غُرف دافئة نحبّها

مضى وقت طويل على آخر مرّة كتبت فيها هنا (شهرين ويوم بالتحديد)

إنّها أطول مدة لا تزورني فيها حتى أفكار للتدوين، ولا رغبة في الكتابة، أو الجلوس لها.

اقرأ كثيرًا هذه الأيام، اقضي ساعتين يوميًا في قراءة المقالات والأخبار والقصاصات التي جمعتها لسنوات. كأنني أحاول استعادة شيء هرب منّي على حيِن غفلة. في نهاية التدوينة الماضية قلت لنفسي: أريد أن أهدأ. وهدأت. وسمحت للآخرين بمساعدتي، وتوصلت لهدنة مع القلق، وسرت أيام وأيام بلا خطة.

لديّ أصدقاء جدد، ووجهات جديدة تنتظر. وشركة وليدة أحاول كل يوم تجهيزها للخروج للعلن. ولستُ أتحدث عن سجل تجاري أو عقود أو وجود فيزيائي، انتهيت من كلّ هذا. لكن الموقع، والمحتوى الرقمي الذي ستتحدث من خلاله للعملاء والمتابعين، في مسودة منسية على جهازي.

لا بأس.

كان عليّ أن أجازف بتأخر العمل في سبيل التحرر من القلق، وتقييمي المنخفض لقدراتي الإبداعية.

حبسة كاتب من نوع خاصّ لأن الكتابة في هذه الحالة هي تسويق، ودعم لشركة لن تتحرك خطوة إلى الأمام ما لم يكن وجودها الإلكتروني محفزًا لعملائها.

* * *

خلال ساعات العمل اليومية نسرق بعض الدقائق للحديث عن أي شيء، عن كلّ شيء في الحياة. وذات مرّة وصلنا للحديث عن أسرتي، عن أخواتي وعن حياتنا معًا.

علقت إحدى الزميلات بأنّها تشعر بقوة علاقتنا (أنا وموضي ومنى). كأننا أسسنا تحالف قديم، وبقية الأخوة لا ينتمون له أو ينتمون له بنسبة مختلفة.

نعم، أجبتها.

لقد قضينا عدة سنوات سوية دون مقاطعة، تعرفنا على الحياة والأشياء، تعرفنا على أنفسنا معًا.

الفارق العمري بين منى (أصغرنا) والأخ التالي حوالي ٥ سنوات. والفرق بيني (الكبرى) وأخي الأصغر تسع سنوات، و٢٠ سنة تفصلني عن حصة (الاخت الصغرى).

قلت أنّ الأخوة الذين يأتون لاحقًا مثل غرف إضافية في منزل اكتمل بناؤه، غرف تختلف في لونها وأثاثها وموقعها من المنزل. لكنّنا نحبها بالقدر ذاته، نحب دفء الشمس فيها. نحبّ جدّتها وغرابتها ونحب أنفسنا ونحن نتعرف عليها ونحاول الاندماج.

أحبّ اخوتي بلا حدّ، السابق واللاحق منهم، أحبّهم وأود لو أنني أخبئهم في قلبي، من ألم الأرض، وصعوبة الأيام، وكل أذى يلتهمني قبل التهامهم.

* * *

وبما أنني أتكلم عن الحبّ وحتى لا تطول هذه التدوينة كثيرًا، إليكم أشياء أحببتها خلال الشهرين الماضية:

.

.

.

٣٣: السنة العائمة

.
.

هذه محاولة جادّة للعودة إلى التدوين هنا. مضت عدة أشهر ووصلت لمرحلة مضحكة من ترقب عودة الكتابة، أفتح المدوّنة لأفاجئ نفسي؛ انتظر أيّ شيء مغري للكتابةقبل يومين احتفلت بعيدي الـ٣٤، احتفالية عجائبية إذ توافق التاريخ بزواج أصدقائي، العروس والعريس رفاق مكان عملي الأول في مدينة الرّياض، وأصبحا لاحقًا جزء من الوجه الجميل للمدينة. سأسمّي الفترة بين أكتوبر ٢٠١٥ – أكتوبر ٢٠١٦م السنة العائمة، هذا أكثر وصف صادق لما مررت به من الشهر العاشر العام الماضي واليوم. غادرت وظيفة كانت مثل الوحش الجاثم على صدري، نلت كفايتي من الراحة وانطلقت للعمل في ثلاث جهات بمهامّ وأفكار مختلفة، أطفو على السطح لا أشعر بعمق الأشياء كما يجب لكنني كنت بشكل عام سعيدة ومكتفية وراضيةأن تقطع أيامك عائمًا يعني أن تفكر في شيء وحيد أحيانًا وهو: النجاة. نجوت بنفسي مرات عديدة، من الكسل ومن الضجر ومن أي ثقب حاول ابتلاعي في الطريق.

أقول لنفسي بأنني لا أتغير لكنني أفعل، وكيف اكتشف ذلك؟ فكرة صغيرة راودني الشكّ تجاه التزامي بها. في نهاية كلّ شهر أجلس للإجابة على عدة أسئلة الهدف منها تقييم أدائي أمام نفسي ونفسي فقط. كان هناك سؤال محبّب انتظر نهاية الشهر لأجيب عليه: ماذا تعلّمت هذا الشهر؟ بسيط وواضح. تعلّمت أن أعوم، تعلمت ألا أغرقأقيس نجاحاتي برضا العملاء ونسبة إنجازي لمهامّ العمل، تغير كلّ شيء، كنت أقيس نجاحي بعدد التدوينات التي أنشرها هنا، أو الكتب التي أتمّ قراءتها قبل أن احملها يائسة إلى المكتبة. أكتب لأعمل لأحظى بنهاية أسبوع ممتعة، ولأجيب على أسئلة نهاية الشهر بفخر.

قبل شهر ذهبت في رحلتي السنوية لنيويورك لكن هذه المرة اختلف الأمر، أقول دائمًا أنّ تجربة السفر وحيدًا تقرّبك من نفسك بشكل مدهش. والآن أقول أن السفر مع طفلة بعمر الخامسة عشرة تصنع منك بطلكيف ترفّه عن شخص يصغرك بعشرين عام دون أن يقتل أحدكما الآخر من الضجر؟ كيف تغير خطة عطلة كاملة لتتناسب مع مزاجه ومع ملاءمة الأشياء له، قررت العوم من جديد والاستفادة من السفر للاسترخاء وترك خططي الشخصية على الانتظار. بدأت بتهيئة نفسي قبل موعد السفر بشهر تقريبًا، رفقتي الصعبة كما تخيلت تحتاج تفهّم وانتباه. طلبت منها البحث عن أماكن تشدّ انتباهها وتصنع قائمة بها. استقبلت الخبر بسعادة ووجدت للصيف معنى أخيرًا. تذكرت الآن وأنا أكتب بأنني اصطحبتها للعمل معي عدة مرّات وطلبت منها إنجاز بعض المهام التي تفخر بها حتى اليوم. هل كنتُ أعدّ نفسي للوقت الذي سنقضيه معًا؟ جاء سپتمبر وفاجأت نفسي بقدرتي على إنجاز المهامّ المستحيلة قبل سفري بعدة ساعات، وتعرضت قدمي لإصابة خشيت أن تمنعني من السفر قبل الرحلة بست ساعات. آمنت بأن هذه الإصابة قد تكون القوة الخفية التي ترغمني على الراحة، وكان أول أسبوع من السفر مزيج من الآلام والتطبيب والحسرة وأنا أنظر لشوارع المدينة من الطابق ١٧، تمدّ لي لسانها، كنتِ تخططين لرحلة مشي هاه؟ الخطّ الزمني للرحلة كما أراه اليوم: إصابة، استعادة القدرة على المشي بلا ألم، اجتماع الأخوات بعد سنة، الكثير من السمك، ومسرح وسينما وموسيقى، القهوة والورق. الفكرة كانت الاستمتاع بكلّ لذائذ الحياة المتاحة وبأقصى درجات التركيز والاهتمام.  لو كان فيه لوح عظيم أجمع فيه نجمات الحياة لكلّ شيء مميز يمر بي، سيكون لهذه الرحلة النصيب الأكبر في المرات الأولىحضرت عرض مسرحي موسيقي على برودواي للمرة الأولى وهذه هي زيارتي الخامسة لنيويورك. كانت المسرحية الكوميدية عازف الكمان على السقفالمسرحية تحكي قصة قرية صغيرة يسكنها اليهود في أوكرانيا وتدور أحداثها حول التقاليد والحياة الريفية والتحولات التي يمرّ بها العالم بحجمه الصغير داخل القرية والعالم أجمع.  تجربة جديدة أخرى كانت مع مشاهدة فيلم سينمائي بينما تعزف أوركسترا نيويورك الفيلاهارمونية موسيقاه التصويرية على الهواء مباشرة! الفيلم الأول كان قصة الحي الغربيالتي وضع موسيقاها ليونارد بيرنستين. قصة الفيلم لم تكن جديدة فقد حضرت عرض مسرحي موسيقي خارج برودواي في دبي ٢٠١١م. رافقتني حصّة لحضور العرض وكانت المرة الأولى التي تشاهد فيها أوركسترا حيّة. التفتت باتجاهي وعبرت عن مشاعرها بعد مضي أسبوعين من وصولنا: شكرًا هيفا. شعرت بانتصار! إنها المرة الأولى التي تشكرني فيها، إذا استثنينا اللحظة التي سبقت غفوتها ذات ليلة وكانت تقول بانفعال بأنها لا تريد شيء من هذه المدينة، ولا تطمح لأي شيء سوى المشي معي لساعات وبلا هدف. تريد رؤية نيويورك التي أحبها كما رأيتها. لا أنكر بأنني حظيت بكثير من اللحظات الخاصة لنفسي، مشيت وتأملت، وقرأت، والتقيت بصديقي القديم مايكل سايدنبرغ صاحب المكتبة السرية في منهاتن. العام الماضي تواصلت معه خلال زيارتي للمدينة ولم يصلني منه ردّ حتى يوم عودتي وكان مقتضب ومحبط قليلًا: المكان القديم لم يعد هنا، والجديد لم يجهز بعد. كنت أتوقع هذه اللحظة فقد حدثني في ٢٠١٤م عن مشكلة الايجار والمبنى الذي تحاول إحدى ساكناته إخراجه منه.  هذا العام وصلت وانتظرت حتى نهاية الأسبوع الأول من وصولي، وغرقي في سلسلة من المزاجات السيئة، حتى وصلتني رسالته المبهجة: نستقبلك في مكاننا الجديد، وندعوك لقضاء أمسية السبت معنا. ذهبت لتجربة جديدة، الجلوس والحديث وترك شراء الكتب جانبًا – اشتريت ثلاثة كتب في النهايةتعرفت على وجوه جديدة ومتميزة تتحدث بتواضع عن قصص مدهشة.

كان هناك بيل فقدت اسمه الأخير من ذاكرتيمعدّ ومنتج لوثائقيات من كاليفورنيا. وسط صمت المكان اللحظي التقطت اسم ماركيز وتحولت كلّي إلى برج مراقبة انتظر أن ينتهي من حديثه مع إحدى الزائرات لأطرح سؤالي الأهم: ماركيز؟ غابرييل غارسيا ماركيز؟ قال نعم وتحولت الأمسية إلى غيمة حملتني فوق سماء منهاتن. تحدث بيل عن لقاءه بالمايسترو وحضوره لورشة كتابة السيناريو التي أقامها في ٢٠١٣م. تحسون بهذه المشاعر؟ عندما يحدثكم شخص عن تجربة عظيمة وتتأثر كل خلاياكم من الحماسة؟ لم يكن بيل وحده المدهش هناك، كانت سيمونا اللطيفة أستاذة جديدة في كلية بكوينز وأعطيتها نصائحي القليلة والذهبية لما يجب فعله لتفادي موت روحك من التدريسصارحني مايكل تلك الليلة بأنّ التدوينة التي كتبتها قبل سنوات عن مكتبته السرية أوصلته وعشرات المهتمين من جزء الكرة الشرقي، تمنيت لو أنه يحتفظ بسجل تواقيع للمكتبة، وسعدت أيضًا وهو يحكي لبقية الزوار تلك الليلة عن المدونة السعودية التي أطلقت سيلًا من الاستفسارات والرسائل.  

حضرت عرض موسيقي آخر مع نيويورك فيلاهارمونيك، هذه المرة كان الأمر مدهش لأن الفيلم منهاتنيحوي واحدة من أحبّ المقطوعات الموسيقية لدي “Rhapsody in Blueلـ جورج غيرشوين. بالإضافة إلى أنّه من أجمل أفلام وودي آلن التي أجلت مشاهدتها.

المحافظة على رأسي فوق الماء يعني عدم الالتفات للمنغصات اليومية الصغيرة التي واجهتني خلال عطلتي، يعني أيضًا عدم التردد واتخاذ القرارت بسرعة. كل مرّة أعود من رحلة سفر أو إجازة ممتعة أحصى تجاربي المعنوية وأحتضنها، المقتنيات المادية دائمًا تأخذ مكانها في المقعد الخلفي ويكفي أن تكون محببة جدًا وقريبة لتذكرني بعطلتي السابقة وتملأني بالحماس لما هو قادم. جلست للكتابة عن مشاعري حول عيدي الرابع والثلاثين وتذكرت بأنني لم أحدثكم عن رحلتي حتى الآن وهكذا وُلدت تدوينة.

.

.

.

.

بيت صغير بمنهاتن.

Screen Shot 2015-12-18 at 3.40.30 PM

كنت سأجلس لكتابة هذه التدوينة قبل عيدي الثالث والثلاثين – أكتوبر الماضيلكنّني فشلت كالعادة في صنع الوقت. لا وقت أفضل من ديسمبر للحديث عن سنة ملوّنة شهدت تغيرات كثيرة. لكن تجربة السفر وحيدة غيّرت حياتي كلها وليس سنتي. لم تكن هذه الخطة الابتدائية طبعاً، لكن انشغال أخوتي بدراستهم جعلتني أواجه المدينة الضخمة واستمتع بإجازة مستحقة.

أعتقد بشدة أنك تحتاج للسفر وحيداً لتحتفل بنضجك وقدرتك على مواجهة أصوات روحك، ركضنا المستمر في العمل وروابطنا الاجتماعية التي لا تنقطع يجعل مهمة التركيز على أنفسنا صعبة وأقرب لدى البعض للمستحيلة. فكرت في كل المنافع التي سأجنيها من السفر وحيدة، بينما كان البعض يتساءل عن جدوى الذهاب لآلاف الأميال لترافق ظلك، لتشعر بالرعب في الشوارع الخالية، وتلتفت كل لحظة لتشارك دهشتك مع أحد ولا تجد رفيق.

الآن وبعد عودتي بشهور أتأمل التجربة بسعادة، لقد سيطرت على كل مخاوفي، النوم في بناية مرتفعة قرب الموقع الذي سقطت به أبراج التجارة في ٢٠٠١م، المشي مع شروق الشمس لمقهى قريب والوقوف في طابور مع عمال البناء الروس، واستكشاف خطوط القطارات التي لم أجربها من قبل، والصمت الطويل وأنا أراجع ملفاتي المعلقة لأصل لقرار بشأنها. لم تكن هناك ضمانات بأنني لن أشعر بالملل أو الخوف، حصلت على وقت فائض مع نفسي، أخذتها في مواعيد، واشبعت دهشتها.

آلان دي بوتون في كتابة فنّ السفريقول شيئا بمعنى أننا حينما نسافر وحدنا نتخلص من أثر رفقتنا التي تعجن آراءنا وتفاعلنا مع ما هو حولنا وبالتالي تكبح فضولنا. السفر مع الآخرين يقوم بفلترة التجارب حتى قبل أن تقدم عليها. أحبّ السفر مع أخوتي وصديقاتي كثيراً لكنّ هذه المرة كانت لي.

قرأت قبل عدة أيام مقالة لطيفة عن أهمية السفر وحيداً للكتّاب والمبدعين بشكل عاملم يكن ذلك هدفي من الرحلة، لكن هل ساعدتني؟ نعم كثيراً! ووجدت أنني بلا وعي منّي أطبق النصائح التي جاءت في المقالة لتفيدني لاحقاً بما سأكتبه.

خلال العشرة أيام التي قضيتها تأملت المبدعين وهم يعملون بحماس وتركيز، الرسام والنحات والموسيقي ونادل المقهى ومتسابقي الرسم على القهوة وقاطع تذاكر المسرح.

السّفر وحيدة ساعدني على تجاوز خجلي وخوفي من الحديث مع الآخرين، السؤال عن الاتجاهات ومكونات الاطباق وقياسات الملابس ومحتويات المشروبات، كانت مهمة رفقتي وكنت أتأمل وانتظر. السفر وحيدة منحني الوقت الكثير من الوقت. والشيء الأجمل من هذا كلّه: لم يكن معي خطة. كانت هناك بعض الفعاليات التي حضرتها وعدا عن ذلك لا شيء يلزمني بالخروج والعودة في وقت محدد أو الالتزام بطريق أقلّ ازدحاماً.

مشيت كثيرا حتى شعرت بأن قدمي كُسِرت واحتجزني الألم لساعات الظهيرة حتى انتهيت من تكميدها والتحقق من سلامتها.

التقطت خلال رحلتي هذه صوراً أقل بكثير من كل مرة، كان رأسي يقول ارفعي هاتفك والتقطي الصورة الآن، وكنت اتحسسه في جيبي واتجاهله. الآن كلما بحثت عن قصة لأرويها يطلب مني المستمع صورة وأخبره بكل حماس: لا يوجد صورة، الصورة هنا في قلبي.

هل سأكرر التجربة؟ بالتّأكيد، حتى لو كان الذهاب وحيدة لعدة ساعات يومياً داخل المدينة. لقد وجدت الكثير من الاجابات وواجهت الكثير من المخاوف. وتذكرت على طول الطريق أوسكار وايلد وهو يذكرنا بحاجتنا لتعلم الوحدة.

مخرج

art-of-travel

كتاب آلان دي بوتون عن فنّ السفرتوصية خاصة، ورفيق مبهج في السفر.

.

.

.

.

Once a teacher, always a teacher

هناك أشياء كثيرة في حياتك تعلم يقيناً بأنك لن تغادرها، ولن تغادرك. التعليم أحد هذه الأشياء في حياتي، أعمل به لفترات متقطعة وأتركه ثم أعود من جديد بشوق وحماس. أفكر مؤخراً: قد أكون تركت العمل المؤسسي في التعليم، لكنني لم اترك مهنة المعلمة في حياتي اليومية.

بعد أسبوع من اليوم أعود للتدريس، هذه المرة لن أكون أستاذة جامعية، سأدرّس في مدرسة ثانوية/متوسطة مواد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات– ICT” بمعنى آخر المقررات المرتبطة بالحاسب الآلي، تخصصي الأول. الجديد في تجربتي أن العمل سيكون في مدرسة دولية، والتدريس سيكون باللغة الانجليزية. أنا سعيدة جداً بهذه الخاصية، لأنني كنت أعاني مع المراجع العربية الشحيحة وأحتاج لترجمتها وتنسيقها لتقديمها للطالبات، الآن سأنقل المعلومة بشكل أسرع. من جهة أخرى، لست سعيدة بفقر المكتبة العربية في المراجع الاكاديمية المناسبة للدراسة، وأرجو من الله أن يهبني يوما ما وقت لترجمة وتحرير بعض من المراجع الجيدة التي استفدت منها.

كيف كانت أيامي الماضية؟

– استعدادات للتعرف على أجواء المدرسة، وترتيب معمل الحاسب، التعرف على طبيعة وطرق التحضير المعتمدة والجديدة كلياً علي. في التدريس الجامعي الموضوع أسهل قليلاً بالنسبة لي لأن القسم به أكثر من معيدة ومحاضرة يقدمن نفس المواد ونشترك سوية في تحضيرها. هذه المرة أدرس ثلاثة مراحل من الصف 8-10 وقد تتغير لاحقاً، لكن لكل مرحلة أهداف ومقرر ومهارات يحتاجون اتقانها.

– أحضّر لعطلتي بهدوء، كنت مهووسة بالتخطيط لها لفترة طويلة وما إن شُغلت بالعمل حتى نسيتها تماماً.

– بدأت بمشاهدة وثائقي ضخم عن مدينة نيويورك، مدته حوالي ١٨ ساعة ويقع في ٨ أجزاء. وجدت أغلبها في يوتوب لكن للأسف بعض منها مفقود وقد أبحث عن طريقة لمشاهدته. الوثائقي مثالي للمشي، لكن كل جزء منه مغري للجلوس وتسجيل الملاحظات، وتمنيت لو أجده مطبوعاً.

– انتهيت من قراءة رواية حكايات من ضيعة الأرامل ووقائع من أرض الرجاللجيمس كانيون، رواية زاهية وغرائبية تدور أحداثها في كولومبيا، أعادت لي شهيتي القرائية بقوّة وذكرتني بروايات ماركيز والواقعية السحرية التي أحببتها. سرد طويل وغني بالتفاصيل.

قرأت مقالة ملهمة للكاتب جيمي تود روبين الذي كتب يومياً بلا انقطاع لـ 373 يوماً، يسرد في المقالة تفاصيل تجربته وكيف استطاع المحافظة على هذه الدافعية والحماس، بكلمات أخرى: كيف صنع له روتين كتابي. وكان من بين ما ذكره هو تخطيطه المسبق ليومه وإذا كان يعلم بانشغاله خلال يوم ما، فإنه يجلس للكتابة في الصباح الباكر ولو لعدة دقائق، وهذا يساعد على تدفق حبره كل يوم. ملاحظة أخرى ذكرها أيضاً، إذا انحرف يومه عن مساره وتغيرت خططه، يحدث نفسه: عشر دقائق فقط! ويجلس للكتابة خلالها، فهو يكتب عادة 250 كلمة خلال هذه المدة، وعندما يكتب ينجز صفحة واحدة، صفحة واحدة لا يمكن تجاهلها فهي إضافة لما كتبه في اليوم السابق. النقطة الثالثة والأخيرة والتي تهمني بشكل أكبر، عندما يتعرض لحبسة الكاتب. صحيح تستطيع المحافظة على روتين كتابة يومي لكن ماذا يحدث اذا لم تجد ما تكتبه لمواصلة العمل على موضوعك؟ يشبه جيمي الموضوع بإخفاء الأوراق النقدية في جيوب محفظتك أو في مكان آخر لتفاجأ عندما تجدها وتستفيد منها عند الحاجة. عندما يصاب بالحبسة في موضوع معين، يعود لمواضيع أخرى وقصص خبئها لحين يجد الوقت لكتابتها، ويبحث فيها ويكتب. في نهاية اليوم سيكون منتجاً ويستعيد حماسته للكتابة من جديد.

– اقتنيت مذكرة التدريس الرائعة من متجر ايرين كوندرن، يتيح الموقع لكم تخصيص الغلاف وبعض المحتويات واضافتها حسب احتياجكم. والتفاصيل هنا.

.

.

.

قدم هنا وقدم هناك

New York -Spetember 2014

لقد فعلتها!
انتقلت رسمياً إلى الرياض، وقبل نهاية العام. الآن انتظر انتقال بقية العائلة. واستمتع بالبدايات في عمل جديد. جديد كلياً علي. لم يسبق لي العمل خارج نطاق التعليم والتدريب وإن تعددت أشكال الوظائف التي استمر العمل فيها أكثر من ثلاثة أشهر. عملت لفترات متقطعة في الصحافة. لكن العمل الذي لم أتوقف عن أداءه أبداً كان: الكتابة. انضممت في نهاية ديسمبر لشركة ريز للتسويق الالكتروني، وهي شركة سعودية متخصصة في التسويق عبر الشبكات الالكترونية. فريق العمل في ريز مبدع وفي الرحلة بين التاسعة والخامسة مساء من كلّ يوم الهام جديد ومنعش! إنها المرة الأولى التي أحمل فيها مسمى وظيفي “كاتبة” لو استثنيت طبعا فترة العمل بالصحافة التي لم تكن وظيفة رسمية لي. هل يهمني ذلك؟ نعم جداً، هذا يؤكد أن الكتابة كعمل شيء مهم كالتنفس والغذاء والعلاج. ولو تحدثت عن مجال عملي بالتحديد كلّ الحملات التسويقية تعتمد على الكلمة قبل الصور والموسيقى. وبعد البدء بالعمل جاءت مرحلة شرح. طبيعة العمل لمن حولي وأخذت الطريق الأسرع: ابحثوا في غووغل عن مصطلح “كاتب اعلاني”. أو شاهدوا مسلسل Mad Men.

فعلتها.

قدم في الرياض وقدم في الجبيل حالياً. والسبب؟ قطتي هناك، ومكتبتي. اعتقد أن المرء لا يغادر المدينة تماماً، لا ينتقل بالكامل حتى يحمل كتبه معه. كتبي وحصاد السنوات من الورق والذكريات والصور وكل قصاصة دسستها لأعود إليها لاحقاً. قدمي الأخرى هناك حتى تصبح كل الصناديق معي.

مضى أكثر من أسبوع على آخر وثائقي شاهدته، على آخر فكرة عشوائية بدأت بها بلا استعداد. منذ بدء العمل وانتقالي للرياض كل شيء محسوب بدقة. أحاول استخدام كل الاسرار والنصائح التي ستساعدني في تنظيم وقتي. ما زلت ابحث عن توازن. أنام بشكل جيد، آكل بشكل متوسط، وتوقفت عن ممارسة الرياضة للأسف. أريد مزيد من الترتيب وأخشى على نفسي من الانزلاق في دوامة العمل ثم النوم ثم العمل من جديد.

انتهيت من رواية لرينيه الحايك بعنوان “صلاة من أجل العائلة” كنت بحاجة لشيء لطيف لملء وقتي ولتفاصيل، الكثير من التفاصيل الحميمة لحياة أحد. هل كنت أبحث عن مخرج من قلقي الحالي وانتظاري لانتقال عائلتي إلى جانبي؟ نعم بالتأكيد. الرواية جميلة جداً ولغتها ممتعة. اعتقد بأنني سأبحث عن كتب أخرى لرينيه وأتمنى أن تكون بنفس مستوى المتعة.

شاهدت قبل نهاية ديسمبر المسلسل الذي أُنتِج من قبل استديوهات أمازون “Mozart in the Jungle” المسلسل يتناول موضوع الموسيقى الكلاسيكية في نيويورك، تحديدا نيويورك فيلاهارمونيك. في المسلسل عدة شخصيات سترون من خلالها الأدوار التي يلعبها كل من المايسترو، العازفين، الإداريين في أوركسترا نيويورك. الموسيقى حاضرة بقوة في المسلسل بالإضافة للعلاقات العاطفية ونيويورك طبعاً. سيناريو المسلسل كتبه رومان كوبولا وجايسن شوارتز واليكس تيمبرز، واقتبس عن الرواية “Mozart in the Jungle: Sex, Drugs, and Classical Music” لبلير تيندال. تيندال سجلت تجربتها في هذه الرواية، حيث كانت عازفة لآلة الأوبو Oboeإحدى آلات النفخ. وهذا يذكرني بشخصية هايلي – التي قامت بدورها لولا كيرك-عازفة أوبو واعدة تبحث عن طريق للدخول للأوركسترا. المسلسل يستعرض آمال وطموحات العازفين الجدد، الحرب الدائرة بين المحترفين، وكيفية التجهيز والاستعداد لعروض السنة في نيويورك. أحببت مشاهدة المسلسل كثيراً لعدة أسباب: 2013م كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها عرض موسيقي حيّ وكان مع أوركسترا نيويورك. كل شيء شاهدته في المسلسل ملأ فراغات في ذاكرتي ومنحني مزيد من الدهشة. السبب الآخر: أي عمل لغاييل غارسيا بيرنال – الممثل المكسيكي الذي يلعب دور رودريغو المايسترو في المسلسل-أي عمل له مهمّ جداً بالنسبة لي ولا تفوتني مشاهدته. نسيت أن أخبركم نقطة مهمة عن المسلسل ستشاهدون فيه صراعات بين القديم والجديد، المايسترو القديم توماس – يلعب دوره مالكولم مكداول-يصطدم كثيراً مع رودريغو في البدء. مع أن الآخر يعتبره معلمه وملهمه. وعلى مدى الحلقات سنشاهد التغييرات التي ستحدث وكيف ستؤثر في الأوركسترا والعمل بشكل عام. الحلقات قصيرة وأتوقع أن تشاهدوها متتالية!

على صعيد آخر.

وصلتني عدة استفسارات على البريد الالكتروني وسأحاول الرد عليها إما بشكل مباشر أو من خلال المدونة. وأحببت مشاركات المتابعين على الاستبانة الخاصة بقراء المدونة التي نشرتها في نهاية العام. سأحاول دائما العمل بالاقتراحات وزيادة كثافة التدوين ما استطعت.

الاطلاع على تحديات القراءة التي وضعها الأصدقاء في الشبكات الاجتماعية مغري جداً، لكنني سأتبع طريقة جديدة مع نفسي لقراءة الكتب. تخطيط وبدون تخطيط. كيف؟ سأضع قائمة قصيرة لكل شهر واقرأ ما استطعت منها واترك مجال لمواضيع عامة أخرى في حالة أدهشني كتاب ولم أتمكن من مقاومته.

في مذكرة العمل تركت آخر عدة صفحات لتسجيل أسماء المقطوعات الموسيقية التي تعجبني واستمع لها خلال العمل. هذه السنة سنة العودة للورق، وأعرف بأنني إذا تركت المقطوعات في المفضلة على جهاز الكمبيوتر ستذهب للنسيان. تسجيلها في مذكرة أو دفتر خاص سيحفزني للعودة إليها والاستماع من جديد بمزاج آخر ومشاركتها كذلك. اسمعوا هذه معي:

2014م.

كانت سنة مدهشة بحقّ. قبل عدة أيام زرت الصفحة الخاصة برواية “كل شيء يمضي” على موقع غودريدز ولاحظت وجود عدة مراجعات باللغة العربية. في نوفمبر 2013م وبينما كنت ابحث عن المراجعات الخاصة بالكتاب لم أجد أي مراجعة عربية. كلها باللغة الإنجليزية. أكبر إنجازات العام كانت إتمام هذه الترجمة والاحتفال بنشرها ثمّ العودة لقراءة المراجعات الخاصة بها. كوني وضعت محتوى عربي متاح للقراء شيء منعش ويمنحني سعادة لا محدودة لا يمكن تقديرها بثمن.

أيضاً.
سافرت، تعلمت، وسيطرت على مخاوفي قليلاً.
وهذا ما أريده.