في انتظار الرّبيع

«كلما طالت فترة التخطيط دون اتخاذ إجراء، كلما امتدت مساحة الشكّ الذي يشغلك ويمنعك من التنفيذ»

مررت بالاقتباس أعلاه قبل عدة أيام وقضيت وقت طويل في تأمله. هذا الاقتباس يشرح الكثير عن حياتي حاليا. في كلّ شيء أعمل عليه أقضي وقت للتخطيط والاستعداد ثم يتسلل الشك إلى نفسي واتراجع عن الانطلاق كلما ازدادت هذه المساحة وأثرت على تفكيري.

يمر ببالي اسئلة مثل: هل هذه الفكرة جيدة فعلا؟ هل سأتمكن من المتابعة والتنفيذ؟ وفي حالات كثيرة أبدأ بتخيّل نجاحها أو فشلها فينتهي بي الأمر محبطة وأنا لم انطلق.

أتممت شهري الأول في وظيفتي الجديدة، مرّت الأيام بين التعلم والتوتر والاكتشاف. وتزامنت هذه البداية مع زيارة منى (أختي) للسعودية في إجازة هي الأطول من سنوات. أشعر وكأنني في فقاعة مؤقتة وجميلة. نقضي أيامنا بين ساعات العمل في النهار والخروج مساء لاكتشاف المدينة وتعريفها بالتغيرات المتسارعة التي نمرّ بها.

الفترة الماضية أيضا شهدت أعلى نسبة قراءات في الروتين الإبداعي، والكتابة، واستعادة الإلهام (إذا كان هناك شيء حقيقي اسمه إلهام).

في نفس السياق تقريباقرأت عن ٧ تغييرات في روتينك اليومي قد تساعد في شحن طاقتك الإبداعية

  • تحرّك، فالجلوس لفترات طويلة قد يحجب طاقتك ويشعرك بالكسل.

  • ابدأ العمل على مشاريع صغيرة، أضف مشاريع مصغرة لحياتك اليومية والتي قد لا يستغرق العمل عليها أكثر من ٢٠ دقيقة. غالبا كتابة سريعة أو مسودات الرسم Sketch والتي قد ينتج منها لاحقًا مشروع كبير أو فكرة أفضل.

  • قسّم مهام العمل إلى مقاس أصغر وقابل للإدارة والمتابعة.

  • ابدأ يومك بشيء تحبّه. وركز إلى أي مدى تحبّ هذا الشيء وما هي المشاعر التي تحيط بك خلال العمل عليه. قد يكون هذا الشيء التنفس بعمق، أو صنع فطور شهي ومشبع، أو مكالمة شخص تحبه. بدء اليوم بهذه الطريقة يهدئ أعصابك ويضعك في حالة استعداد لما سيأتي في بقية اليوم.

  • احترم طعامك (هذه النصيحة الطريفة التي تأملتها طويلًا). بدلًا من تناوله سريعًا وبلا تفكير. قدّره. وفكّر في الطريقة التي صُنع بها وجُهّز. هذا التفكير في العملية الإبداعية وراء وجبة طعام يهذبك ويعوّدك على التحليل والنظر للأشياء بطريقة مختلفة.

  • تحدّث بوعي واهتمام واختر كلماتك بعناية. هذا التمرين سيصنع منك كاتبًا أفضل. وفكّر أيضا في أن المحادثات فرصة لممارسة الإبداع.


استقبل مارس بكثير من الحماس!

هناك ورش عمل ومشاركة في ندوة تثقيفية لطالبات الجامعة، رحلة قصيرة ربما، وحلقات جديدة من بودكاست قصاصات بعد أن أرتب وقتي بشكل أفضل. أتبع فتات الخبز الذي تركته ورائي لأعود إليه كلما اشتدت فوضى الأيام وأتمنى أن أنجح في ذلك.


في مفضلة الشهر الماضي:

 

.

.

 

الميل الأول

أحد قرارات السنة الجديدة التي حرصت على العمل بها: التعامل مع الأشياء بشكل مختلف.

اليوم وبعد مضي شهر وعشرة أيام من الشهر التالي وجدت أنّ هذا القرار هو الأكثر مرونة والأحب إلى قلبي. كلّ سنة كان الحماس يغمرني وأضع الخطط والأهداف والتزم بها لشهر أو اثنين ثم انزلق بعيدًا. ما السبب؟ تساءلت. محاولة حشر كلّ شيء في سلة واحدة، أو محاولة ترويض نفسي على تغيير كبير دفعة واحدة. وما يحدث بعد ذلك يدفعني للاحباط والفشل.

أحد المشاكل التي عانيت منها خلال السنوات الماضية، هي المحافظة على نظام غذائي صحي خلال ساعات العمل، والامتناع عن الاعتماد الكلي على الأكل في الخارج. كانت البداية قوية وحماسية ولكن خلال أيام الضغوط والفوضى أعود للعادات الغذائية السيئة: وجبات سريعة، وكميات هائلة من السكر والدهون.

بعد دراسة الوضع تنبهت لعدة أشياء:

  • لدي استعداد جدّي للالتزام والدليل أنني ابدأ بشكل جيد.

  • لدي الوقت للتهيئة لكنني أفضل الكسل عندما تغمرني الفوضى.

  • تجهيز خيارات أكل أبسط للغداء يعني التزام أطول بالخطة.

  • اختلال نشاطي الرياضي وزيادة الوزن مرتبطان بشكل كبير بوجبة الغداء.

  • هناك رابط واحد واضح جدًا بين هذه العقبات، وهذا الرابط هو أنا!

إذًا، وبالعودة إلى الفكرة الأساسية في بداية التدوينة، التعامل مع الأشياء بشكل مختلف يعني هذه المرة اعتماد تغيير بسيط سيمتد تأثيره تدريجيًا على بقية نواحي حياتي.

وكانت التحليلات مرعبة! كيف وجبة الغداء فقط قادرة على صنع كل هذه الفوضى؟

بدأت أولًا باتفاق مع نفسي: ٣ أيام من الأسبوع التزم بتناول طعام محضر من المنزل (أعمل على تجهيزه يوم السبت أو الأحد)، واليومين الباقية وفي حال الضرورة والاضطرار يُسمح لي باختيار وجبة محضرة في مطعم أو مقهى.

هذا الترتيب مريح جدًا لي، ولميزانيتي. وجرّبته لمدة أسبوعين لكنني اكتشفت الثغرات التالية:

  • الأطعمة المعدّة في مطعم / أو مقهى قريب من مكان العمل صحية فعلا، لكنها مرتفعة السعر وهذا غير مناسب لخطتي المالية.

  • الخروج للمطعم / المقهى والمشي فرصة للنزهة والتفكير، لكنها تقتطع من يوم العمل واحتاج معها لتعويض الوقت الذي غادرت فيه المكتب.

الحل الثاني للمشكلة هو تغيير قائمة الوجبات التي أتناولها على الغداء وتبسيط طريقة تجهيزها، يعني يمكن أن تكون عبارة عن طبق سلطة مع زيتون وجبنة، أو شابورة وشاي، أو زبادي وفواكه وغرانولا.. إلخ. وأقول بسيطة لأنني التقط مكوناتها وأنا في طريقي للعمل. مثل جولة تسوق سريعة من ثلاجة المنزل، وقد أجد أيضًا بقايا من وجبة عشاء اليوم السابق وأقرر لاحقًا ما يمكنني إضافته إليها.

وفي المكتب لاحقا يتوفر لدي: فواكه طازجة، زبادي، خبز، وسخانة ماء وميكرويف. وهذا كافٍ لحلّ مشكلة حيرة الغداء.

الأمر الوحيد الذي ساعدني على نجاح الحلّ: الاستيقاظ قبل موعدي اليومي بـ ٣٠ دقيقة، نعم فقط ٣٠ دقيقة ساعدتني وغيرت نظامي تماما. انتهي من الاستعداد للخروج وأذهب للمطبخ وأعدّ وجبة الغداء، والفطور كذلك.

طبّقت الفكرة لما تبقى من شهر يناير، والأيام الأولى من فبراير والمفاجأة:

لم احتج لتناول الطعام من الخارج، وخسرت كيلوين خلال ١٥ يوم!

وما حدث أنني تدريجيًا تخلصت من مشكلة الغداء دون الحاجة لتجهيز مكثف للوجبات، وبلا خلل في ميزانيتي.

وبنفس الفكرة سأنتقل لمعالجة مشاكلي العالقة تدريجيا، أولا بإيجاد القاسم المشترك بينها، ثم اختيار تغيير بسيط، ومعالجتها بطريقة مختلفة لم اعتمدها من قبل.


قرأت خلال الأيام الماضية مقال لطيف عن كيفية التعرف على أصدقاء جدد عندما تنتقل لمدينة جديدة وأعتقد بأننا جميعًا وفي وقت معين من حياتنا احتجنا لمثل هذه النصائح. قد لا يكون الانتقال بالضرورة لمدينة جديدة، يمكن أن يكون مكان عمل جديد، أو حيّ. الفكرة هي كيف تجد أصدقاء ومعارف بعد انتقال جديد.

والكاتب يقترح التالي:

  • استكشف الصلات القديمة أو كما يسمّيها (العلاقات الخاملة) ويُقصد بها معارفك من فترة سابقة في حياتك. سواء خلال سنوات الدراسة، أو العمل، أو الشبكات الاجتماعية (صداقات افتراضية) فقد يكون من ضمن هؤلاء أشخاص تودّ تعزيز معرفتك بهم ولقاءهم في مدينتك الجديدة.

  • يمكن أن نجهز أنفسنا قبل الانتقال للمدينة بسؤال الأصدقاء والمعارف وطلب مساعدتهم في التعرف على أصدقاء جدد. قد يكون لهم زملاء أو أقارب في وجهتنا التالية وسيساعدوننا في التعرف عليهم واللقاء بهم.

  • استكشف الأنشطة والفعاليات التي قد تقابل من خلالها أشخاص يشاركونك نفس الاهتمامات والهوايات. الأمر الجميل في هذا أنّك لن تكون في وسط معارف مقرّبين، وخلال هذه الفعالية ستتحدث وتقترب من أشخاص جدد بلا انشغال أو خطط مسبقة.

  • لا تتوقف عن التواصل بمجرد إيجاد أصدقاء أو معارف. وهذه النصيحة بالذات طبقتها شخصيًا مع أنني كنت محظوظة بأنّ انتقالي للمدينة جاء على مراحل، وكان لدي مجموعة طيبة من الأصدقاء. مع ذلك، حافظت على فضولي واهتمامي بالتعرف على أشخاص جدد.

  • إذا تعرفت على زملاء عمل أو معارف عبر صداقات مشتركة لا تكتفي بمعرفة جانب محدد من حياتهم. مثلا زملاء العمل ونظرًا لرسمية المكان وضغط المهام قد تبدو علاقات مملة وغير قابلة للتطور. لكن لو اكتشفت جوانب أخرى من حياة الآخرين ستصبح رفقتهم محببة ومثيرة للاهتمام.


إذا كانت لديّ سمة شخصية لم تغادرني منذ أن تعلّمت الكتابة، ستكون تدوين أفكاري ويومياتي. هذا الأمر واضح لكل من يعرفني عن قرب، من زميلات الدراسة حتى رفاق العمل والسفر ولن تخلو حقيبة من حقائبي من قلم ودفتر.

أكتب خلال الاجتماعات، أكتب هواجسي، ومخاوفي، واهتماماتي. أكتب خطط السنة ويوميات السفر، وأكتب خلال جلسات العصف الذهني التي أصبحت لصيقة للعمل في مجال الكتابة الإبداعية.

خلال السنوات الخمسة الماضية ملأت مئات الصفحات بالتفاصيل، من تغريدات التسويق للمنتجات، ونصوص وسيناريو الفيديوهات الإعلانية وصولًا لمحتوى المواقع الإلكترونية وكلمات رؤساء الشركات والمسؤولين في قطاعات مختلفة. هذه الدفاتر كنزي، وذاكرتي المحفوظة ولوحة إنجازاتي في حال تعثرت التقنية.

كنت استقبل نظرات الاستغراب من مدراء المشاريع وزملاء العمل: لماذا تحبّ هيفا سلوك الطريق الأطول؟ اكتبي على طول في الملف، وهذا متعب حقًا! وكنت لا أملّ شرح وجهة نظري: أريد حفظ هذا كله لنفسي، بالإضافة إلى أن الكتابة بالقلم مسودتي الأولى وتساعدني على جمع الشذرات وترتيبها.

هذا التدوين قوّتي عندما يصر أحد ما على سرقة فكرة أو نسبها لنفسه، عندما تضيع جهودي في عمل الفرق الكبيرة ولا يلتفت أحد لما قدّمته. وهذا ما قد يصادفكم للأسف في مجالات تتطلب العمل الإبداعي لكنك لا تستطيع تسجيل الناتج النهائي باسمك.

قبل سنة أو أكثر طُلب مني كتابة محتوى رقمي لعدة منصّات لأحد العملاء. وضعت فيه قلبي وجهدي وساعات طويلة من البحث. ما حدث أن العميل استلمه لكنّه لم ينشر، لم ينشر حرف واحد من كل هذا الجهد. وعلى الرغم من أنني استلمت المقابل المالي كاملًا بلا نقص، لكنني لم أحصل على العائد المعنوي الذي انتظرته.

لم أجد أثر إلكتروني للمحتوى، والعميل لا ينوي نشره أو الاستفادة منه، ولم يكن هناك تنازل خطّي عنه من قبلي.

إذا يمكنني استخدامه لنفسي. لكن أين الملفات؟

عدت لدفاتري خلال نهاية الأسبوع الماضي، وبحث بلا توقف حتى وصلت للصفحات المطلوبة. وجدتها كاملة!

النصوص، وبطاقات الملاحظات، وأفكاري التي ساهمت ببناء المنتج النهائي.

موقف كهذا يذكرني بحبي للتدوين، تدوين كلّ شيء حتى وإن لم تكن تعتقد بأهميته الآن. خاصة إذا كنت تعمل في مجال يتطلب العودة للكلمات والصور. وقد يكون التدوين ضرورة قصوى إذا كنت تعمل في مجال يتفاوت فيه الالتزام بالأخلاقيات المهنية.

اتطلع دائمًا لقراءة تعليقاتكم ونصائحكم المجربة حول المواضيع المطروحة.

وأتمنى لكم بداية أسبوع طيبة ومُنتجة.

.

.

.

البحث عن توم ميلر

في نهاية ٢٠١٣م وبينما كنت أبحث عن فنادق جديدة ومناسبة للسكن في نيويورك، وصلت لفندق الهايلاين The Highline Hotel فندق صغير وهادئ لا تزيد غرفه عن ستين غرفة. لكن ما شدّني بالإضافة لموقعه وجمال تصميمه، الجانب التاريخي وراءه. مبنى الفندق يعود لبداية القرن التاسع عشر، وكان في الأصل سكن طلاب معهد لاهوتي. الغرف واسعة ولها مظهر سكن فعلا. الأقواس والقرميد وتفاصيل البناء القوطية الحديثة واضحة. لستُ متخصصة في المعمار طبعًا، لكنني بحثت لأتعلم أكثر. ووصلت خلال بحثي إلى مدونة توم ميلر – دايتونيّ في منهاتن، ووجدت معلومات مفصّلة عن المكان.

حجزت للسكن في الفندق لكن علاقتي بالمدونة لم تقف هناك. أصبحت اقرأ فيها عن مباني وتماثيل، وحدائق حول نيويورك. بعضها شاهدته فعلًا، والبعض الآخر لشدة حماسي له وضعته في قائمة للزيارة.

لم يكن توم يكتب عن الأماكن بطريقة عادية، كان يصف المبنى، ثم يحكي قصة بناءه، من صممه؟ من موّل البناء؟ ويسرد الأحداث الهامة التي مرّت على المنزل ويختم بحالته اليوم، هل ما زال موجودًا؟ من يسكنه؟ وغيرها من التفاصيل التي تبهج الفضوليين أمثالي.

في ٢٠١٥م زرت نيويورك وخلال تصفح مجموعة كتب عن منهاتن وجدته، كتاب البحث عن نيويوركوتنبهت لاسم المؤلف الذي اكتشفت إنه المدون توم ميلر. الكتاب بمثابة دليل مصور للجيب، مكتوب على نمط التدوينات الممتعة ومقسم على ضواحي منهاتن ليسهل عليكم اكتشافها.رافقني الكتاب في رحلاتي الثلاث التالية وقبل رحلة أكتوبر فكرت: حان الوقت للقاء توم ميلر!

توقعت إنه شخص مشغول، وقد لا يمكنه الجلوس للحديث مع أحد متابعيه.كتبت الرسالة الطويلة، وأخبرته بقصتي مع مدونته وكتابه، وأنني سأكون في المدينة بعد عدة أسابيع. لم يطل الوقت، وصلني الرد اللطيف على رسالتي واتفقنا على اللقاء يوم العاشر من أكتوبر.

كنت أريد أن أتعرف أكثر على هذا الانسان الذي يدون يوميًا بلا توقف، ويشغله موضوع واحد لا يخفت معه حماسه.

جلسنا وبيننا القهوة والفضول وحدثني بشغف عن أيامه، عن المحاضرات التي يعدها حول الوجه المعماري لنيويورك، وتاريخها من خلال الأبنية. ومشاريعه المستقبلية في كتب عن شيكاغو، ومنازل منهاتن المنسية التي هُدمت وضاعت معها قصصها.

لاحقًا أرسلت له مجموعة أسئلة ليجيب عنها أشاركها معكم في هذه التدوينة.

.

.

من هو توم ميلر؟

توم ميلر انتقل من دايتون أوهايو في ١٩٧٩م وحمل معه شغف البحث عن القصص والحيوات الشخصية وراء المباني. عمل كمدير مكتب في حي صناعة الملبوسات Garment District بمنهاتن، نيويورك. ليعمل لاحقًا في سلك الشرطة النيويوركية. وفي العام ٢٠٠٩م بدأ التدوين في مدونته دايتونيّ في منهاتنوالتي روى من خلالها قصة ٢٥٠٠ مبنى، وتمثال، ونقطة هامة في مدينة نيويورك. وفي العام ٢٠١٥م أصدر كتابه البحث عن نيويوركليصبح دليلًا هامًا لمكتشفي عمارة المدينة.

كيف بدأت هذه التجربة؟

كما أخبرتك خلال لقاءنا، عندما كان عمري ١١ سنة تقريبا كنت مع أحد الأصدقاء نستكشف عدة منازل مهجورة تركها أصحابها بسبب إنشاء طريق سريع مكانها. في تلك المنازل تأملت المتعلقات الشخصية والأثاث المنسي، والكتب. واكتشفت أنّ تلك المنازل كانت أكثر من مكان للسكن، كانت قصصًا تروى. لقد أثارت القصص التي قرأتها من تأمل هذه الأماكن فضولي. وأشعلت شرارة اهتمامي الأولى.

ما الذي يبقي اهتمامك بالتدوين مشتعلًا؟

تحفزني معرفة أن الكثير من الأشخاص يقرأون كتاباتي، وتلهمهم وتغير من الطريقة التي ينظرون بها إلى المباني من حولهم. يفكرون بتاريخها، ويرفعون أبصارهم لرؤية ما حولها.

هل تعتبر ما تقوم به مشروعًا إبداعيًا؟

نعم، ويأتي الجانب الإبداعي فيه من إحياء التاريخ؛ وهو أيضًا ما يلهمني.

هل تحصل على دعم من الجهات الثقافية والفنية في ما تبحث وتكتب عنه؟ (ما مدى سهولة البحث في المكتبات والوثائق الرسمية)

على الرغم من امتلاكي لمكتبة شخصية تحوي مجموعة لا بأس بها من الكتب المتخصصة في مواضيع البحث، إلا أنني أبدأ العمل على الانترنت. من خلال مكتبة الكونجرس، الصحف مثل النيويورك تايمز، وغيرها. بالإضافة إلى المراجع التي أصل إليها في المكتبات الرقمية العامة وتسهل علي البحث.

هل تعمل وحدك؟ وكيف كانت التجربة ستتغير لو استعنت على سبيل المثال بمحررين وباحثين متخصصين؟

نعم أعمل وحدي. في الحقيقة أتقن العمل وأنا وحدي. أما بالنسبة للمحرر فيعمل معي ومع الناشرين للتحقق من سلامة النصوص والصياغة ويعطي رأيًا ثانيا لما اكتبه قبل النشر.

هل تصلك رسائل من المتابعين يصححون لك معلومة أو يضيفون للتدوينات؟

طبعا! تصلني رسائل تصحيح أخطاء إملائية أحيانا، وأحيان أخرى تصحيح لمعلومة أو تفصيل غفلت عنه. يسعدني ذلك بالتأكيد لأنني أكتب عن التاريخ، ومن الضروري التحقق دائما من صحة التدوينات التاريخية.

سبق وتواصل معك شخص سكن تلك المباني، أو أحد أحفاد الساكنين القدامى أو ورثتهم؟

نعم، وأحب عندما يتواصل معي أقارب أو معارف من سكنوا في تلك المباني أو المنازل. ويصدف أن تكون هذه معلومة جديدة عليهم فلم يعرفوا من قبل أن قريبهم سكن هنا أو هناك، أو لم يسمعوا بالقصص والأحداث التي أحاطت بهم.

(هنا أتذكر قصة رواها لي توم عن بيت في شمال نيويورك سكن به الكاتب إدغار آلان بو وزوجته في استضافة إحدى الأسر. تواصل معه أحد الأحفاد بالصورة التي توارثتها العائلة وتجمع الكاتب بأجداده)

ما الذي تهدف إليه من التدوين حول هذا الموضوع؟ ما الذي تودّ تحقيقه؟

أهدافي بسيطة جدًا: أريد مساعدة الناس في تقدير المباني، والأماكن من حولهم. أريد أن يستيقظ اهتمامهم بتاريخهم الخاصّ.

لو كانت لديك نصيحة ذهبية تقدمها لمن يفكّر في بدء مشروع توثيق مشابه داخل مدينته، في أي مكان من العالم. ماذا ستكون؟

أقوى نصيحة أقدمها لمن يرغب بتدوين وتوثيق التاريخ. تحقق من المعلومات التي تكتب عنها. ابذل جهدا مضاعفًا في البحث ولا تعتمد على المصادر السريعة وطبعًا ويكيبيديا ليست خيار وحيد.

.

.

.

الإبداع التعاوني | Collaborative Creativity

خلال أربع سنوات من العمل في مؤسسات وإدارات إبداعية تعرفت على الكثير من نقاط ضعفي وضعف زملائي وزميلاتي. ربما كان أكثرها وضوحًا: صعوبة العمل في مجموعة! كثير من المبدعين بالضرورة يميلون إلى انتاج أعمالهم بشكل مستقل. يميلون للعزلة وحجب جهودهم حتى ينتهون من المنتج الأخير ويطلقونه أو يعرضونه للجمهور أو المتابعين أو العملاء. هذا مقبول جدًا إذا كنت لا تتبع فريق أو مؤسسة. مناسب إذا لم يكن هناك من ينتظر مساهمتك لاستكمال بناء فكرة أو مشروع. في المؤسسات التي عملت بها كان كاتب المحتوى الفرد الأول في فريق التتابع، ننتهي من النصوص ونمررها للمصمم الذي ينفذها ويمررها لمدير المشروع وإلى العميل في المحطة الأخيرة. عملية نقل الرسالة هذه تمر بمطبات كثيرة يمكن حلّها بمزيد من التفهّم والانتباه.

وأفكر دائما وأذكر نفسي ومن معي: لا يمكن أبدًا تطبيق ما أسميه نموذج حصة الإملاء عندما ينكفئ كل طالب على دفتره ويخفي ما يكتبه حتى لا ينقل زميله عنه. في العمل الإبداعي نحنُ مجموعة من مكعبات الليغو نصنع تجربة متراكمة تظهر بشكلها الأفضل ونتفوق جميعًا.

التواصل

البديهي في العمل أننا نتكلم، نتراسل، نحضر الاجتماعات. لكن هل نحن نتواصل بشكل جيد؟

نحتاج اليوم لرسائل أوضح، وصف للمشاريع أو ملخصات إبداعية أفضل. نحتاج للتواصل بأسئلة ذكية ومجدية لا تضيع وقت المجموعة أو تهدف للتنصل من مسؤولية ما.

الثقة

الثقة في أنّ العمل سيظهر بأحسن حالة دون تدخل منّا أو عنف أو تقريع للزملاء في حين اخفقوا. الثقة أنّ زميلك أو مدير المشروع لن يخذلوك. الثقة في أنّ أهدافكم مشتركة، لن يدهس أحدكم الآخر حرفيا.

رؤية مشتركة

نحتاج نعرف دائما ما هي المحصلة النهائية من كل هذا؟ كيف يأثر عملي اليوم على نجاح المؤسسة والفريق؟ ما هي الصورة الكاملة؟ نحتاج إجابة لكل لماذا؟في المشروع أو الفكرة الإبداعية التي نعمل عليها سوية. ويجب أن كون جميعًا إما متفقين أو مستعدين لمناقشة إجابات هذه الـ لماذا“.

الالتزام

في سباقات التتابع يلتزم كل عضو في الفريق بأداء أسرع ركضة في ١٠٠ متر. يركض بسرعته القصوى ويقدّم أجود خطواته للوصول لزميله وتسليمه العصا. تخسر الفرق التي لا يبذل كل فرد فيها أفضل ما عنده!

في مجال التسويق بالمحتوى مثلا: عندما يعبث الكاتب ويقدم محتوى ركيك، مهما كانت قوة التصميم سيتنبه العميل للخلل. ومدير المشروع بالضرورة لا يمكنه بيع الفكرة أو تمريرها إذا كانت مليئة بالثغرات.

تعلمت بالطريقة الصعبة كيف أن كسلي أو ترددي أو انتاج المحتوى بنصف حماسي أدّى إلى نتائج كارثية وإحباط لكافة فريق المشروع.

مشاركة المصادر والمعلومات

كيف يقدم كل عضو من أعضاء الفريق أفضل ما لديه إذا كان هناك تفاوت في مصادر المعلومات؟ هذا ما أحرص عليه دائمًا عندما يُطلب مني تنفيذ مهمة: أحتاج كل المصادر التي يمكنني الوصول إليها. وبعد الانتهاء من كتابة المحتوى، أمرره للمصمم مع أمثله مشابهة للنموذج التي أفكر فيها. أو أي ملف أو مصدر قد يحتاجه لتعديل أو ضبط الفكرة.

مراعاة اختلافات البشر

عملت في مجموعات كنت أشعر وسطها بالاضطراب والتردد والتوتر. وفي مرات أخرى كنت أجد نفسي قائدة ومتمكنة لا أخاف من شيء ولا يعرقلني أحد.ما فهمته من حالاتي هذه ساعدني على تفهم الآخرين. قد يمتنع البعض عن الكلام في جلسات العصف الذهني بسبب الخجل أو التردد وحتى لا نظلمهم نطلب منهم إرسال أفكارهم بالبريدالإلكتروني لاحقًا. أو نتبع منهج الجلسات المنفردة مع كل عضو one-on-one حتى نسمح لهم بالتعبير بكل أريحية.

للإبداع التعاوني فوائد عظيمة تنقل حتى أكثر المؤسسات ومجالات العمل ضجرًا إلى مكان جديد. ما تعمل عليها لشهور حتى تصل لنسخته الأفضل، يمكنك إنجازه مع فريق متعاون خلال بضعة ساعات. وأنا هنا لا أقلل من فائدة العمل المستقل أو استقلال المبدع بأفكاره ومشاريعه، لكن تجربة العمل المشترك شيء لن أتركه في الوقت القريب.

.

.

.

* هذه التدوينة كانت في البدء مجموعة ملاحظات قدمتها في حديث أسبوعي داخل الشركة. قد يتبعها تدوينات منوّعة في مجال الكتابة والعمل الإبداعي بشكل عام. تولد كل أسبوع من حوارنا داخل غرفة الاجتماعات. والسؤال هو كيف تصبح تجربة العمل المشترك أسهل وأمتع بالنسبة لكم؟

.

.

خطة محكمة للمشاريع الإبداعية

هذه التدوينة ولدت بعد تأملات طويلة لسنوات من العمل على الأفكار الإبداعية والنصوص. عملت على العمود الفقري لتسويق المنتجات، والخدمات، وبناء صوت للشركات والجهات الحكومية المختلفة. فعلت ذلك بكثير من الحماس، والتعب، والتخبط!و تمنيت لو كان لدي خطوات واضحة لأفعلها، أو طريق مرسوم ثابت لأمشي فيه. لم أجد هذا الطريق بعد، فالعمل الإبداعي يشبه اقتحام غابة سحرية.

كل يوم أجرب شيء جديد ولدي مجموعة من المفاتيح الأساسية التي تضبط عملي أشاركها معكم باختصار:

١انتخاب المشاريع الأفضل

بدلا من توزيع طاقتك على أكثر من مشروع إبداعي؛ اختر التي تجد فيها ملاءمة أكبر لتوجهك وطاقتك الحالية. قد تعبر طريقك فكرة مذهلة لكنّها غير مناسبة لامكانياتك الحالية خاصة إذا كنت تعمل بشكل مستقل وبلا فريق إبداعي مساند.

٢خيارات أكثر

كل فكرة إبداعية تبنيها أصنع لها عدة خيارات أو أوجه تنفيذ. هذا الجهد الذي تقضيه في التفكير وتجهيز بدائل سترى ثماره لاحقًا إذا قدمت الفكرة للعميل ورفضها، قدم خيارات أخرى وقد تعجبه أو تصنع مزيج من كل إبداعاتك وتتفقون عليه. غالبًا الخيارات تعطي انطباع بأنك اجتهدت وحاولت وغالبًا سيتنازل العميل عن شروطه في التكلفة أو الوقت ويوافق على فكرة تسيطر عليه تمامًا ويقرر الانطلاق بها.

٣لا تبالغ في التنفيذ

صحيح اقترحت أعلاه تجهيز واستكمال أكثر من فكرة، لكن إخراج العمل كاملًا لا يعني أنه نهائي! دائما سيكون هناك تعليقات من العملاء وإضافات، وربما نسف كامل لما قمت به. لذلك، اختصر الجهد وأظهر فكرتك بشكل جيّد إنما لا تستنفذ طاقتك. مسودة أولى في الكتابة، أو سكتش مبسط للتصميم كفيل بإيصال الفكرة الإبداعية والحصول على قبول لها.

٤ناقش فكرتك بوعي

خلال عرض مشروع أو فكرة أو نص أو حتى تصميم، ركز في محيطك، ركز في ردة فعل العملاء. كيف يتلقون هذه التفاصيل؟ كيف يتفاعلون مع العرض على الشاشة؟

هذا الوعي مثل فرقة إنقاذ، لو وجدت ثغرة في عملك أو بدأت بمناقشته مع العميل تنبه لردات الفعل فقد تنقذ مشروع أو فكرة قبل رفضها بالكامل. سأقوم بالتعديل هنا، حسنًا سنضيف بعض الألوان أو النصوص وغيرها من التعليقات السريعة الذكية.

٥تنبّه للتفاصيل

تقلقني دائما فكرة التقصير خلال أي مشروع إبداعي، وساعدت نفسي في هذا المجال بتوقع الأشياء قبل حدوثها. هذا جيد خاصة إذا كنت تتعامل مع جهة أو مشروع جديد عليك. العمل في شركة يعني أن كثير من الأفكار الإبداعية تذهب لعملاء مستديمين، ثلاثة أشهر أو ستة وأحيانا سنوات. لذلك نسبة المفاجآت منخفضة. لكن العميل الجديد يأتي بحماس ويطلب منك كشخص مبدع أو متخصص في مجالك العمل والانتباه لكل التفاصيل. يريد ألّا يحتاج لبذل الجهد طالما وظفك أو عينك لاتمام هذا المشروع. أسوأ ما يحدث هو أن يشير العميل كل مرة لتقصيرك أو يعلمك ما تفعل. راقب احتياجاته وجهزها قبل أن يطلبها.

٦تولّ مسؤولية الحفاظ على الذوق

واضبط الجودة كذلك.

لا أقول أنني تمكنت من هذا تماما اليوم؛ لكن في كثير من الأحيان أتدخل وأؤكد للعميل بأنّني الخبيرة هنا ويحتاج أن يستمع لرأيي على الأقل ثمّ يقرر.

سمعت هذا من كثير من الكتّاب والمصممين وكل من يعملون في المجال الإبداعي: نخجل في أحيانٍ كثيرة من وضع اسمائنا على مشاريع لأننا لسنا راضين عنها.

العميل غير المتخصص يفرض رأيه وحجته في ذلك أنا أدفع، أنا صاحب الشركة، هذا المشروع ابني الصغير.. وغيرها من التأكيدات على أحقيته بالحسم.

حاول مرة ومرتين ألا تستسلم لذلك. لكن بالمقابل لا تستخدم أسلوب الشدة والتباهي، هناك منطقة وسط للحوار.

٧عندما لا ينجح كلّ هذا!

قد نجد صعوبة في تطبيق هذه الخطوات كاملة. خاصة مع المشاريع المستعجلة والاستثناءات الكثيرة التي نمر بها كمبدعين مستقلين أو مقدمي خدمات نحتاجرضا العميل الكامل عن ما نفعله. نتمسك دائمًا بشيء مهم: الوعي والانتباه لكل ما نفعله حتى لو كان مستعجلًا. حتى لو كان لا يحقق لنا الرضا الكامل. وحتى لو بعد كلّ العناء لم يقبل به العميل.

.

.

.