فاصل هادئ

١

أكتب هذه التدوينة من غرفتي بعد انقطاع أسبوعين عن الصباحات فيها.

كانت العودة لمقرّ العمل مؤقتة بسبب مشاريع تحتاج حضور وتفكير جماعي. واليوم من جديد في غرفتي والنافذة مفتوحة تنقل أصوات العالم الخارجي والشمس منعكسة على المرآة الضخمة وقطّتي فزِعة من ظلها المنعكس على السقف. تهاجمه تارة وترتمي على البلاط تارة أخرى لتراقب ذيلها وهو يرقص مع انعكاس أشجار الجيران. حفلة ظلال ونور. المؤجر الذي نسكن في بيته يسكن ملاصقًا لنا، وكأن غرفنا امتداد لغرفهم. يمكنني سماع كعب الفتيات المتأنقات مساء. وفي وقتٍ آخر يشاركني الأطفال المتخمين بالسكّر أحلامي وأفكار ما قبل الغفوة. يركضون ويقودون دراجاتهم ويضربون الزجاج بالكرة. لقد اعتدت على هذا الصخب لدرجة أني احتاج التعود تدريجيا على النوم في غرفة هادئة كلما ابتعدت عن غرفتي. من النافذة يصلني صوت الجدة والأم والحفيد -أو الحفيدة-. إنه الموعد اليومي لتعرضهن للشمس مع الرضيع. صوت طفل يلعب، وأم وجدة يناغينه. موعدهم ثابت ويتحرك قليلا مع تحرك الشمس وحالة الطقس. يؤنسني وجودهم وكأنني جزء من شرفتهم الممتدة. وتنتهي هذه الفقرة الممتعة بعودتهم للداخل مع أذان الظهر الذي يتبعه تشغيل آلات الحفر والتكسير في الحارة. الأرض التي كانت مثل مساحة تنفس أمام شارعنا تتحول تدريجيا لبناية ضخمة.

٢

لقد كانت النيّة الأساسية من توقفي العودة للداخل والتفكير في كلّ شيء.

ذهبت في العمق للإجابة عن الاسئلة التي تركتها مرشدتي بين يديّ منذ سبتمبر الماضي: ما هي التزاماتك في الحياة؟ وما هي الأشياء التي تفعلينها بحبّ وعفوية؟ بمجرد أن أوقفت زرّ التشغيل للمشاركة كأنني دخلت في فقاعة تخصني وحدي. حتى أثر الشبكات الاجتماعية تغيّر فورًا. تخلصت من هلع فوات الأشياء والقصص. والحقيقة أنني لم أنقطع تمامًا عن دخول حساباتي على الشبكات الاجتماعية. واخترت قائمة مختصرة من الأصدقاء، والفنانين والمدونين الذين أحبهم وأطلّ عليها من وقتٍ لآخر، فما من سبيل للاقتراب منهم إذا أقفلت كلّ الأبواب. الجديد في الموضوع أنّي اخترت المشاهدة والتحليل وحبس اللحظات بداخلي دون الحاجة للتعليق أو التفاعل، أو إعادة المشاركة. عدت لمتعة المكالمات الهاتفية الطويلة، وزيارات المنازل وفناجين القهوة الملونة. صحيح أن العالم كان تحت تأثير الجائحة، ولم يتغير شيء. لكن ذهني كان حاضر ومستعد ومتحمس أكثر. فتحت قوائم رغبات قديمة وهوايات ومشاريع. وعدت لإتمام الفصول المتبقية من كتابي الذي أملت أن يظهر للنور العام الماضي، وربما كان تأخيره فكرة جيدة!

٣

بجانب مكتبي لوحة ملاحظات أثبّت عليها القصاصات والصور العائلية والذكريات. وأحيانًا أترك عليها أوراق ملاحظات دوّنت فيها أفكار خلال العمل لأعود إليها.

في إحدى أيام نوفمبر وبينما أنا منهمكة بالعمل والكتابة التفتت للوحة وانتبهت لقصاصة مخفية خلف الصور والبطاقات. كتبتُ عليها بالإنجليزية: How would it feel without obligations or limits? كيف ستشعر بلا التزامات أو حدود؟ من الورقة أعرف أنها مكتوبة بين ٢٠١٧- وبداية ٢٠١٨. كيف عرفت؟ لأني أذكر دفاتر الملاحظات وأحبّها. أظنها كانت مرتبطة بورشة “كيف تصمم يومك المثالي؟” لا أذكر الآن، لكن السؤال اللطيف أعادني لسؤال المرشدة. وحاصرتني هذه الفكرة -بشكل جيد- خلال الشهرين الأخيرة من العام. إن التوقف عن المشاركة والكتابة والنشر في المدونة أظهر لي إلى أي مدى أصبحت منغمسة في القراءة والبحث اليومي عن مواضيع يمكنني الكتابة عنها. لم تكن مرتبطة باهتماماتي الحالية، والدليل أن توقف التدوين صاحبه القراءة في مواضيع مختلفة. هل اتضح لكم مقصدي؟ كنت أقول لأخواتي: هل أنا أقرأ هذا الكتاب لأنني أريد قراءته الآن أم لأنّ المتابعين يرغبون في معرفة محتوياته وما إذا كان ممتعًا؟ هل أنا أشاهد هذا الوثائقي أو المسلسل لأنني في مزاج للمشاهدة أم لأنه جديد وقد يكون نشر مراجعة حوله فكرة ممتازة؟ وهكذا كانت الأسئلة تستدرج المزيد من الأسئلة وأنا أتأمل وابتسم واكتشف. لقد حولني العمل في التسويق وصناعة المحتوى الرقمي إلى وحش أرقام! كانت مدونتي وحساباتي على الشبكات الاجتماعية مساحة لاكتشاف أفكار التسويق التي أطبقها على العملاء. أقول لقد نجحت الفكرة والدليل إليكم يا أعزائي هذه الاحصائيات المذهلة! التركيز في الموضوع سبب لي الغثيان في بعض الأوقات. عدت لأرشيف المدونة وبدأت بقراءة التدوينات للتحقق من صحة مشاعري واكتشافاتي. وجدت أدلة عملية كثيرة. المدونة في وقتٍ ما ستكون صالحة لدراسة حالة، كيف تحول هواية إلى عمل تكرهه، أو كيف تصنع ملف إنجاز من تدوينات شخصية وتتحول إلى روبوت. إلخ.

حسنًا بالغت! كثير من التدوينات لها طابع شخصي حميم وأحب العودة إليها لأتذكر أنّ التدوين بهذه الطريقة يشبه الكتابة في مذكرتي الورقية. تصلح هذه الفكرة لتكون بوصلة أو مرساة تعيدني كلما ظللت الطريق. والآن ماذا؟

٤

في الفترة الماضية تحوّلت بالكامل إلى التعلم والترفيه الشخصي. أقضي ساعات اليوم في العمل وفي المساء استرخي، واتابع المسلسلات، وأحيانًا أقرأ لو وجدت كتاب ممتع. بدأت أيضا القراءة المتخصصة حسب الحاجة، إذا تطلب العمل ذلك أو رغبت بتطوير جانب من حياتي. الكتب دائمًا فكرة جيدة، وتأتي بالنسبة لي قبل مشاهدة الفيديوهات والاستماع للبودكاست. أصبحت اتعامل مع العالم الرقمي من حولي وكأنه أداة مساعدة، أو مكمّل غذائي. وتعلّمت أن أحصل على القبول والمكافآت بشكل ذاتيّ، وبالتالي خفتت تدريجيًا الأصوات التي تطالبني بالنشر لجمع الأرقام والإعجابات لاحتفل في نهاية اليوم بمنجزي. لم أضع الكثير من الضغوط على يومي واخترت قائمة قصيرة جدًا أشطب نقاطها قبل الغفوة مساءً. أصبحت كمن يتعلم هواياته من الصفر، أعود لكلّ شيء بعين جديدة ومشاعر مختلفة. وكلما شعرت بأنني انزلقت لاكتناز المعلومات والركض بين الصفحات، اتحقق من بوصلتي واسترخي.

الشيء الممتع في الموضوع: ارتفع معدّل الإنجاز بشكل ملحوظ! والمهامّ التي تحتاج مني يومين إلى ثلاثة أجلس لإتمامها خلال ست ساعات أو أقل.

٥

مع نوفمبر تغيّرت أشياء كثيرة. استعدت شهيتي للحياة بعد أن فقدتها في منعطف ما خلال السنة. جربت أشياء جديدة، وعدت لحماس الانتظام على فكرة أو تغيير حتى يصبح عادة. لم يكن هناك ممانعة شديدة كما واجهت في الأشهر الأولى. هدوء عامّ وغامر. وتذكرت عندما بدأت السنة وفي مجموعة من الأصدقاء عبّر كل شخص عن هدفه من العام وأذكر جيدًا أنني قلت: السلام أكثر من مرّة، وربما أشرت للحبّ والبحث عنه. اليوم أنا أحبّ نفسي أكثر من أي وقتٍ مضى، وأشعر بالسلام بعد عاصفة طويلة. أعمل بمبدأ قيادة السيارة بلا مرآة خلفية Rear-View mirror، أذهب للأمام فقط ولا ألتفت. لأن الالتفات سيكون كارثيّ على التركيز.

٦

الفاصل الهادئ يضعك بمواجهة “دراما” الأيام التي تظن بأنك تتفادها بالتخلص من أشياء تحبّها أو استبعاد هواية أو نشاط تحمّله وزر هذا التعب والفوضى. تكتشف أن المشاكل لا تختفي بمجرد أن أغمضت عينيك أو وضعت اللحاف على رأسك. وللأسف في أحيان كثيرة ستستيقظ لتجدها تتمطى على حافة السرير وتنتظر الخروج معك. هل حللت كلّ مشاكلي؟ لا. لكن أعدت ترتيب مساحتي ورأسي وتنفست قليلًا وكتبت كثيرًا لأصل إلى مكان جيد في نفسي. بدأت التنظيف من زاوية الغرفة وانتهيت بزوايا قلبي. نظفت الخزائن، وأعدت تدوير كلّ شيء ممكن تدويره، وجمعت الملابس التي ستجد بيتًا جديدًا لها. وانتقل التنظيف من غرفتي لغرفة الحمام المشتركة بيني وبين أختي، وضحكنا كثيرًا عندما وجدنا علب شامبو ومنتجات للشعر انتهت من ٢٠١٣، والمفزع في الموضوع ليس كونها انتقلت من الجبيل للرياض وحسب، بل تنقلت بين ثلاث بيوت! وغيرها الكثير من العلب التي جاءت كهدايا، أو عرض تسويقي لنجربها ونكتب عنها وهذه حياة أخرى. أصبحت مساحتنا ونظيفة وتشبه تخففنا الذي نطمح إليه. تشبه أيامنا التي نحاول عبورها بأقل فوضى ممكنة. لقد أفرغت خزائني لدرجة أن الحديث في الغرفة أصبح له صدى خفيف. وفي أيام أخرى سيكون السؤال: متى نملأها مجددًا؟ لكنني عازمة ألا أفعل. وإذا أمكنني التخفيف من الأشياء حولي بشكل أكبر سأفعل. الحياة مع كورونا أجبرتني على تخصيص مساحة عمل أكلت ربع الغرفة تقريبًا، وربما مع تحسن الأوضاع (المادية والعالمية) سأبحث عن مكان أنقل له مكتبي ومكتبتي بحيث تكون مساحتي مخصصة للنوم والراحة فقط.

٧

يعيد الناس اختراع أنفسهم دائمًا.

فكرت في اللحظة التي سأقرر فيها العودة للحديث والكتابة -العلنية- من جديد. بعد الثامن من أكتوبر والتدوينة الأخيرة قبل الانقطاع، فكّرت في التدوين كلّ يوم. كل شيء أمامي كان موضوع مهمّ للتدوين وكلما عبرت فكرة لذيذة ذهني واستيقظ شعور مخالف للضجر الذي أطبق على نفسي أضحك. أضحك لأنّني ولو رغبت باستدعاء كل هذه القصص لم تأتِ. وبمجرد أن ذهبت لمكان آخر، مكان يغلب عليه الصمت والتأمل، استيقظت الحكايات وتجمّعت في حلقي!

هذا الأسبوع أكملت مدونتي ١٣ عامًا. أحبها كثيرًا ولم أطق الابتعاد لأكثر من شهرين عنها.

فأهلًا بالعالم من جديد.

.

.

.

الفصل ٣٨: إلى لقاء

ظهرت الفكرة في البدء مثل إعلان لعطلة ساحرة، أو بوستر دعائي لشواطئ معزولة بنخيل وثمار جوز هند وسيّاح رائقون ينظرون للأفق. قاومتها طويلًا. وكنت أحيانًا أفكر ماذا لو فعلتها في ظل الجائحة؟ شاهدت الكثير من الأفلام والمسلسلات وقرأت القصص التي يستغل أبطالها كارثة عالمية للاختفاء تمامًا والعودة بهوية جديدة. كانت الفكرة درامية لذلك لم أعطها الحيز الذي تريد. بالإضافة إلى أن شهور الجائحة الأولى وضعتني في مأزق، مأزق الرغبة بالكلام والمشاركة والانشغال عن كل ما يحدث في العالم بالتدوين. مرت الأيام وبدأت رحلتي الخاصة في الاستشفاء والبناء. مرت الأيام واكتشفت الملفات المفتوحة والمرفوعة على رفّ أقصى في روحي. حان وقت علاجها وإقفالها.

لقد كانت عشرة أشهر كابوسية، وسعيدة، وملونة في نفس الوقت. هذا التأرجح لم يكن بسبب تأرجح مشاعري أو خلل فسيولوجي أثر على عقلي. إنها الحياة! قرأت قبل مدة مقالة أضعت الطريق إليها واحتفظت بجملة منها كتبتها في مذكرة اليوميات “يعيد الناس اختراع أنفسهم دائمًا.” وكأنني أعطيت نفسي الإذن بالبدء. كتبتها في يونيو الماضي بلا تعليق، فقط الجملة وتاريخ اليوم وتركتها. لقد توقعت كل هذا منذ سنوات، أن أصل للحظة مفصلية كهذه.

في البدء كان الانتقال لمدينة جديدة، ثم تغيير مسار العمل، ثم تغييره من جديد بشكل كلّي وتوديع كل ما يربطني به – إلا إذا استثنيت الاستشارات والتدريب-. لقد كبرت، وتغيرت، وتعلمت، وتوصلت لمفاهيم جديدة. يعيد الناس اختراع أنفسهم في الجانب المهنيّ بشكل دائم، بشكل هادئ، يبدأ بتغيير السيرة الذاتية، عدة دورات تدريبية هنا وهناك، وفرصة جيدة تتيح لهم القفز لمسار عمل جديد.

لكن ماذا عن الجانب الشخصي؟

أمرّ بأوقات صعبة منذ بداية العام، أحاول تفكيك نفسي وإعادة تركيبها، أحاول فهم نقاط الانفجار، لماذا حصل هذا؟ وكيف يمكنني علاجه؟  حصلت على مساعدة جيدة. وهذه المساعدة تدفعني للتفكر، والتأمل، وترتيب الأولويات. وقد وصلت لقمة الهرم الآن. احتاج فاصل تنفس طويل! أشعر بالضجر من الكتابة، والمشاركة، والتصوير، والحديث عن اليوميات والتجارب، كلها مجتمعة. أشعر بالضجر من الركض بين التغريدات ونوافذ انستقرام البراقة. لم استخدم هذه الكلمة لمرتين متتالية ربما لأنني كنت أخجل من الاعتراف بالملل. لكن هذا هو الشعور الغامر الآن.

احتاج فاصل تنفس طويــــــــــــــــل.

سأتوقف عن التدوين، والتسجيل، وتصفح الشبكات التي أجدني في نهاية اليوم ألهث حرفيًا من كمية المعلومات التي أثقلت كاهلي بها. هل من وقت محدد؟ لا أعلم! والآن تذكرت في بداية ٢٠١٧ عندما صرحت بأنني سأترك تويتر بلا عودة، رجعت للتدوينة وضحكت من حماسي وجهلي لما سيحدث لاحقًا. عدت وبقوة. لذلك لن أضع لنفسي إطار زمني. أنا لا أكتب هذه التدوينة بحثًا عن تعليقات أو محاولات لتثنيني عن الخطة، لا أبدًا. هذه رسالة شكر واحترام للقراء والمتابعين، وهي فرصة لأشارككم محاولتي في إيجاد طريقة أفضل للعيش.

وأنا احتفل بعيدي الثامن والثلاثين، قررت الابتعاد لإيجاد إجابات لنفسي. لإعادة اختراعها من جديد، لأحبّ نفسي، وأسامحها. ستكون المدونة متاحة لقراءاتكم ورسائلكم، كذلك المحتوى الذي نشرته سابقًا على تويتر، وانستقرام. سأبقي عليها لأنها مجتمعة حصيلة ١٣ عامًا من القصص والصور والتجارب التي ابتهج شخصيًا بالعودة إليها.

شكرًا لكم، شكرًا لكل الحبّ والمتابعة والدعم والتشجيع.

.

.

.

أمسيات ذات معنى

نقضي حياتنا ونحن نلتقي بالآخرين لأغراض كثيرة، لكنّ السؤال المهم إلى أي حد هذه اللقاءات أو الاجتماعات تكون ناجحة؟ عندما ننوي دعوة مجموعة من الأصدقاء أو الأقارب غالبا ما نركز على أمور لوجستية، ما الأطعمة التي سنعدها؟ أين سيكون الجلوس؟ ماذا نرتدي؟ كم عدد المدعوين؟ ونادرًا ما نفكر في هذا اللقاء على مستوى أعمق، كيف يتواصل الناس مع بعضهم؟

قبل سنتين تقريبًا تعرفت على كتاب بريا باركر “The Art of Gathering” وكان اكتشاف مهمّ في حياتي، ومنذ ذلك الحين وأنا أبحث عن طرق أفضل لتحسين جودة التواصل واللقاء بالآخرين. سواء كان ذلك في اجتماع عمل، أو أمسية عشاء.

استمعت للنسخة الصوتية من الكتاب وهي متوفرة في موقع Audible وفيه كثير من التفاصيل والأساليب المدعمة بدراسات استندت عليها أفكار باركر لتصميم اللقاء المثالي. قبل أن أوجزها لكن أرغب بالتعريف عن بريا باركر لوضع خبرتها أمامكم وربطها بالكتاب الذي عملت عليه.

بريا باركر ميسّرة لقاءات ومستشارة استراتيجية قضت حوالي ١٥ عامًا في مساعدة القادة والمجتمعات على خوض النقاشات الجادة، والمحادثات المثمرة في مجالات مرتبطة بالمجتمع والسياسة والهوية والأعراق، كما تلقت تدريبا متخصصًا في حلّ النزعات.

يستند كتاب باركر على الأفكار التالية:

١- اللقاءات-أو التجمعات- مهمة جدًا للتجربة الإنسانية، لكننا نغفل التفكير بها بشكل جدّي ويذهب وقتها -للأسف- في اتجاه غير ملهم وأقل من عادي. وبدلا من التفكير في حلول أفضل لتحسين هذه التجربة، نستمر على نهجنا الذي أثبت عدم فعاليته.

٢- يعتمد اللقاء الناجح على وضوح الهدف منه لجميع المدعوين. لماذا تجتمع العائلة كل خميس في بيت الجدّ؟ لماذا يلتقي الأصدقاء مرة كل أسبوعين؟ لماذا حدد المدير الثالثة مساء الأحد لاجتماع الأسبوع؟ والقائمة تطول. الكثير من لقاءاتنا بُنيت على عادة، أو اختيار آلي، ومهما تقدم الوقت نستمر عليها دون مراجعة لجدواها ومخرجاتها. سيفكر القارئ هنا: لماذا علينا أن نجد هدفا لكل شيء؟ هل يجب تحديد جدوى ومخرجات للقاء عفوي؟ لماذا تصعبون الأمر؟ وسأقابل هذه الأسئلة بسؤال مهم: هل يهمّك وقتك؟ وأفكر أيضًا في الحفلات الاجتماعية التي يقيمها الناس لسبب تقليدي آلي وتكلفة عالية دون تفكير “لقد تعودنا على ذلك”. التفكير في سبب الاجتماع بعمق سيمنحنا خارطة للقاء ممتع. هل السبب هو إحاطة نفسك بأحبتك؟ إذًا عشاء حميم ومختصر سيؤدي الغرض. إذا كان الهدف هو التعرف على مستجدات حياتهم، اختر جلسة هادئة بلا صخب، وبطعام بسيط خالٍ من التكلف.

٣- استعدّ لاستبعاد بعض المدعوين من القائمة. تتحدث باركر عن نقطة درجنا على التفكير بها: كلما زاد عدد المدعوين، كلما كانت الحفلة ممتعة. وهذا للأسف مفهوم غير مناسب بشكل دائم. إذا أردت أن تحقق لقاءاتك هدفها المنشود، قد يعني ذلك اختصار عدد الضيوف وانتقاء الأشخاص الذين يشعرون بالانسجام مع بعضهم البعض. قد يكون ذلك صعب في البداية لكن مع الاعتياد ورؤية النتائج ستشعر بالحماس لتكرار ذلك. هذه الفكرة تذكرني بعلاقاتي وصداقاتي المتنوعة. قبل اللقاءات الكبيرة أتواصل مع المدعوين وأبلغهم بأن الهدف من اللقاء كذا، وأنّ س من الناس سيكون هناك، هل هذا مريح ومناسب لك؟ هذا التساؤل اللطيف قد ينقذك من حرج دعوة ضيوف لا ينسجمون مع بعضهم أو يفضلون اللقاء معك في ظروف مختلفة.

٤- المضيف الذي يمارس سلطته يدير لقاء رائع مقارنة بالمضيف المسترخي أو الكسول. والمثال الذي سيقرب هذا المعنى للأذهان بشكل جيد: نحن نفضل أن نترك للضيوف حريتهم في التصرف، ونأخذ مكانًا جانبيا بعيدًا عن إدارة اللقاء أو الحفلة. “اخدم نفسك” “اجلس في أي مكان” “عرفوا بأنفسكم إذا شئتم” وغيرها من الاقتراحات التي تعفيك من بذل مجهود لضبط اللقاء. لكن الكاتبة تقترح ممارسة “السلطة” بطريقة هادئة. اطلب من ضيوفك الجلوس بطريقة محددة حول المائدة، أطلب منهم التعريف بأنفسهم في حال التقوا للمرة الأولى، ساعد المترددين في المشاركة في مسار الحديث وتنقل بينهم بالتساوي. قد يبدو ذلك غير منطقي في البدء، لكنها أفضل طريقة لتمنح كل الحاضرين القدر نفسه من المتعة.

٥- وضع قواعد وقوانين واضحة للقاء أو الاجتماع سيحررك بشكل مدهش! والقوانين اكتسبت سمعة سيئة مع الوقت، فنحن عندما نقول قوانين أو قواعد نتذكر المدرسة، الوالدين، والضجر والصرامة. هذه سمعة سيئة لكنها ظالمة. إذا اخترت قوانين تحكم لقاءاتك بشكل ذكيّ ستحصل على تجربة ممتعة وخلاقة. لنفكر في بعض القوانين التي تعزز من تواصل الحضور وقد مررت بها في مناسبات عائلية وعملية عدة، منها الحد من استخدام الجوال خلال الجلوس والحديث. أو دعوة الضيوف لسرد القصص الممتعة والكلّ يشارك، أو رواية تجربة مؤثرة. هناك لقاءات أخرى تتطلب منك عدم التقاط الصور أو تسجيل الحديث لتكتفي بالحضور الكامل. من جهة أخرى ينبغي ألا نخلط بين هذا النوع من القوانين “الجيدة” والنوع الذي يتسبب بالضغط على الضيوف، كتحديد ارتداء لون ملابس معيّن! أو إحضار أطباق محددة حتى وإن لم يجيدون تحضيرها. أرجو أن الفكرة اتضحت لك.

٦- الاحتفاء بالضيوف واستقبالهم باهتمام سيحدد مسار اللقاء بالكامل. لا يوجد أجمل من دخول ضيوفك لمكان معدّ لاستقبالهم، وتحيط بهم مساحة مرحبة ومهيأة. استغرب أحيانا من المضيف الذي يحدد موعد وصولك، ويستعجلك أحيانًا وعندما تصل على الموعد تجده يجري في كل الاتجاهات، غرفة جلوس تعمّها الفوضى وكأنك داهمته بلا موعد.

٧- تصميم اللقاءات التي يظهر فيها الناس ذواتهم الأصيلة التلقائية ليس ممكنًا وحسب، بل سهل جدًا! هذه الفكرة الأهم بنظري وهي التي دفعتني لتضمين أنشطة مختلفة لإيجاد مساحة لقاء حقيقية مع الآخرين. أحد هذه الأنشطة استخدام الاسئلة العميقة ومشاركة الإجابات لتظهر جوانب مختلفة من حياتنا. يظهر خوفنا، يظهر ضعفنا، ويظهر استعدادنا الدائم للاكتشاف والتغيير. الأمر أشبه باستخدام الـ Prompts أو المحفزات للحديث. قد تكون أداتكم بطاقات ألعاب ذكية، أو موقع بـ١٠٠ سؤال للتعرف على الأصدقاء، أو تمارين كسر الجليد إنما أكثر حميمية. هذا كلّه سيحدث في جوّ عفوي عندما تبدأ بنفسك وتشجع ضيوفك على القيام بالمثل.

٨- ختام اللقاء مهمّ كبدايته. في كثير من اللقاءات تأخذ الأمسية منحى مختلف ويخفت الحماس فجأة. تشارك باركر مثال لتوضيح الفكرة في الحانات ينادي الساقي قبل موعد الإغلاق Last call! والنداء الأخير هذا يعطي الجميع فرصة للاستعداد للخروج، أو طلب مشروب آخر، أو إنهاء محادثة عابرة مع زائر آخر. بكلّ الأحوال هذا النداء يثير انتباههم لنهاية الأمسية. ويمكنك بالطبع تطبيق مبدأ النداء الأخير في لقاءاتك، خصوصًا إذا كنت تعاني من المشكلة الشائعة بعد تقديم العشاء: هناك الضيوف الذين يستأذنونك خجلًا ليغادروا بعد أن أعياهم السهر، وهناك من يفضّل البقاء والسمر. لعلاج هذا الموقف تقترح باركر شكر الجميع بعد العشاء، وابداء تفهمك لمن سيغادر، ودعوة البقية للانتقال لغرفة الجلوس بعيدا عن فوضى الطاولة. ذلك يعطيهم الإحساس بقرب موعد المغادرة. تذكرت تقليدًا محليًا بعد تناول الطعام، ألا وهو إشعال البخور ودورانه في المجلس بين الحاضرين، وغالبا هذه طريقة تنبيه لطيفة فـ “ما عقب العود قعود” والضيف حينها يعرف أن الأمسية شارفت على الانتهاء. هناك الكثير من الأساليب اللطيفة لإنهاء اللقاءات، وأحبّ كثيرًا اللقاءات التي يصلني في دعواتها موعد المغادرة بوضوح. كما أنّ استشعارنا الذاتي وإحساسنا بالآخرين سيجعلنا نفكر في الوقت المتبقي من يومهم وكيف سيقضونه.

بدأت أنا والصديقة مها البشر مع مطلع العام الماضي -٢٠١٩- أمسية شهرية نلتقي فيها ونتشارك مستجدات حياتنا، نطهو العشاء سوية، ونقضي وقت غنيّ بالتجارب والمطالعات. أحبّ هذا اللقاء لأنه مكثف وواضح المعالم، فلا نقضيه في الشكوى، أو الحديث السلبي عن الآخرين، وعندما نناقش ما يشعرنا بالضيق فلأننا نبحث بوعي عن حلول ذكية له. التزمنا بهذا اللقاء حتى داهمتنا جائحة كورونا مع بداية هذه السنة، وعدنا إليها تدريجيًا عندما سمحت الظروف لذلك. أحبّ موعد اللقاء مساء الجمعة، والأيام التي تقودنا له. أحب اختيار الوصفات ومشاركتها لنرى كيف تتفق أو تختلف فتعطي مذاقًا رائعًا. أحب تبادل الكتب، ومشاركة الصالون الدافئ مع أطفالها، أحبّ صحبتنا التي تشعرني بأنني “غنية” معنويًا. لقد جسدت هذه الأمسية قواعد باركر سواء خططنا لذلك أم لم نفعل. وأدعوكم لتجربة الاستماع/أو قراءة الكتاب وتطبيق مقترحاته بينما نعيش واقع جديد يفرض علينا اللقاء بشكل مختلف.

سأترككم مع فيديو لبريا باركر تجيب فيه على السؤال: كيف يمكن لنا أن نغيّر لقاءاتنا اليومية من أجل التركيز على صُنع مغزًى بالتواصل الإنساني؟

.

.

.

لو الحياة رفوف سوبرماركت

١

“مهذبون جدًا وكلامهم مصفوف بعناية كأنّه صينية حلوى. لا يتكلمون في السياسة، أو الاسقام، أو الاقتصاد، أو أي شيء قد يعكر كدر المساء. هادئون، يتبادلون القصص اللطيفة، وتجارب الحياة.” لديّ ملف أكتب فيه مشاهد من الحياة، لا تنتمي لشيء، يوميات للمستقبل أو تصورات للحياة بشكلها المثالي. وقبل عدة أيام وبينما أبحث عن فكرة قديمة وجدت هذه السطور، قرأتها وتذكرت السياق الذي كتبتها فيه، كنت أتخيل شكل حوار عائلة في أمسية ما وهذا الوصف الذي خرجت به.  

٢

طلبت منّي مرشدتي تنفيذ مهمّة للأسبوعين القادمة، أعتقد بأنها طريقتها في التعرف على شكل علاقاتي والروابط المختلفة وأين أقع من كلّ هذا. تقتضي المهمّة كتابة وصف للإنسان الجيّد ما هي صفاته؟ كيف يتعامل مع الآخرين؟ كيف يعيش حياته؟ شيء مثل خريطة أو دليل إرشادي للإنسان الجيد وأنا لا أقول كامل لأن الكمال مستحيل. ومن جهة أخرى طلبت مني كتابة قائمة -طويلة إن أمكن- للالتزامات التي ربطت نفسي بها. ما من حدّ لهذه القائمة، التزامات العمل، الالتزامات الشخصية، الالتزامات في العلاقات. الهدف هو مدّ هذه السجادة الضخمة أمام عينيّ واكتشاف المواضع التي كانت الالتزامات فيها “ورطة“. بالإضافة إلى تأثير ذلك على علاقاتي خصوصًا، هل الالتزامات مرهقة؟ هل أطالب بمقابل؟ هل تعني هذه الالتزامات رفع سقف التوقعات مع الآخرين وبالتالي الشعور بالإحباط؟ متحمسة لإتمام التمرين ومتحمسة للنتيجة والتحليل.

٣

أحبّ رحلة التسوق في السوبرماركت، ولعدة أشهر مضت كانت تمثل الرعب الحقيقي، أذهب سريعًا والتقط احتياجاتي وأعود للمنزل. كانت رحلة السوبرماركت قبل كورونا رحلة التأمل الأسبوعي، والوقت الذي اختلي فيه بنفسي تمامًا. لا شيء سوى أنا وقائمة التسوق والرفوف. في الأيام الرائقة، أقضي الوقت في قراءة الملصقات لمنتجات جديدة لا اختارها عادة، أو ألمح من يحتاج مساعدة من المتسوقين وأمدّهم بها. وخلال الأسابيع الماضية عدت تدريجيًا لهدوء التسوق المعتاد، كورونا لم تغادرنا لكن خوفي فعل. هل سبق وفكرتم في الحياة كما لو كانت رفوف سوبرماركت؟ تنتقي المنتجات الأجود، تنحاز للخضروات التي لا تفسد سريعًا، تختار غذائك بسيط المكونات واضح المعالم، تبتعد عن كلّ ما زاد تصنيعه وجهلت مكوناته. والقائمة تطول طبعًا. ضحكت من الفكرة، وحدثت نفسي من جديد أفكك الأشياء وأبحث عن تفاصيل بعيده.

٤

عثرت على مذكرات من العام ١٩٩٧، كنت حينها في الصفّ الثالث متوسط. قرأت وضحكت وبكيت. تبدو هذه الإنسانة بعيدة وغريبة، ما زلت أشاركها الكثير من الاهتمامات والتفاصيل، لكن الأشخاص التي تحدثت عنهم وكأنهم أصدقاء الأبدية غابوا في النسيان. تحبّ فرقة Oasis البريطانية وما زالت، تحلم بزيارة اسكتلندا وفعلت بعد عشرين عامًا بالتمام، وتتابع بحماس حلقات مسلسل Law and Order المعادة عشرات المرّات. قرأت عن رعبها من نقصان الدرجات، ونوعًا ما نبهتني لتعلقها الشديد بالاعتراف بالامتياز، واتقان الأشياء، ربما كانت هذه طريقتها في الشعور بالحبّ والاهتمام، أن تحرز الدرجة الكاملة!

القوّة الخفيّة لتغيير هويّتك

مررت قبل عدة أيام بتدوينة شيّقة للكاتب ليو باباوتا ناقش فيها موضوع تغيير الهويّة (أو الشخصيّة) Identity. أحببت طريقة عرضه للموضوع وها أنا أنقلها لكم مترجمة بتصرفوأعيد نشرها في مدونتي.

القوة الخفية لتغيير هويّتك (أو شخصيتك)

لقد كان تغيير هويتي أحد أهم التحولات التي طرأت على حياتي. لم يحدث ذلك في يومٍ وليلة بالتأكيد، لكنني نجحت في تحقيقه عبر عدة جوانب من حياتي. على سبيل المثال:

  • كنتُ مدخنًا وأقلعت عن التدخين. ومنذ أن أقلعت، لم أعد أفكّر بالتدخين عندما أكون مضغوطًا أو متوترًا.
  • توقفت عن أكل اللحوم واعتمدت النظام النباتي (ولاحقًا النظام النباتي الصرف). لقد تلاشى اللحم من قائمة طعامي، ولم أعد أفكر به.
  • كنت أعدّ نفسي عداء ماراثونات. لاحقًا، أصبحت شخص يتمرّن بانتظام للمحافظة على صحته ولياقته. وذلك يعني ألا أتوقف عن التمرين وإن اختل جدولي قليلًا.
  • أصبحت متأملًا. ولاحقا، طالب لمذهب الزن. وذلك يعني أنني وإن توقفت عن ممارسة التأمل لوقتٍ طويل، سأعود إليه دائمًا.
  • أصبحتُ كاتبًا. نعم، كنت أكتب في السابق لكن ليس بشكل يومي.
  • أصبحت متخففًا Minimalist. أتاح لي هذا التغيير التحرّر من الفوضى والاستمتاع بالحياة بماديات أقل.

هناك العشرات من الأمثلة التي يمكنني مشاركتها معك. أنا أب، أطفاله يدرسون من المنزل، يستيقظ مبكرًا، قارئ، مدرّس، متحدث، رائد أعمال، شخص يدقق في مصروفاته باستمرار. كل تغيير صغير كان أو كبير أدخلته على حياتي وارتبطت به، غير هويتي بطريقة ما. وذلك أقوى مما يدركه معظم الأشخاص، ولكنّه قابل للتطبيق.

المنافع الخفيّة لتغيير هويّتك (أو شخصيتك)

سيتطلب ذلك بعض العمل منك، وستكون بحاجة لتغيير نظرتك إلى نفسك لكنّك ستلاحظ المنافع التالية، والتي لا تتضح لكثير من الأشخاص:

  • ستتوقف عن ممارسة (بعض) سلوكياتك التي اعتدت عليها في الماضي. ستقلع عن التدخين، ستمتنع عن أكل اللحوم، وأي شيء لا يرتبط بهويتك الحالية والشخص الذي أصبحته.
  • ستصبح السلوكيات الجديدة مسلّمات في حياتك. أنت تكتب كلّ يوم وبلا نقاش. إذا أصبحت رائد أعمال، فأنت تعمل وتنظم المشاريع، وهكذا.
  • ستتوقف عن مجادلة نفسك بخصوص فعل الأشياء، وهذا سيوفر طاقتك العقلية ويخلصك تدريجيًا من الصراعات اليومية.
  • ستتمكن من تغيير اعتقاداتك الراسخة التي تمسكت بها طويلًا. مثل: أنا لستُ جيدًا في هذا المجال، أو يستحيل عليّ فعل هذا والنجاح فيه. أيّ اعتقاد أو قناعة لا تخدمك اليوم، تخلّص منها.
  • ستتبنى عقلية التغيير. أي أنك لن تكون عالقًا في أساليبك القديمة، بل باستطاعتك النمو والتقدم وعيش احتمالاتك الجديدة.

هناك الكثير من المنافع بالتأكيد وسأترك لك اكتشافها بنفسك. أما الآن فلننتقل إلى الكيفية“.

كيف تغيّر هويّتك (أو شخصيتك)؟

للأسف لن يكون ذلك سهلًا، ولن يتمّ بضغطة زر في ليلة وضحاها! يمكنك تبنّي التغيير بطرق مختلفة، لكني سأشاركك ما وجدته مفيدًا:

  • لتكن نيّتك: التغيير بوعي. يمكننا تغيير هوياتنا بلا قصدٍ منا عندما نصطدم بشيء يدفعنا للتغيير. لكني وجدت أن فعل ذلك بوعي أفضل من التعثر الأعمى بشيء مذهل.
  • فكّر بالشخص الذي تريد أن تكونه. هل تريد أن تكون شخصًا يكتب كلّ يوم؟ شخص لا يأكل سوى الأطعمة النباتية؟ شخص يقتني القليل جدًا؟ اكتب عن نفسك وعرّف بها قياسًا على ذلك.
  • ابدأ بتبني السلوكيات. استخدم المنبهات والتذكير وكل ما يساعدك على اعتمادها. ولكن الأهمّ من ذلك، أن تبدأ بفعل الأشياء وكأن التغيير حدث بالفعل وأنت الآن في نسختك الجديدة. هل أنت عدّاء؟ أركض.
  • كن شخصيتك/هويّتك الجديدة. القيام بالممارسات والأنشطة شيء، واعتماد هويتك الجديدة ذهنيًا شيء آخر. افعلها كما لو كنت فعلا هذا الشخص. أنظر لنفسك كعدّاء، أو نباتي، أو كاتب محترف. أشعر وتصرف وفق ذلك.
  • عزز التغيير عبر تقدير الذات. خصص وقت كل يوم للتفكير فيما حققته وقدّر ذلك في نفسك. تأكد من أن التغيير يحدث وتذكر: نعم أنا أستطيع! فنحن نميل للتركيز على العقبات، ونتجاهل التركيز على التقدم الذي نحرزه.
  • عندما تتعثر، فكّر في نسختك الجديدة، كيف تتصرف في هذه الحالة؟ ولاحظ أنني قلت عندما تتعثروليس لو تعثرت” لأنك ستفعل لا محالة. لا تقم بالأشياء بشكل مثالي، ولا تستسلم، استمر. سيعود العداء للركض بعد انقطاع أسبوع بسبب السفر، أو الزوار، أو المرض والإصابة. لا تفكر في الانقطاع وكأنك خسرت هويّتك، ولكن تعامل معه كجزء منها.

مرة أخرى، هناك الكثير من الأفعال والممارسات التي يمكنك القيام بها. والكيفيةتوجد نفسها بمجرد أن تبدأ بعيش هويتك الجديدة.

تحذير: لا تكن صارمًا مع نفسك

يمكن لبناء هوية أو شخصية جديدة أن يضعك في مأزق الصرامة مع الذات والتشدد. لنرَ مثلا: عندما تصبح شخصًا يستيقظ باكرًا كل يوم قد يصاحب ذلك امتناعك عن السهر والفعاليات الاجتماعية، وقد يعني ذلك حرمان نفسك من الراحة والنوم لعدة ساعات أحيانا. هذه الصرامة قد تأتي بأشكال أخرى: إذا كنت ملتزم بنظام وأعمل بجدّ هذا يعني أنه لا يحقّ لي الحصول على الراحة، أو أن أكافئ نفسي.

أنت لا تريد تقييد نفسك بالكامل. صحيح أن الحدود والقوانين جيدة ومهمة، لكنّها تصبح ضارة عندما تمنعنا من فعل ما هو أفضل لأنفسنا. إني اشجعك على اعتماد هويّة مرنة، هوية تتغير بوعي عندما تدعو الحاجة لذلك.

أين تنطلق من هنا؟

أشجعك على اختيار جانب من جوانب شخصيتك والبدء به وتطبيق الخطوات أعلاه. ولا تحاول تغيير كلّ شيء دفعة واحدة.

لزيارة تدوينة ليو باباوتا

The Subtle Power of Changing Your Identity

.

.

.