خفّف السرعة منعًا للإنزلاق

نعيش أيّام مطيرة مدهشة منذ عدة أشهر، هذا الطقس بذكّرني بسنوات طفولتي الأولى والعطلات الشتوية في الرياض ونجد بشكل عام. مزيج الأجواء المنعشة وشهر رمضان المبارك دفعني بشدّة للهدوء والتأمل الطويل. هكذا هي الحياة عدة أشهر من الركض والفوضى، ومن ثم استعادة التوازن والتوقف قليلًا والانطلاق من جديد.

أحبّ اللوحات الاعلانية والتحذيرية كذلك، تذكّرني بأشياء غفلت عنها. ومع الجوّ المطير تكررت رسالة في طريقي كلّ مرة يهطل المطر: خفّف السرعة منعًا للانزلاق! وأنا بدوري أشعر أن الرسائل تخبرني بأمر خفيّ لا يرتبط بالجوّ أو الحياة من حولي. رسالة أخرى تكررت تصدر من جهاز التحكم في السيارة وصوت سيدة يقول:

 Red light and speed camera ahead. Reduce your speed

أمامك إشارة حمراء وكاميرا مراقبة السرعة. خففّ سرعتك.

يا إلهي! على مدى ثلاثة أشهر تقريبًا وهذه الرسائل تظهر كل عدة أيام واتجاهلها. ربما لأنني أودّ الاستمرار في انطلاقي؟ وحرق المراحل والخطوات لأصل إلى نتيجة ما، أو لا أصل.

من جديد، أنا في مكان اندفعت إليه بكامل قوتي وحماسي وتأهبي لكن النتائج لا تبدو طيبة، ما من نتيجة حقيقية إذا كنت صريحة مع نفسي. ألجأ الآن لذكائي وحدسي وبعض الرسائل على الطريق لأتوقف واتراجع عن المسار الذي بدأته مدفوعة بفضولي بداية العام.

ربما لا يفهم من التأمل أعلاه أيّ شيء فالقصة كلها في رأسي، ولكنها فكرة جيّدة لتمرير هذا الشعور إليكم. ما الذي تركضون باتجاهه لمدة الآن بلا جدوى؟ ما هو السيناريو الذي وضعتموه لمشروع أو مهمّة ولم يتحرك في أي اتجاه؟ هذه أسئلة لتأملكم الخاصّ.

الخبر الجيّد أنني تعلمت دروس كثيرة ممزوجة بالصبر والتوقع الطيب. والخبر السيء أن هذا المكان معلوم بالنسبة لي وشاهدته كثيرًا خلال السنوات القليلة الماضية.

كيف تمضي أيامي؟

رمضان هذا هادئ جدًا – قلتها سابقا- العمل فيه من المنزل وطاقتي موجهة بالكامل لصحتي وتغيراتها المتسارعة وحياتي الاجتماعية وملفاتي المؤجلة. قبل عدة أشهر وخلال زيارة لإجراء تحاليل وفحوصات اعتيادية اكتشفت عرض صحي بالصدفة! العلاجات تقوم بعملها والحمد لله. وربما كانت لحظة مهمّة أو نداء يقظة احتجته لانتبه لنفسي.

اقرأ كثيرًا واتعلّم من فيديوهات يوتوب واكتشف جوانب جديدة للحياة. استعد للعودة للعمل بعد الإجازة القصيرة، ورحلة منتظرة مع قريباتي. اشتقت لتقديم ورش العمل سواء الحضورية أو عبر الانترنت وأفكر في تفعيل ساعات استشارية حول الكتابة وصناعة المحتوى بشكل عام.

شاهدت فيديو طويل مدته ساعتين تقريبًا وكأن غشاوة أزيلت عن بصري! الآن فهمت لماذا تفشل محاولاتي في تضمين عادات معينة في يومي. ببساطة الوقت غير مناسب! يناقش الدكتور اندرو هوبرمان أستاذ علم الأعصاب وطب العيون في جامعة ستانفورد في حلقة من بودكاسته فكرة تقسيم اليوم لمراحل عدّة وكل مرحلة تناسب مجموعة من العادات.

اختصر لكم هذه التفاصيل في التالي:

لنتمكن من تعديل عاداتنا يجب في البدء امتلاك الطاقة للتغلب على الانزعاج والتسويف أو الصعوبات المرتبطة بها. سيكون الوضع أسهل إذا استفدت من الإيقاع الطبيعي للعقل والجسم خلال اليوم. ولذلك يقسم هوبرمان اليوم إلى ثلاثة مراحل باعتماد نظام ٢٤ ساعة.

المرحلة الأولى

ترتبط هذه المرحلة بأول ٨ ساعات من الاستيقاظ. يكون عقلك وجسمك في أعلى نشاطهما بسبب ارتفاع مستويات الدوبامين والأدرينالين والكورتيزول. من السهل في هذه المرحلة التغلب على الانزعاج والتسويف

في هذه المرحلة اختر من ١-٤ عادات تتطلب طاقة عالية وتركيز وذلك بحسب جدولك الزمني وساعات عملك. يمكن أن تكون مخصصة للقراءة المركزة أو الدراسة أو ممارسة الرياضة. جرّب إضافة وتعديل العادات خلال فترة معينة لتقييم مدى تجاوبك.

المرحلة الثانية

تقع بين الساعة ٩-١٥ من الاستيقاظ. هنا ينخفض الأدرينالين ويبدأ السيروتونين بالارتفاع تدريجيًا وبشكل طبيعي. هذه المرحلة مخصصة للعادات التي لا تتطلب الكثير من الجهد أو المقاومة. وقت ممتاز في اليوم للاستكشاف الإبداعي مثل الكتابة، والمسودات الأولية للمشاريع، اللعب والتجريب. والأنشطة البدنية التي تتطلب جهد منخفض مثل اليوغا والتنفس. هذه المرحلة الأكثر مرونة في اليوم. تجربة وصفة جديدة للعشاء أو اللقاء بالأصدقاء والعائلة.  تجنب استهلاك الكافيين في هذه المرحلة سيمنع اضطراب النوم في المرحلة التالية.

المرحلة الثالثة

تقع بين الساعة ١٦-٢٤ من الاستيقاظ. هنا نعيد ضبط يومنا من خلال الراحة والنوم. وفيها يستحبّ:

  • تجنب الأضواء الساطعة وخاصة أضواء الأجهزة الإلكترونية.
  • النوم في غرفة باردة ومظلمة.  
  • التوقف عن الأكل قبل النوم بساعتين.
  • تناول مكمل المغنيسيوم لتحسين جودة النوم.

وباختصار، يؤكد هوبرمان أن جزء كبير من عملية تكوين العادات يرتبط بكونك في حالة ذهنية صحيحة مع القدرة على التحكم في جسدك وعقلك.

يقترح هوبرمان تجربة نموذج لتكوين العادات مدته ٢١ يوم. نختار خلاله ٦ عادات نود تبنيها ونربطها بكلّ مرحلة من مراحل اليوم. يُتوقع ألا نتمكن من تحقيقها كلّها بحيث ينقضي اليوم بفعل ٤ إلى ٥ منها، والبقية في أيام أخرى من الأسبوع وهكذا. إذا لم أتمكن من تنفيذها لا أفرض على نفسي عقاب أو مكافأة. وبعد انتهاء مدة ٢١ يوم أعود لاكتشاف هذه العادات: ما الذي أصبح منها تلقائيًا؟ وما الذي يحتاج إلى تشجيع وتأييد. لا أضيف أي عادات جديدة حتى أتمكن من الستة الأولية وهكذا.

تبدو الفكرة ممتعة وسأبدأ بالتجربة الفعلية بعد انتهاء عطلة العيد بإذن الله.

.

.

Collage by David Van

.

.

.

4 تعليقات على “خفّف السرعة منعًا للإنزلاق”

  1. كل يوم وأنت بأتمّ صحة وعافية أ. هيفا،

    أظن بمقدورنا توسيع نطاق فكرة د. هوبرمان لتشمل العام (عوض اليوم)؛ لذا ربما كوننا في “المرحلة الثانية” يستلزم منّا الانخراط بنشاطات لا تتطلب الكثير من الجهد أو المقاومة. ما رأيك أنتِ؟

  2. تدوينة رائعة، عجيب أنني وجدتك ترين الموضوع بعين تشبه عيني ! قبل يوم بالضبط من قراءة تدوينتك كنت قد كتبت النص الآتي :

    المطر .. سكون مدينة الازدحام

    أسير في الطريق السريع بروية وهدوء، وهكذا هم كل من حولي.
    ارغمنا وابل شديد على السكون، على القيادة هذه المره بذهننا الواعي لا بعقلنا الباطن، وبتمعن في حركة السيارات وانزلاق الماء على الارصفة، هدأت النفوس وتساقطت الافكار مع المطر فكرةً فكرة، ليحل محلها هدوء لذيذ برائحة المطر.

    للمطر في الريف نكهته الخاصة، يستقبلونه مثلما يستقبل طيرٌ رزقه، لأن المطر هو رزقهم وطعامهم.

    لكنه في المدينة هدية إلاهية، حتى تهدأ هذه التيارات السريعة ويطمئن انسان الحداثة انه وفي خضم هذا التيار يحق له أخيرًا أن يبطئ، أن يتنفس، أن يمشي رويدًا رويدًا لأنه بكل بساطة كان تحت حُكم الله في المطر.

  3. خطر ببالي عنوان تدوينة مقترح، “حياة بدون احتكاك هي حياة مملة .. لازم فركشن عشان تمشي .. السرعة ليست الحل دوماً”، سأشاهد المحاضرة، شكراً!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.