عن ٨٠ كيلو على طريق الدمام-الرياض بسبب عطل غريب وخشية والدي أن تتعطل تمامًا.

كانت رغبتي بتدوين اليوميات متغيرة بحسب أحداث حياتي، أذكر مثلا أن الصف الثالث الثانوي كان وسيبقى غائمًا لأنني اخترت أن انشغل بالدراسة ومتاعبها وألا أدون عنها. نصيبي من الذكريات في تلك السنة بطاقات الميلاد، وتواقيع الصديقات في توديع المرحلة قبل أن تفترق طرقنا. ولا يمكن أن أسمي هذه يوميات لأن الآخرين ساهموا في كتابتها معي. في فترة أخرى كان التدوين مرتبط بالحميات الغذائية المختلفة التي أتبعها آنذاك، ومعها احتاج لتدوين وجباتي بالتفصيل لمراقبة طعامي ووزني. توقفت عن فعل ذلك تمامًا تجنبا للضغوط والإحباط. عدت في الجامعة للتدوين إنما إلكترونيًا. وقتها اكتشفت برامج معالجة الكلمات، والبريد الإلكتروني، وأصدقاء المراسلة، ولاحقًا المنتديات. يمكنني القول إن يومياتي منذ دخلت خدمة الانترنت بيتنا تفرقت وتوزعت في حافظات الذاكرة المختلفة. لكن حتى بوصولي لعمر العشرين لم تكن عملية التدوين لأي أسباب سوى تسجيل الذكريات. لم اكتشف سحر أثرها العلاجي، والمحفز، والداعم للخطط وأهداف الحياة إلا لاحقًا. ربما كان عمر الثلاثين هو المنعطف الذي غيّر كلّ شيء. حتى شراء المذكرات السنوية صار لحظة احتفال. لم أعد انتظر المذكرات المجانية المطبوعة بأسماء الشركات وخرائط الشحن وناقلات النفط. أصبحت اختار المذكرة بلون يكون لون السنة القادمة ويحدد مشاعري نحوها.

تدوين اليوميات كان في مرّات كثيرة وسيلة لتثبيت أحداث معينة، حوارات، مواقف. كنت أعود إلى ما كتبته لأثبت وجهة نظري، أو علاقتي بحدثٍ ما. بعد فترة من الكتابة لهذه الأسباب بدأت أشعر بالضجر، واكتشفت بأن أغلب الصفحات تميل إلى السوداوية وللأسف “افتعال الدراما”. تدريجيًا نضجت تجربتي، ومعها تعددت المذكرات التي استخدمها، هناك تدوين يوميات للمستقبل وفيه المواعيد والمشاريع والأهداف القريبة والبعيدة حتى لا أنساها، وحتى أضع نفسي تحت تقييم إلى حدّ ما. تقييم لا يشكل ضغط كبير لكن بالصورة الشاملة للسنة مثلا: أريد تعلم مهارات جديدة، قراءة كتب في موضوع معين، السفر، لقاء الأصدقاء والعائلة في مناسبات مختلفة. هذا التدوين بالنسبة لي ملموس وواضح. المذكرة الثانية لا تخضع لتقييم أو ضبط مواعيد، تلك التي تبقى بجانب رأسي وأفرغ بها مشاعري نهاية اليوم. أكتب فيها عن التساؤلات التي تعبرني، الأحلام الغريبة، وأدوّن فيها إجابات للأسئلة التي تشاركها معي المرشدة -وهذا بدأ في ٢٠٢٠- لنعود إليها وقت الجلسة. قرار فصل المذكرات هذا ساعدني في الاسترسال بالكتابة الشخصية، لستُ أخشى ترك مذكرتي على مكتبي مثلا، أو في مكان العمل لتكون عرضة للتلصص. تلك في غرفتي في المنزل والأخرى تذهب معي في كل مكان.

وكما لاحظتم خلال هذا السرد، أنني تحولت تماما من التدوين الرقمي للتقليدي. حاولت اعتماد مذكرة الهاتف للتدوين اليومي لكن لم أجد فيها حميمية ومتعة الكتابة على الورق. في تطبيق الملاحظات ستجدون روابط لمواقع أود مشاركتها، لائحة تسوق من السوبرماركت، وصفات طبخ، كلمات أغنية مررت بها وأعجبتني، رسالة تدربت على كتابتها وترددت فيها قبل نسخها وإلصاقها في برامج المحادثة، أدعية، وأي شيء أودّ الوصول إليه سريعًا ومن أي مكان.

إذا كنت سأشارككم أجمل الأفكار التي مررت بها واعتمدتها في تدوين اليوميات ستكون كالتالي:لا تضع جهد كبير وقيود على نفسك في الكتابة، اكتب متى ما أحببت، كيفما أحببت.

– اختر وقت الكتابة المناسبة لك. هناك من يحب الكتابة الصباحية لأنها تصبح عامل مهدئ، تستقبل اليوم وقد نفضت عنك أي مشاعر أو التباس أو توتر قد يحول بينك وبين مواجهة اليوم والعمل. وهناك من يلجأ للكتابة في نهاية اليوم للتخفف. جربتها كلها لأسباب مختلفة وكانت مناسبة لي.

– استخدام الأسئلة كمحفز للتدوين سواء أسئلة شخصية من قبلك أو باستخدام المذكرات التي تحمل أسئلة وتلميحات للكتابة Writing prompts.

– جربت مفهوم صفحات الصباح الذي تعرفت عليه من خلال جوليا كاميرون، النقطة الوحيدة التي لم التزم بها هي أنها توصي بعدم العودة لفوضى الكتابة التي تتركها، وأنا في الحقيقة أعود لها لاكتشف الأفكار والمشاعر واستفيد منها مستقبلًا.

– كنت أقاوم الكتابة عن الأشخاص في اليوميات لكن استسلمت للفكرة وكانت ناجحة، الكتابة عن الآخرين في سياق علاقتنا بهم والمواقف التي نمر بها يساعدنا على اكتشاف جوانب في أنفسنا. من هم الأشخاص الذين يخرجون أفضل ما فيك؟ من هم الذين يقلبون حياتك رأسًا على عقب؟ كيف تستطيع النجاة والتغيير؟ وهكذا.

– قبل عدة سنوات اكتشفت مفهوم المراجعة الشهرية Monthly Review عبر مدونة Zen Habits، فكرته تعتمد على مراجعة الشهر في نهايته، بالإجابة على عدة أسئلة:

ما هو العمل الذي أنجزته؟

ما هي المشاريع التي تقدم العمل فيها؟

بالنسبة للتعلم الشخصي ما الذي حققته؟

ماذا حققت في مجال الصحة واللياقة؟

هل مررت بأحداث هامة تريد تذكرها؟

ما هي المفاجآت غير المتوقعة التي مررت بها؟

ماذا تعلمت هذا الشهر أو اكتشفت واحتاج تذكره؟

ما هي أهداف الشهر المقبل؟

كانت فكرة المراجعة هذه مريحة في حال شعرت بالإحباط أو ظننت بسبب قسوتي على نفسي أن الشهر كان بلا منجزات أو فائدة. الجلوس نهاية الشهر والإجابة على الأسئلة والتنقل بين المذكرات، والصور، والأحداث ممتع جدًا. وهو وسيلة للتطور وتحسين جودة حياتك.إذا كانت الصفحات المرقمة أو التي تحمل تواريخ للأيام والشهور تزعجك، اقترح اقتناء مذكرة بصفحات خالية منها. وهذا ما فعلته قبل عدة سنوات عندما اخترت تدوين اليوميات الشخصية في مذكرة بلا تواريخ محددة. تمرّ بعض الأيام ولا أشعر بأن لدي رغبة للكتابة أو طاقة وعندما أعود لها مجددًا لن تكون هناك صفحات خالية.

– كتابة اليوميات لا تعني كتابة نصوص طويلة، أو تحتاج قدرة خارقة للتعبير. في أحيان كثيرة أدون يومياتي على شكل قوائم مفضلة، أو قوائم أفكار، أو مشاعر مررت بها. كلام مختصر وواضح ومناسب للحظة.

– تدوين اليوميات مفيد لجوانب الحياة المختلفة، أعرف مثلا أشخاص يدونون يومياتهم المهنية، وهذا يساعدهم في تقييم أنفسهم والاستعداد للتقييم السنوي مثلا. أيضا يساعدهم ذلك في حالات التعلم، والدخول لمجال جديد عليهم.

هذه التدوينة قد تطول ويمتد الحديث فيها لأيام. حاولت الاختصار قدر الإمكان ومشاركتكم ما وجدته مفيدًا وممتعًا. أيضا يمكنكم الاطلاع على هذا الملف الذي شارك في كتابته متابعو المدونة. تركت التعليقات بدون معلومات شخصية للمحافظة على خصوصيتهم. اطلعوا على تجاربهم الشخصية التي قد تثير اهتمامكم وتحفزكم للبدء. أيضا يمكنكم زيارة الروابط أدناه للمزيد من الإلهام والفائدة:

What I Learned by Journaling for 30 Days

How I Journal and Take Notes | Brainstorming + Focusing + Reducing Anxiety | Tim Ferriss

The Art of Journaling: How to Start Journaling, Benefits of Journaling, and More

The 15-Minute Habit Worth Making Time For

The Life-Changing Habit of Journaling

Photo by Paico Oficial

.

.

.

7 تعليقات على “عن تدوين اليوميات”

  1. ماشاء الله عليك .. انا سمعت بودكاستك مع عبدالرحمن بومالح .. وفكرت وقتها كيف ابدا اكتب مدونات عن نفسي مثلاً .. دائماً البداية صعبه .. ماني عارف كيف ابدا احس انها راحت عليّه كتابة المدونات بسبب العمر وكذا .. طبعا انا من مواليد 1994 .. لو عندك نصيحه تقدمينها اكون شاكر .. 👍🏼

    1. مرحبا ماجد،

      ما فيه شيء اسمه راحت عليك!
      لو لك رغبة وحماس ابدأ بالتدوين في الأشياء الي تحبها، لا تجبر نفسك على الكتابة في مواضيع ما تهمك لمجرد حصد القراءات، وشارك تجاربك.
      هذي هي نصيحتي الدائمة للمدونين

  2. مدونة مفيدة، لكاتبة مبدعة، ملهمة، تعلمنا منها الكثير
    واستفدنا من تجاربها المتنوعة.
    دمتي بخير،،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.