الحياة مرطبان ملون !

كلما تقدمنا في مهمتنا التدوينية المشتركة هذه كلما فكرت في فاطمة، لقد أرادت أن تكون بمثابة تسلق جبل، وكلما اقتربنا من نهايتها، كلما كانت المهام أصعب ! في سيناريو آخر، وكما تنصلت – قليلا – من تدوينة الأمس كنت سأفعل ذات الشيء مع تدوينة اليوم، الفارق البسيط، أحبّ تأليف الاغنيات على كلمات أغنيات أخرى، وأحب ساندويتش المربّى، لقد أصابتني في مقتل. ولن يمكنني التنصل ، الآن إليكم العصف الذهني الذي مررت به لكتابة أغنية مضحكة، قد تكون على هذا الشكل:

” يا شمس من يمشي فيك … وللطبيب يشكيك.

يزعل عليك القمر … والنجم والشجر ..

يا شمس ! “ *

أو:

” يا ساندويتش المربى الصافي،

تسلم إيدين الي عملك ” **

أو:

” لو حكينا في المربى نبتدي منين الحكاية ؟ ” ***

والنتائج كارثية كما ترون، تمنيت لو كان نفسي أطول في هذه الحالة، أو ربما لأن قصة المربى والشمس والقمر جاءت مباغتة؟ اليوم أتحدث مع أختي عن فكرة التدوين باللغة العربية والمتعة الكامنة في صراعنا مع عقولنا يومياً للبحث عن محتوى، بعد إنجاز الأيام العشرة، أعتقد – بداية من نفسي- ومرورا ببقية الزميلات والزملاء المشاركين في التدوينات، بأننا سننظر لمدوناتنا نظرة مختلفة، أدركت بأن الفكرة ليست في كتابة أغنية عن المربى أو الشمس، أو الفضاء كله، بل فكرة تخصيص وقت يومي للمدونة ومتابعة الكتابة، لو عدة أيام كلّ شهر، وهكذا لا تُهجر منازلنا الصغيرة، ولا الكتابة . خلال الاسبوع الماضي وضعت جانباً عدة مسودات للتدوينات اللاحقة، لستُ حزينة لأننا قاربنا على الانتهاء من المهمة، على العكس، سعيدة للابواب الصغيرة والافكار التي انطلقت شراراتها خلال ذلك!

*”يا ورد من يشتريك”

**”يا وردة الحب الصافي”

***”نبتدي منين الحكاية”

يعلم الله أني حاولت .

أول ما شفت الطلب الخاصّ بالتدوينة حسيت بالفشل، لسبب إني نسيت من فترة طويلة كيف أكتب بالعامية، كنت أدون من سنوات بالعامية بدون مشاكل، كان مضحك جداً ندرة استخدامي للغة الفصحى في الكتابة. ليش وقفت؟ يمكن لأني بديت أحسّ إن الكتابة بالعامية في المدونة يشبه الكتابة من غرفة الصالون بالبيجاما، وكل شي غرقان في فوضى. هذي هي القصة ويمكن تكون بعد أقصر تدوينة في التاريخ .

لم أعد مجدداً لكسر الأشياء، كانت هناك مشكلة فيما مضى، الصراعات والاشتباك بالأيدي مع الصبية، أمور حلها الزمن سريعاً، قبل انتباهي، جاءت مع تنانير الجامعة الغامقة والطويلة، تعودت ألا أكسر شيئاً مع تعودي على السير في خط مستقيم بدون أرجحة كتفيّ كمغني هيب هوب! في الحقيقة ما زالت آثار تحطيم الاشياء ماثلة أمامي، في كلّ مرة نستقبل ضيوفاً، وبينما انهمك في إظهار مواهبي كمضيفة ممتازة، أرسل نظري لباب الصالون وأتذكر آخر مرة كسرت فيها شيئاً، أمي تبقي على الباب المكسور في مكانه، أظنها عقوبتي الأبدية في حالة فكرت يوماً بكسر شيء آخر، وقصة هذا الباب المكسور، أنني حملت كرسياً خشبياً صغيراً، وألقيت به باتجاه الباب ثم أغلقه أخي بسرعة وكُسر، هناك ثقب صغير وخدوش. الثقب لم يعبر للجهة الأخرى من الباب لكنه واضح للعيان، والكل يخجل من طرح السؤال ، فيما لو حدث ذلك سأجيب بلا تردد. كسر الأشياء يعيدني لزمان الغضب الشديد، وأنا لا أحب تذكره. لو وددت في كسر شيء سأكسر ترددي، سأكسر الضجر! استمعوا لشعائر الربيع لسترافنسكي، هذه مقطوعتي المفضلة للالهام .

* هذه التدوينة جزء من سلسلة تدوينات ضمن تجربة تدوين “العربية للاستخدام اليومي” وهنا التفاصيل.

التاسعة بتوقيت غرينتش .

google images

مذيعة نشرة أخبار على بي بي سي، نعم كان حلمي أن أصبح مذيعة، على الرغم من أنّ والدي كان واضحاً بهذا الخصوص، ومنذ المرة الأولى التي قلت له فيها بأنني أريد أن أصبح مذيعة، وأعطاني محاضرة للتاريخ، فيها من العبارات القوية ما يثنيني حتى من التفكير بهذا الحلم. كنت أحلم باللحظة التي ينتظرني فيها العالم، لأقرأ الاخبار السعيدة والمخيفة، لأعلن في جملة واحدة خبراً يغير حياتهم، أتفاعل، أبكي، وابتسم، وأكون صارمة مع الاخبار الحزينة كما يجب لا كما يفعل بعض مذيعي الاخبار اليوم، ينتهي من الحديث عن مجزرة أطفال ويبتسم وكأننا ننتظر منه المشاركة في مسابقة أكثر المذيعين وسامة. أريد أن أفاجئ نفسي، وأشارك في تحرير الأخبار أيضاً، أرتبها حسب ما أراه مهمّ ، وأصنع وقفات مثيرة للاعصاب قبل إكمال الخبر. ليس الذنب ذنبي في انتظار أن أكبر وأصبح مذيعة أخبار، هالة الترقب والانتظار والانضباط أيضاً كانت تتسيد المكان عندما تعلن الموسيقى بأن نشرة أخبار بي بي سي على وشك البدء، كان والدي يسرد سلسلة من العقوبات التي ستطالنا في حالة أصدرنا صوتاً خلال النشرة، أو قاطعناه، أو طرحنا الاسئلة قبل أن يعلن المذيع انتهاءها. فيما لو كان هذا الحلم حقيقة سأختار الساعة التاسعة، النشرة الأشهر في القناة – والتي تأخرت حتى العاشرة مساءا، العمّال والموظفون في منازلهم، والطلاب، والأمهات، الكلّ أمام شاشة التلفزيون ينتظر .. ينتظرني.

* هذه التدوينة جزء من سلسلة تدوينات ضمن تجربة تدوين “العربية للاستخدام اليومي” وهنا التفاصيل.

الوجه الآخر لغضب أمي.

By Cathy Cullis

أمي سيدة لا تغضب بصوت، لا تكسر أواني، لا تضرب الأبواب، لا تكسر شيئاً حتى صوتها. هادئة جداً منذ أن عرفتها عندما يتعلق الأمر بالغضب. ولا أنكر بأننا جميعنا أصبحنا على النقيض من ذلك، نصرخ، نكسر الأشياء، نقول الكثير ونندم بعد دقائق على ما قلناه. يحزنني أحياناً بأنها لم تمرر لي هذا الهدوء، الهدوء الذي تختبرني به كلّ مرة أخطئ. يكفي أن ترسل نظراتها التي تقول بصراحة “خيبتي ظني فيك” حتى اتهشم إلى ألف ألف قطعة، ثمّ تذهب في صمت طويل، يمتد لأيام أحياناً، لا تتحدث معي، لا تقول شيئاً قد تندم عليه، لكن صمتها يجعلني أعترف بأخطاء حياتي كلها بصوت مسموع، وأعتذر وأعتذر ثمّ أعتذر من جديد، بالاضافة لذلك لا أعود لفعلتي أبداً، صمتها يترك علامة غائرة مثل وشم تأديبي على كتف مجرم عتيد! واستغرب كيف أن أختي وأخي الصغار -تقريباً- لا يصابون بالهلع من نظرتها تلك أو صمتها، كيف يتعاملون مع هذا بأريحية ويستمرون في الخطأ. أذكر بأنني كنت طفلة شقية لعدة سنوات، كانت تحرص أن تبقيني على مدّ بصرها، كي ترسل لي نظرتها الشهيرة وامتثل، عندما أكون خارج نطاق تغطية نظرتها أخفق، مجازاً وحقيقة، ما إن يحدث ذلك حتى يختل توازني. لا أعلم متى سأتمكن من السير بلا أخطاء بدون نظرتها ، بدون صمتها التأديبي. إنه الوجه الآخر لغضب والدتي، الوجه الذي أحبّ !

* هذه التدوينة جزء من سلسلة تدوينات ضمن تجربة تدوين “العربية للاستخدام اليومي” وهنا التفاصيل.