الحلقة الأولى: جين أوستن

لم تعش جين أوستن وحيدة أبداً، لذلك لم تتحقق لها أبسط مقوّمات العزلة التي رغبت بها. حتى بيتها الأخير الذي عاشت به في قرية تشاوتون عاشت فيه مع والدتها وأختها وصديقة مقرّبة، بالإضافة إلى ثلاثة من الخدم. في ذلك المنزل استقبلت العائلة الكثير من الزوار بلا موعد مسبق. لكن الانشغال والحياة المزدحمة لم يمنعا جين من الكتابة، فالفترة ما بين بدء استقرارها في تشاوتون –من 1809م- وموتها كانت فترة منتجة بشكل ملحوظ. راجعت فيها كتابتها الأولى لــ “عقل وعاطفة” و”كبرياء وتحامل” استعدادا للنشر. كما كتبت ثلاث روايات جديدة “مانسفيلد بارك” و”إيما” و”الإقناع”. جين أوستن كانت تكتب في غرفة جلوس العائلة، مُعرّضة لكل أنواع المقاطعة. حرصت أيضاً على ألا تلفت انتباه الخدم والزوار وأي شخص لا ينتمي لعائلتها المقربة لما كانت تقوم به من كتابة. لذلك كانت تكتب على قصاصات ورق صغيرة يسهل إخفاءها، وتدفع بها تحت مفرش الطاولة أو ورقة تجفيف الحبر عند دخول أي غريب.

بين الباب الرئيسي للمنزل ومكان الجلوس باب متأرجح يصدر صريراً كلّما فُتح، وكانت أوستن ترفض إصلاحه لأنّه كان يعطيها إعلاناً بدخول أي أحد إلى المكان.

تبدأ أوستن يومها باكراً قبل بقية أفراد العائلة، تعزف البيانو، وتعدّ الفطور للجميع في التاسعة صباحاً وهي مهمّتها الرئيسية في المنزل. ثمّ تجلس للكتابة برفقة والدتها وأختها وهم يخيطون، وعندما يقتحم ضيف المكان تتوقف عن الكتابة وتنضم إليهم في الخياطة.

وجبة العشاء هي الوجبة الرئيسية في منزل أوستن وتقدّم بين الثالثة والرابعة عصراً. وبعد العشاء تجلس العائلة لشرب الشاي ولعب الورق والاحاديث. ثم تقضي أوستن بقية ليلتها في القراءة الجهرية للروايات، وقد تقرأ بعض أعمالها التي لم تكتمل للعائلة. كانت عائلة جين تحترم عملها وأختها كاساندرا تساعدها في المنزل وتحمل عنها الكثير من الأعباء لتتفرغ هي للكتابة.

على أنها لم تحصل على الحرية والخصوصية التي حظيت بها الكاتبات المعاصرات، كانت جين أوستن محظوظة بالسكن في ذلك المنزل.

12 تعليقا على “الحلقة الأولى: جين أوستن”

  1. جميل ياهفاء ..استمتعت كثيرا بالتدوينة وارجعتينى لفترات شاعرية فى حياتى عندما كنت اقرا روايات اوستن فى مراهقتى متخيلة أنها تعيش فى بيت انيق يطل على مروج خضراء فى الريف الانجليزى الساحر تقيم لوحدها وتتفرغ لكتاباتها ..

  2. سعيدة جدا للصدفة التي جعلتني اجد مدونتك،
    استمتعت بكل التفاصيل الصغيرة.

    جين اوستن كاتبة رائعة، رغم معرفتي عن بعض تفاصيل حياتها ،
    سانتظر باقي الحلقات .

  3. هذا العام يا هيفا انتقلتُ للسكن مع عمّتي للدراسة، ولم أكن أدري أنني سأنتقل من البيت الهادئ الذي يأتيه الزوار مرّات معدودة خلال العام إلى آخر لا يمرّ عليه يوم إلا وبه ضيفٌ جديد، هذا بالإضافة للجيران الذين يتوافدون كلّ يوم كطقسٍ يومي وآخرين يقيمون أيامًا في المنزل لأغراض مختلفة. لذا وأنا اقرأ كيف تحكين عن جين أتذكّر الشعور المرهق الذي مررتُ به من هذا الإزدحام مما دفعني لاحقًا لمسابقة الجميع في الإستيقاظ مبكرًا لأجل أن اقرأ وأكتب بهدوء.
    وهذا غريب كيف لأديبة أن تكتب بهذا القدر وهي لم تستطع الحصول على قدرٍ كافٍ من العزلة، يبدو أنّه يتحتّم عليّ أن أستحضر هذه المعلومة وأنا اقرأ لها مستقبلًا فهي حتمًا أديبة مذهلة حتى تتجاوز هذه العقبة.
    شكرًا على هذه الحلقة هيفا ورمضانك رحمة وبركة 🙂

    1. ورمضانك سعيد ومليء بالانتاجية!
      فعلاً لم اتخيل أن حياتها مزدحمة هكذا، وهذه إشارة أخرى إلى أن عذر البيت المزدحم وانعدام العزلة لا ينفع مع الكتابة!
      شكرا لكِ

  4. جميل () جين أوستن الفتاة الحالمة التي كانت رواياتها تدور حول الحب والزواج وعلاقات المنتهية بنهايات حيث يتزوج المتحابّان. بيتنما هي في الواقع لم تكن كذلك.
    شاهدت الفلم الذي تحدث عن سيرتها واسمه “become jane” .
    شكرًا هيفاء أتحفتينا ()

    1. كان فيلم جميل، أذكر مدخل الفيلم وهي تعزف على البيانو، بينما كنت اكتب هذه التدوينة تذكرته.
      وسعيدة بقراءتك دائما

  5. جين اوستن من اديباتى المفضلات… وبرغم ان كتباتها يقال عنها انها يغلب عليها النزعة الرومانسية والعاطفة .. الا انها كان بها قدر كبير من الثورة .. وحب الاستقلال .. بجد انا نفسى القى حد شبية ليها ف مصر .. وشكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.