٧ مايو

تواصلت معي يوم أمس موظفة في محلّ للعباءات وابلغتني أنني اشتريت منهم عباءة وطلبت تعديلها ولم أعد لاستلامها. في البدء ظننت أنها مسوّقة تحاول بيعي شيئا أجهله ورددت على الرسالة بأني لا أذكر أمرًا كهذا. عادت لتؤكد وتعطيني وصف تفصيلي للمنتج وحينها فقط شعرت بالذكرى وكأنها دلو ماء بارد سُكب على رأسي! فعلًا اشتريتها في أكتوبر الماضي وطلبت تعديلات عليها. لم أعد للمحل حتى اللحظة ونسيت الأمر تمامًا.

لم أعتد شراء الأشياء ونسيانها وخصوصا العباءات التي تتطلب مني دائمًا جهد مضاعف فلا أحب التسوق في المجمعات لساعات ولا أحبّ شراءها من متجر إلكتروني. أخصص يوم واحد كل عدة أشهر واشتريها وينتهي الأمر.

تلك الفترة محاطة بغيمة داكنة والكثير من التشوش في ذهني. فقد تركت للتو وظيفة عمرها الافتراضي قصير جدًا، وبعدها بفترة استعدّ لنقلة جديدة ورحلة سفر ووعكة صحية كلّها في نفس الوقت. ضحكت من الموقف بعد تأمل قصير ونويت العودة لتقييد مشترياتي بالكتابة كما كنت أفعل سابقًا.

بدأت عطلة العيد باحتفال عائلي لطيف، وعدة أيام قريبة من مياه الخليج والنوارس كانت رحلة منعشة أعادتني لأجواء الصيفيات البعيدة.

أن أكون قريبة من الماء-البحر تحديدًا- هذه إحدى أساسيات العيش وأحرص عليها كلّ سنة سواء كانت رحلة قصيرة أو طويلة. أريد دائما الاستماع للموج وتتبع الطيور البحرية في السماء حتى تضجر من الطيران وتذهب.

قرأت كثيرًا، وأعدت التوازن لجدولي اليومي. كنت محظوظة حقًا بأن السهر الطويل لم يقلب جدولي تمامًا. وعليه كانت العودة للعمل والصباح أسهل بكثير من أعوامٍ مضت. أعود من جديد للحياة اليومية مشحونة بحماس غاب عني طويلا، وأتفكر في مفردة «البطء» التي تطلّ برأسها كل يوم بشكل جديد.

أحبّ هذا السير الهادئ تجاه الأشياء، والتقط بعفوية أي موضوع أو فكرة مرتبطة به. في مدونة الفنان والكاتب الأمريكي أوستن كليون مررت بتدوينة عن ميثاق التعلم البطيء. أحببت ما ورد فيها وأشاركها معكم بعد ترجمتها بتصرف.

ميثاق التعلّم البطيء

ابتكر مجموعة من المؤلفين والفنانين والمعلّمين ميثاقًا لحقوق المتعلم البطيء يضم عشرة بنود تعطي المتعلم البطيء الحق في:

  • التركيز على الاتجاه لا الوجهة بالانغماس الكلّي في الرحلة حتى الوصول إلى الهدف النهائي تدريجيًا.
  • طرح الأسئلة.
  • البحث عن إيقاعك الخاص دون مقارنة نفسك بالآخرين.
  • الانفصال وتوجيه انتباهك نحو ما هو ضروري بعيدًا عن المشتتات.
  • تغيير مسار التعلم والخروج من منطقة الراحة بالتفكير المختلف وتعلّم أشياء جديدة.
  • أخذ استراحة عبر وقفات قصيرة وطويلة لتحسين أداء التعلم الخاص بك.
  • ارتكاب الأخطاء.
  • ترك المشاريع بلا إكمال والابتعاد عن قوائم المهامّ الطويلة والاستمتاع من حين لآخر بالأيام العفوية.
  • التخلّي عن المعرفة السابقة وإعادة تشغيل عقلك بشكل مختلف.
  • التمهّل. البطء والثبات يفوزان في سباق التعلّم.

أشياء استمتعت بها مؤخرًا

رواية «شرطة الذاكرة» ليوكو أوغاوا بترجمة محمد آيت حنّا. هذه المرة الأولى التي أقرأ للكاتبة اليابانية ولن تكون الأخيرة حتمًا. أحداث الرواية خيالية ولكن شعرت بأنها يمكن أن تُصنف ضمن مدرسة الواقعية السحرية. تدور أحداث الرواية في جزيرة يشهد سكّانها اختفاء الأشياء والمخلوقات تدريجيًا. وبينما يتخلى الناس عن ذكرياتهم أو يحتفظون بها سرًا، تلاحقهم شرطة متخصصة في التحقق من إتلاف كل ما يرتبط بهذه الذكريات. الأحداث متسارعة ومتداخلة بين عدة شخصيات والترجمة جميلة حقيقة. ستكون هذه الرواية مدخلي إلى أعمال أوغاوا وانتظر بحماس الاطلاع على أعمالها الأخرى التي نُقلت إلى العربية.

زرت مطعم Lumee Street بقائمة شهية في المنامة بالبحرين، للمطعم عدة فروع حول الخليج وأتوقع أن يأتي للرياض قريبًا. إذا كنتم تبحثون عن مطعم يغطي الكثير من الأذواق ويقدم الأطباق بمكونات طازجة وشهية أقترح عليكم تجربته. في الغالب تحتوي القائمة على أطباق تقليدية من الشرق الأوسط (دول الخليج والبحرين ومصر وتركيا وبلاد الشام وإيران) مع لمسة معاصرة.

شاهدت مسلسل The Diplomat  على نتفلكس، دائمًا تجذبني المسلسلات التي تنقل صورة عن الحيوات السياسية في مختلف الدول الغربية وإن كانت القصة خيالية إلا أنها تعتمد على أحداث معاصرة وحقيقية. هناك الكثير من الصور النمطية لكن بشكل عام أحببت المسلسل القصير ربما بسبب الممثلين المفضلين وبي حماس للجزء الثاني منه والذي أعلنت عنه المنصة مؤخرًا.

قرأت هذه المقالة الممتعة في مجلة الاتلانتيك حول وقفات الصّمت المربكة. أستطيع القول بأنّ نظرتي تغيرت قليلًا حول الموضوع وسأحاول تذكر تفاصيلها في المرة القادمة التي أجد نفسي في صحراء الكلام!

استبدلت الحليب العادي بحليب الشوفان في كوب قهوتي الصباحية، خفف ذلك من شعوري بالانتفاخ والانزعاج. أحبّ مذاق الشوفان بشكل عام ولا أمانع من ظهوره في مزيج القهوة. قد استمر على هذا التغيير وقد أجرّب أنواع أخرى من الحليب النباتي لأصل لمشروبي المفضل.

جرّبت مؤخرًا وللمرة الأولى مربّى تفاح بالقرفة! أتناوله صباحًا مع الخبز المحمص والزبدة، أو مع زبدة الفول السوداني، وكما يقترح المصنّع: مع جبنة البري الذائبة. طعمه شهي جدًا وكأنه مكرمل للتوّ. يمكنكم شراؤه من محلات السوبرماركت الكبرى أو من موقع iherb.

هل نحتاج لإنفاق الكثير من المال والخروج من المنزل لتعزيز صداقاتنا؟ هذه المقالة الممتعة تجيب على هذا التساؤل.

.

.

قرأت اليوم ٣٣ رسالة على بريدي الإلكتروني واستمعت لراديو الموسيقى الكلاسيكية من نيويورك يحتفل بميلادي تشايكوفسكي وبرامز. تناولت الفول على وجبة الغداء بدلا من الإفطار وعملت على خطة مهام الأسبوع.

كيف كان يوم الأحد؟ ما الذي يثير حماسكم للأيام القادمة؟

.

.

.

Artwork by Paula Zinsmeister

.

.

.

خفّف السرعة منعًا للإنزلاق

نعيش أيّام مطيرة مدهشة منذ عدة أشهر، هذا الطقس بذكّرني بسنوات طفولتي الأولى والعطلات الشتوية في الرياض ونجد بشكل عام. مزيج الأجواء المنعشة وشهر رمضان المبارك دفعني بشدّة للهدوء والتأمل الطويل. هكذا هي الحياة عدة أشهر من الركض والفوضى، ومن ثم استعادة التوازن والتوقف قليلًا والانطلاق من جديد.

أحبّ اللوحات الاعلانية والتحذيرية كذلك، تذكّرني بأشياء غفلت عنها. ومع الجوّ المطير تكررت رسالة في طريقي كلّ مرة يهطل المطر: خفّف السرعة منعًا للانزلاق! وأنا بدوري أشعر أن الرسائل تخبرني بأمر خفيّ لا يرتبط بالجوّ أو الحياة من حولي. رسالة أخرى تكررت تصدر من جهاز التحكم في السيارة وصوت سيدة يقول:

 Red light and speed camera ahead. Reduce your speed

أمامك إشارة حمراء وكاميرا مراقبة السرعة. خففّ سرعتك.

يا إلهي! على مدى ثلاثة أشهر تقريبًا وهذه الرسائل تظهر كل عدة أيام واتجاهلها. ربما لأنني أودّ الاستمرار في انطلاقي؟ وحرق المراحل والخطوات لأصل إلى نتيجة ما، أو لا أصل.

من جديد، أنا في مكان اندفعت إليه بكامل قوتي وحماسي وتأهبي لكن النتائج لا تبدو طيبة، ما من نتيجة حقيقية إذا كنت صريحة مع نفسي. ألجأ الآن لذكائي وحدسي وبعض الرسائل على الطريق لأتوقف واتراجع عن المسار الذي بدأته مدفوعة بفضولي بداية العام.

ربما لا يفهم من التأمل أعلاه أيّ شيء فالقصة كلها في رأسي، ولكنها فكرة جيّدة لتمرير هذا الشعور إليكم. ما الذي تركضون باتجاهه لمدة الآن بلا جدوى؟ ما هو السيناريو الذي وضعتموه لمشروع أو مهمّة ولم يتحرك في أي اتجاه؟ هذه أسئلة لتأملكم الخاصّ.

الخبر الجيّد أنني تعلمت دروس كثيرة ممزوجة بالصبر والتوقع الطيب. والخبر السيء أن هذا المكان معلوم بالنسبة لي وشاهدته كثيرًا خلال السنوات القليلة الماضية.

كيف تمضي أيامي؟

رمضان هذا هادئ جدًا – قلتها سابقا- العمل فيه من المنزل وطاقتي موجهة بالكامل لصحتي وتغيراتها المتسارعة وحياتي الاجتماعية وملفاتي المؤجلة. قبل عدة أشهر وخلال زيارة لإجراء تحاليل وفحوصات اعتيادية اكتشفت عرض صحي بالصدفة! العلاجات تقوم بعملها والحمد لله. وربما كانت لحظة مهمّة أو نداء يقظة احتجته لانتبه لنفسي.

اقرأ كثيرًا واتعلّم من فيديوهات يوتوب واكتشف جوانب جديدة للحياة. استعد للعودة للعمل بعد الإجازة القصيرة، ورحلة منتظرة مع قريباتي. اشتقت لتقديم ورش العمل سواء الحضورية أو عبر الانترنت وأفكر في تفعيل ساعات استشارية حول الكتابة وصناعة المحتوى بشكل عام.

شاهدت فيديو طويل مدته ساعتين تقريبًا وكأن غشاوة أزيلت عن بصري! الآن فهمت لماذا تفشل محاولاتي في تضمين عادات معينة في يومي. ببساطة الوقت غير مناسب! يناقش الدكتور اندرو هوبرمان أستاذ علم الأعصاب وطب العيون في جامعة ستانفورد في حلقة من بودكاسته فكرة تقسيم اليوم لمراحل عدّة وكل مرحلة تناسب مجموعة من العادات.

اختصر لكم هذه التفاصيل في التالي:

لنتمكن من تعديل عاداتنا يجب في البدء امتلاك الطاقة للتغلب على الانزعاج والتسويف أو الصعوبات المرتبطة بها. سيكون الوضع أسهل إذا استفدت من الإيقاع الطبيعي للعقل والجسم خلال اليوم. ولذلك يقسم هوبرمان اليوم إلى ثلاثة مراحل باعتماد نظام ٢٤ ساعة.

المرحلة الأولى

ترتبط هذه المرحلة بأول ٨ ساعات من الاستيقاظ. يكون عقلك وجسمك في أعلى نشاطهما بسبب ارتفاع مستويات الدوبامين والأدرينالين والكورتيزول. من السهل في هذه المرحلة التغلب على الانزعاج والتسويف

في هذه المرحلة اختر من ١-٤ عادات تتطلب طاقة عالية وتركيز وذلك بحسب جدولك الزمني وساعات عملك. يمكن أن تكون مخصصة للقراءة المركزة أو الدراسة أو ممارسة الرياضة. جرّب إضافة وتعديل العادات خلال فترة معينة لتقييم مدى تجاوبك.

المرحلة الثانية

تقع بين الساعة ٩-١٥ من الاستيقاظ. هنا ينخفض الأدرينالين ويبدأ السيروتونين بالارتفاع تدريجيًا وبشكل طبيعي. هذه المرحلة مخصصة للعادات التي لا تتطلب الكثير من الجهد أو المقاومة. وقت ممتاز في اليوم للاستكشاف الإبداعي مثل الكتابة، والمسودات الأولية للمشاريع، اللعب والتجريب. والأنشطة البدنية التي تتطلب جهد منخفض مثل اليوغا والتنفس. هذه المرحلة الأكثر مرونة في اليوم. تجربة وصفة جديدة للعشاء أو اللقاء بالأصدقاء والعائلة.  تجنب استهلاك الكافيين في هذه المرحلة سيمنع اضطراب النوم في المرحلة التالية.

المرحلة الثالثة

تقع بين الساعة ١٦-٢٤ من الاستيقاظ. هنا نعيد ضبط يومنا من خلال الراحة والنوم. وفيها يستحبّ:

  • تجنب الأضواء الساطعة وخاصة أضواء الأجهزة الإلكترونية.
  • النوم في غرفة باردة ومظلمة.  
  • التوقف عن الأكل قبل النوم بساعتين.
  • تناول مكمل المغنيسيوم لتحسين جودة النوم.

وباختصار، يؤكد هوبرمان أن جزء كبير من عملية تكوين العادات يرتبط بكونك في حالة ذهنية صحيحة مع القدرة على التحكم في جسدك وعقلك.

يقترح هوبرمان تجربة نموذج لتكوين العادات مدته ٢١ يوم. نختار خلاله ٦ عادات نود تبنيها ونربطها بكلّ مرحلة من مراحل اليوم. يُتوقع ألا نتمكن من تحقيقها كلّها بحيث ينقضي اليوم بفعل ٤ إلى ٥ منها، والبقية في أيام أخرى من الأسبوع وهكذا. إذا لم أتمكن من تنفيذها لا أفرض على نفسي عقاب أو مكافأة. وبعد انتهاء مدة ٢١ يوم أعود لاكتشاف هذه العادات: ما الذي أصبح منها تلقائيًا؟ وما الذي يحتاج إلى تشجيع وتأييد. لا أضيف أي عادات جديدة حتى أتمكن من الستة الأولية وهكذا.

تبدو الفكرة ممتعة وسأبدأ بالتجربة الفعلية بعد انتهاء عطلة العيد بإذن الله.

.

.

Collage by David Van

.

.

.

١٧ فبراير

استذكر هذه الفترة اقتباس حول الكتابة لمارلين روبنسون:

«اكتب عندما تسيطر عليّ الرغبة في الكتابة بقوّة. عندما لا أشعر بذلك لا أكتب، لا أكتب مهما حاولت. حتى وإن أردت العمل على كتابة شيء من أجل الاستمرار فإنني انتهي إلى كره ما كتبته، وهذا يصيبني بالكآبة. لا أريد الانتظار حتى يحترق الورق ويصعد للخارج عبر المدخنة.»

اكتب كلّ يوم في مكانٍ آخر، بعيدًا عن مساحتي المفضلة لكنّها كتابة بشكل أو آخر حتى وإن لم تحمل اسمي أو مشاعري أو يومياتي. أكتب في دفتر للمذكرات وأقفز عدة صفحات عندما لا أشعر بذلك.

*

استقرّ معنى الشتاء في قلبي هذا العام بشكل كامل. الاختلاء بالنفس، الهدوء، التباطؤ، والكثير من الفوضى. مراقبة الطبيعة وهي تنفض عنها كلّ حليتها وتسكن حتى تمر العاصفة وتطهّرها بطريقة ما. هذا التذكير السنوي الذي تحدّثت عنه الكاتبة كاثرين ماي في كتابها Wintering الذي لم انتهِ من قراءته حتى الآن لكنّ اقتباسًا منه قادني إليه:

«لدينا مواسم نزدهر فيها ومواسم تساقط فيها أوراقنا، وتكشف عن عظامنا العارية. وبمرور الوقت تنمو مرة أخرى».

مع كلّ هذا التحول البطيء يظهر الصبر كقيمة جوهرية، قبل عدة سنوات وخلال بحث مطوّل عن قيمي التي أعيش بها وحصرها لأتذكرها كلما اشتدت الحياة وتحولت كان الصّبر يظهر بينها متكررًا بإصرار. كلما تسلل الشكّ إلى نفسي حول جدوى كلّ شيء أتذكر: الصبر الصبر الصبر.

وبينما كنت أكتب عن الصبر وصلتني النشرة البريدية الأسبوعية من جيمس كلير وضحكت من الاقتباس الذي توسطها:

«الصبر لا ينفع إلا إذا ربطته بالعمل.

أن تعمل على شيء + الصبر= النتائج

التخطيط للعمل+ الصبر= الانتظار فقط»

**

لو التقطت كاميرا علوية صورة لسريري خلال أشهر السنة ستكون المساحة الأكبر منه محجوزة لقطّتي. في الصيف تحبّ النوم على أقدامي ربما تظن أنها المنطقة الأكثر برودة في المكان، وربما هي كذلك. في الشتاء تبحث عن الدفء فتحتل الوسادة التي أصبحت لها بوضع المخالب! تبحث عن الدفء وتحاول استعادة ذاكرتها للحياة كما تعرفها. لكن لولو (Elle) لا تتصف بالوداعة دائمًا. لديها مسرحية ليلية مرهقة تتكون من فصلين أحدها “أدخليني” والآخر “أخرجيني!”.

لم تتوقف عن أدائها طيلة السنوات الماضية وأنا بلا مقاومة أحضرها أو ألعبها معها. هذه الأرجوحة المتحركة تذكرني بالحياة في العالم الخارجي، بعيدًا عن قطتي وبعيدًا عن سهراتها. المدّ والجزر في الحضور، في العلاقات، في العمل، في كلّ شيء. لا يمكنني الحكم على القطة فهي لا تمتلك قدرة متطورة على الانتباه والتحليل لتصرفاتها المتناقضة بين الرغبة في البقاء أو الرحيل.

***  

يقترب شهر فبراير من نهايته. قد تستسلم للفكرة المرعبة بأن شهران انقضيا في العام الجديد، أو ببساطة ستقول كانت شهرين رائعة من رعاية الذات ورفض ثقافة السباق وقوائم المهام التي يجب عليك إتمامها مع مطلع يناير.

ينتهي فبراير بالاحتفال بيوم التأسيس وعطلة قصيرة ممتعة، زواج لإحدى قريباتي، ورحلة مفاجأة بمزيج من العمل والاستجمام. سأقضي الأيام القادمة في الاستعداد لتحول الفصول ومشاريع إبداعية مؤجلة، بالإضافة للمزيد من التدوينات من وجهتي القادمة بإذن الله. هذه التدوينة عاصفة أفكار بسيطة بلا هدف واضح وربما هذه سمة الكتابة المحببة عندما تحضر ولا أقاومها.

.

،

،

،

Photo by Luca Severin on Unsplash

٢٧ يناير

أكتب الآن ورائحة مخبوزات طاغية تلفّ المنزل الهادئ. كأن الزمن توقف لساعات في هذا اليوم. جمعة هادئة بامتياز إلا من أصوات العصافير في الخارج وحركة الغيم ورقصها مع الشمس. نعمنا بأسابيع منعشة اغتسلت فيها الرياض بالمطر. كأننا أصبحنا أكثر لينًا بالضرورة – هذا في حال تجاهلت القيادة المتوحشة والازدحام المرعب. يناير ما زال يتمدد ويقترب من نهايته. أشعر أنّه أحد أطول الأشهر التي مرّت عليّ مؤخرًا. توقيت المخبوزات مناسب جدًا والسبب وراءها مصادفة عجينة فائضة من ليلة البيتزا الأسبوعية بالإضافة إلى تشكيلة أجبان تبقت من أمسية مع إحدى الصديقات. دائما هذه هي الفكرة الصائبة فالأجبان لا تعيش طويلًا بعد تقطيعها واستهلاكها ليس ممكنًا خلال يومين. الفطائر المحشوة يحبها الكل وسترافق ساعة الشاي وإفطار الغدّ وربما وجبة خفيفة منتصف نهار الأحد.

لماذا استطردت هنا؟

أحاول اكتشاف طرق جديدة لرواية القصص السريعة. لا أريد أن يطول صمتي. هذه البايتات شبه المجانية تطفو في مدونتي بلا حديث! أكملت منتصف يناير الشهر الأول في وظيفة مختلفة. وقبل أن تقفز إلى التعليقات الفكاهية أو النصائح حول البقاء في وظيفة لأكثر من سنة أو رفاهية التنقل من وظيفة لوظيفة حسب المزاج سأحيلك إلى هذه التدوينة للتأمل والتفكير. ركضت بلا هدف في وظيفة ظننت بأنها ستكون وظيفة التقاعد خاصتي ولم يحدث ذلك للأسف، فالحمد لله على الفرص الطيبة والشجاعة. يأخذ ترددي سباته السنوي وأتمنى أن يطول ذلك! كنت قد عاهدت نفسي منذ فترة على المبادرة بكلّ أشكالها. وإذا حدث أن أطل التردد أو الخوف برأسيهما سأتجاهلهما بالكامل. هل أحسب حساب العواقب؟ طبعًا لكن لا أطيل التفكير حتى يشلّني. بين يدي الكثير من الوقت هذه الأيام، لا استغله في العمل بطاقتي القصوى إنما بالهدوء والتروي والتحرك ببطء تجاه الأشياء والمواقف. اقرأ ببطء، أنام بعمق، وأؤجل الكثير من المواعيد وألغي الخطط.

هناك شعور خاصّ ومختلف أعيشه اليوم بعد اكتشافي لطريقتي المؤسفة في العيش: الحديّة! إما أن أفعل كلّ شيء في نفس الوقت، وانطلق بأقصى سرعة. أو أن أقف في مكاني واتجاهل أي خطوة تقربني مما أريده وانتظره. عندما تنبهت لهذا التوجّه المتعب بدأت بالتدريج. خطوة صغيرة اليوم، لن أجبر نفسي بقراءة مائة صفحة أو كتابة نصّ مكتمل. سأكتفي بعدة فقرات وإذا كان الكتاب ممتعًا حقًا سيسرقني لمكانٍ أبعد.

أزور مقاهي صغيرة لهدف وحيد: شرب القهوة مع الأصدقاء ولو لساعة واحدة.

أطهو وجبات عدة أيام في الأسبوع واكتفي بسلطة الكافتيريا الارتجالية التي أبنيها من الثلاجة.

أشاهد مسلسلًا حتى انتهي منه في جلسة واحدة، أو فيديوهات يوتوب لمنوعات غنائية من التسعينات.

القاسم المشترك بينها متعتي ومتعتي فقط.

تركت رسالة صوتية طويلة لصديقتي قبل عدة أيام أوضح لها المعضلة التي أعاني منها مع سوء التقدير لطاقتي ووقتي: أحدد موعدًا للخروج، واتفق مع الأشخاص من ثمّ تثقل خطواتي وأقرر البقاء في المنزل لأنني انغمست بالكامل في فكرة ممتعة. نادرًا ما يتفهم الجميع ذلك، لكن الحمد لله أني أحطت نفسي بدائرة لا احتاج معها للكثير من الشرح. أريد أن أكون في دفء المنزل اليوم ما رأيك بالغداء غدًا؟ حقًا؟ وأنا كذلك! منذ عودتي من رحلتي الأخيرة من باريس التزمت بالكتابة اليومية على شكل جدول الحصص المدرسية: استيقظت في وقت كذا وتناولت الإفطار وخرجت من المنزل.. الخ. مع أنها لا تركز كثيرًا على مشاعري وحالتي الذهنية حينها لكنها طريقة ممتعة لاستذكار خطواتي. لاحقًا تنبهت أن الفعل تحول إلى واجب جديد، تقرصني الكتابة إذا تأخرت عنها لأكثر من يومين. وهكذا وبمجرد الانتباه للموضوع توقفت عن الكتابة بشكل يومي وصارم. أزور مذكرتي إذا أردت التحقق من مشاعري تجاه شيءٍ ما، أو تدوين مغامرة جديدة.  

على الحائط المقابل لمكتبي علقت تقويمًا قابل للمسح. كل المواعيد المدونة للأسابيع والأيام الماضية تغيرت أكثر من مرة. يوم ١٢ يناير دونت: يوم الصبغة. تركت الشيب مشتعلًا لخمسة أيام إضافية. يوم ٥ يناير إفطار مع صديقة لم التق بها منذ مدّة اعتذرنا كلينا واتفقنا على موعد جديد ولم نعد للموضوع. في ٢٦ دونت أختي: رحلة إلى جدة مع أختي المفضلة. سألتها قبل أسبوع تقريبًا: هل ترغبين بالسفر أو نؤجلها؟ قالت صحيح لا أشعر بحماس للذهاب. كسبت تأجيلا ووفرت ميزانية هذه الرحلة لأخرى.  

على غرار المباهج التي تدوّن عنها صديقتي مها كلّ شهر هذه قائمة غير مرتبة لما أحببته في هذا الشهر:

  • محوت محتويات هاتفي بالكامل وبدأت استخدامه بعد التحديث من الصفر.
  • صلصة البيستو الحمراء بالطماطم المجففة
  • جبنة غاودا بحبوب الخردل (متوفرة في سوبرماركت التميمي)

.

.

We’ll always have Paris

جلست لكتابة هذه التدوينة بعد تأجيل. الجزء الثالث والأخير من تدوينات باريس الجميلة. ما الذي ذكرني بالعودة للكتابة؟ مررت بصفحة في ويكيبيديا تحدثت عن جوزفين بونبارت. تذكرت لوحة تتويج نابليون الهائلة التي كان الوقوف أمامها إحدى لحظات رحلتي المميزة. الأسبوعين الماضية كانت مزيج من تعافي وانتكاسة صحية ومن ثم التعافي من جديد. ومن جهة أخرى استكمال حفلة ترميم حياتي الاجتماعية واللقاء بأفراد العائلة والصديقات بعد انشغال طويل. وأخيرًا الاستعداد للعودة للعمل. هناك تجارب جديدة واكتشافات لكن سأتركها لتدوينة أخرى، هذه التدوينة عن مونيه والزنابق وباريس المشمسة.

مع فواصل سعال قصيرة عدت للكتابة واستعادة ذكرياتي من ملف الصور في هاتفي، الصور بمثابة فتات الخبز الذي يعيدني إلى ذكرى معينة في حال نسيتها.

أربع أيام هذا ما يقوله الهاتف. بين وصولي والخروج لمتحف أورانجري في حديقة تويلري. يحتضن المتحف مجموعة غنية من لوحات المدرسة الانطباعية، وبالتأكيد زنابق الماء لمونيه. أصبت بالإحباط عندما علمت أن منزله ومتحفه والحديقة في جيفرني ستكون مغلقة لموسم الشتاء.

بدأت الصباح الضبابي بالمشي باتجاه الحديقة التي تبعد حوالي ربع الساعة من فندقي، الأجواء تقول يوم بارد جدًا. أراه في وجوه المارّة والطريقة التي يشدون فيها معاطفهم على أجسادهم. أما أنا فيبدو أن بقايا الحمّى ما زالت رفيقتي. لا أفهم سرّها لكن بالنسبة لي الجو في الخارج يشبه الربيع. لم ارتد شالا حول عنقي ولا قبعة صوفية. معطف ضخم وكنزة صوفية وسروال جينز وما إن عبرت البوابة للمتحف حتى قررت وفورا التخفف من القطع التي ارتديها. كيف لكل هذه التدفئة أن تتسق مع فكرة معاناة أوروبا مع الوقود؟ رتبت حقيبتي على هذا الأساس والنتيجة أن كل مكان في المدينة مدفأ أكثر مما يجب! والأيام الوحيدة التي استمعت بها هي تلك التي تخففت فيها من قطع ملابسي الصوفية.

متابعة قراءة We’ll always have Paris